كا
عبد الحميد العوني
الخميس 27 شتنبر 2012 - 17:04
بعدما قبل المغرب بكريستوفر روس جزءا من المسار الأممي، انطلقت
جولات الحوار الاستراتيجي بين المغرب وأمريكا متزامنة مع وصول " خوان
مينديز " المقرر الأممي الخاص بالتعذيب إلى المغرب، حيث ربط التوقيت بين
مقاربة واشنطن في الصحراء " الغربية " وحل مشكل حقوق الإنسان في الإقليم
وباقي المملكة بمنظمة بان كي مون، في مائدة واحدة والتزام واحد.
وأمام كل المغاربة ظهر العمل الأممي ـ الأمريكي واحدا في قضية الصحراء
بعد أزمة " كريستوفر روس "، وكشف خللا " استراتيجيا " في علاقة واشنطن
والرباط، تحاول اجتماعات الحوار الاستراتيجي في واشنطن معالجته، لتنتقل
وزيرة الخارجية الأمريكية بوضوح وشفافية إلى:
ـ نقل الحكم الذاتي من " التزام " إلى فعل.
ـ دعم الحقوق الكونية لجميع المغاربة، وهو ما يجعل " الحكم الذاتي " بمعايير عالمية.
ـ تسريع الحل الذي نادى به أوباما في الصحراء يبدأ من مبادرة الحكم الذاتي.
وحسب كلمتها، فإن جولات الحوار الاستراتيجي تترجم الالتزامات إلى أفعال
وتدافع عن الحقوق الكونية لجميع المغاربة، وتدعم الحكم الذاتي في الصحراء،
على أن المغرب الذي لا يرغب في توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق
الإنسان في الصحراء، يقبل بتوسيع مراقبة الأمم المتحدة على كل المغرب، ولا
يعرقل عمل المنظمات غير الحكومية الأمريكية في الصحراء " الغربية " وفي هذه
التقديرات، تحاصر أمريكا حكومة بن كيران لدعوة حزب العدالة والتنمية إلى
تطبيق مبادرة الحكم الذاتي من طرف واحد، وتعمل أن يكون المسار الأممي حاضنا
للتطورات على الأرض بما يفيد تسريع الحل، والبحث عن أفق تفاوضي لإنتاج
سلطة صحراوية تحكم إقليمها بما يضمن لها مستقبلا: توسيع صلاحيات المينورسو،
وتهييئ الساكنة لقبول الحل الذي يختارونه.
لقد انتهى على طاولة الحوار الاستراتيجي بين الرباط وواشنطن اعتبار
الحكم الذاتي سقفا للحل، ولا يمكن في المقابل أن يكون نقل الدولة المعلنة
من جانب واحد في المخيمات إلى داخل الإقليم أمرا " واقعيا "، لكن الإقليم
سيكون " لساكنته "، من خلال انتخابات حرة تديرها الأمم المتحدة بشكل كامل.
قبول المغرب بالدخول في مقاربة الحل الأمريكي في الصحراء تفيده في ربح بعض الزمن، لأن أمام الرباط خطة من شقين:
ـ اعتبار التواريخ " غير مقدسة " في أي اتفاق مع الصحراويين، إلا إن
اختاروا، في مقابل ذلك،عدم التوقيع على أي روزمانة خارج الأمم المتحدة.
ـ استفادة المغرب من دخول كل لاجئي المخيمات إلى إدارته، في إطار اتفاق
ترعاه أمريكا من أجل إنشاء سلطة صحراوية منتخبة، ونقل كل القضايا الشائكة
إلى البرلمان الصحراوي، المعترف بنزاهته أمميا وعالميا، وفي هذه الحالة
يمكن للمغرب قيادة تحول قد يفضي إلى إعلان الواقع الصحراوي " شكلا نهائيا
"، لكن أي تشبث بالأمم المتحدة وتوسيع بعثتها " المينورسو " وتوسيع إدارتها
من خلال الاتفاقيات بين الأطراف، قد يلجم عمل المملكة في الإقليم.
والرباط التي تخوفت من المقاربة الأمريكية في الصحراء تسارع اليوم للعب
من خلالها لربح استقرارها وإدارتها الإقليم ( المتنازع عليه ) من خلال
كتاب " ضمانات " أمريكية، لابد منه قبل الشروع في حكم ذاتي لا يسقط النظام ـ
بتعبير بولتون في إدارة بوش ـ.
وفي هذا الإطار، تساءل الرأي العام، لماذا أخذ يوسف العمراني دور وزير
الخارجية العثماني في الجولة الأولى إلى جانب ويندي شيرمان والجواب، لأن
الوزير المنتدب، قال صراحة، أن الخلاف الأمريكي ـ المغربي " خلاف حول
المقاربة وليس حول شخص " ـ ويقصد روس ـ ويرغب الجانب الأمريكي في " توضيح
أسس هذه المقاربة وأفقها " والاتفاق حولها مع الرباط، ولن يكون ذلك من غير
طي الخلاف المقارباتي مع أمريكا، ينطلق من نقطة " الديمقراطية وحقوق
الإنسان "، وهذه الأولوية لا تشمل الصحراء موضوع الخلاف، بل يسعى المفاوضون
المغاربة إلى النهوض بالممارسات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز
استقلالية المرأة على جميع المستويات ودعم دولة الحق والقانون، كما لخصها
العمراني.
إن الانطلاق من النقطة الجوهرية المثارة في الصحراء، وعبر الأمم
المتحدة من خلال قبول كريستوفر روس، ومن مقررها خوان مينديز يكشف أن المغرب
يريد:
ـ عدم توسيع عمل المينورسو ليشمل حقوق الإنسان في الصحراء، من خلال
توسيع المراقبة الأممية على كل التراب المغربي، وتأتي زيارة " مينديز " في
هذا الإطار، كما تأتي جولات الحوار الاستراتيجي مع أمريكا من ملف حقوق
الإنسان لإبعاد هذه النقطة عن أجندة روس، الأممية ـ الأمريكية.
ـ القبول بزيارات المنظمات الأمريكية للصحراء والمخيمات، وبدأ مركز كنيدي في المراقبة، فيما تتبعه " رايتس ووتش ".
قبول الأمريكيين بالانطلاق من موضوع حقوق الإنسان في الحوار
الاستراتيجي جعل المغاربة يبدأون من نقط تاكتيكية، ويفرغون الحوار من طابعه
" الاستراتيجي "، حسب معلقين أمريكيين، وانطلاقا من الأولويات المغربية
طالبت كلينتون بـ :
أ ـ تغيير الصورة النمطية للشريك المغربي، لرفض الخارجية الأمريكية
زواج القاصرات، لأنه صورة أخرى من " الاسترقاق " أو الرق الأهلي أو
المنزلي.
ب ـ رفض " الخصوصية "، التي يختبأ خلفها الخطاب الرسمي المغربي، في
موضوع حقوق الإنسان، ودعت بهذا الخصوص إلى دعم " الحقوق الكونية لجميع
المغاربة ".
ج ـ أن تكون الالتزامات أفعالا حكومية ويومية في حياة المواطنين، وترفض
واشنطن " الخطاب المتقدم " في حقوق الإنسان وموضوع الحكم الذاتي
للصحراويين دون تطبيقات على الأرض.
من جانب آخر، رفضت أمريكا تعديل اتفاق التبادل الحر الموقع بين
البلدين، تحت أي مبرر، ولم تخف حكومة بن كيران رغبتها في هذا التعديل، حسب
مصادر غربية، وفي ردها على هذا المطلب قدمت كلينتون مليون ونصف مليون دولار
لمحاربة الرشوة، ومؤتمرا حول الأعمال في بلدها قبل نهاية هذه السنة.
وقد تعمل الولايات المتحدة على فصل الأعمال والاستثمارات بين الصحراء
والمغرب، كلما تطورت سلطات الحكم الذاتي على الأرض، ومن الأساس، يمكن أن
يكون الاستثمار الأجنبي جزءا من الحل.
وفي كل الجوانب تعمل المقاربة الأمريكية في المغرب، وباتجاه الصحراء "
الغربية " على أبعاد استراتيجية، لا تحكمها البدايات التي تختارها الرباط،
لأن الكل يصب في اتجاه واحد، فلا يمكن تطوير حقوق الإنسان على المسار
الأممي في المملكة دون عودة اللاجئين الصحراويين، بضمانات المينورسو، ولا
يمكن القبول بالمقاربة الأممية دون حل تقبله كل الأطراف في الصحراء.
وفي الأوساط الأمريكية يبقى الخوف من أن يكون المغرب " ملتزم كبير
وفاعل فاشل " اتجاه كل المبادرات التي أطلقها لصالح شعبه، أو الصحراء،
وإدارة القدرة " المغربية " في الوصول إلى الأهداف جزء لا يتجزأ من خطة
كلينتون التي رفضت لقاء العثماني إلى أن سحب المغرب اعتراضه على روس، ودخلت
مقاربته ثنايا الحوار الأمريكي ـ المغربي.
أن القضايا التي أثارها كريستوفر روس في جولات مانهاست حول الصحراء،
تثار حاليا حول المغرب ككل في الحوار الاستراتيجي مع أمريكا، وبترتيب شفاف
ومنفتح، تريد واشنطن من حكومة بن كيران تحويل التزامها في الصحراء إلى فعل،
بشأن الحكم الذاتي، ووضع حقوق الإنسان في كل المملكة تحت " المراقبة
الأممية "، والمنظمات الأمريكية، وأن تباشر الحكومة كل " المهمات ".
وفي هذا الإطار، يمكن أن يدعم الحوار الاستراتيجي بين المغرب وأمريكا
حكومة بن كيران للعمل بقوة دون اهتمام كبير برد فعل اللوبيات ومراكز
النفوذ، لأن بناء دولة القانون يساهم في ممارسة رئيس الحكومة لكل صلاحياته.
وظهر واضحا أن كلينتون خاطبت بقوة الحكومة، وليس الملك، ولم نر القصر
في الحوار الاستراتيجي مع أمريكا سوى في مكالمة الملك محمد السادس لتعزية
الولايات المتحدة في قتل سفيرها في بنغازي، واصفا التطورات في مصر وليبيا
وتونس بالبالغة الصعوبة، ولم تصف واشنطن انتقال المغرب بالأقل تعقيدا، بل
ضمنته في رؤية بعيدة المدى وموجهة إلى كل الشرق الأوسط الكبير استعدادا حسب
ورقة أوباما لتشكيل قوى التغيير، ويحاول الهمة استباق هذه القوى بوضع حزب
الأصالة والمعاصرة في مقدمتها لاحتواء التغيير الذي تعد به أمريكا، ومولاي
هشام بقوله في نيويورك تايمز: في الملكيات العربية، التغيير بدأ... والرباط
تعتبر ضبابية لانتقالها الطويل والغامض، ومن انطلاقات متعددة ومن غير
نتائج إلى ملكية دستورية، مما فرض على واشنطن مواكبة الانطلاقة الأخيرة
للانتقال، والمتساوقة مع الربيع العربي بحوار استراتيجي للوصول إلى أهدافه
الكاملة.
إن أكبر ضمانة اليوم لاستمرار الحكومة المنتخبة في المغرب هو تقدمها في
الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، من جهة، لأن كل الشركات الفرنسية في
المغرب، تقاوم " بشراسة " حكومة بن كيران، إلى جانب الرأسمال التابع لها
ثقافيا أو ماليا.
ومن جهة ثانية، يعمل الفرنسيون على نفس السياسة ضد حكومة الجبالي في
تونس وبن كيران في المغرب إلى الدرجة التي أعلن فيها المرزوقي انزعاجه من
الصورة التي يتداولها الفرنسيون حول بلاده.
ونفس الترتيبات الإقليمية يخوض بها الفرنكفونيون حربهم ضد حكومة حزب
العدالة والتنمية، في انتهازية سياسية مؤثرة على اختيار المواطن البسيط.
إن الضغط الذي يخلفه مناهضو الحكومة الحالية ليس كبيرا، إن تواصل حوار
بن كيران الاستراتيجي مع أمريكا، وتمكن من تحقيق خطوات " غير مسبوقة
ومحسوبة " باتجاه الحكم الذاتي في الصحراء، وتقدم الرأسمال الأمريكي ليوازن
" السيطرة الفرنسية " التي خفت مع سياسات هولاند، ويمكن أن يزيد توازنها
إذا دخل الأمريكيون بقوة وفعالية على الخط.
إن المغرب يعيش " ضبابية
الإصلاح " إن سيطر " ضباب الثورة " على دول الربيع العربي ـ بتعبير ديفيد
إغناتيوس ـ وبناء ملكية ثانية من خطوات إصلاحية صغيرة " شئ صعب، وغير ممكن
"، وتقديم خلاصات عمل حول هذه الملكية الثانية في المغرب من خلال الحوار
الاستراتيجي مع أمريكا، مجازفة، لكن على الديمقراطيين أن يتحمسوا للمحاولة.
أولا، قراءة الإصلاح خارج المتن الفرنسي، الداعم لفساد المؤسسات
والإدارة، ومن خلال عقيدة عملية ويومية كما تدعو كلينتون، هو طريق ثان
وداعم لإصلاحاتنا، وإن اختلفنا أو اتفقنا في جودته.
ثانيا، تخفيف العداء لأمريكا، إذ تورط الإعلام الفرنكفوني في الدعاية السوداء ضد أمريكا من خلال المتطرفين الإسلاميين في لعبة معقدة.
ثالثا، دعم إسقاط الاسلاميين في الحكومة الحالية من خلال حلفاء فرنسا.
والتوجه الاستراتيجي لأمريكا، دون نسيان مصالح فرنسا أو مساسها، هو
القادر على خلق توازنات لا تجعل القرار في اتجاه واحد، قد يفشل في الصحراء
تماما، وقد ظهر الأمر واضحا في " أزمة روس "، حيث لم يتمكن هولاند بعد لقاء
محمد السادس من الوصول إلى مخرج...
اليوم، على بن كيران، أن يحمي خياراته، من توازنات شفافة ومنفتحة اتجاه
باريس وواشنطن والمصالح لوطنه، واستمرار حكومته بما يضمن لها إصلاحات يحس
بها المواطن في حياته اليومية.
وإلى الآن، لم يعرف المواطن البسيط من بن كيران سوى زيادة المحروقات،
وهو القرار الذي لا يمكن قبوله من حزب آخر، أو من مسؤول آخر، والمغاربة لم
يختاروا " الفوضى الخلاقة " طريقا لإصلاحهم، لكن تعقيد المسار قد يدفع أيضا
إلى المجهول.
الحوار اليوم، وبوجه استراتيجي مع أمريكا، يخدم توازنات " أمن الموجة
الإصلاحية " التي أوقفها المحافظون، وأرادوا مسح كل شئ أتى مع الربيع
العربي، وخطوتهم خطيرة، ولا يمكن القفز عليها.