ان قيام الثورة الإيرانية منذ عام 1979
تحولا هاما في البنية الجيواستراتيجية لمنطقةٍ يشكل الوطن العربي القلب
منها. وكان لهذا الحدث الكبير انعكاساته العميقة على التفاعلات الإقليمية
والدولية مع المنطقة، غير أن التفاعل العربي معه أخذ طابع رد الفعل غير
المستند لتحليل موضوعي في أغلب الأحيان.
وقد ترواح بين الموقف المؤيد من دون تحفظ
الذي تعامل مع الجمهورية الإسلامية كتعبير أصيل عن الهوية الإسلامية،
وكثورة دائمة ضد الاستعمار ولنصرة المظلومين، أو كاستمرار لصراع تاريخي
"عربي- شعوبي" أو "عربي- فارسي" أو "شيعي- سني" يسقط تناقضات المصالح
المعاصرة ومخاوف الحاضر على الماضي.
وهو ما جعل العلاقات العربية الإيرانية
بحاجة لرؤية علمية تجعل من صياغة المصلحة العربية دالتها الأولى. وهي
المهمة التي لا بد للمفكرين والنخب الثقافية من التصدي لها بالتفكير
الهادئ المستند الى التحليل العلمي وإلى مصالح الأمة بدلا من التفكير
الانفعالي الذي يرافق الأحداث الكبرى، خاصة إذا حملت في ثناياها إرثا
تاريخيا ملتبسا بشكل كبير.
استجابة لهذه الحاجة، بادر المركز العربي
للأبحاث ودراسة السياسات بتنظيم ندوة علمية في الدوحة- قطر تحت عنوان
:إيران والعرب:مراجعة في التاريخ والسياسة في الفترة من 19-20 كانون أول
2010، شارك فيها نخبة من الباحثين العرب يمثلون مدارس فكرية متعددة، وممن
لهم اعتناء بالشأن الإيراني، وهم:
مقدمو الأوراق:
- الطاهر العمارة / العلاقات المغاربية الإيرانية
- أنور طه / الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقضية فلسطين - جدل الأيديولوجيا والمصالح -
- برهان غليون / نحو رؤية استراتيجية لمسألة العلاقات العربية الايرانية
- حسين الزاوي / المغرب العربي وإيران - تحديات التاريخ وتقلبات الجغرافيا السياسية
- طلال عتريسي / حول علاقات ايران مع دول المشرق العربي ودول الخليج
- فهمي هويدي / التاريخ والدين فى العلاقة بين العرب وإيران
- مازن الرمضاني / العلاقة العراقية - الإيرانية : حاضرالماضي ومستقبل الحاضر
- محجوب الزويري / إيران والعرب، في ظلال التاريخ والدين
- محمد الاحمري / الأوهام والحقائق في العلاقات العربية الإيرانية
- محمد السعيد إدريس / إيران والأمن القومى العربى من منظور خصوصيات البيئة الإقليمية
- موسى الغرير / العلاقات العربية - الإيرانية ) السورية - الإيرانية نموذجاً)
- وجيه كوثراني / العرب وإيران بين الذاكرة والتاريخ
- الشيخ راشد الغنوشي / علاقات مغاربية إيرانية مضطرية
- أمل سعد غريب / التزام إيران بالقضية الفلسطينية: الإيديولوجيا والأمن القومي وأمن الهوية
- عبدالعلي حامي الدين / العلاقات المغربية الإيرانية: من القطيعة إلى الانفتاح عوامل التقارب وآفاق المستقبل
- فاطمة الصمادي / إيران و المقاومة الفلسطينية: معادلة الأيديولوجيا والمصالح
- نيفين مسعد / علاقات إيران الدولية والإقليمية وتأثيراتها على الأمن القومى العربى
مشاركون:
- ابتسام الكتبي
- جمال باروت
- حسن البزاز
- رفيق عبدالسلام
- سمير التقي
- عبد ناصر جابي
- عبدالوهاب القصاب
- فارس بريزات
- محمد المصري
- مصطفى الحمارنة
- مؤيد الونداوني
- ميشال نوفل
- هدى حوا
- وليد عبدالحي
ومن خلال الأوراق العلمية
المقدمة والحوار المفتوح الذي تلاها يمكن استخلاص التقرير التالي وهو
الأول من سلسلة تقارير المركز المرتكزة إلى تفاكر في إطار لقاء لمجموعة من
المختصين:
- أقر الجميع بوجود التباسات تاريخية ومعاصرة في شبكة العلاقات العربية
الإيرانية لا مجال لإنكارها،الأمر الذي يقتضي تفكيكا علميا لهذه
الملابسات،والعمل على إعادة بناء هذه العلاقات بما يحقق المصلحة العربية
على أساس أكبر قدر من المكاسب أو أقل قدر من الخسائر.
- إن الدراسة المعمقة لبنية القوى والتوجهات السياسية في إيران تشير إلى
تباين في المسافات الفاصلة بين هذه القوى وبين مراعاة المصالح العربية، إذ
تتراوح نظرة هذه القوى من نظرة عدائية تجاه العرب مسنودة بإرث تاريخي
يرتدي حلة مذهبية أحيانا وحلة قومية أحيانا أخرى، إلى قوى إيرانية أخرى
تنظر للمنطقة العربية نظرة براغماتية محضة، وتسعى لتوظيف المنطقة في إدارة
استراتيجيات صراعها مع القوى الدولية الأخرى، بينما هناك تيار ثالث يبدي
تفهما، بل واستعدادا لتطوير العلاقات العربية الإيرانية محاولا حصار ذيول
إرث العلاقات التاريخية الملتبسة بين الطرفين وإن كان ذلك من منطلق رؤية
للمصلحة الإيرانية.
وقد ساد الندوة توجه يدعو إلى مد الجسور مع التيار
الثالث، والبحث في تحديد نقاط التلاقي مع التيار الثاني، لأن النظرة
الاستراتيجية تشير إلى أن أي صدام عربي إيراني أو توظيف للمنطقة العربية
للمواجهة الدولية مع إيران لن يقود إلى نتائج إيجابية للطرف العربي.
- ينجم جزء اساسي من الخلاف مع إيران عن خلافات عربية عربية تمنع من
بلورة موقف عربي يصلح أساسا للتحاور مع إيران. كما ان الفراغ الذي يتركه
غياب موقف عربي يدافع عن مصالح عربية مشتركة وأمن عربي مشترك يؤدي الى
سلوك ايراني كدولة قومية تأخذ مصالحها هي بعين الاعتبار دون أن يفرض عليها
أن تحدد هذه المصالح بمصالح الآخرين، ما يؤدي الى سياسات تدخل وهيمنة تقوم
على مخططات المستقبل وذكريات الماضي من زاوية نظر إيرانية محض دون أخذ
المصالح العربية، ولا حتى هوية الدولة العربية ومواطنيتها بعين الاعتبار
كما يجري في العراق.
- إن الاستراتيجية الأمثل للعلاقة مع إيران، هي في التحويل التدريجي
والهادئ والمدروس من كونها علاقة صفرية إلى علاقة غير صفرية، تقوم على
توسيع دائرة المصالح المشتركة بشكل تدريجي لمحاصرة وتهميش المصالح
المتعارضة. وقد أولى الباحثون أهمية لأن يكون الحوار العربي مع إيران ذا
طابع جماعي لا يتوقف على العلاقات الثنائية مع كل دولة عربية. ويتطلب ذلك
صياغة الحد الأدنى من المصالح العربية المشتركة والأمن العربي المشترك.
- أكدت البحوث المقدمة ضرورة مطالبة إيران بسلوك أكثر توازنا ووضوحا في
علاقتها مع العراق من ناحية، وأقل تدخلا في الشأن العربي الداخلي من ناحية
أخرى، وهي سياسات على الطرف العربي أن يبدي لتحقيقها قدرا من التفهم
للهواجس الإيرانية، بخاصة في ظل استمرار القلق الإيراني من التهديدات
الدولية لها، وتتجلى بالحصار والعقوبات والقواعد العسكرية الاميركية
المنتشرة حولها، والمواقف العربية من هذه التهديدات.
- أ. لا يمكن فصل الموقف الأميركي المعادي لإيران عن مواقف الأخيرة
المؤيدة للمقاومة بغض النظر عن دوافع الموقف، سواء كانت نابعة من
براغماتية الدولة أو إيديولوجية الثورة.
ب. في ظروف ضمور الدعم العربي
للمقاومة اللبنانية والفلسطينية انزلق الموقف الإيراني المؤيد للمقاومة في
الكثير من الأحيان إلى تدخل في الشؤون الداخلية للدول والمجتمعات العربية
المعنية.
ج. أدت رؤية مصالح الدولة الإيرانية الى تقاطعات بين موقفها
والموقف الأميركي في العراق وأفغانستان، وإلى سياسات ومواقف مناقضة
لمواقفها المعروفة من المقاومة ضد الاحتلال.
- ولا يمكن فصل عدم استقرار العلاقة العربية الإيرانية عن سهولة التدخل
الأميركي في الشؤون العربية، وعن عدم استقلالية بعض حالات القرار العربي
وعدم ارتكازه إلى السيادة الوطنية.
- إن التحدي الإيراني للمنطقة العربية يمكن أن يتطور في اتجاه إيجابي
للعلاقة بين الطرفين، ولكنه قد يتحول إلى تهديد للمصالح العربية ، ولا شك
أن ترشيد السياسات العربية من ناحية، ومحاصرة القوى السياسية الإيرانية
الأقل إيجابية نحو العرب من خلال تطوير العلاقات مع القوى الأخرى، هما
اللذان يحددان إمكانية تحول التحدي إلى تهديد، ناهيك عن ضرورة تحقيق قدر
كبير من استقلالية القرار العربي عن التأثيرات الدولية الخارجية اتي تدفع
باتجاه تشكيل جبهة مناهضة لإيران يصطف العرب فيها.
لقد أقر المشاركون
في الندوة تعقيدات وصعوبات تحقيق هذه التصورات التي طرحوها، غير أنهم
أكدوا عليها لأنها تمثل ما يعتقدون أنها الاستراتيجية الأمثل للتعامل مع
إيران، وهذه هي مهمة النخب الثقافية في أي مجتمع من المجتمعات.
- اتفق الباحثون والمختصون العرب المشاركون على ضرورة أخذ الرأي العام
الإيراني بعين الاعتبار وضرورة تشجيع المواقف المؤيدة للقضايا العربية
فيه، عبر أخذ قضاياه ايضا بعين الاعتبار. إن تجاهل الرأي العام الإيراني
وقضاياه قد يؤدي الى موقف من القضايا العربية يشبه الموقف المنشترة في
مجتمعات أخرى اقتصرت العلاقة معها على العلاقة الفوقية مع الحكومات.
- رغم الانشغال بقضايا العلاقة مع إيران،
واهميتها الاسترتيجية فإن عدد المختصين العرب بالشؤون الإيرانية متواضع
جدا قياسا بأهمية الموضوع. وتثير قلة المختصين العرب بالشؤون الإيرانية
الاستغراب. ولا بد من تشجيع الباحثين العرب على مزيد من التعمق في دراسة
المجتمع والدولة في إيران، لما في ذلك من ترشيد لصانع القرار العربي،
وتحصين للرأي العام العربي من أي تلاعب بمشاعره من قبل إعلام خارجي بهدف
تأجيج مشاعر معينة تجاه قوى إقليمية كإيران وتركيا، نظرا للخطر
الاستراتيجي لمثل هذه السياسات على الوطن العربي أولا.