تحتل عمليتان خلويتان مركزا محوريا في هذه القصة
البازغة وهما: الطي الپروتيني protein
folding والإزالة الپروتينية
protein elimination. فالخلايا تصطنع الپروتينات (التي هي سلاسل من الحموض الأمينية)
بالاستناد إلى معلومات مسجلة في دنا DNA الجينات. وأثناء توليد الپروتينات تقوم
جزيئات تدعى شاپيرونات chaperones بطيها بالشكل الثلاثي الأبعاد الذي يفترض
فيها أن تأخذه. وكذلك تقوم هذه الشاپيرونات بإعادة طي الپروتينات التي صارت غير
مطوية unfolded.
وإذا أخفقت منظومة الشاپيرونات لسبب ما، فإن
الپروتينات لا تنطوي بالشكل المناسب في المقام الأول، أو تصبح تلك الپروتينات
التي لم ينفك طيها بشكل صحيح هدفا للطرح disposal بوساطة ما يدعى «منظومة
يوبيكويتين ـ پروتيزوم» ubiquitin-proteasom
system في المقام الثاني. ففي
البداية، يرتبط اليوبيكويتين (الذي هو پروتين صغير) بالپروتين المشوه في عملية
تدعى «اليوبيكتلة» ubiquitinylation. ويتكرر هذا الاستهداف إلى أن تحيط سلاسل
يوبيكويتينية ذات أطوال مختلفة بالپروتين السيئ المصير. وتصبح هذه السلاسل كفن
موته. هذا وتنبه هذه السلاسل پروتيزوم الخلية العصبية (الذي يعد منظومة طرح
النفايات) إلى وجود ذلك الپروتين المزخرف، فيعمد الپروتيزوم بعدئذ إلى هضمه
محولا إياه إلى الحموض الأمينية التي يتكون منها. وقد منح كل من
و [من معهد التخنيون للتقانة] و [من جامعة كاليفورنيا] جائزة
نوبل لعام 2004 في الكيمياء لقاء عملهم في وصف هذه المنظومة.
وفي السنوات القليلة الماضية أخذ العديد من العلماء
يعتقدون أن مرض پاركنسون يتولد حينما تعتل وظيفة منظومتي الشاپيرون
واليوبيكويتين-پروتيزوم. ويفكر هؤلاء العلماء بأن سيرورة هذا المرض قد تجري بما
يشبه ذلك؛ بمعنى أن شكلا ما من التلف في عصبونات المادة السوداء يطلق شلالا من
الإجهادات الخلوية [انظر: «فَهْم داء پاركنسون»، مجلة العلوم، العدد 11(1997)،
ص24]. وتسبب هذه الإجهادات احتشادا وافرا من الپروتينات السيئة الطيات. ويمكن
أن يكون هذا التعاظم وقائيا في البداية، لأن جميع الپروتينات المرتدة تتجمع
معا، بحيث يحال بينها وبين التسبب في متاعب بأمكنة أخرى من الخلية. ومن ثم
تباشر الشاپيرونات عملها في فك الطيات وتبدأ منظومة الطرح
disposal system
بإزالة تلك الپروتينات التي لا يمكن إعادة تشكيلها. ولكن حين يطغى توليد
الپروتينات السيئة الطيات على قدرة الخلية على معالجة تلك الپروتينات تنشأ
المتاعب؛ بمعنى أن منظومة اليوبيكويتين-پروتيزوم تصير مثبطة والشاپيرونات
ناضبة، وتتراكم الپروتينات السامة. ويتبع ذلك موت الخلية.
مناطق دماغية تتأثر
بمرض پاركنسون(****)
في معظم الحالات يحدث الموت الخلوي في المادة السوداء التي تتحكم في الحركات الإرادية والتي تساعد على تنظيم المزاج. ومع أن بقية الدماغ تستطيع في البداية التعويض عن ذلك، فإنها لن تتمكن من ذلك حينما يُفتقد 50 إلى 80 في المئة من الخلايا في المادة السوداء. وعند تلك المرحلة فإن الأجزاء الأخرى من الدماغ المشاركة في التحكم الحركي والتي تتضمن البقية الباقية من العقد القاعدية (التي تعتبر المادة السوداء جزءا منها) والمهاد وقشرة المخ، لن تتمكن من العمل معا فتصبح الحركات مفككة وخارج السيطرة.
|
يعتقد الباحثون المناصرون لهذه الفرضية بأنها يمكن
أن تفسر شكلين من مرض پاركنسون. فهناك ما يقدر بنحو 95 في المئة من المرضى
يعانون مرضا فُراديا(8) sporadic
disease ينجم عن تفاعل معقد بين الجينات
والبيئة. فعندما يواجه شخص ذو خلفية جينية حساسة عوامل بيئية معينة (مثل مبيدات
الهوام أو كيماويات أخرى غيرها) [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]، تعاني
العصبونات في المادة السوداء لذلك الشخص مزيدا من الإجهاد وتراكم(9) المزيد من الپروتينات السيئة الطيات على نحو يفوق ما تراكمه الخلايا ذاتها في الأشخاص
الآخرين. أما في الخمسة في المئة المتبقية من المرضى، فيظهر أنه يجري التحكم في
مرض پاركنسون عبر الوراثيات genetics بشكل تام تقريبا. وقد أماطت اكتشافات
السنوات الثماني الماضية اللثام عن صلة بين الطفرات وتكدس الپروتينات المشوهة
أو بينها وبين إخفاق الآلية الوقائية protective
machinery. ولسنوات شكلت هذه
التبصرات الجينية أكثر الإنجازات العلمية إثارة في هذا المجال.
التخوم الجينية(*****)
وفي عام 1997 حددوزملاؤه [في
المعاهد الوطنية للصحة] هوية طفرة في جينة تخص پروتينا يدعى ألفا-سينوكلين
alpha-synuclein لدى عائلات إيطالية ويونانية مصابة بشكل موروث من مرض
پاركنسون. إنها طفرة قاهرة صبغية جسدية autosomal
mutation، بمعنى أن نسخة
واحدة (من الأم أو من الأب) تستطيع وحدها أن تثير المرض. صحيح أن الطفرات في
جينة ألفا-سينوكلين نادرة جدا فهي لا تفسر إلا ما يقل كثيرا عن الواحد في المئة
من حالات المرض، ولكن تحديد الصلة بين الپروتين المكوّد encoded
protein ومرض
پاركنسون يطلق انفجارا من النشاط، ويردّ ذلك في جزء منه إلى كون ألفا-سينوكلين،
سواء العادي منه أو غير العادي، قد وجد للتو أنه يؤلف واحدا من الپروتينات التي
تتكدس في التكتلات الپروتينية. ويفكر الباحثون بأن التوصل إلى فهم أفضل لكيفية
حدوث الطفرة المؤدية إلى مرض پاركنسون يوفِّر دالات(10) حول الآلية الناظمة
لتشكيل جسم ليووي Lewy في الخلايا المولِّدة للدوپامين التابعة للمادة السوداء
لدى المصابين بالشكل الفُرادي sporaolic لهذا المرض.
تكوّد جينة ألفا-سينوكلين پروتينا صغيرا جدا لا
يتجاوز طوله 144 حمضا أمينيا، ويعتقد أن لهذا الپروتين دورا في موضوع التأشير
signaling بين العصبونات. فالطفرات تسبب تغيرات بالغة الصغر في تتالي الحموض
الأمينية للپروتين. وفي الحقيقة، نعرف اليوم بضعا من هذه الطفرات تتسبب اثنتان
منها في تغيير حمض أميني واحد في متتالية الجينة. وقد أظهرت دراسات على ذباب
الفاكهة والديدان الخيطية والفئران أنه إذا ما تولد «ألفا-سينوكلين طافر»
بكميات كبيرة، فإن هذا الناتج يسبب تنكس العصبونات الدوپامينية الفعل ويفضي ذلك
إلى اعتلالات حركية. وثمة دراسات أخرى كشفت عن أن ألفا-سينوكلين الطافر لا
يتطوى بشكل صحيح ويتكدس داخل أجسام ليووي. وكذلك يثبط ألفا-سينوكلين المتبدل
هذا منظومة «اليوبيكويتين-پروتيزوم» ويقاوم تدرّك degradation الپروتيزوم.
ويضاف إلى ذلك، أنه قد أصبح من الواضح حديثا أن استحواذ نُسخ زائدة من جينة
ألفا-سينوكلين العادية يمكن أن يسبب مرض پاركنسون.
وبعد عام واحد من اكتشاف طفرة ألفا-سينوكلين، حدد في
عام 1998 كل من
[من جامعة جونتيندو]و[من جامعة كيو](في اليابان) هوية جينة
ثانية (هي پاركين parkin) تطفر في شكل عائلي آخر من مرض پاركنسون. وأكثر ما
تظهر هذه الطفرة في أفراد تم تشخيصهم بها قبل سن الأربعين، وكلما كانت بداية
المرض مبكرة ازداد احتمال أن يكون سبب المرض هو طفرة پاركين. ومع أن الناس
الذين يرثون نسخة معيبة من كلا الأبوين (بمعنى أن تكون الطفرة صبغية جسدية
متنحية autosomal recessive) يتطور لديهم المرض لا محالة، وأولئك الذين يحملون
نسخة واحدة من الجينة الطافرة يكونون أيضا على درجة كبيرة من الخطورة. ويبدو أن
طفرات پاركين هي أكثر شيوعا من طفرات جينة ألفا-سينوكلين، بيد أنه لا يتوفر
لدينا حاليا إحصائية جيدة للوقوعات(11).
متهمون
بيئيون(******)
لقد حامت لعقود من السنين فكرة أن مرض پاركنسون قد يُسببه شيء ما في البيئة. ولكن البرهان على ذلك لم يأت إلا في أوائل الثمانينات من القرن الماضي حين درس [من معهد پاركنسون في كاليفورنيا] مجموعة من متعاطي المخدرات في منطقة خليج سان فرانسيسكو. فقد ظهرت لدى هؤلاء الفتية المدمنين أعراض پاركنسونية في غضون أيام من تناولهم الهيروين الاصطناعي الأبيض الصيني. وقد تبين أن المادة المتناولة احتوت شائبة تدعى MPTP (وهي مركب يستطيع قتل عصبونات في منطقة المادة السوداء الدماغية). ومن خلال المعالجة استعاد بعض «المدمنين المجمدين» frozen addicts (حسبما صار يُطلق عليهم) التحكم في الحركات. ولكن التأثيرات كانت لدى معظمهم غير عكوسة irreversible.
وفي السنوات اللاحقة فتش الباحثون عن مركبات أخرى تتصف بتأثيرات مشابهة. وفي عام 2003 تم تدعيم عملهم حينما رصد المعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية في الولايات المتحدة عشرين مليونا من الدولارات لتمويل الأبحاث لتحديد ودراسة الأسباب البيئية لمرض پاركنسون. واليوم، ربطت الدراسات الوبائية والحيوانية بين بعض الحالات وبين التعرض المكثف لمبيدات الحشرات ومبيدات الأعشاب الضارة والمبيدات الفطرية، بما في ذلك الباراكات paraquat والمانيب maneb. وكذلك اكتشف [من جامعة إموري] في دراسات على الحيوانات أن التعرض لمادة الروتينون rotenone (وهي مبيد حشري يستخدم في الفلاحة العضوية لكونه مؤلفا من منتجات عضوية) قادر على التسبب في تكتل پروتيني يقتل العصبونات المولدة للدوپامين ويثبط العُضيات الخلوية المنتجة للطاقة ويثير اختلالات حركية.
ومثلما يمكن أن تسبب بعض المواد مرض پاركنسون، ثمة مواد أخرى يمكن أن توفر الوقاية منه. ويقبل الخبراء اليوم أن التدخين وشرب القهوة يمكن أن يكونا إلى حد ما واقيين من هذا المرض، مع أن مخاطر التدخين تتجاوز بوضوح هذه الفائدة الخاصة.
تستطيع بعض المبيدات الحشرية، بما في ذلك المبيد المستخدم بشكل روتيني في الفلاحة العضوية، أن تسبب حالات پاركنسونية في الحيوانات. | |
يحتوي الپروتين پاركين على عدد من تتاليات حموض
أمينية، أو مجالات(12)، تشيع في عدة پروتينات. ويتميز من هذه المجالات ما يطلق
عليه المجالات RING. فالپروتين المحتوي على هذه المجالات يشترك في مسار التدرّك
الپروتينيprotein degradation. وتوحي الاكتشافات الآن بأن الموت العصبوني في
هذا الشكل من مرض پاركنسون ينشأ جزئيا من إخفاق مكون اليوبكويتلة
ubiquitinylation التابع لمنظومة الإطراح الپروتينية؛ إذ إن الپاركين يربط
اليوبكويتين بالپروتينات السيئة الطيات، وبدونه لا يحدث استهداف
tagging ولا
طرح disposal. وحديثا بيَّن بحثنا الخاص أن پروتينا (يدعى
BAG5) موجودا في
أجسام ليووي يستطيع أن يرتبط بالپاركين كي يثبط وظيفته ويسبب موت العصبونات
المولدة للدوپامين.
ومن اللافت أن بعض المرضى بطفرات پاركين يفتقدون
أجسام ليووي في عصبوناتهم السوداء. وتوحي هذه الملاحظة بأن الپروتينات قد لا
تشكل كداسات aggregates ما لم تكن عملية اليوبيكويتلة سليمة العمل. كما أنها
توحي بأنه حين لا تتجمع الپروتينات الضارة بعضها مع بعض داخل أجسام ليووي فإنها
تسبب تخريبا خلويا. ولما كان المرضى بطفرات پاركين يظهر لديهم المرض في مرحلة
مبكرة من حياتهم، فإنه يبدو من المحتمل أنهم يفتقدون بعض الحماية الأولية التي
يمنحها امتلاك پروتينات سامة في تجمعات متكتلة.
هذا وتبرز بضعة اكتشافات أخرى حديثة مُفسِدات أخرى
محرضة جينيا في الآلية الخلوية. ففي عام 2002، حدّدوزملاؤه [في
مركز إراسموس الطبي بروتردام] طفرة في جينة تدعى DJ-1. وعلى شاكلة تلك الموجودة
في پاركين، تكون هذه الطفرة مسؤولة عن شكل صبغي جسدي متنح من مرض پاركنسون عثر
عليه في عائلات هولندية وإيطالية. وثمة باحثون شاهدوا طفرات في جينة أخرى تحمل
الرمز UCHL1 في مصابين بمرض پاركنسون عائلي الانتشار. وقد وصفت مجلة سيانس
Science للتو طفرة في الجينة
PINK1 قد تقود إلى فشل استقلابي وموت خلوي في
المادة السوداء. كما أن بحثا آخر حدد هوية جينة تدعى LRRK2 وتكوِّد مركب
الداردرين(13) الپروتيني (بما يعني «الرجفة» في منطقة الباسك التي أتى منها
المرضى).
وتضطلع هذه الجينة كذلك بالاستقلاب (الأيض)
metabolism وتظهر في مرض پاركنسون العائلي. بيد أن الباحثين لم يقطعوا شوطا
طويلا في فهم دقيق للأخطاء التي تسببها جميع هذه الطفرات.
العلاجات
الحالية(*******)
ينتهج الأطباء مقاربتين أساسيتين في معالجة مرض پاركنسون، كلتاهما توفران فوائد مدهشة، ولكنهما تتصفان كذلك بمساوئ تجعل المرضى والباحثين على سواء يتلهفون إلى استراتيجيات جديدة في المعالجة.
الأدوية
تضم المعالجات الرئيسية أدوية تحاكي الدوپامين ومركبات تستخدم في صناعة الدوپامين في الدماغ (مثل مركب ليڤودوپا levodopa) وأدوية تثبط تفكك الدوپامين. وثمة بضعة أدوية أخرى تفعل فعلها في بعض المنظومات غير الدوپامينية التي تتأثر بمرض پاركنسون، بما في ذلك المنظومات التي يديرها الناقلان العصبيان المعروفان باسم الأستيلكولين والگلوتامات. وهذه الأدوية تفيد أثناء الأطوار الأولية لهذا المرض، ولكن استخدامها المتواصل يمكن أن يصبح إشكاليا. ونذكر من تأثيراتها الضارة الطويلة الأمد مشاهدة التذبذبات غير المُتنبأ بها بين فترات الوظيفة المحركة الجيدة وفترات التجميد freezing وكذلك الرعاش tremor والتصلب rigidity. يضاف إلى ذلك أن بعض الأدوية يمكن أن تسبب حركات لي ولف غير إرادية (يطلق عليها عسر الحركات dyskinesias) وتبرز بشكل خاص لدى المرضى الشباب وتكون مُقعِدة إلى حد كبير.
تنبيه أعماق الدماغ
مع بداية القرن الماضي، اكتشف الباحثون أن إتلاف عدد صغير من الخلايا في المسارات المُحركة الدماغية يمكن أن يقلل من الرعاشات الپاركنسونية. ومع أن هذا الإجراء غالبا ما يسبب ضعفا عضليا، فإن المرضى كانوا يفضلون ذلك على الارتجاف. وبعدئذ، في عام 1938، عمد الجراحون إلى إيذاء العقد القاعدية فلاحظوا مزيدا من التحسن الملموس لدى المرضى بداء پاركنسون. وبدا أن إزالة الخلايا التي تتصف بسوء السلوك (أي تلك الخلايا ذات الاضطرام السيئ أو الاضطرام المفرط) أتاحت لباقي الدماغ أن يعمل بشكل سوي. ولكن لسوء الحظ لم يكن إحداث هذه الأذيات حلا مثاليا. فإذا لم تتوضع الأذيات بالشكل المضبوط، أو إذا شملت كلا الجانبين من الدماغ، فإنها قد تسبب تلفا شديدا يؤذي الكلام ويفضي إلى مشكلات معرفية cognitive problems. وفي السبعينات من القرن الماضي، اكتشف الباحثون أن التنبيه الكهربائي العالي التواتر لأجزاء من الدماغ يمكن أن يحاكي الأذيات بدون أن تسبب تأثيرات جانبية. وتستخدم اليوم أشكال مختلفة من تنبيه أعماق الدماغ في اضطرابات عصبية عديدة(14)، إذ يوضع ألكترود في إحدى العقدتين القاعديتين لمرضى پاركنسون (وذلك في الكرة الشاحبة أو النواة تحت المهادية) ويوصل بجهاز مولد للنبضات مغروس في صدر المريض (أسفل الصورة). ونمطيا تبعث الناظمة pacemaker نبضات كهربائية (90 ميكروثانية وثلاثة ڤلطات) يصل عددها إلى 185 نبضة في الثانية، مع العلم بأن هذه الناظمة تتطلب الاستبدال كل خمس سنوات.
لقد ذكر رائدا هذه التقنية (وهما و [من جامعة گرونوبل بفرنسا]) أن مثل هذا التنبيه يقلل إلى حد مثير للاهتمام الرعاش والتصلب. وفي الواقع، أصبحت هذه التقنية في العقد الفائت دعامة أساسية في المعالجة وخضع ما يقدر بثلاثين ألفا من المرضى لهذه الجراحة. وقد تمكن بعضهم من أن يقلل جرعات الأدوية التي يتناولها بينما توقف البعض الآخر كلية عن تناولها. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن لتنبيه أعماق الدماغ أن يمنع المرض من التقدم، كما لا يمكنه تفريج المشكلات المعرفية والكلام والتوازن التي يمكن أن تنشأ عن هذا المرض.
وعلى الرغم من نجاح تنبيه أعماق الدماغ، تظل هناك أسئلة عديدة. فمن جهة أولى، ليس واضحا ما إذا كان الجسم الشاحب globus pallidus أو النواة تحت المهاد subthalamic nucleus هدفا أفضل. يضاف إلى ذلك أن الآليات الكهربائية والكيميائية التي تُحسِّن بوساطتها الطاقةُ الكهربائية مرض پاركنسون تبقى بحاجة إلى التحديد، مع العلم بأن الكثير من البيانات لاتزال متضاربة. فعلى سبيل المثال، اعتاد الباحثون أن يفكروا بأن تنبيه أعماق الدماغ يعمل بنفس الأسلوب الذي تؤديه تقنية إحداث الأذيات، وذلك عبر تعطيل الخلايا. ولكن هؤلاء الباحثين اكتشفوا مؤخرا أن هذه العملية قد تسبب اضطراما firing أسرع للدفعات العصبية impulses.
|
سبل جديدة للمعالجة(********)
لما كانت التبصرات التي وضعناها للتو تتضمن جزيئات
يمكن تغيير نشاطها بشكل فعال أو محاكاتها بالأدوية بطرق تحد من الموت الخلوي،
فإن هذه الاكتشافات يمكن أن تقود إلى علاجات تفعل ما هو أكثر من تلطيف الأعراض،
بمعنى أنها تحد بالفعل من التنكس العصبوني neuronal
degeneration المسؤول عن
تقدم المرض.
لقد أثمرت هذه الاستراتيجية نتيجتين مثيرتين
للاهتمام. فقد وُجد أن زيادة مستويات الشاپيرونات في خلايا المادة السوداء تقي
من شروع التنكس العصبي بوساطة ألفا-سينوكلين الطافر في الحيوان. وأظهرت دراسات
حديثة باستخدام نماذج ذبابة الفاكهة لمرض پاركنسون أن العقاقير التي تثير نشاط
الشاپيرون يمكن أن تمنح وقاية من السمية العصبية neurotoxicity. وربما يمكن ذات
يوم تطوير عقاقير شاپيرونية النمط تحد من التنكس لدى البشر، أو إيجاد علاج جيني
يطلق إنتاج الشاپيرونات المطلوبة. يضاف إلى ذلك، أن الباحثين وجدوا أن زيادة
كمية پروتين پاركين الاعتيادية في الخلايا تقيها من التنكس العصبي الناجم عن
الپروتينات الضارة ذات الطي السيئ. ولكننا سنحتاج إلى المزيد من الدراسات
لتقرير ما إذا كانت مثل هذه المداخلات يمكن جعلها تصلح للبشر.
وإضافة إلى متابعة الدلالات الأولى التي برزت من
المكتشفات الجينية والمرتبطة بالپروتين الجديد، بدأ الباحثون يدخلون العوامل
المنمية العصبية neurotrophic
factors، وهي مركبات تعزز النماء والتمايز
العصبوني في الدماغ. فهذه العوامل لا تكتفي بتخفيف الأعراض، بل تتعهد أيضا
بحماية العصبونات من التلف أو حتى باسترجاع العصبونات التي سبق أن تلفت.
فعلى سبيل المثال، يوحي أحد اتجاهات البحث في
الحيوانات أن عائلة من الپروتينات تدعى العوامل المنمية المشتقة من خط الخلايا
الدبقية (GDNF (15 تستطيع تعزيز بُقيا
survival العصبونات الدوپامينية المتضررة،
كما تقلل بشكل مثير الأعراض الپاركنسونية. وقد شرعوزملاؤه [في مستشفى
فرنشاي في برستول بإنكلترا] في دراسة رائدة لإعطاء المصابين بالپاركنسون
العوامل GDNF. وهنا يغرز الجراحون قثطارا داخل الجسمين المخططين
striatum
الأيمن والأيسر اللذين يعتبران المتلقيين الرئيسيين في العقد القاعدية
basal ganglia للدوپامين الذي تفرزه عصبونات المادة السوداء. وبعد ذلك تبدأ كميات
زهيدة من العوامل GDNF بالتسرب بشكل مستمر في الدماغ وذلك حقنا من مضخة موضوعة
داخل البطن. وتحتفظ هذه المضخة بكميات من العوامل GDNF تكفي لمدة شهر، ويمكن
تعويض ما فقدته في زيارة إلى عيادة الطبيب، وذلك عبر استخدام محقنة
syringe
تخترق الجلد وتعيد ملء مستودع المضخة.
قد يمكن مستقبلا تطوير أدوية شاپيرونية
النمط لتحد من التنكس لدى البشر.
لقد أوحت النتائج الأولية على عدد من المرضى بأن
الأعراض لديهم قد تحسنت، وأشارت مسوحات التصوير الطبقي بالإصدار البوزيتروني
PET إلى بعض الإصلاح لقبط(16)
uptake الدوپامين في الجسم المخطط والمادة
السوداء. ولكن نتائج تجارب أكثر حداثة وأكبر حجما لم تكن مقنعة؛ فالمرضى الذين
تلقوا محلولا ملحيا (فيزيولوجيا) لم يحرزوا نجاحا أفضل من المرضى الذين تلقوا
العوامل GDNF. ولكن العديد منا (ممن يعملون في هذا المجال) يشعرون بأن هذه
المقاربة لاتزال تستحق المتابعة. فليس من غير العادي في الطب أن تكون المحاولات
الأولى في المعالجة سلبية النتائج؛ ذلك أن مركب ليڤودوپا
levodopa على سبيل
المثال لم يظهر في البداية أية فائدة، بل أظهر تأثيرات جانبية غير مرغوب بها،
في حين أنه يعتبر اليوم واحدا من المعالجات الرئيسية لمرض پاركنسون.
وثمة باحثون آخرون يستخدمون العلاج الجيني بدلا من
الجراحة لإعطاء العوامل GDNF للمريض آملين أن تزود الجينة المنقولة المريض
بإمدادات طويلة الأمد من هذا العامل المنمي العصبي. وقد هَندَس(17)
[من مركز لوك الطبي في شيكاگو] وزملاؤه ڤيروسا عدسيا
lentivirus
لنقل الجينة المسؤولة عن العوامل GDNF إلى خلايا الجسم المخطط المولدة
للدوپامين في أربعة نسانيس مصابة بالپاركنسون. فكانت النتائج مدهشة؛ إذ تضاءلت
متاعب النسانيس الحركية إلى حد كبير، كما لم تتأثر بالحقن اللاحق للمركب
MPTP،
الذي هو مُسمِّم كيميائي للعصبونات الدوپامينية في المادة السوداء. فالجينة
المُدخلة حرّضت الخلايا على صنع الپروتين مدة تصل إلى ستة أشهر تم بعدها إيقاف
التجارب. وبالاعتماد على هذه الدراسات يقوم علماء في ساندييگو باستخدام تقنية
مشابهة من أجل إيصال الپروتين المسمى نيورتورين neurturin الذي يعد واحدا من
عائلة العوامل GDNF. ومع أن هذه الدراسات لاتزال في الطور قبل السريري، فإن
الباحثين يخططون لاختبار جينة مشابهة للجينة المسؤولة عن النيورتورين، في
المصابين من البشر بهذا الداء.
وهناك أشكال أخرى من العلاج يجري حاليا بحثها. فقد
أوضح [الذي يعمل مع أڤيگن بالقرب من سان فرنسيسكو على
الحيوانات] أن الجينة المسؤولة عن إنزيم يدعى نازع كاربوكسيل الحموض الأمينية
العطرية، إذا ما وُضعت (هذه الجينة) في الجسم المخطط من الدماغ تستطيع تحسين
إنتاج الدوپامين فيه. وكذلك حسنت هذه المقاربة أعراض پاركنسون لدى الجرذان
والنسانيس. أما التجريب على المرضى من البشر فقد حظي بالموافقة وسيشرع به عما
قريب.
يتخذ [من جامعة كورنِل] وفريقه مسارا
مغايرا يستعمل فيه العلاج الجيني لإغلاق بعض المناطق الدماغية التي تغدو مفرطة
النشاط حينما يشح الدوپامين المتحرر من المادة السوداء، وتتضمن هذه المناطق
النواة تحت المهادية subthalamic
nucleus والعُقد القاعدية. [إن فقدان
الدوپامين يجعل العصبونات التي تصنع الگلوتامات glutamate (وهو ناقل عصبي
استثاري) تعمل بشكل طليق، ومن ثم فإنها تبالغ في تنبيه أهدافها فتسبب بذلك
اضطرابات في الحركة]. وسيبدأ<كابليت>تجارب على الإنسان تستخدم ڤيروسا لإدخال
الجينة المسؤولة عن الإنزيم النازع لكاربوسيل حمض كلوتاميك(18) الذي يُعد
ضروريا لتوليد الناقل العصبي المثبط المسمى گاما أمينو حمض بيوتريك (أو گابا
GABA) إلى داخل هذه المواقع، ويأمل <كابليت> ومعاونوه أن يُخمد الحمض الگاباوي
المذكور الخلايا المفرطة الاستثارة فيُهدئ بذلك اضطرابات الحركة الپاركنسونية.
ففي هذه التجارب يخيطون أنبوبا ذا قطر يقارب الشعرة عبر فتحة بقياس ربع الدولار
المعدني في أعالي جمجمة المريض. وهنا يقوم الأنبوب بإيصال جرعة من الڤيروس تقوم
بدورها بنقل نسخ من الجينة إلى داخل عصبونات النواة تحت المهادية. وينبغي أن لا
تكتفي المادة الكيماوية المتحررة بتهدئة العصبونات المفرطة النشاط والتي تستقر
في تلك المنطقة، بل يمكن أن تنتشر إلى مناطق دماغية أخرى مفرطة النشاط.
الپروتينات ومرض
پاركنسون(*********)
منذ عقود، عرفت تكدسات من پروتينات مغلوطة الطي (تدعى أجسام ليووي) تمثل سمة مميزة لمرض پاركنسون. ومازال العلماء لا يعرفون ما إذا كانت هذه التكدسات الپروتينية ذات طبيعة واقية، لأنها تبعد الپروتينات السامة من الإساءة أو أنها في نهاية المطاف تؤذن بموت الخلايا العصبية. وفي جميع الأحوال، فإن من الواضح أن پروتينات منحرفة السلوك تسبب هذا المرض المدمر.
الطبي الپروتيني في الخلايا السوية
في الخلايا السليمة تضمن معقدات تدعى الشاپيرونات أن تتطوى الپروتينات بشكل صحيح (في الأعلى). فحينما لا تتطوى الپروتينات بشكل صحيح (a) أو إذا سبب نوع من الإجهاد للخلية اتخاذ الپروتينات ذات الطي السوي شكلا مغلوطا فإن الشاپيرونات تقوم بإعادة طي تلك الپروتينات.
ولكن إذا لم تعمل المنظومة الشاپيرونية هذه، وبقي پروتين ما متطويا بشكل غير صحيح (c)، فإن پروتيزوم الخلية (وهو منظومة طرح القمامة) يستطيع إزالته قبل أن يسبب الأذى. ففي البداية يربط الپروتين المسمى پاركين جزيئات اليوبيكويتين بالپروتين المغلوط الطي، ثم يوعز اليوبيكويتين إلى الپروتيزوم أن يفتت الپروتين إلى الحموض الأمينية المكوِّنة له والتي يمكن الاستفادة منها في جهة أخرى داخل الخلية.
ما الذي يجري خطأ مرض پاركنسون
لأسباب غير معروفة تماما، تخفق المنظومة الشاپيرونية والپروتيزومية لدى الناس الذين يصبحون مرضى بداء پاركنسون، إذ تتراكم پروتينات مغلوطة الطي في الخلايا لأن الشاپيرونات لا تستطيع المواكبة أو لأن المنظومة الپروتيزومية لا تستطيع تفكيك الپروتينات الضالة بالسرعة الكافية. فهذا التراكم يقوى على إتلاف العصبونات المصابة وقتلها. وتوحي دراسات جينية حديثة بأن الأشكال الطافرة لاثنين من الپروتينات، هما: ألفا-سينوكلين (في اليمين) وپاركين (في اليسار)، قد تفيد في تحديد المنظومة الشاپيرونية ومنظومة الطرح الپروتيني.
ثمة طفرة نادرة جدا في جينة ألفا-سينوكلين تستطيع أن تسبب مرض پاركنسون عبر توليدها شكلا من الپروتين يقاوم التفكيك من قبل الپروتيزومات (a في الأعلى). وفي إشارة إلى أن أجسام ليووي يمكن أن تكون في بعض الأحيان واقية، يبدو أن مجموعات من (الألفا-سينوكلين) الطافرة التي تنتهي في جسم ليووي (b) قد تكون أقل إتلافا في البداية من نسخ copies الپروتين التي تجول في الخلية العصبية مسببة حتفها السريع (c).
وفي حالة الپاركين، تخفق النسخ الطافرة في إضافة اليوبيكويتين إلى الپروتينات المغلوطة الطي. ونتيجة لذلك لا يستطيع الپروتيزوم تفكيك الپروتينات (a في الأعلى)، الأمر الذي يسبب الموت أخيرا (b). ونشير إلى أن الپاركين الطافر لا يسبب تكوين أجسام ليووي.
|
ربما تستلزم هذه المعالجة الممكنة التي تعرضت
لنقاشات حامية، اغتراس خلايا تحل محل الخلايا التي ماتت. وكانت الفكرة غرس
خلايا جينية جذعية embryonic
stem cells أو خلايا جذعية كهلة لاستمالة هذه
بالخلايا غير المتمايزة كي تصير عصبونات مولدة للدوپامين. ولما كانت الخلايا
الجذعية الجنينية مأخوذة من أجنة أعمارها أياما وتخلقت أثناء الإلقاح في
المختبر، فإن استخدامها أمر كبير الخلاف. صحيح أن هناك أسئلة أخلاقية قليلة
تكتنف استخدام الخلايا الجذعية الكهلة المأخوذة من أنسجة البالغين، بيد أن بعض
العلماء يعتقدون أن العمل على هذه الخلايا أكثر صعوبة من الخلايا الجذعية
الأخرى.
وعلى الرغم من التقدم المهم في تحديد الإيماءات(19)
الجُزيئية والوصفات الإجرائية لدفع الخلايا غير المتمايزة إلى توليد الدوپامين،
فما من أحد يعرف ما إذا كان أي نوع من الاغتراس transplantation سيكون
استراتيجية مثمرة بالقدر الذي كان مأمولا. وقد أجريت تجارب سريرية على المادة
الجنينية تستخدم الپروتوكولات الأكثر دلالة. وأظهرت هذه التجارب مئات الآلاف من
الخلايا المغترسة المولدة للدوپامين والباقية على قيد الحياة في المرضى، بيد أن
الفوائد الوظيفية كانت على أحسن تقدير متواضعة وغير متساوقة منطقيا، كما رافقت
المعالجة تأثيرات عكسية خطيرة تتضمن عسر الحركة (حركات لي ولف غير مُتقنة).
ويحاول العلماء حاليا أن يحددوا لماذا لم يكن الاغتراس معينا أكثر ولماذا نشأت
تأثيرات جانبية، ولكنهم لم يجروا حتى الآن تجارب بشرية في هذا الصدد في
الولايات المتحدة.
وأخيرا، يواصل الباحثون استقصاء وتشذيب المقاربة
بوساطة تنبيه أعماق الدماغ؛ أي بتطبيق نبضات كهربائية. وقد ذكروزملاؤه
[في طاقم مستشفى فريدريك جوليو في أورسي بفرنسا] أن التنبيه اللطيف لسطح الدماغ
يمكن أن يُحسن أعراض مرض پاركنسون في نسانيس الرباح المصابة بشكل من أشكال مرض
پاركنسون. وهناك تجارب سريرية تشق طريقها في فرنسا ودول أخرى لتحديد ما إذا
كانت هذه المداخلة الجراحية تصح بالدرجة نفسها من الفعالية في البشر.
ومع أن بقاء الكثير مجهولا حول مرض پاركنسون، فإن
التبصرات الجينية والخلوية التي رأت النور في السنوات القليلة الماضية وحدها
تعتبر مشجعة للغاية. فهي تبعث أملا جديدا لمعالجات تُضاف إلى المعالجة الراهنة
كي تبطئ تقدم المرض وتحسن التحكم في هذا الاضطراب المزعج.