الحل فى سورية
عبد الحليم قنديل
2012-09-02
هل ثمة فرص حقيقية للحل في سورية؟ وهل تجدي مبادرة الرئيس المصري محمد
مرسي بتكوين لجنة رباعية من مصر والسعودية وتركيا وإيران؟ وهل ينجح الأخضر
الإبراهيمي فيما فشل به سلفه كوفي عنان؟
لاتبدو القصة سهلة خاصة أن
الرئيس السوري بشار الأسد لا يزال يعول على ما يصفه بالحسم العسكري، ويصف
الانشقاقات الكبرى عن نظامه ـ في حواره مع قناة 'الدنيا' ـ بأنها عملية
تنظيف ذاتي للدولة والوطن، وهو تفسير عجيب لرجل يراوغ نفسه ولا يرى حقيقته
كديكتاتور وحشي يقتل شعبه بدم بارد، يحرق القرى ويدمر المدن ويطرد مئات
الآلاف من السوريين إلى خارج حدود بلادهم، ويشرد الملايين في داخلها وينتهي
بعشرات الآلاف من السوريين إلى مصير القتل، ويوقع أضعافهم جرحى ومعاقين
ومشوهين، وينشر الخراب في سورية الجميلة والتي تحولت أغلب مدنها وقراها إلى
أطلال ثم يجلس بشار على قمة الخراب كنيرون الذي أحرق روما وراح يغني على
قيثارة جنونه.
لايفكر الرئيس بشار في سورية بل فى نفسه، ولا يدرك أنه
صار عبئا على مستقبل سورية وسلامتها ووحدتها، ولا يخطر بباله أن يتنحى
ويترك الحكم طوعا وحتى يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وفتح الطريق لتسوية
ومرحلة انتقالية إلى سورية ديمقراطية، وهكــــذا يتفلت الوقت وتستمر
المذابح وتغرق سورية في بحر من الدماء، ومع انكشاف فعلي للأراضى السورية
يتيح للقوى المتربصة أن تتدخل وأن تفرض وضعا أسوأ في سورية يحولها إلى
مناطق نفوذ لأطراف إقليمية ودولية، ويفتت وحدتها الترابية وينشر سعار
الحروب الطائفية التي لا تنتهي، وقد بدأها بشار بصورة مفزعة، وحول هدف
بقائه إلى معركة طائفية شرسة، يستند فيها إلى قاعدة طائفية ضيقة وتستهدف
إفناء السنة السوريين، وهم عماد التكوين السوري متعدد الطوائف ويشكلون ما
يصل إلى ثمانين بالمئة من أهل سورية.
ومع إغراق الوضع كله في بحور
الدم لا تبدو من فرصة لحوار بين القاتل والمقتول، خاصة أن الشهداء والجرحى
والمعاقين واللاجئين والمشردين لايجدون أحدا يعبر عنهم فالثورة ـ بالأساس ـ
هي ثورة الشعب السوري والضحايا من أبناء الشعب والذين لا يحركهم فصيل
بذاته ولا جماعة معارضة بعينها، وقد بدأوا ثورتهم الباسلة بصورة سلمية
تامة، وعلى نحو تلقائي من 'درعا' مهد الثورة، ثم انتقلت الشرارة إلى غيرها
من القرى والمدن إلى الشمال والشرق ثم إلى القلب في ريف دمشق وظلت الثورة
على سلميتها شهورا طويلة تقدم التضحيات وتفتح صدور أبنائها وبناتها لرصاص
النظام الدموي، ولا ترد بطلقة، وإلى أن تكونت جماعات من الشباب تحمل السلاح
بهدف وحيد وهو حماية المظاهرات السلمية، وكان ذلك التطور عند هذا الحد
مفهوما ومعقولا، وإلى أن دخلت على خط الثورة فكرة العسكرة وتحويل التحركات
السلمية إلى حرب دموية، وكان ذلك خطأ تراجيديا أطلق يد النظام فى استخدام
الجيش السوري المدجج بأحدث أنواع السلاح ونشر الخراب في كل مكان، وبدت
دواعي الانزلاق إلى السلوك العسكرى مفهومة في قرى ومدن بذاتها تعرضت لحملات
سحق طائفي من الجيش المسيطر عليه طائفيا.
وكان مفهوما أن تتكون جماعات
مسلحة تدافع عن الناس وتصد الهجوم الوحشي، وتستوعب الضباط والجنود المنشقين
في إطار نظامي ما، لكن دول جوار وقوى إقليمية خليجية بالذات، وبدعم محسوس
من الغرب عموما، ومن واشنطن بالذات، كل هذه الأطراف التي لا تريد خيرا
لسورية ولا تتحمس لثورتها وأشواقها في طلب الحرية وتريد أن تحول الثورة إلى
مأساة، كل هذه الأطراف قدمت دعما موضوعيا للنظام لا للثورة ووفرت له الحجة
لدعم دعواه بوجود استهداف خارجي يبرر له استخدام قوة الجيش المفرطة لردع
ما يسميه 'عصابات مسلحة' يدعمها الآخرون، وبعبارة أخرى وفرت هذه الأطراف
للنظام صورة 'العدو المناسب' خاصة أن دولا كقطر والسعودية تدعم بالمال
والسلاح ويصعب اعتـــبارها أمثلة ديمقراطية تحتذى بل هى نظم ديكتاتورية
ووراثية أسوأ من النظام السوري نفسه وقد ندعي أن مثل هذه الأطراف بسلوكها
وهيئتها السياسية دعمت قضية النظام وبأكثر مما تدعمها الأطراف الحليفة
للنظام كروسيا والصين وإيران، وهكذا تكالب الكل على الثورة وحولوا الصراع
في سورية إلى صراع على كعكة سورية .
وبالطبع لايمكن إعادة الأمور إلى
ما كانت عليه، ولا يصح التعميم فى أحوال جماعات مسلحة مختلفة الهوى، فثمة
جماعات حملت السلاح بدافع ثوري محض وبدواعي لوجيستية وجهوية وفي سياق من
الرغبة في حماية الأهالي والمتظاهرين السلميين، وهذه لا يمكن مساواتها
بجماعات مريبة حقا ومن نوع جماعة 'القاعدة' وأخواتها، وهي خطر حقيقى داهم
على سورية الآن وفي المستقبل وتنافس في وحشيتها وحشية النظام السوري الذاهب
إلى زوال أكيد، وتشكل تحديا لسورية الديمقراطية المأمولة، وربما لذلك تبدو
الدعوة لوقف العنف اختبارا حقيقيا، وإذا جرت الاستجابة لها من جانب
الثوريين المسلحين فسوف تنكشف الجماعات المشبوهة، والتي لا تؤمن لا بثورة
ولا بديمقراطية ولا حرية، وتسعى للتدمير من أجل التدمير ونشر الحروب
الطائفية في كل مكان، وتماما كما يفعل النظام الطائفي المسعور.
وإذا
توقف العنف، وبقرار حاسم من جانب الجماعات المسلحة المنتمية حقا لقضية
الثورة، لو حدث ذلك فسوف تعود الثورة إلى خطتها السلمية المتفوقة أخلاقيا،
وتتخلق البيئة المناسبة لخلع بشار ونظامه، ووقتها قد لا يكون المطلوب إجراء
حوار فات أوانه مع النظام بل تحدي النظام في أصل وجوده، والتركيز على
مبادرة وحيدة للثورة وقوى المعارضة المنتمية حقا إلى روحها وهي طلب إجراء
استفتاء شعبي حر على تنحية بشار، وعلى أن يجرى الاستفتاء بضمانات رسمية
وشعبية من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي،
تكفل النزاهة التامة لعمليات التصويت والفرز، وإعلان النتائج ونثق أن
النتيجة وقتها ستكون قرارا شعبيا بخلع بشار وتنظيم انتقال سلمي إلى سورية
الديمقراطية