** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عزيزة
فريق العمـــــل *****
عزيزة


التوقيع : الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط 09072006-161548-3

عدد الرسائل : 1394

تاريخ التسجيل : 13/09/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4

الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط Empty
12022016
مُساهمةالارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط

[size=34]لارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط[/size]
د. نادية سعد الدين
الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط 2016-635905087828645095-864
تأثرت أنماط تدخل القوى الدولية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، الرازحة تحت وطأة أحداث وتحولات حادة منذ زهاء السنوات الخمس تقريبا، بمتغيرات النظام الدولي إزاء التوزع المتغير للقوة العالمية، والحقائق البنيوية المغايرة، وموازين القوى الدولية المختلفة.
يأتي ذلك ضمن مسار تحولي "ملتبس"، قد يأذن بنهاية، أو سقوط، نظام دولي قديم نحو تبلور آخر جديد لن تستقر ملامحه أو تتضح قواعده إلا بعد فترة من الزمن، قد تطول أو تقصر، وفق ديناميات التغيير وسرعتها.  فإزاء صعود قوي دولية كبرى، مثل ألمانيا والصين، وتعافي روسيا الاتحادية لاستعادة مكانتها الدولية، بعد مرحلة من الوهن والتخبط، وإصرارها، مع الصين، علي التحول نحو القطبية التعددية، واستمرار تصاعد قوة اليابان، واستكمال القوة الشاملة للاتحاد الأوروبي، لم يعد نظام الهيمنة الأحادية مستمرا. وإذا كانت أمريكا لا تزال الدولة الأقوى في العالم(1)، أقلها علي المستوى التكنولوجي، إلا أنها لن تكون القوة الوحيدة الفاعلة(2)، في ظل جدل، لم يحسم أواره بعد، حول مستقبل المكانة الأميريكية في بنية النظام الدولي.

بينما أضحت المقومات الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والاتصالية المتطورة تشغل مكانها المعتبر في ديناميات التغيير، إزاء نظام كوني يتسم بالتشابك "العلائقي"، وسيولة تدفق القضايا العابرة لحدود ما بعد العولمة، والقاطعة لمسافات "القرية الكونية"، بما أنتجته من مؤسسات عالمية أممية، وشركات متعددة الجنسيات، ومتخطية القوميات، و"فورة" معلوماتية ومعرفية وتكنولوجية، وتنقل مؤثر للعنصر الأمني بين البيئات المحلية، والإقليمية، والدولية، حيال ما طرأ من اختلاف في أدبيات الصراع بشأن طبيعة الأطراف الداخلة فيه، لاسيما عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، والذي يشكل من منظور "الجغرافيا السياسية" نظاما جيوسياسيا عالميا جديدا(3)، حيث أصبح الصراع أو المواجهة بين نظام عالمي، مقابل جماعات وأطراف، وليس دولا، حتى وإن كانت داعمة لها، مما أبرز نظريات "نهاية الجغرافيا"، وفتح دائرة جدل، لا متناه، حول دور الدولة ووزنها في الساحة العالمية(4)، من دون أن يعني ذلك إلغاء الانشغال بالمحلي والقومي لمصلحة الاهتمام بالكوني.

وتعد منطقة الشرق الأوسط الأكثر قابلية للتأثر بإرهاص متغيرات النظام العالمي بحكم قدراتها وإمكانياتها المحدودة، وضعف تماسكها، لاسيما اقتصاديا وسياسيا، واتساع نطاق وعمق صراعاتها(5)، وأزماتها البنيوية العميقة، والتي تكشفت حدتها خلال الأحداث والتفاعلات الجارية في ساحتها، وتجلت مواطنها بين هويات وطنية (قطرية)، وقومية (عربية)، ودينية (إسلامية) متصارعة، ونزعات طائفية ومذهبية متنامية، و"تحركات" انفصالية، و"ولاءات" أولية استبدلت بالدين، أو القبيلة، أو العرق، الأمة وعاء حاضنا للهوية والانتماء، وحركات "جهادية" متطرفة تتقاطر تحت "حلم" إقامة الدولة الإسلامية، وجماعات مسلحة تتمدد في ساحات عربية بفعل التغذية الخارجية، مالا، وسلاحا، وعتادا.

ومع غياب الإطار الجمعي القادر علي حل الخلافات وضبطها، فإن النظام الإقليمي العربي بات، غالبا، مهيأ لبروز النزاعات البينية، ومهددا بالاختراق الخارجي، وظهور المحاور والأحلاف، وموئلا خصبا لأنماط متمايزة، وربما متضادة، من تدخل القوى الدولية الكبرى، تحت ذرائع أخلاقية، وإنسانية، وقانونية، أحيانا، فشهدت انكفاء أمريكيا لمصلحة "الانعطاف" نحو آسيا والمحيط الهادي، من دون مغادرة المنطقة كليا بحكم مصالحها الاستراتيجية، وحراكا روسيا نشطا لاستعادة مكانتها كدولة عظمي في بنية النظام الدولي، إدراكا منها للمأزق الأمريكي العام كقوة دولية، مقابل أدوار مؤثرة، ولكنها ليست حاكمة، مما فتح المجال أمام تحول في طبيعة التحالفات الإقليمية العربية والدولية، وتنامي أدوار فواعل إقليمية، متضاربة المنافع حينا إلي حد الخصومة، لاستثمار التغير، طبقا لمعطيات القوة فيها، مما يعني، في المحصلة، السير بالمنطقة نحو مزيد من عدم الاستقرار.

أولا - الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط:

شكل الإعلان الرسمي لسحب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011، ومن أفغانستان بحلول نهاية عام 2014، تحت وطأة المقاومة المضادة، طلائع الانكفاء الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، والأخذ بناصية النأي عن التدخل المباشر في أزماتها، من دون مغادرتها كليا، تزامنا مع صوغ مضامين توجهات جديدة للاستراتيجية الأمريكية في ساحة المنطقة.

قادت تلك "الانعطافة" في ترتيب مكانة الأقاليم الجيوستراتيجية، عند الإدارة الأمريكية، إلي تحول في طبيعة التحالفات الإقليمية العربية، وتنامي أدوار الفاعلين الإقليميين ضمن النظام الإقليمي العربي، واحتدام التوتر بينهم علي مقاليد النفوذ والسيطرة، والاصطدام أحيانا مع السياسة الأمريكية في المنطقة، فضلا عن فتح المجال أمام روسيا لاستعادة دورها في المنطقة، وتعزيز مكانتها في بنية النظام الدولي. ويتضح ذلك في المسائل الآتية:

أ- خرجت التوجهات الجديدة للاستراتيجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط من بين ثنايا أتون "الفوضي" غير الخلاقة، بطبيعة الحال، التي أوجدها الاحتلال الأمريكي في الساحة العراقية، منذ عام 2003 حتى ديسمبر 2011، أسوة بالحال مع أفغانستان، وسط تنامي تيار أمريكي لإعادة النظر في التوسع الأمريكي، وترتيب أجندة واشنطن تجاه الأقاليم الجيوستراتيجية في العالم، بعيدا عن الانغراق في إقليم الشرق الأوسط وحده، وتخفيف الاعتماد علي الحضور العسكري المباشر، صوب المزيد من توظيف "القوة الناعمة"(6).

وقد اندرجت سياسة التحول نحو منطقة الباسيفيكي الآسيوية، التي دشنتها الدبلوماسية الأمريكية بزيارة تاريخية لدولها الخمس، ممتدة من 29 أكتوبر حتى 1 نوفمبر 2015، أسفرت عن قرارات ذات أبعاد أمنية واقتصادية مهمة، ضمن سياق توسيع النفوذ الأمريكي فيها، لما تشغله من مكانة معتبرة في التفكير الاستراتيجي الأمريكي(7)، ومحاولة اختراق الحديقة الخلفية لروسيا، الممثلة في منطقة آسيا الوسطي، واستهداف احتواء نفوذ الصين المتصاعد، والتحكم في أحد أهم مصادر الطاقة تجاهها، لاسيما بعد توقيع موسكو وبكين بيانا مشتركا لإنشاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والحزام الاقتصادي "طريق الحرير" في 8 مايو 2015، مما يسمح بمساحة صدام مع كل منهما، فضلا عن استهداف تقييد سياسات الاتحاد الأوروبي واليابان، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة، في ظل تعزيز نزعة الاستقلال الأمريكي "الطاقوي"، عبر التخفيف التدريجي من الاعتماد علي نفط الشرق الأوسط، وتقليص وارداته بشكل عام.

ولا يعني الانكفاء الأمريكي عن واجهة المشهد الإقليمي العربي، صوب أقاليم أخرى تحمل مكانة وازنة في منظورها الاستراتيجي، انسحابا أو مغادرة الساحة، فهو أمر لم تعد واشنطن قادرة عليه، في ظل مصالحها الاستراتيجية المعتبرة في المنطقة، وأس الحفاظ علي الأمن والوجود الإسرائيلي، والحرص علي الإمساك، علنا علي الأقل، بتلابيب ملف الصراع العربي- الإسرائيلي، بعيدا عن المنابر الأممية والأوروبية، رغم غياب رؤية استراتيجية أمريكية واضحة لحله، وإنما إدارته فقط.

ب- أفضت المقاربات الأمريكية للأحداث والتحولات الجارية في منطقة الشرق الأوسط إلي "توتر" علائقي مع بعض دولها، نظير التراوح بين خانتي تشابك المصالح والقطع معها، مما سمح بتنامي أدوار قوي عربية وإقليمية علي حساب تهدئة الأوضاع، وتسوية الصراعات، وبتغيير طبيعة التحالفات البينية، وبانخراط روسي بدا حذرا قبل أن يئول فاعلا، فجر تقاربا مع واشنطن في ساحات، وتعارضا في أخرى، الأمر الذي أضاف أزمات مضاعفة في المنطقة.

فمن جانب، أدي الموقف الأمريكي من ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وما تبعها من أحداث لاحقة أسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي، الذي كان قد تولي رئاسة الجمهورية في 30 حزيران (يونيو) 2012، في أول انتخابات رئاسية تجري بعد ثورة 25 يناير 2011، إلي توتر العلاقات المصرية  الأميركية، نتيجة ما عدته واشنطن "انقلابا عسكريا" علي تولية جماعة الإخوان المسلمين مقاليد الحكم، مما تجسد في امتناع كبار المسئولين الأمريكيين عن المشاركة في حفل تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمبادرة بوقف المساعدات العسكرية المقدمة إلي مصر، بعد أن كانت قد هددت بإعادة النظر في المساعدات المالية، عقب ثورة 25 يناير، التي جاءت نواتجها "صادمة" ومخالفة لمقادير حساب الإدارة الأمريكية(8)، التي ظلت متمسكة بنظام الرئيس حسني مبارك أمام الثورة الشعبية المهيبة التي خرجت للمطالبة برحيله، رغم ما شاب موقفها حياله، والمماثل لحيثيات مغادرة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للبلاد، عقب "ثورة الياسمين"، من ظلال تساؤلية قاتمة حول تخليها عن حلفائها العرب بسهولة، بعد فشلها في تثبيت دعائم حكمهما، والذي أتبعته بموقف ضبابي، حد التوتر، من المجلس العسكري الذي تولي مقاليد السلطة في مصر، خلال المرحلة الانتقالية.

هذا التوتر العلائقي المصري - الأمريكي البيني، الذي لم يصل إلي حد القطيعة، وهو الأمر الذي تحرص واشنطن، كما يبدو، عليه، نظرا لمكانة مصر الاستراتيجية في المنطقة، وعلاقتها التاريخية بملف الصراع العربي  الإسرائيلي، قد دفع باتجاه مؤشرات تقارب مصري - روسي خجول، في ظل مسعي موسكو لشغل موقع واشنطن لدي القاهرة، واستعدادها لملء فراغ علاقتهما، عبر التسليح أو المساعدات، إزاء تعاون عسكري لم ينقطع بموجب الاتفاقيات الثنائية المبرمة، فضلا عن محاولاتها لضم مصر إلي جانبها، مع كل من إيران، والعراق، وسوريا، و"حزب الله"، في الحلف الذي أعلنت عن تشكيله لمحاربة الإرهاب، وتناولته مع طهران، خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التاريخية إلي إيران(9)، لبحث دعم حليفهما السوري المشترك، رغم التناقض التاريخي الثنائي، وتصاعد الخلاف حول سوريا، مثلما شكل "الحلف" موضع نقاش في الكرملين مع باريس(10)، عقب التفجيرات التي وقعت في فرنسا، وتحطم طائرة الركاب الروسية المدنية في سيناء التي أودت بحياة 224 شخصا، وذلك في إطار حراك روسي نشط تجلي في تدخل عسكري مباشر في سوريا، في 30 سبتمبر 2015، تجسيدا لدعم عسكري لوجيستي مادي لنظام الرئيس بشار الأسد.

بيد أن تحالفا بقيادة روسيا، يشكل موطئ قدم مباشرا لها في المنطقة، أمر يصطدم مع واشنطن، التي تقود، بدورها، منذ زهاء العام تقريبا، تحالفا دوليا من قرابة 50 دولة عربية وغربية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، والمتوجسة من الحملة الروسية في الأراضي السورية، مثلما قد يؤجج، في حال الانضمام المصري الرسمي إليه، فتيل الأزمة مع واشنطن، لاسيما بعد تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، والتي دعم فيها الضربات الجوية الروسية في سوريا(11)، مما قد يعرض، أيضا، بالتوازي، العلاقة المصرية - السعودية إلي هزة عنيفة، غداة دعم الرياض والإمارات السخي للرئيس السيسي، منذ توليه مقاليد السلطة، وارتياحهما لسقوط جماعة "الإخوان المسلمين"، الخصم التقليدي لهما، عن سدة الحكم، وتضادهما مع قطر، التي تقف في الوجهة المعاكسة، إلي حد بلوغ الخلاف الخليجي حافة التهديد بإجراءات عقابية ضد الدوحة، تحت طائلة تلبية مطالب التراجع عن دعم جماعة "الاخوان"، ماديا وسياسيا وإعلاميا، والتوقف عن الدعم المالي للحوثيين، ولجماعة الإخوان المسلمين، الممثلة في حزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، ودعم المجموعات الشيعية الشيرازية الإرهابية في البحرين، فضلا عن الاستياء من المحاولات القطرية المستميتة للإفادة من الوضع الداخلي المصري كمدخل مناسب لترميم عطب "قوتها الناعمة"، وإحياء مشروعها المساند للإخوان، بحسبانه جسرا لتعزيز نفوذها في المنطقة، بدعم تركيا، التي اتخذت، بدورها، موقفا مناوئا من ثورة 30 يونيو المصرية بحسبانها "انقلابا" علي الشرعية يستوجب إصلاحه.

ولا يعد المشهد المصري وحده موطن حالة الاستقطاب الخليجي البيني الحادة إزاء تقارب الدوحة مع طهران - في ظل توافق جمعي حول الخطر الإيراني علي المعادلة الأمنية الخليجية، ومحور قطر - تركيا - التي تعدها السعودية خصمها الإقليمي اللدود. ورغم انسجام الموقف القطري، ظاهريا، مع الموقفين السعودي والإماراتي من الأزمة السورية، التي اندلعت في مارس 2011، حيال التشبث بتنحي الرئيس الأسد عن السلطة سبيلا للحل، فإنه يتقاطع معهما لجهة توظيف تسليح المعارضة لمصلحة الإطاحة بالنظام السوري، وإقامة آخر حليف لها بدعم تركي، وإنشاء خط أنابيب عبر الأراضي السورية وتركيا لتسويق الغاز القطري إلي الدول الأوروبية بأسعار تشجيعية، مما وضعها في عين العاصفة الروسية، التي يقوم اقتصادها علي تصريف غازها باتجاه أوروبا.

يزيد من ذلك جسور التقارب الممدوة عبر خط واشنطن والدوحة، التي تستضيف بلادها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية خارج أراضيها، علي حساب توتر العلاقة السعودية -  الأمريكية، بعدما ارتفعت حدتها أخيرا في محطات فاصلة، أسوة بقرار التدخل العسكري، عبر درع الجزيرة، في البحرين، في 16 مارس 2011، لحسم الصراع القائم لمصلحة النظام الحاكم، بدون علم الإدارة الأمريكية وبمواجهة معها، وشن حملة "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015، باليمن ضد جماعة الحوثيين والقوات الموالية لهم، وللرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، بعيدا عن المباركة الأمريكية، وردا علي توقيع الاتفاق النووي الإيراني، في 14 يوليو 2015، بين طهران والقوى الكبرى في فيينا، والذي عدته الرياض ترجيحا أمريكيا لكفة إيران علي حساب دول الخليج العربية، مما أدي إلي تحرك عدد منها نحو روسيا وأوروبا لتعزيز العلاقات، وبناء تحالفات وتكتلات جديدة، من دون التخلي عن تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تعده ذا طبيعة استراتيجية طويلة الأمد(12).

غير أن مصفوفة التحالفات الإقليمية العربية، ذات المصالح المنسجمة والمتضاربة معا، والتي تتراءى في المشهد السوري، لا تتوقف عند المنظومة الخليجية وحدها بدون تجاوزها، الأمر الذي تتشابك أطره مع الساحة العراقية، حيث وجدت القوى الإقليمية، المتوجسة من النفوذ الإيراني المتعاظم بالعراق وسوريا والمنطقة، في الأحداث السورية فرصة للتأثير في موازين القوة الإقليمية، بعد الانسحاب الرسمي للقوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011.

هذا "القلق" من النفوذ الإيراني دفع بكل من السعودية، التي رأت فيه طوق تهديد محكما(13)، يمتد شمال شبه الجزيرة العربية في العراق والشام(14)، وصولا إلي التأثير في اليمن، عبر الحوثيين، وأيضا بتركيا، التي عدته "كماشة" ممتدة من حدود أرمينيا إلي ساحل المتوسط(15)، إلي استحثاث استلال القوة العسكرية للإطاحة بالنظام السوري، عبر تسليح المعارضة، أو بتدخل عسكري إقليمي أو دولي، لأجل تحويل دمشق من حليف لطهران إلي خصم مضاد، بما يشكل حائط صد لدورها الإقليمي المتعاظم(16).

ولا تعول تركيا كثيرا علي رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي تسلم دفة مهام الحكومة في سبتمبر 2014، في تحسين العلاقات الثنائية، التي توترت زمن رئيس الحكومة العراقية السابق، نوري المالكي، حول ملفات سياسته الطائفية، والعلاقة مع كردستان العراق، ومع إيران، والموقف من الأزمة السورية، وذلك نظير مؤشرات غير مشجعة قد تقطع الطريق علي هذا التوجه أمام تكريس النفوذ الإيراني في العراق، والذي عبرت عنه معطيات سياسية دالة، منها اختيار العبادي - وهو العضو القيادي في حزب الدعوة الذي ينتمي إليه المالكي، والذي يتمتع بامتدادات إيرانية - لطهران كي تكون أول محطة يزورها، منذ توليه مقاليد رئاسة الحكومة، وذلك في 20 أكتوبر 2014، عدا الزيارات الثنائية المتبادلة علي خط طهران وبغداد، وتصريحات العبادي المشيدة بدعم إيران لبلاده في الحفاظ علي أمنه ومحاربة "داعش"(17).

ويزيد من خطورة هذا التشابك العلائقي، بالنسبة للرياض وأنقرة، إصرار طهران علي عدم التراجع عن برنامجها النووي، رغم الاتفاق الذي وقعته مع القوى الدولية أخيرا، ومسعاها لتحقيق هدف الحصول علي مكانة القوة الإقليمية الأساسية في منطقة الشرق الأوسط (وفق مشروع رؤية 2020 الذي أعده مجلس تشخيص مصلحة النظام)، وعدم التوقف عن مساعي تعميق دورها في العراق، ووقوفها المؤيد لنظام الرئيس الأسد.

بيد أن الإحجام الأمريكي عن التدخل العسكري المباشر لحل الأزمة السورية أدي إلي نشوب خلافات سعودية، تعمقت بمرور الوقت، مع واشنطن، أسوة بتركيا، التي ظلت تعتقد بعدم جدية إدارة أوباما في إسقاط النظام السوري خشية الإضرار بمفاوضات الملف النووي الإيراني حينها، فيما ارتفعت وتيرة التوتر الحاد بين أنقرة وطهران إزاء الدعم الإيراني، إلي جانب "حزب الله"، لنظام الرئيس الأسد، قبل أن تدخل روسيا بثقلها العسكري، أخيرا، واجهة المشهد السوري.

ج- أربك صعود تنظيم "داعش"، وسيطرته علي مساحات شاسعة من العراق وسوريا، الحسابات السياسية للقوي المحلية، والإقليمية، والدولية، مثلما قاد إلي تدخل الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط مجددا، عبر قيادة تحالف دولي مضاد، وذلك علي أنقاض ما خلفه الاحتلال الأمريكي من دولة عراقية "فاشلة"، غداة حصارها جوعا لأكثر من عقد، والعبث بكيانها الوطني، ونسيجها المجتمعي، وإذكاء النعرات الطائفية والمذهبية، وتدمير البني التحتية، وفرض دستور، تم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر 2005، ضاعت من بنوده ملامح الهوية الوطنية، والعربية الإسلامية لمصلحة المكونات الفرعية(18)، من دون مغادرة ساحتها كليا، عبر صيغ احتلال اقتصادي لاستثمارات شركات أمريكية في مجالات حيوية، وزرع آلاف العاملين، منهم أمنيون، في سفارة الولايات المتحدة ببغداد(19). بينما استكملت حكومة الرئيس السابق، المالكي، نذر المحاصة الطائفية، وتشويه أس المواطنة، من دون أن يحل التغيير الحكومي، في سبتمبر 2014، كثيرا، التصدعات الداخلية الناخرة في استتباب أمن العراق واستقراره، بما يصعب معه استعادة لُحمة الوطن في المستقبل القريب.

ورغم مرور زهاء العام تقريبا علي تشكيل التحالف الدولي، منذ إعلانه بباريس في سبتمبر 2014، متسلحا بقرار أممي، فإن ثمة تساؤلات تحيط بالإنجاز الذي تحقق لاحتواء تنامي نفوذ تنظيم "داعش"، والقضاء عليه(20)، في ظل افتقاد الإدارة الأمريكية رؤية استراتيجية واضحة لمواجهته(21)، وحجم التناقضات بين أطراف الحلف، وتقاطع المصالح بينها، مثلما تجسد، ابتداء، في مسار المساومات التي جرت بين واشنطن وشركائها الرئيسيين في المنطقة عند تشكيله، بما جعل مهمة واشنطن غير يسيرة، ووضع استمراريته علي المحك.

وبدلا من التقاطر الجمعي الموحد حول محاربة تنظيم "داعش" المضاد، فقد طفت التباينات حول هدف التحالف علي سطح علائق أطرافه، أسوة بالخلاف الأمريكي- التركي، الذي تجسد في شروط تركيا للانضمام إلي التحالف، بعد تردد، حول إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، وإعلان منطقة حظر جوي(22)، وتسليح المعارضة "المعتدلة" السورية وتدريبها، مع حصول انفراجة في بعضها، ولكنه يعود أصلا إلي أولوية الجهد العسكري، بالنسبة لأنقرة، بعدم جواز قصره علي ضرب "داعش" من دون الإطاحة بنظام الرئيس الأسد(23)، الذي يتعارض بقاؤه مع جوهر المصالح التركية، وهو الأمر الذي لا تراه واشنطن يدخل في نطاق الحرب ضد التنظيم.

وينسحب هذا الموقف، إلي حد ما، علي السعودية، التي كانت أكثر حماسة للانضمام إلي التحالف، نظير ما يشكله التنظيم من خطر علي أمنها ومصالحها، بعد سيطرته علي مساحات شاسعة من سوريا والعراق، وصولا إلي حدود أراضيها، فضلا عن التحاق آلاف من الشبان السعوديين به. غير أن هاجس تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة ظل يلاحقها عند المسار التفاوضي مع واشنطن، مما تجلي لاحقا في خروج رئيس الوزراء العراقي السابق، المالكي، من السلطة، وإقرار مساعدات أمريكية للمعارضة السورية(24)، والموافقة علي تدريب مقاتلين داخل الأراضي السعودية وتجهيزهم.
في المقابل، أدي صعود تنظيم "داعش" إلي تقارب أميركي  إيراني، وصل إلي حد التنسيق الاستخباراتي واللوجيستي المشترك، وغير المباشر، في العراق(25)، رغم استبعاد طهران، ابتداء، من التحالف الدولي، وذلك في ظل الحاجة لنفوذها علي أطراف المعادلة السياسية العراقية نحو توحيد جهدهم ضد "داعش"، أمام عجز سلاح الجو الأمريكي بمفرده عن إلحاق الهزيمة به، ورفض إرسال قوات عسكرية برية إلي هناك، فضلا عن قلق واشنطن علي مستشاريها العسكريين في العراق من أي توتر محتمل مع إيران قد يرتد سلبيا عليهم.
ولاشك في أن هذا التعاون الثنائي يصب في مصلحة إيران باتجاه محاربة التنظيم الذي شكل ضربة قاصمة لمشروعها في المنطقة، عبر سيطرته علي مساحات شاسعة من العراق، وقطعه صلة التواصل الجغرافي بين طهران وحليفها في دمشق. إلا أن التنسيق بين الطرفين لا ينفي حالة الصراع بينهما، كما الاتفاق النووي الإيراني، رغم ما يسهم به من تقارب مفقود طويلا، وفتح فضاءات، سياسية واقتصادية، كانت مغلقة أمام طهران، في ظل محددات سعودية وتركية وإسرائيلية، كل علي حدة، تقف أمام النفوذ الإيراني المؤثر في المنطقة.

ثانيا - الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط:

ارتبطت الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مقارباتها لسبل التعامل مع التحولات الجارية ضمن ساحتها، بالمصالح الوطنية الاستراتيجية، واستعادة المكانة كدولة عظمي في بنية النظام الدولي، مما شكل عصب المسعي الروسي لتعزيز نفوذه في المنطقة.

وقد ارتكزت أبرز معالم تلك الاستراتيجية علي الخشية من تأثر الوضع الداخلي الروسي بموجات التغيير الديمقراطي التي تجتاح المنطقة العربية، مما يجعلها عرضة للانفصال، أو احتمال نشوب صراعات (عرقية، وقومية، ودينية، وحتى مناطقية)، تفضي إلي تفكك الاتحاد الروسي نفسه، والقلق من انتقال إرهاصات حراك التغيير إلي ساحات دول آسيا الوسطي، ولاسيما الدول الحليفة لها، مثل أذربيجان، وكازاخستان، وطاجيكستان، وبيلاروسيا، والتحسب من دعم حراك التغيير العربي، خشية وصول التيارات الإسلامية إلي سدة الحكم، أسوة بمصر، في ظل الوزن الديموجرافي والاقتصادي المعتبر للمسلمين فيها، فضلا عن المصالح الروسية المتنوعة في عدد من الدول العربية، والتي يعد بعضها مناطق نفوذ لها، مما يجعلها متمسكة بحمايتها، وصد أي تغيير قد يهدد نفوذها، في ضوء مساعي الدول الغربية لاختراقها والهيمنة عليها(26).

وتبعا لذلك، لم تتبن موسكو سياسة موحدة تجاه أحداث المنطقة، بل مواقف متباينة استندت إلي نهج واقعي (براجماتي)، وفق مصالحها العليا، فأظهرت استعداد الاعتراف بثورات معتملة في بعض الدول العربية، من دون التخلي عن مصالحها مع الأنظمة التي قامت ضدها، حيث أبدت، بداية، تحفظات علي الثورة المصرية، مع دعمها للرئيس مبارك، حتى قبل أيام من تنحيه عن السلطة. ومن ثم، مع تطور الأحداث، أيدت تطلعات الشعب المصري نحو الحرية والديمقراطية، بينما تسعي اليوم إلي مد جسور التقارب مع القاهرة، مقابل فاعلية أكبر في سوريا، إلي حد جعلها أبرز اللاعبين المؤثرين في ساحتها، بينما لم يكن موقفها مؤثرا في اليمن، وتونس، والبحرين، في حين نددت بعمليات حلف "الناتو" ضد ليبيا، ولكن سرعان ما تغير موقفها لجهة الاعتراف بالمجلس الليبي الانتقالي الوطني طرفا مفاوضا، وشريكا شرعيا في المحادثات حول مستقبل ليبيا، بعد ميل كفة الأحداث الليبية، من أجل تأمين مصالحها، لما لها من أهمية في استراتيجية الطاقة الروسية.

وتعد الأزمة السورية بالنسبة إلي روسيا فرصتها السانحة لاستعادة دورها الإقليمي في المنطقة والعالم، بحسبان دمشق حجر الزاوية في أمن المنطقة، ونقطة ارتكاز استراتيجية روسية، بما قد يؤدي سقوط النظام السوري أو، في أسوأ السيناريوهات قتامة، تفتيت البلاد إلي "كيانات"، فسيلحق بموسكو خسارة حليفتها المقربة بالمنطقة، ويضعها في خانة ضعيفة أمام المنافسة الجيوسياسية الدولية مع الولايات المتحدة، التي تؤسس، في المنظور الروسي، لشرق أوسط جديد، انطلاقا من مصالحها، علي حساب مصالح القوى الدولية الأخرى(27).
ومن هنا، جاء الدعم الروسي الثابت لنظام الرئيس الأسد، ضمن سياق حمايته، وحفظ منافذ الأسطول الروسي نحو البحر المتوسط في طرطوس، وصون المصالح العسكرية والاقتصادية، وتأمين حماية المسيحيين الأرثوذكس الموالين للنظام، لاسيما وأن الكنيسة الأرثوذكسية في سوريا أقدم من مثيلتها في روسيا، والأقلية الشركسية، المقدرة بنحو 100 ألف نسمة، والأقلية الأرمنية، في ظل عدم توافر الإمكانيات الروسية لاستقبالهم عند نزوحهم من سوريا(28).

بيد أن التدخل الروسي في سوريا أخذ مداه عسكريا، في 30 سبتمبر 2015، تحت عنوان محاربة الإرهاب، ضمن استراتيجية روسية تستهدف في المدي القصير حماية النظام السوري، واحتواء تقدم تنظيم "داعش"، والمجموعات المسلحة الأخرى، نحو مزيد من الأراضي السورية، وفرض المنطق الروسي في أي حل سياسي مستقبلي يتعلق بالأزمة السورية، وقطع الطريق علي أي تدخل عسكري خارجي في سوريا، لاسيما من تركيا والغرب(29)، بينما ترمي، في مدييها المتوسط والبعيد، إلي بناء قاعدة ثابتة في بلاد الشام، وإحياء العلاقات القديمة مع مصر والعراق، وجر أميركا وأوروبا إلي طاولة تفاوض تشمل أزمتي سوريا وأوكرانيا، من أجل فك طوق العقوبات، وحل القضايا المعلقة، وترسيخ الحضور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، واستعادة مكانة روسيا كقوة عظمي في بنية النظام العالمي.
وتقف كوابح رئيسية أمام تكثيف التدخل الروسي العسكري في سوريا، تتمثل في أوكرانيا، حيث لا تزال القوات الروسية متمركزة في مناطق الحرب ضمن ساحتها، وفي العنصر اللوجيستي، إزاء صعوبة نقل الدبابات والأسلحة الثقيلة إلي الساحة السورية، فضلا عن المواقف الإقليمية والدولية. فرغم أن الخطوة الروسية تتفق، في العموم، مع الموقف الإيراني الداعم للنظام الروسي، فإنها أثارت خلافا بينيا تسعي موسكو إلي تطويقه لكسب تأييد طهران إلي جانبه.

بينما يصب التدخل العسكري الروسي في خدمة المصالح الإسرائيلية، نحو إطالة أمد الأزمة السورية، وتقسيمها علي أسس طائفية وإثنية، وإخراجها من دائرة الصراع العربي  الإسرائيلي، مقابل اصطدامه مع موقف واشنطن، في ظل خلاف روسي  أميركي، كان من أبرز تجلياته اعتراض موسكو، مع الصين، علي أربعة قرارات لمجلس الأمن، كانت تستهدف بالأساس فرض عقوبات علي النظام السوري، مما يحول دون إمكان فرض عقوبات أممية علي سوريا مستقبلا، عدا التباين في الرؤيتين تجاه مسار حل الأزمة السورية بين دعم نظام الرئيس الأسد وحمايته روسيا، مقابل رفض بقائه في السلطة، ضمن إطار الحل السياسي، مما أدخل العلاقات بينهما في مرحلة تشنج واضحة ولافتة، أسوة بالعلاقات الروسية  التركية، التي تأزمت أخيرا بعد إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية ادعت أنها انتهكت مجالها الجوي، وهو الأمر الذي رفضته موسكو، مما دفع بالأخيرة إلي فرض حزمة عقوبات اقتصادية ضد أنقرة، التي لم تتقدم، بدورها، باعتذار عن الواقعة(30)، بما راكم خلافا مضافا إلي تباين رؤية البلدين حيال حل الأزمة السورية، أمام إصرار تركيا علي الإطاحة بالرئيس الأسد، قبل التوصل إلي أي حل سياسي في سوريا.

ثالثا - أدوار مؤثرة وليست حاكمة:

رغم المتغيرات الجارية في بنية النظام الدولي إزاء التوزع المتغير للقوة العالمية، والحقائق البنيوية المغايرة، وموازين القوى، والسياسة الدولية المختلفة، والتأثيرات الاقتصادية، والمالية، والثقافية، والعلمية، والتكنولوجية في ديناميات التغيير، فإن ذلك لم ينعكس إلا بوتيرة خجول، وربما مترددة وحذرة، علي تأثير أدوار بعض القوى الدولية الكبرى في قضايا منطقة الشرق الأوسط.

ويعود ذلك إلي عدة أسباب. فرغم الانكفاء الأمريكي، من دون الانسحاب أو المغادرة الكلية، في منطقة الشرق الأوسط، صوب فضاءات استراتيجية حيوية أخرى في العالم، فإنها لا تزال تحمل تأثيرا ما في كثير من القضايا، وتمسك بتلابيب أبرز ملفاتها، وفي مقدمتها الصراع العربي- الإسرائيلي، كما حدث أخيرا مع الملف النووي الإيراني. ورغم حدوث توتر في العلاقة بين واشنطن وبعض عواصم المنطقة، فإن دولها لا تزال تراهن علي القوة الأمريكية، في الجانب السياسي منها، بدون الالتفات نحو قوي دولية أخرى تعد تاريخيا صديقة للعرب وللقضية الفلسطينية، مثل الصين وأوروبا.

بينما لا يزال الاتحاد الأوروبي، الغارق في همومه الداخلية، يدور في الفلك الأمريكي، لاسيما السياسية البارزة منها والمتعلقة بالمنطقة، باستثناء الجوانب الاقتصادية.

وإذا كانت هناك وقفات صينية برزت أخيرا، كما حدث في مجلس الأمن عند الاصطفاف إلي جانب روسيا لصد تمرير قرارات مضادة لسوريا، فإن نفوذها السياسي في المنطقة، كما الدولي، لا يزال محدودا، أي أن قدرة الصين علي توجيه الأحداث الاستراتيجية الدولية لا تزال قاصرة، قياسا بالولايات المتحدة.

سيناريوهات محتملة:

لاشك في أن تدهور الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط يعود أساسا إلي عوامل داخلية. غير أن تحديات التدخل الخارجي التي تحول دون تحقيق التقدم والاستقرار لا تزال قائمة اليوم، عبر مخطط التفتيت وفق أسس طائفية وعرقية، فيما تحاول قوي إقليمية ودولية استثمار بعض التفاعلات المرتبطة بحراك التغيير العربي، والخلافات القائمة داخل وبين الدول العربية والإسلامية لجهة تعميقها، ودفعها إلي مستوى التناقضات الرئيسية، وتفجيرها كلما كان ذلك ممكنا من أجل السيطرة.

وتبعا لذلك، من المرجح استمرار عدم الاستقرار في النظام الإقليمي العربي(31)، حيث تحتاج عملية التغيير والإصلاح المنشودة، وعودة الاستقرار للمنطقة إلي سقف زمني، يقدره خبراء بقرابة خمس إلي سبع سنوات علي الأقل، وأحيانا من عشر إلي خمس عشرة، فيما سيكون للمسار المصري الأثر الأكبر علي اتجاه التحولات في بقية الدول العربية، نظرا لمركزية مصر في البنية الإقليمية العربية.

وأمام التراجع في القوة الأمريكية، والانكفاء، دون الانسحاب، عن منطقة الشرق الأوسط، صوب فضاءات استراتيجية وازنة، وإزاء الانشغال الأوروبي بالهموم الداخلية، فإن روسيا تنتهز الفرصة لتعزيز نفوذها في المنطقة، عبر البوابة السورية، واستعادة مكانتها كدولة عظمي في بنية النظام الدولي.

غير أن التحول في المفهوم الأميركي لمتغيرات القوة سيقود إلي تغير في أدوات إدارة التنافس الدولي علي المنطقة، في المديين المتوسط والبعيد، لكن ذيول الاستراتجية الأمريكية القديمة ستبقي في المدي الزمني القصير تلوح من بين مؤشرات استراتيجيتها الجديدة(32).
وقد لا تستمر العمليات العسكرية الروسية في سوريا إلا لأشهر قليلة، وربما أكثر، من دون أن تصبح واسعة النطاق، بقدر أفغانستان. ولكن إذا لم يجر التوصل إلي حل سياسي مع موسكو في سوريا، فإن الأزمة قد تطول بلا أفق قريب، مما قد تضطر الولايات المتحدة معها إلي تغيير استراتيجيتها في سوريا، وربما في الشرق الأوسط عموما.

ولا يبدو مشروع تقسيم سوريا حاضرا، اليوم، بقوة في الأجندة الأمريكية الغربية، إزاء محاذير إحياء فكرة تقسيم العراق، التي طرحت أمريكيا قبلا، والتي لا يريدها أحد لتنافيها مع مصلحة الداخل العراقي، والمحيط الإقليمي، والدول الغربية، وتداعياتها الخطيرة الممتدة. بيد أن جل ما تريده واشنطن هو التخلص من النظام السوري الحاكم، والإتيان بآخر يناسب مصالحها.

في حين قد يعزز الاتفاق النووي الإيراني من تنامي مكانة طهران، سياسيا واقتصاديا، بحيث يصبح لها دور في تسويات نزاعات المنطقة، بما سيتسبب في مزيد من تشقق جدران مجلس التعاون الخليجي باتحاه خرائط تحالفات أو تعاون جديدة، في ظل صراع إقليمي تركي - إيراني -  إسرائيلي للسيطرة علي "الدولة المركز" في المنطقة، وتنافس تركي -  إيراني  تجسد في بناء "كتلة سنية" تقودها تركيا لمواجهة "كتلة شيعية" تقودها إيران، وخشية عربية من مسعي إحياء "العثمانية الجديدة" في المنطقة.

وأمام تفكك أواصر العالم العربي، وتفشي بؤر ثغراته العميقة، وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ستبقي تنظيمات مسلحة متطرفة، مثل "داعش" الذي لا مستقبل له، تتغلغل بين ثنايا الفراغ، بينما ستستمر حملات محاربة الإرهاب، التي تقودها الولايات المتحدة منذ سنوات، من أجل رسم خطوط جيوسياسية جديدة في المنطقة، وفق رغبات وخطط القوى الغربية(33).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

الارتباك الاستراتيجي: اقترابات القوي الكبري في منطقة الشرق الأوسط

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» التحالف الاستراتيجي الروسي الإيراني لإقتسام غنيمة الشرق الأوسط الجديد
» الانتقال الجيواستراتيجي للقوة نحو الشرق و مستقبل التنافس في منطقة آسيا المحيط الهادئ
» هل ضعفت الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط؟
» التطور اللغوي في الشرق الأوسط -----
» أي مستقبل ينتظر الشرق الأوسط

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: استـــراجيــات متحـــــــــــــــولة يشاهده 478زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: