تاريخ التسجيل : 26/10/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
07072012
قوى خفية تتحكم بالمورثات والتطور
قوى خفية تتحكم بالمورثات والتطور
كان يسود الاعتقاد ان الجينات هي الشفرة السحرية التي تتحكم بمصيرنا البيلوجي، غير ان الجينات ليست الوحيدة المسؤولة عن التحكم فيما ما نملكه من خصائص وما نورثه لاحقا الى الاجيال. الى جانب الجينات وخارج سيطرتها تقف ميكانيزمات اخرى فارضة تحكمها حتى على الجينات نفسها. هذه القوى تسمى epigenetiska modifikationer, وتقوم بتنشيط او تحييد الجينات او مايطلق عليه اسم gene-knockout, وتفيد للتمكن من الاستحصال على خصائص جديدة بالتماس مع عامل خارجي، الطعام مثلا، يمكن نقلها الى الاجيال القادمة. هذا الاكتشاف سيغير وجه البيلوجيا من جديد.
عند الاخوة التوأم الناتجين عن بيضة واحدة يكون لهم جينوم واحد وبالرغم ذلك يمكن ان يملك احدهم جين يحمل مرضا وراثيا في حين نجد ان الاخ الاخر يملك جينات معافاة. كما ان بعض الامراض الوراثية تعتمد تماما على فيما إذا كانت الجينات قد ورثناها من جهة الاب ام من جهة الام. في بعض الحالات يمكن للعوامل البيئية ان تؤدي الى نشوء خصائص جديدة تتحول الى وراثية يمكن توريثها الى الاجيال القادمة.
فقط الان اصبح العلماء قادرين على فهم قدرة الجسم على تغيير الشيفرة الجينية بحيث تجُبر الجينات على تغيير سلوكها. هذا الامر لايدخل في اطار الطفرة، إذ ان تسلسل الشيفرة الاصلية لم يجري عليه تبدل، ولكن مجموعة من الميكانيزمات فيما يعرف بإسم epigenetiska modifikationer هي التي تقوم بالتحكم بالجينات فتنشطها او تجعلها حيادية خامدة. التحديث الذي يقدمه هذا الميكانيزم ثابت ويمكن ان ينقل من خلية الى اخرى في كل مرة يجري فيه الانقسام الخلوي، بحيث ان الخاصية الجديدة التي جاء بها تصبح دائمية. هذا الامر يعطي إمكانية حقيقية للتخلص من مجموعة من الجينات الغير مرغوب فيها او التي لم يعد هناك حاجة اليها، وبالتالي التخلص من الحاجة الى إضاعة موارد في التحكم بهم في كل مرة تجري فيها عملية الانقسام. وإذا حدثت تغيرات تعيد الحاجة الى الخصائص التي كانت تقدمها تلك الجينات، تبقى الامكانية موجودة لإعادة تنشيطهم من جديد.
Epigenetics ميكانيزم لاغنى عنه في عملية نمو الخلية منذ لحظة التلقيح وحتى النضج الكامل. جميع الخلايا عند الفرد تملك المكونات نفسها، بغض النظر عما اذا كانت خلايا شعر ام خلايا دماغ. حتى لاتتحول الخلية التي عليها ان تنتج الدماغ الى شعر داخل الدماغ يقوم ميكانيزم epigenetiska modifikationer بإغلاق جميع الجينات التي لها علاقة مع الشعر. بمعنى اخر فأن الخلايا التي ستقوم ببناء الدماغ تفقد القدرة على بناء الشعر مع انها لازالت تحتفظ بالجينات التي تحمل شيفرة الشعر، وهذه القدرة على ابطال فعالية بناء الشعر في الدماغ يجري توريثها الى بقية الحلايا المنشطرة بما فيها الجنسية التي تقوم بتوريث الصفات الى الاجيال.
بهذا الشكل يصبح الجينوم مختص فرديا، وفي اغلب الحالات يكون من المستحيل على الخلية استعادة اي إجراء تفقده بسبب هذا الميكانيزم. إضافة الى ذلك فأن هذا الميكانيزم هو احد اهم الاسباب لنشوء المشاكل في محاولات العلماء للقيام بالاستنساخ. لكون الخلية التي يجهد لاستساخها تجد صعوبة في " نسيان" اختصاصها الطبيعي الاصلي لتغلق الجينات الغير مرغوب فيها.
gene-knockout
ليس مهما فقط لعملية نمو الفرد بل نحتاجه لمنع الازدواجية، إذ يوجد حوالي 1000 جين يجب ان يضمن هذا الميكانيزم اغلاقهم لوجود نسختين مختلفتين منهم قادمتين احداهم عن الاب والاخرى عن والام. في هذه الحالات يكون احدى النسختين فائضة عن الحاجة الامر الذي يجعل وجودهم مجلبة للضرر اذا لم يجري تحييد احداهم. هذا التحييد يجري منذ اللحظة الاولى لتلقيح البيضة، ويعرف في علم المورثات بالصفة السائدة والصفة المتنحية.
احيانا يجري خطأ فتبقى كلا الصفتين في حالة نشيطة او كلاهم يجري تعطيلهم. هذا الامر يمكن ان يؤدي الى امراض نادرة مثل مرض عصبي يسمى Angelman, من مظاهره ان المريض يجد صعوبة في تحديد حركاته والسيطرة عليها بدقة. المرض يحدث بسبب خطأ في الكروموسوم 15، الذي عادة تكون النسخة القادمة من الاب جرى تعطيلها، ولكن اذا لم يحدث التعطيل او ان نسخة الام لم يجري تعطيلها ايضا يظهر المرض.
لايعني وجود المرض الوراثي انه قد حدث بسبب طفرة في المورثات، حسب ماكان يعتقد سابقا. الخطأ في ميكانيزم الصفة السائدة والمنتحية يمكن ايضا ان يؤدي الى نشوء مرض متشابه مع ماينشأ عن الطفرة، ولكن هذه التغير عبر هذه الظاهرة لم يجري وراثته عن الاباء والامهات ولايتم توريثه الى الابناء والبنات. لهذا السبب توجد حالات نجد فيها ان الامراض الوراثية يمكن ان تكون عند احد التوأمين من بيضة واحدة، على الرغم انهم يملكون جينوم واحد. في بحث جرى عام 2005 اظهر ان جينوم التوأمين يزداد اختلافا مع الاعوام، وهذا الاختلاف بتأثير ظاهرة gene-knockout وهذا يفسر اسباب الاختلاف في الشكل الخارجي وقدرات التوأمين المختلفة على مقاومة الامراض.
خاصية التحييد القادرة على اغلاق جين، تحدث عادة بفضل ان DNA في الجين المعني يحصل على كمية كبيرة من مركبات مجموعة الميثيل. مركبات الميثيل تتكون من ذرة كربون متحدة مع ثلاث ذرات هيدروجين. عندما تتحد هذه المجموعة مع السلسلة البيبيتدية تمنع قراءة الشيفرة من خلال منعها للانزيم المفروض به قراءة هذا المقطع من السلسلة البيبتدية. في غالب الاحوال نرى هذا الميكانيزم في التطبيق منذ المراحل المبكرة للانقسام الخلوي، وبفضل ميكانيزم خاص يجري توريث هذه الصورة الى الخلية التالية مع كل انقسام جديد.
وعلى الرغم من ان روابط مجموعة الميثيل مسؤولة عن نفسها وجوديا الا انها قادرة على تغيير نفسها عبر فترة حياة الفرد. نرى ان الجين الذي لم تعد له ضرورة في احد الانسجة المعينة يحصل على جرعة اضافية من من مجموعة الميثيل بحيث ينطفئ تماما، في حين نسيج اخر قد يحتاج في لحظة ما الى حين غير منشط يستطيع ابعاد قسم من مجموعة الميثيل وبالتالي يعيد الجين الى الحياة من جديد.
كقاعدة عامة يجري تصفير مجموعة الميثيل واصطفاء الصفات السائدة والمتنحية، بحيث ان العملية تبدأ من البداية عند كل جيل جديد. ولكن عند بعض الانواع، مثلا الذرة والطماطة والبازلاء وحتى عند الفئران، نعلم بوجود حالات جرى فيها وراثة الصفات. هذا الامر يمكن ان يوازي حدوث الطفرة ولكنه شئ اخر خاص مستقل، لكون خاصة تحديث الجينات يمكنها غالبا العودة الى نقطة الصفر وبالتالي الغاء " الطفرة". عند الذرة يظهر ذلك بوضوح من خلال ان صفة احمرار حبوب الذرة تصبح وراثية ولكنها تقل مع كل جيل جديد.
عوامل خارجية تغير الصفات
عند الفئران نرى ظاهرة اخرى اكثر اثارة. هنا يجري وراثة صفة اصطفائية لجين يجعل الفئران سمينة ويعطيهم فرو اصفر، ولكن المميز هذا ان ان اصطفائية هذا الجين تعتمد على طعام الفأر. في بحث جرى عام 2006 تم اطعام فئران حاملة بنوعين من الطعام. نصف الفئران جرى اطعامها بطعام غني بالمواد الميثيلية التي يستخدمها الجسم لانتاج المركبات المثيلية. النصف الاخر تم اطعامه بطعام عادي، ثم جرى مقارنة الوان الفرو بالمواليد الجديدة. لقد ظهر ان الفئران التي اكلت طعام غني بالميثيل انجبت فئران صفراء اقل من الاخرى. هذا يشير الى ان الميثيل يعطي الصفات الاكثر مرغوبة وبالتالي يغلق الجين المسؤول عن اللون الاصفر.
المزيد من المفاجآت ظهرت للعيان عندما سمح الباحثين لجميع افراد الجيل الجديد من الفئران بالتغذي على الطعام العادي فقط ومن ثم دراسة الفوارق في اجيالهم الجديدة (الجيل الثالث). في هذا الجيل ظهر المزيد من الافراد ذوي الفرو الاصفر عند افراد المجموعة التي كانت جدتهم تأكل طعاما طبيعياً. فئران المجموعة التي كانت جدتهم تأكل طعاما غنيا بالميثيل لازال اللون الاصفر بينهم نادرا. هذا يشير الى ان ظاهرة اغلاق جين اللون الاصفر يجري توريثها الى الاجيال، بغض النظر عن الطعام الذي يأكلوه. إذا اعتبرنا ان هذه الصفة هي خاصية جديدة، يمكن عندها القول ان الطعام قد اعطى الفئران خاصية جديدة يمكن توريثها جينيا. هذا الامر يتعارض تماما مع المفاهيم الكلاسيكية لعلم المورثات لتصبح وكأننا نقول ان ابنك يصبح قوي اذا تمرنت انت على رفع الاثقال. لازال العلماء لايستطيعون الاجابة على فيما إذا كانت هذه الظاهرة تختص بالفئران فحسب ام يوجد مايناظرها عند بقية الكائنات الحية بما فيها الانسان والنبات؟.
هذه الظاهرة تسمح بنقل خاصية جديدة الى الاجيال القادمة بدون الحاجة الى طفرة، ولكن اذا جرى غلط ما تصبح سببا للسرطان. في الخلية السرطانية يكون DNA على العموم وغالبا يحتوي على ميثيل اقل مما في الخلية الطبيعية، وهذا يؤدي الى نوع من الفوضى الجينية. في تجربة اجريت على الفئران قام الباحثين بإضافة انزيم مهمته تعطيل مجموعة الميثيل وعدم فسح المجال لها. النتيجة كانت موت 80% من الفئران خلال 9 اشهر بعد ان اصيبوا بالسرطان، ولكن في نفس الوقت ولكون الخلية السرطانية تحتوي على بعض الميثيل، فأن بعض الجينات تركز فيها هذا الميثيل بكمية عالية . هذه الجينات غالبا تكون وظيفتها الطبيعية هي حماية الجسم من السرطان، وإذا كان احتوائهم على ميثيل عالي ادى الى تعطيلهم فأنهم يصبحون السبب في اثارة الطفرات السرطانية.
هذا الاكتشاف ادى الى استخدام الظاهرة في معالجة السرطان. في تجربة جرت عام 2003، على 130 مريض بسرطان الدم، تم اعطاءهم مادة decitabin,وهي مادة تستطيع ابعاد مجموعة الميثيل من الخلية، فكانت النتيجة اختفاء السرطان بنسبة 99,9% عند ثمانية من المرضى. وبالرغم هذه النتائج الهامة الا ان العلاج لازال صعبا لكون هذه المادة تقوم بتعطيل الميثيل عن الوصول الى جميع الخلايا على السواء. هذا الامر يؤدي الى مجموعة من الاعراض الجانبية والجدية، الامر الذي يجب السيطرة عليها قبل استخدامها بشكل واسع.
طريقة اخرى للتوريث فرض الصفة السائدة والمتنحية والتوريث المؤقت، اي gene-knockout، يمكن ان يجري ليس فقط بطريقة مجموعة الميثيل بل له طريق اخر ايضا. خلفية الميكانيزم الثاني ان الكروموسومات في كل خلية تحتوي على شريطين يصل طولهما الى الميلين من DNA موجودة بطريقة متشددة حتى لاتؤدي الى حدوث التباسات. السلسلة البيتدية تلتف على بعضها بحيث ان الجينات في منتصف السلسلة من الصعب الوصول اليهم، وبالتالي لايمكن قراءتهم. هذا الشكل من التعليب يعني ان على السلسلة ان تقوم بفتح نفسها قطعة بعد قطعة بالالتفاف حول بروتين خاص تسمى هيستون، histon. هذا الامر يجعل السلسلة تأخذ شكل العقد تتدلى منه احجار الزينة. في النهاية تصبح السلسلة سميكة ممتلئة بمجموعة من البروتينات يلتف عليهم الخيط الكروموسومي. حسب الصورة المرفقة
عندما تصبح السلسلة البيبتدية معبأة بهذا الشكل تصبح الجينات بعيدة عن متناول الانزيمات التي ستقوم بقراءة الشيفرة، وهذا يعني عمليا انه قد جرى تحييدهم. عندما تعود السلسلة البيتيدية الى ابعاد نفسها عن البروتين يمكن ان يصبح الجين منشط من جديد. هذا الميكانيزم تتحكم فيه مجموعة مركبات الاسيتيل، التي تتكون من مجموعة الميثيل _كما ذكرت سابقا) مضافا اليها ذرة كربون وذرة هيدروجين، التي تؤحذ او تضاف الى بروتين الهيستون. عند وجود العديد من مجموعة الاسيتيل على السلسلة البيتيدية يؤدي ذلك الى اجبار السلسلة على ان تفتح نفسها ليصبح بالامكان قراءة شيفرتها.
عند الانثى مختلف هذا الشكل من gene-knockout يلعب دورا خاصا في نصفي مورثات المرأة . X-kromosom موجود عند الذكر بنسخة واحدة، وهو كبير يتسع للكثير من الجينات الضرورية لكلا الجنسين. مثل هذا الامر يؤدي الى تحقيق عدم انسجام بين الجنسين، فالمراة تملك ضعف عدد جينات الذكر. ( الذكر سيحصل على XY, في حين تحصل المراة على XX). لهذا السبب يقوم gene-knockout بإختيار احد X-kromosom في الخلية الملقحة التي سينشا عنها انثى، ويقوم بعملية واسعة من إغلاق للجينات، بحيث ان الكروموسوم الفائض بأكمله يتم تحييده. بهذا الشكل يجري ضمان ان الانثى ستستخدم مورثاتها من احد الكروموسومين. الصدفة وحدها هي التي تقرر فيما اذا كان الكروموسوم الذي جرى إغلاقه هو الموروث عن الاب او عن الام.
إذا حدث تحييد X-kromosom بعد ان تقوم الخلية بالانشطار للمرة الاولى ، توجد إمكانية أن الكروموسوم الذي تم إغلاقه في احد الخليتين هو القادم من الام في حين يتم اغلاق الكروموسوم القادم من الاب في الخلية الثانية.. بعد ذلك ستستمر الخلايا بالانشطار فيصبح لدينا هجين جيني في النسيج الواحد (في جزء من خلايا النسيج يكون الكروموسوم القادم من الاب هو المنشط وفي الجزء الاخر تكون كروموسومات الام هي المنشطة). في الاحوال الاعتيادية لايملك ذلك اي تأثير طبي/صحي، ولكن عند القطط يمكن لذلك ان يؤدي الى رسمة معينة على فرو القطط. احد الكروموسومات مشفر على ان لون الفرو احمر برتقالي، ولكن إذا كانت الجينات هجينة يصبح اللون اسود-بني.
عند النبات عند النبتة البرية Arabidopsis اكتشف العلماء عام 2005 ظاهرة تتعارض تماما مع الطريقة الكلاسيكية لاكتساب الصفات الجديدة. علماء جامعة بوردو في ولاية انديانا اكتشفوا انه قسم من هذه النبتة حصلت على طفرة وراثية ، يفترض ان تؤدي الى زهور اصغر، ومع ذلك نبتت زهور طبيعية. من الواضح ان النبتة تمكنت من ترميم الطفرة. التحليل الجيني اظهر ان النبتة تملك النسختين الجينتين، الطبيعية والطفرة، بالرغم من ان النبتة لايمكن ان تكون قد ورثت النسخة الجينية الطبيعية عن والديها، لانهم لم يملكوها ولكن كانت موجودة عند الاجداد. العالم Robert Pruitt, يعتقد ان النبتة تملك نسخة احتياطية على شكل RNA, وهو ناقل المعلومات بين النواة والبروتين.
هذا الامر يساعد النبتة على العودة الى النسخة الاصلية اذا ظهر ان الطفرة لم تحمل في طياتها افضليات، بل وحتى ضارة. لربما يوجد الامر نفسه عند الانسان، إذ سيكون ذلك ايضاحا مناسبا لحالات يعرفها الطب، حيث ان بعض المرضى بأمراض وراثية رمم جسدهم بنفسه الخطأ. إذا كان الانسان يملك نسخة احتياطية، سيكون ذلك مساعدة كبيرة في الصراع ضد الامراض الوراثية، بمساعدة ميكانيزم اغلاق الجينات.
الأحد يوليو 08, 2012 3:25 pm من طرف كرنبوش