** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

 

 مـقــــــاربــــة في تأصيل الفكر القومي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي
فريق العمـــــل *****
حمادي


عدد الرسائل : 1631

تاريخ التسجيل : 07/12/2010
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8

مـقــــــاربــــة في تأصيل الفكر القومي  Empty
17062012
مُساهمةمـقــــــاربــــة في تأصيل الفكر القومي

بين من يعتقد أنّ مشكلة العرب الكبرى
تكمن في أنّهم أمّة قول لا فعل... وبين من يعتقد أنّهم أمّة تفتقر إلى
الفكر أجدني في موقع وسط وأرى أن ما تشكو منه يكمن في انعدام التطابق بين
القول والعمل، والناجم عن طلاق بائن بين الفكر والواقع...

وهذا ما يفسّر غياب الممارسة الصحيحة على
الصعد المختلفة وأخصّ بالذكر الصعيد السياسي حيث يظهر بوضوح أن الحركات
والأحزاب السياسية نادراً ما تحقق التطابق بين أفكارها النظرية وسلوكها
العملي، وانّها في وادٍ والجماهير في وادٍ آخر...

فإلى متى ستبقى الأمّة أسيرة هذين
الخيارين الخاطئين: إما الوثوقية التي تحـوّل الفكر إلى عقيدة جامدة تحنّط
المفاهيم وتحجّر الأفكار، وإمّا التجريبوية التي تجعل العمل سلسلة من
الأخطاء التي لا تنتهي!

وإلى متى يستمر ما لهذين الخيارين من
تأثيرات مدمّرة على الأمّة، ويتسبب في ضياع الجهود المبذولة للنهوض الوطني
والقومي ويرمي بها أدراج الرياح !...

أعتقد أن الاهتمام اليوم يجب أن ينصّب
على إحداث القطيعة الجذرية مع هذين النهجين اللذين يلتقيان موضوعياً في
نتائجهما السلبية، وان ينصـرف إلى إنتاج فكر جديد يرفض التعالي على الواقع
وعلى الجماهير، ويؤسس أطروحاته ومفاهيمه انطلاقاً منهما. فكر يستطيع ان
يكون منطلقاً لممارسة ناجعة تتجنّب خطر التجريب المجاني والذي يمكن أن
يقود إلى كوارث قاتلة من جهة، وخطر الوقوف الأعمى الذي يمكن أن يتحوّل إلى
أشكال مهلكة من التعصّب والتطرّف من جهة أخرى.

وقد حاولت في هذا الكتاب أن أطرق باب هذا
الفكر الجديد، وأُنتج في سياقه نصوصاً تتناول بعضاً من أهم القضايا
الفكـرية القومية العربية...

ولم تكن المهمّة يسيرة بالطبع . لكنّي أرجو أن أكون قد وقفت فيها.
والله ولي التوفيق.













فـــي

الدولــة والأمّــة









الدولة اصطلاحاً ومفهوماً:

الدولة اصطلاحاً هي رابطة سياسية ذات
سيادة فعلية على منطقة جغرافية معينة، وهي سيطرة لمنظومة حكم (ملك أو
رئيس) مع حاشيته وأعوانه على الحكم على رقعة من الأرض بما تحتويه من
مقيمين وموجودات مادية وقيم معنوية لفترة زمنية قد تطول أو تقصر.

وإشكالية الدولة هي توازن المصالح بين
منظومة الحكم والرعية فإذا غلبت مصالح الأولى (المنظومة) اعتبرت دولة
استبدادية، وهو غالب الحال أما إذا غلبت مصالح الرعية ووجدت مرجعية(قانون
أساسي) لخلق حالة الترجيح أو كحد أدنى التوازن وتكريس حقوق الرعية في
مواجهة المنظومة فإن الدولة ستكون أقرب إلى الديمقراطية بالمفهوم الحديث.
ومنظومة الحكم في الدولة الحديثة قد تكون أعقد مما ذكر حيث تتكون من
مؤسسات وليس أفراد ومنها المؤسسات الأمنية والاقتصادية والسياسية.

فالدولة تعريفاً هي تجمع سياسي يؤسس
كياناً ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من
المؤسسات الدائمة. وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة
والشعب والإقليم، إضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها
الشخصية القانونية الدولية، ويمكنها من ممارسة اختصاصات السيادة لاسيما
الخارجية منها.

أما الدولة كمفهوم، فليس هناك مفهوم محدد
وشامل للدولة صالح لجميع المراحل التاريخية، لأن الأنظمة السياسية جاهدت
لتحجيم المفهوم لخدمة توجهاتها الفكرية، ويمكن تحديد مفهوم الدولة بثلاثة
أطر (طبقي، حقوقي، أخلاقي) التفسير الطبقي عمد لإخضاع مفهوم الدولة إلى
الفكر من الناحية التراتبية لتبرير وجوب خضوع الطبقات الاجتماعية إلى طبقة
اجتماعية محددة لتحقيق مبدأ العدل ورفع الظلم عنها ليكتسب التفسير الطبقي
للدولة شرعيته.

ويعتقد "روسو" أن ظهور مفهوم الدولة يعود
إلى: "أنها شر أوجدته ظروف خاصة في مقدمتها حالة عدم المساواة في الحقوق
بين أفراد المجتمع".

تعد مفاهيم الحق والمساواة والعدالة...
مفاهيم نسبية واشتراطية في الوقت ذاته، يحددها المُشرّع الحقوقي ويضع
شروطها السياسي ويحدد مقاسها المثقف فهي مختلفة باختلاف القائمين عليها أو
باختلاف السلطة وتوجهاتها. فالتفسير الطبقي (السياسي) لمفهوم الدولة لا
يتفق مع التفسير الحقوقي ولا مع التفسير الأخلاقي للمثقف لاختلاف المصلحة
والتوجه الفكري، فهناك دائما حزمة من المبررات السياسية والقانونية
والأخلاقية تطرح لتأكيد صحة المفهوم المعتمد.

طرأ تغير كبير على مفهوم الدولة ومهامها
عبر الزمن نتيجة تعدد المخاضات السياسية والتحولات الاجتماعية الكبيرة
وتطور مستوى الوعي الإنساني، فأصبحت الدولة (ضرورة وحاجة) وشخصية حقوقية
ومعنوية تعرف بحقوق مواطنيها وتعبر عن المراحل التاريخية والحضارية
لمجتمعاتها.

إذاً الدولة هي المرجعية القانونية للوطن
والمواطن على المستوى العام، وبدونها يبقى الفرد مجهولاً ولا يمكن قبوله
أو التعامل معه، فالانتماء إلى الدولة ــــ الوطن هو تأكيد وتعريف للذات
على المستوى الحقوقي وليس الإنساني.

يقول "الياس مرقص": "يجب فك الارتباط بين
مفهوم الدولة وفكرة السلطة، إنهما اثنان، يجب إقامة مفهوم الدولة ..
المجتمع السياسي ــــ العام (الكلي الخاص أو العام إزاء الخاص) استنفاذ
الدولة كأداة لطبقة ضد طبقة يلغي مفهوم الدولة".

يرى "هيغل" أن الروح تحقق حريتها في
الدولة وعبرها، والدولة عنده أحد منجزات العقل، ولا وجود للإرادة الفردية
هنا لأن الدولة تعبر عن روح الجماعة والإرادة العامة وما الفرد إلا عضو في
الإرادة العامة التي تعمل بذاتها ولذاتها كما الدولة أيضاً فهي الإرادة
الشاملة، وبالتالي فإن العقل معيار تحليل لشكل الدولة، ويرى "هيغل" أن
علينا أن نعترف بأن فكرة الحرية لا توجد بالفعل إلا في واقع الدولة، ولن
تتحقق الحرية عملياً إلا عندما تعبر الدولة عن أهداف المجتمع، من خلال
اختيارات الأفراد، فالدولة عنده هي: "كنه تطور التاريخ"، ويشكل حق الذات
في الحرية نقطة التحول بين التاريخين: القديم والحديث، ويجب على الدولة أن
تكون في خدمة المجتمع، الذي شيد لرعاية مصلحة الفرد في الرخاء والسعادة
والأمن والحرية.

ويعتبر هيغل أن النظر إلى الإنسان خارج
الظروف الإنسانية وتصور الحرية خارج الدولة ضرباً من الوهم والخيال، إذن
فالإنسان توصل إلى الوعي بحريته الفردية التي تحققت في شكل دولة، حيث
أصبحت الحرية فيها نظاماً شمولياً مضبوطاً بدستور تقرره الأمة بحرية، وفي
النهاية تصبح الدولة هي التعبير عن حاجة الكل الشمولية لأنها وجدت بذاتها
ولذاتها، ولأنها تحقق للفرد حريته وتجسد العقل في العالم ــــ العقل
والحرية مفهومان لا فرق بينهما عند هيغل ــــ فالذات ليست حرة طالما لم
يكن الإنسان مواطناً لدولة عقلية يرى مواطنوها عن وعي بأن وحدة الكل هي
هدف جامع.

ويمكن أن نعطي نبذة عن تصورات علماء
الاجتماع حول الدولة القائمة حتى نتبين موقف العروي من أصناف "الدولة
القائمة"، وكيف يبني مفهوم الدولة الحديثة انطلاقا من تصورات علماء
الاجتماع.

يُصَنف "علماء الاجتماع" أربعة تصورات
تعني "الدولة القائمة": النموذج الأول ينفرد به "فريدريك انجلز" ويسمى بـ
"الدولة التاريخية" وهي مرتبطة بالملكية الخاصة، وهذا النموذج نشأ في آسيا
الغربية مبني على "نظرية الحق الإلهي في الحكم" والسلطة الفردية المطلقة،
أما النموذج الثاني فهو الذي وجد عند "كارل ماركس" في نقده لفلسفة الحق
عند "هيغل" وسماه "التنظيمات الجديدة" واتخذ "ماركس" كنموذج لتلك الدولة،
ملكية "فريديريك الثاني" و"لويس الرابع عشر" وإمبراطورية نابليون الأول،
وهو ما يُلَمّحُ إليه العروي بمفهوم الدولة الحديثة، بعد أن يمزجها
بالنموذج الثالث الذي ظهر في "اجتماعيات" القرن التاسع عشر والذي نَوَهَ
بالدولة الصناعية التي تعطي الأولوية للصناعة على الفلاحة في سلم
الأولويات، أما النموذج الرابع فهو الذي ظهر أواسط القرن العشرين في
"الاجتماعيات" والذي سمي بالدولة المعاصرة التي تعتمد على تداخل العلم
والصناعة، إضافة إلى اعتمادها على وسائل الاتصال السمعية والبصرية
والإعلاميات حتى سماها العروي بالنموذج الإعلاموي.

يرفض العروي في كتابه مفهوم الدولة
النموذج الأول ــــ "الدولة التاريخية" ــــ ويصفها بأنها نموذج "جد
فضفاض"، هذا إضافة إلى أنه يقوم على "نظرية الحق الإلهي"، ويستبعد النموذج
الرابع على اعتبار أنه "يخص قسما مازال ضئيلا بالنظر إلى المنتظم الدولي".

يقول العروي: "يبقى النموذجان الثاني
والثالث يتداخلان ويؤلفان نموذجاً واحداً يسمى بالدولة الحديثة، وهو ما
يستعمله الباحثون في العلوم السياسية، وهو ما يسميه العروي أحياناً نموذج
"الدولة الحديثة الصناعية"، إلا أنه يربط الدولة الحديثة أو العصرية
بازدهار الوعي القومي، بحيث يقول: كان المؤرخون ولا يزالون يربطون ظهور
الدولة الحديثة مع مميزاتها العسكرية والتنظيمية والاقتصادية والثقافية
بظاهرة القومية، هذا إضافة إلى ربط مفهوم الدولة الحديثة بمفهوم
العقلانية، بل إن أصل مميزات الدولة الحديثة هي العقلنة، بل إنها في مقدمة
مميزاتها. وفي الفكر السياسي العربي الإسلامي الحديث، يرى البعض أن فكرة
الدولة كانت فكرة أيديولوجية وليست مشروعاً معرفياً نهضوياً حقيقيا، ولعل
الخلط بين مفهومي الخلافة الإسلامية والدولة الوطنية الحديثة، وكأنهما
مفهوم واحد، كان عاملاً مساعداً في الالتباس في مفهوم الدولة الحديثة في
المنطقة العربية، فصياغة نظرية الخلافة تعود إلى القرن الخامس الهجري وما
تلاه، أي بعد تدهور مؤسسة الخلافة في الدولة العباسية، وباستثناء طروحات
ابن خلدون، فإن هذه النظريات تبلورت كأفكار مثالية حول ما يجب أن يكون
وليس كدراسة وصفية لما هو قائم بالفعل؛ لأن القائم كان متدهوراً مع تزايد
حركات المعارضة من جانب فئات الشيعة والخوارج والمعتزلة.

من المهم التمييز بين الدولة والأمة
والحكومة، فالدولة، باختصار شديد، كيان سياسي وإطار تنظيمي يوحد المجتمع،
وموضع السيادة فيه، وتملك سلطة إصدار القوانين والسيطرة على وسائل الإكراه
وتأمين السلم الداخلي والأمن من العدوان الخارجي.

وتختلف تعريفات الدولة في الفكر السياسي
الغربي، عن هذا التعريف التقليدي، وأهم التحديات لهذا المفهوم هو الطرح
الماركسي الذي يرى أن الدولة والمجتمع شيء واحد، حيث الدولة تعبير سياسي
لسيطرة طبقة اجتماعية معينة، وأن الدولة الرأسمالية الحديثة هي امتداد
للطبقة البرجوازية الغنية تمثل مصالحها وتضع لها قوانين وتشريعات..
والدولة لدى الماركسيين هي أعلى تعبير سياسي عن الرأسمالية كنمط إنتاج.

ومهما يكن من أمر فيمكن تلخيص مفهوم
الدولة الليبرالية الحديثة بأنها العقد الاجتماعي (دولة القانون
والمؤسسات) وحقوق المواطن.. فهي سلطة عامة منفصلة عن الحاكم والمحكوم،
تمثل أعلى السلطات السياسية.

يتفق قطاع كبير من المؤرخين على أن مفهوم
الدولة الحديثة ظهر مع كتابات مكيافيللي "القرن 16"، ذلك يعني أن المفهوم
المحدد للدولة لم يظهر في العصور الوسطى ولا ما قبلها، رغم أن كلمة "دولة"
ظهرت في الفكر السياسي الإسلامي وغيره، لكنها كانت مصطلحاً فضفاضاً يراد
به عدة مفاهيم، فأحياناً هي مرادف للحكومة أو النظام السياسي أو كوزارة أو
قضاء أو زعامة وقيادة (دولة بني مروان، بني عباس،..).

وتطورت فكرة الدولة في أوروبا من خلال
تطور الفردانية ومفهوم الحرية المرتبط بها، فتفتيت المجتمع إلى وحدات
(أفراد) يتمتعون نظرياً بالحرية في مواجهة بعضهم البعض هو الذي سمح بتطور
مفهوم الدولة ككيان يتعامل مباشرة مع الفرد بصورة قانونية لا شخصانية، وإن
كانت فردية تقوم على احترام حقوق الفرد في الأمن والملكية والاعتقاد..

في نشوء الدولة:

تعدّ الدولة ظاهرة تاريخية وسياسية
وجغرافية واجتماعية، وقانونية وحضارية، وثقافية الخ، حيث أصبح وجود الدولة
مسألة ضرورية لتنظيم العلاقة بين الأرض والمجموعة البشرية المرتبطة
بالأرض. إذ يعود نشوء الدولة إلى نحو 5000 قبل الميلاد.

وتعتبر مصر واحدة من أقدم الدول التي
ظهرت في التاريخ 3200 قبل الميلاد، حيث يعتقد كثيرون أن فكرة الدول نشأت
في مصر، وانتقلت منها إلى بقية العالم(1).

ولقد عرفت الدولة في سيرورة تشكلها
التاريخية مراحل عدة حتى أصبحت بمنزلة الدولة ــــ الأمة ذات السيادة.
وجاءت الدولة الأوروبية الحديثة بعد مراحل من التفكك والاندماج، وكان ذلك
منذ ظهور معاهدة وستفاليا 1648، التي أنهت الحروب الدينية في أوروبا
واقترحت فكرة الدولة في ذلك الوقت.

بعد سـقوط النظام الإقطاعي، وترسـخ
الثورة الصناعية في بريطانيا (1760-1830)، ونجاح الثورة الأمريكية 1782،
واندلاع الثورة الفرنسية في 14 تموز 1789، بدأت فكرة الدولة الحديثة تترسخ
اعتماداً على مبدأ القومية.

ولقد لعب النهوض السياسي والاقتصادي
والاجتماعي والفكري دوراً في بلورة مفهوم القومية الذي شكل قاعدة الكيانات
الأوروبية التي كانت تعاني من الانقسامات والصراع فيما بينها بهدف السيطرة
على الأراضي والمقاطعات.

وبلغت القومية ذروتها في القرنين 18 و
19، فأضافت بعداً جديداً لفكرة وجود الدولة الحديثة. علماً أن القومية لم
تسلم من الانحدار أحياناً نحو الشوفينية والاعتزاز بالذات واحتقار
الآخرين، مثلما مثلتها حالة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية(2).

ومن هذا المنطلق يمكن اعتبار الدولة
القومية الحديثة ذات السيادة المنتشرة في العالم الثالث، ومنها الوطن
العربي، نتاجاً أوروبياً. وقد تطلب ذلك ثلاثة أمور أساسية، تتمثل في إنجاز
أكبر قدر من المركزية السياسية، وإقرار النظام السياسي، وفرض ثقافة عليا.

مع ظهور فكرة القومية تقلص عدد الدول
بالتدريج في أوروبا، لأن المنحى الذي اتخذته الحركة القومية هو منحى
توحيدي للكيانات الصغيرة المجزأة. فعلى سبيل المثال كان في ألمانيا معاهدة
وستفاليا 900 دولة، وأدت الحروب بينها إلى تناقصها فصارت 355 دولة. وأسفرت
حروب نابليون الأول عن زوال 200 دولة منها. وفي عهد الاتحاد الكونفدرالي
الألماني 1815 لم يبق منها سوى 36 دولة دخلت ذلك الاتحاد، واستمرت عملية
توحيد المناطق بالحرب حتى ظهرت ألمانيا الموحدة على يد بسمارك 1871،
فتكونت من 24 دولة كانت باقية. وكانت عمليات التوحيد عن طريق الحروب
مستمرة في كل أوروبا، وتمت الوحدة الإيطالية 1870 اعتماداً على ضم
الولايات والدوقيات والإمارات والمقاطعات ذات الثقافة المشتركة، وفي
مقدمتها اللغة في دولة واحدة، حيث انتقلت الموالاة في فترة الدمج والتوحيد
من الحاكم إلى الدولة، أي صارت السيادة للدولة. وأسفرت كل هذه الجهود عن
ثورة القومية وفكرتها في أوروبا(3).

إذا كانت الحركات القومية التحررية في
البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة قد أسهمت في قيام دول قومية جديدة، مثل
توحيد فيتنام الشمالية والجنوبية تحت لواء الحزب الشيوعي الذي تبنى
المسألة القومية، وعمل على إنجاز الثورة الوطنية التحررية في مواجهة
الاستعمار الفرنسي أولاً، ثم الإمبريالية الأمريكية ثانياً، فإن هذا النهج
لا يمكن اعتباره قانوناً عاماً. إذ أدت الحركات الانفصالية التي نجمت عن
انشقاق داخل الحركات القومية إلى قيام دول جديدة، مثال انفصال باكستان
الشرقية عن الغربية 1972 تحت اسم بنغلاديش.

وعلى كل حال، فإن أي دولة قومية لها
ظروفها التاريخية والجغرافية والقومية التي أثرت على نشأتها (أي مبرر
وجودها الخاص) ومن هنا يصبح من الصعوبة بمكان وجود تعريف جامع أي مقبول
عالمياً للدولة القومية، لأن كل باحث يركز على زاوية معينة.

وفضلاً عن ذلك، فقد تغير شكل الدولة عبر
التاريخ، وكذلك تغيرت وظائفها، وتغير مفهومها. فالدولة تفاوتت جغرافياً
وتاريخياً من الدولة المدينة، إلى الدولة القومية، إلى الإمبراطورية، إلى
الدولة المركزية الوحدوية، إلى الاتحادية (فيدرالية/كونفدرالية)، إلى
الدولة الديمقراطية، إلى الدولة الديكتاتورية، إلى الدولة الملكية، إلى
الدولة الجمهورية، إلى الدولة الأمة، إلى الدولة متعددة الأعراق. ولذلك
يصعب بل يستحيل وضع تعريف ينطبق على كل مكان وزمان لما تعارف الناس على
أنه الدولة(4).

في تعريف الدولة:

تعدّ العوامل البشرية من أهم المؤثرات في الدولة، وفي سلوكها السياسي، وفي جغرافيتها السياسية،وفي
علاقاتها بغيرها من الأقطار وتشتمل هذه العوامل على التكوين الإثني للسكان
أي القومي (الجنس واللغة والدين)، وعلى عدد السكان وتوزيعهم وتركيبهم
وحركتهم وخصائصهم الحضارية وتنظيماتهم الاجتماعية.

ويمكن القول إن الدولة تتكون من أربعة
عناصر هي: قطعة من الأرض، ومجموعة من الناس وسلطة عليا تنظم العلاقة بين
الأرض والناس والسيادة على أرضها وشعبها من دون تأثير خارجي.

ولا يمكن تصور قيام دولة من دون إقليم جغرافي، أو من السكان قلوا أو كثروا.

الدولة هي مستودع السلطة الشرعية في
التاريخ الحديث ويرى البعض أن العالم من الناحية السياسية عبارة عن نظام
دولي يتكون من عدة أنظمة أصغر تتكون من الدول المستقلة ذات السيادة. وتعتز
غالبية دول العالم بالدولة لأنها أبرزت الخصائص الأساسية (الأرض، السكان،
السلطة، السيادة) التي تؤهلها لذلك.

وعند ما يتحدث البعض عن سلطة الدولة
حالياً في العالم المتقدم، فهم لا يعنون القوة الاستبدادية المنوطة
بالنخبة الحاكمة، فهذه قوتها في تراجع مُستمر، وإنما يعنون قوة المؤسسات
(الانتخابات، البرلمان، الأحزاب، الدساتير، الرأي العام).

في الوطن العربي، لم ينغرس مفهوم الدولة
الحديثة بعد في الفكر السياسي العربي. فكلما وردت كلمة الدولة في الخطاب
العربي المعاصر تحيل على تصورها للسلطة التي يلتبس مفهومها، عند العرب
بمفهوم الدولة(5).

عرف الوطن العربي، ولاسيما المشرق العربي
منه، المدينة الدولة، والنظام الإمبراطوري والتفتت الإقطاعي، لكنه لم يعرف
الدولة على النحو الذي حدث في الغرب الذي يشهد جميع الأشكال السابقة
للدولة الحديثة.

وما التسميات التي أطلقت على أنظمة الحكم
المختلفة من أسماء، كالخلافة والإمارة والسلطنة والولاية وغيرها، لا تحيل
إلا على الأساس الأنتروبولوجي المشترك بين تلك الأنظمة والدولة الحديثة.

ــــ في الدولة الإمبراطورية المركزية
الإسلامية لم يكن سلطانها يتعدى كثيراً المدن والحواضر وظهيرها، وكانت
الجباية من المناطق النائية والهامشية أشبه ما تكون بحملة، أو تجريدة
عسكرية، تذيق سكان تلك المناطق ألوان القهر والعذاب، وكذلك تأديب العصاة
المارقين.

فلا يمكن الحديث عن تجربة دولة على مدى
أكثر من عدة قرون متتالية. وقد انتظر العرب المسلمون أكثر من ثلاثة قرون
حتى عرفوا الدولة في عهد الاستعمار الأوروبي، لذلك لا نجد في المعجمات
العربية ولا في كتب السياسة السلطانية معنى لكلمة الدولة تقربنا من معناها
الذي نتداوله اليوم(6).

كان الجدل الفكري في الوطن العربي حول
مفهوم الدولة عقيماً، ونادراً ما نجد تنظيرات جدية ترتقي إلى مستوى
الإنتاج الفكري لمفهوم الدولة، والسبب في ذلك يعود إلى الفقر المعرفي في
هذا المجال بالذات، وإلى نقص التواصل مع مصادر الفكر الإنساني الذي نظر
للدولة، أمثال أفلاطون، أرسطو، ابن خلدون، روسو، كانط وهيغل.

إن الحرية لم تكن توجد إلا خارج الدولة
وبالتضاد معها ولم تكن الحرية تتجلى في تاريخنا الطويل إلا في البداوة
والتقوى والتصوّف. وأن البنى ما قبل الدولتية كانت ولا تزال ملاذاً آمناً
من سيطرة السلطة التي تتجلى في العشيرة والغنيمة والعقيدة(7).

الدولة هي العنصر العام المشترك بين جميع
المواطنين. ولما كان العنصر العام هم العنصر الفعلي والأخلاقي، فإن الدولة
هي تجسيد للفعل وتجسيد للأخلاق وتجسيد للحرية. ذلك لأن أساسها هو الفعل
والأخلاق والحرية، أي الإنسان/المواطن، وهذا الأخير هو أساس المجتمع
المدني الحديث.

عايش العرب تجربة الدولة في العهد
الكولونيالي وفي عهد اللحظة الليبرالية الذي تلاه، فعرفوا البرلمان
والانتخابات التشريعية والدستور والقانون الوضعي وفصل السلطات والجيش
الوطني والإدارة المدنية البيروقراطية والنقابات والأحزاب السياسية
والصحافة الحرة والتعليم العلماني والصناعة الحديثة والزراعة الحديثة لكن
العرب لم يعرفوا فكرة الدولة، ولم يبلوروا نظرية عن الدولة(8).

وبعد ذلك جاءت السلطات الشمولية التي
حكمت الوطن العربي فغابت الدولة في الفكر السياسي العربي وفي الوعي
الاجتماعي إلا بوصفها سلطة تعسفية استبدادية.

ليس لدينا إذاً سوى فكرة مسبقة وناجزه عن
الدولة، أي ليس لنا سوى أدلوجة عن الدولة حسب تعبير العروي الذي يؤكد أن
"أدلوجة الدولة سابقة على نظرية الدولة"(9).

من هنا فإن فكرة الدولة هي المقدمة الضرورية لعقلنة السياسة.

يرى العروي أن "الفكر السياسي الإسلامي
صورة مقدسة للتجربة السياسية العربية" وأن المفكرين المسلمين يتفقون في
تصورهم لطبيعة الدولة ويستعملون مفهوماً واحداً هو الذي نجده في القاموس
تحت مادة (دول). إذا لخصنا تعريفاتها وجدناها تتناول جميعها ميدانين. هما
الحرب والمال، وتؤدي معنيين: الغلبة والتناوب.

الغلبة في الحرب تؤدي إلى الاستيلاء على
المال والاستقلال به، لكن الحرب سجال، ولا دوام لسلطة جماعة واحدة إذ لا
بد أن تضعف وأن تخلفها جماعة أخرى. وما تحليلات ابن خلدون المتشعبة إلا
تعيينات لفكرة القهر والاستئثار من جهة وفكرة التداول من جهة أخرى(10).
ويضيف العروي: هذا هو واقع الدولة، مفهومها هو التسلط (بحكم هذه التجربة)
لا يمكن تصور دولة بلا جماعة معنية بالخبرات، وبالمقابل لا يمكن تصور
الحرية، إلا خارج الدولة، أي في نطاق الطوبى(11).

تجربة الدولة العربية والحداثة السياسية:

الدولة العربية الحديثة، لا تعبر عن
الدولة ــــ الأمة كنموذج غربي بأي معنى من المعاني، سواء منها القطرية
التي اختزلت مفهوم الأمة في حدودها القطرية الموروثة من الاستعمار
الأوروبي، أو القومية الحديثة التي عبرت عن دائرة انتماء أوسع، وحاولت ربط
العرب بأيديولوجية قومية علمانية، ترتكز على مفهوم الوطن الواحد. كما أن
هذه الدولة العربية ليست متحداً سياسياً فيه إجماع من قبل الشعب على شرعية
النظم السياسية الحاكمة، التي يسيطر عليها حكام ذاتيون متقلبون، وتتسم
بانتشار الفساد الواضح على صعيد أعضاء الحكومة والمؤسسات والبيروقراطية
الحزبية والبوليسية، وبالانتهاك الصارخ والاعتباطي لحقوق المواطنين
وحرياتهم.

على الرغم من حدوث الاستقلال السياسي في
معظم البلدان العربية منذ أواسط القرن العشرين، فإن عملية انبثاق الدولة
العربية قد نمت ضمن سيرورة "العصرنة السياسية" التي أدخلتها الإمبريالية
الأوروبية إلى العديد من البلدان العربية، كالتمدن والتصنيع، وتطبيق نوع
من الديمقراطية البرلمانية، والنظام البيروقراطي الحديث، والتعليم الحديث،
ومشاركة وسائل الإعلام، واستبدال عدد كبير من السلطات السياسية التقليدية
والدينية والعائلية بسلطة سياسية "وطنية" علمانية، وضمن البنية وعلاقات
التبعية البنيوية للإمبريالية التي يتصف بها المجتمع العربي بشكله
"الحديث" الذي يتألف من ثلاث طبقات متميزة على حد قول الدكتور هشام شرابي:
"الجماهير الفقيرة (ومعظمها ريفي) والبرجوازية الصغيرة (التي تسكن المدن)،
والبرجوازية الحاكمة التي تمتلك في يدها كل السلطة وكل الثروة الوطنية
تقريباً. وقد تم الاستقلال الوطني (بالأحرى التبعية) ونشأة نظام الدولة
المعاصرة في الوطن العربي، بقيادة هذه البرجوازية (البطركية الحديثة)، وفي
ظل أفكارها وأهدافها وهي الطبقة التي تمثل النتاج الاجتماعي المباشر
والأكمل لعصر الإمبريالية"(12).

تفترض العصرنة السياسية المشاركة
المتزايدة في السياسة من قبل فئات اجتماعية من المجتمع ككل، وقد تسهم
المشاركة الموسعة في السياسة في تعزيز سيطرة الحكم على الشعب، كما في
الدول الكليانية أو أنها قد تسهم في تعزيز سيطرة الشعب على الحكم، كما
يحدث في بعض الدول الديمقراطية، لكن في كافة الدول العصرية يصبح المواطنون
معنيين مباشرة بشؤون الحكم وتحت تأثيرها، إن السلطة العقلانية والبنية
التفصيلية والمشاركة الجماهيرية هي إذاً ما يميّـز أنظمة الحكم العصرية عن
أنظمة الحكم السابقة(13).

إلغاء فكرة الدولة:

بقيت الدولة في شتى أشكالها التقليدية
الموالية للغرب، أو "الثورية العسكرية"، التي انتهجت سياسة تعديل شروط
العلاقة مع الإمبريالية، دولة تفتقد إلى العقلانية مطبقة في السياسة، ولا
زالت سياسة الدول العربية هذه غير متحررة من المطلقات، وذات بنية تقليدية
من حيث الجوهر، ولا ترتكز هذه سياستها على خدمة المصلحة القومية أولاً،
ولا على التمييز بين الحقيقة الواقعية والمعتقد ثانياً، ولا على مبدأ
سيادة الأمة ثالثاً.

لا شك أن أوجه العصرنة الاجتماعية
والثقافية التي قامت بها الدولة العربية أضحت واضحة للعيان، من خلال
تعميمها التعليم ومجانيته دون أن تجعله إلزامياً، وبذلك فإن عدد الأميين
يتضاءل باطراد وترتفع نسبة خريجي المدارس الثانوية والجامعات والمعاهد
العليا، وتشهد المدن العربية نمواً سريعاً وإن كان متوحشاً في غالبيته
نظراً للهجرة المكثفة من الريف إلى المدينة، وبروز أحزمة البؤس والفقر في
معظم المدن العربية، وتنتشر وسائل الإعلام والاتصال وتزداد توسعاً، ويشهد
الدخل الفردي الإجمالي نمواً من الناتج القومي، ويتم تجهيز المستشفيات
والأطباء والآلات الحديثة، ويرتفع مستوى المهارة المهنية بشكل ملحوظ في
مجال الزراعة والصناعة. غير أن العصرنة السياسية التي تعني من وجهة نظر
عملية عقلانية السلطة، وتوسيع المشاركة السياسية، والانتقال إلى نظام حكم
ديمقراطي، لا تزال تسير وفق آلية بطيئة.

في العلاقة التنابذية بين الأمة والدولة في الوطن العربي:

الأمة في اللغة تعني الجيل والجنس من كل
حي. وردت كلمة الأمة بالمفرد 52 مـرّة، وبالجمع 13 مرّة، في القرآن الكريم
والسنة للدلالة على جميع المسلمين في كل مكان أو زمان قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا البقرة: 143. ولفظ الأمة قد يطلق ويراد به الجماعة، وقد يراد به الدين والملة كقوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍالزخرف: 22. وقد يطلق ويراد به الذي يُقتدى به في الخير، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةًالنحل: 120.

إن لفظ الأمة قديم في اللغة العربية وشاع
منذ ظهور الإسلام في بداية القرن السابع. وقد ورد ذكره في القرآن الكريم
في مراجع كثيرة. لكنه من الألفاظ الحديثة في تاريخ أوروبا. ولم يتفق
الفقهاء على تعريف محدد للأمة.

مفهوم الأمة عند الفارابي:

واهتم الفارابي (339هـ) بموضوع الأمة
اهتماماً بالغاً إذ يمكن القول إن هذا الاهتمام يمثل موقفاً متميزاً من
مواقف كل الذين كتبوا حول الأمة بين النص القرآني والنص الخلدوني إذ يتضمن
في بنيته العامة كلاماً يتجه نحو واقعية التحليل الخلدوني وكلاماً ينحو
نحو مثالية الأمر القرآني كما يقول ناصيف نصار.

من البديهي أن الوحدة الاجتماعية
السياسية التي يعنى بها الفارابي أكثر من غيرها هي (المدينة)، وترادف لفظة
الأمة، إذ نراها بوضوح متضمنة في نصوص عديدة في كتبه من أمثال السياسة
المدنية وإحصاء العلوم وتحصيل السعادة والحروف وآراء في المدينة الفاضلة.
والذي نريد قوله هنا إن هذه النصوص الفارابية التي أشرنا إلى مواضعها نجد
فيها تصوراً يطابق ما يردده ابن خلدون (808هـ) فيما بعد حيث يصرح
بالاقتران الثابت بين تصور الأمة وتصور الجيل.

إن مفهوم الفارابي أقرب إلى المفهوم
السياسي لمعنى الشعب حيث ترد المفردة بلفظها عنده فيقول: العرب يعنون
بالجوهر الأمة والشعب والقبيلة من حيث إنّ محور التقسيم في فلسفة الفارابي
السياسية هو (المدينة) وإن إغفالها أو إسقاطها ذو دلالة مع أنه لا يعني
أبداً أن الفارابي لا يعتبر الجماعة القبلية في نظرته الاجتماعية(14).

أي أن مفهوم الأمّة عند الفارابي هو مفهوم اجتماعي محوري يتمتع بمكانة عالية، ويشكل مستوى أهم من مستوى المدينة.

مفهوم الأمة عند ابن خلدون:

إذا ما ذهبنا إلى النص الخلدوني نجده هو
أيضا لديه التباس مفهوم الأمة بمفهوم القبيلة ويستند تصورها إلى تصوّر
العرق ونلاحظ في مواضع متعددة من نصوص (المقدمة) ارتباط الأمة بالعشائر
والقبائل كما نجده يذكر لفظة الشعب حيث يقول: إن الملك إذا ذهب عن بعض
الشعوب من أمة فلا بد من عودته إلى شعب آخر منها ما دامت لهم العصبية.
والفارابي لا يستعمل لفظة الأمة بالمعنى الديني المتداول المعروف بل
يستعملها بالمعنى الاجتماعي الطبيعي الفلسفي مميزاً مضمونها من مضمون لفظة
المدينة ولفظة المعمورة ويوافقه على هذا الرأي ابن خلدون فإنه يستعمل لفظة
(الملة الإسلامية) ولا يستعمل لفظة الأمة بالمعنى الديني إلا في مواضع
نادرة.

ابن خلدون هو صاحب النظرية الاجتماعية
والتاريخية التي جاءتنا في المقدمة، وحين تطرق إلى موضوع الأمة، تطرق
إليها من زاوية المؤرخ الاجتماعي. وقد قام بالربط بين مفهوم الأمة ومفهوم
الجيل، إذ إن المفهومين يأتيان معاً في معظم فصول مقدمته، على سبيل العطف
أو البدل. وأكثر من ذلك، فإن ابن خلدون يفتتح كلامه على العمران البشري
بمفهومي الجيل والأمة. "الحمد لله الذي له العزة والجبروت... العالم...
القادر... أنشأنا من الأرض نسماً، واستعمرنا فيها أجيالاً وأمماً".
العمران البشري أجيال وأمم. هذا هو المعطى العام الأول، بحسب نظرة ابن
خلدون. ولا يوجد في أبواب (المقدمة) خروج عن حدود هذا المعطى، كما يظهر من
المقتبسات التالية، المأخوذة من مختلف تلك الأبواب.

"إن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال"(15).

يقول الكاتب اللبناني ناصيف نصار في معرض
تحليله للمفهوم الخلدوني عن الأمة، وعن ارتباط هذا المفهوم مع مفهوم
الجيل، بأنه ارتباط غير عارض، إذ لا يوجد حسب قول نصار سوى نص واحد في
المقدمة يحدد فيه ابن خلدون معنى الأمة. ولذا نثبته فيما يلي بأكمله.

"ولما رأى النسابون اختلاف هذه الأمم
بسماتها وشعارها حسبوا ذلك لأجل الأنساب. فجعلوا أهل الجنوب كلهم السودان
من ولد حام وارتابوا في ألوانهم، فتكلفوا نقل تلك الحكاية الواهية. وجعلوا
أهل الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد يافث، وأكثر الأمم المعتدلة وأهل
المتوسط المنتحلين للعلوم والصنائع والملل والشرائع والسياسة والملك من
ولد سام. وهذا الزعم وان صادف الحق في انتساب هؤلاء، فليس ذلك بقياس مطرد.
إنما هو أخبار عن الواقع، لا أن تسمية أهل الجنوب بالسودان والحبشة من أجل
انتسابهم إلى حام الأسود. وما أداهم هذا الغلط إلا اعتقادهم أن التمييز
بين الأمم إنما يقع بالأنساب فقط، وليس كذلك. فإن التمييز للجيل أو الأمة
يكون بالنسب في بعضهم كما للعرب وبني إسرائيل والفرس، ويكون بالجهة والسمة
كما للزنج والحبشة والصقالبة والسودان، ويكون بالعوائد والشعار والنسب كما
للعرب، ويكون ذلك من أحوال الأمم وخواصهم ومميزاتهم. فتعتيم القول في أهل
جهة معيَّنة من جنوب أو شمال بأنهم من ولد فلان المعروف لما شملهم من نحلة
أو لون أو سمة وجدت لذلك الأب، إنما هو من الأغاليط التي أوقع فيها الغفلة
عن طبائع الأكوان والجهات، وإن هذه كلها تتبدل في الأعقاب ولا يجب
استمرارها"(16).

لم يهتم ابن خلدون بتبرير استعماله لكلمة
أمة في كل مرة استعملها. فعلى القارئ المدقق أن يكتشف المعنى المقصود في
كل مرة، بحسب الشروط المقارنة والمفاهيم المصاحبة، كمفهوم الجيل أو
القبيلة أو العشيرة أو الجهة أو غيرها.

ومهما يكن من أمر دقة استعمال ابن خلدون
لمصطلح الأمة، فإن نظرته العامة إلى المراحل التاريخية الكبرى واضحة، إذ
تقوم على أن كل مرحلة تتميز عن غيرها بعدد من الأمم من حيث الظهور
والسيادة.

في سياق التحقيب التاريخي في النص
الخلدوني الوارد في المقدمة، لا يربط ابن خلدون مفهوم الأمة بالجيل
والقبيلة فحسب، بل ربطه بالوطن أيضاً. وذلك من خلال قوله: "إن كل أمة لا
بد لهم من وطن هو منشؤهم ومنه أولية ملكهم".



تعريف الأمة في العصر الحديث:

نصل بعد هذا الاستعراض التاريخي إلى
نتيجة تتعلق بالتعريف الحديث للأمة ألا وهي جماعة إثنية من البشر لها
خصائص تربط بين أفرادها برابطة الانتماء والولاء لها من خلال وشائج
التاريخ المشترك، والعادات والتقاليد، واللغة، والثقافة، والدين،
والحضارة، وتُميزها هذه الخصائص عن غيرها.

هناك شبه إجماع على أن تاريخ الأمم
القديمة، التي ظهرت على مسرح التاريخ وكونت إمبراطوريات مثل الصين والعرب،
ليس بالتأكيد هو تاريخ الأمم الأوروبية. وهذا الاختلاف الجوهري نفهمه مما
كتب ماركس وإنجلز عن العرب والهنود وغيرهم من شعوب الشرق. فالأمم قديمة
وعالمية، وتاريخها طويل جداً ومتنوع. تاريخ الشعوب بعد ظهور الإنسان النوع
هو، جوهرياً، تاريخ تكوّن الأمم. ومن التعريفات التي تناولت مصطلح الأمة
ورد في موسوعة ديــدرو Diderot الفرنسية أن الأمة هي "اسم جنس يدل على
مجموعة كبيرة من الناس، يعيشون على قطعة من الأرض، داخل حدود معينة،
ويخضعون لحكومة واحدة"(17).

إن مشكلة هذا التعريف تتمثل في اعتبار
جميع رعايا الدولة الواحدة أمة واحدة، بصرف النظر عن انقساماتهم الإثنية
والقومية. لقد كانت ألمانيا، قبل إنجاز الثورة الديمقراطية البرجوازية،
مجزأة إلى عدة دويلات صغيرة، فهل يعقل أن نعتبر سكان برلين وبون
وفرانكفورت من أمم مختلفة لأنهم ينتسبون إلى دول مختلفة؟ وكذلك الأمر
بالنسبة إلى الإمبراطورية العثمانية التي كانت تضم عدة أقوام مثل الأتراك
والعرب والأرمن والبلغار والأكراد.. الخ فهل يعقل، أيضاً، أن تعتبر هذه
الأقوام كلها أمة واحدة لأنهم يخضعون لدولة واحدة؟(18).

لذلك علينا، ومع احترامنا لما تذهب إليه
بعض النظريات الحديثة في الأمة من أن هذه الأخيرة لا توجد إلا في الدولة،
أن نميّز بين تشكّل الأمة عبر سيرورة تاريخية معقدة وبين وجود الدولة. فمن
الممكن جداً أن تكون الأمة موجودة من دون تحقيق وحدتها السياسية في إطار
"الدولة الحديثة".

يمكن القول إن الأمة جماعة من الناس لها
خصائصها ومكوناتها هي: منطقة جغرافية، والرغبة في العيش سويا ًأي وحدة
المشيئة والإرادة، واللغة المشتركة، والعادات والتقاليد وحدة الثقافة
والتاريخ المشترك.

وقد تكون الأمة خاضعة لعدة دول كما هو
حال الأمّة العربية والأمّة الألمانية سابقاً والأمّة الكورية. ويعتبر
التاريخ والعادات والتقاليد ووحدة الثقافة واللغة من أهم العوامل التي
تخلق شعور القرابة المعنوية بين أبناء الأمة.

في كتابه المهم "اللغة العربية والهوية
القومية" الصادر عن جامعة إيدنبرغ سنة 2003، يتعرض الباحث ياسر سليمان
لأفكار حسن المرصفي ونجيب عازوري والقاضي اللبناني عبد الله العلايلي الذي
نشر عام 1941 كتابه "دستور العرب القومي" وغيرهم من الكتّاب ممن تناولوا
موضوع دور اللغة في تعريف الأمة. ويتوقف عند العلايلي الذي يرفض التعريفات
الغربية للأمة، الأمر الذي شاطره فيه مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق الذي تأثر
بأفكاره أيضاً المفكر القومي المعروف نديم البيطار الذي اهتم أيضاً بوظيفة
اللغة الاتصالية وبصفتها مميزا ومحددا للحدود. فمن جهة الأمة تجتمع نتيجة
لتبادل الأفكار والمشاعر، وهذه الأفكار والمشاعر تميز الأمة عن غيرها، ومن
هنا جاءت أفكار للبيطار مثل عدم جواز ترجمة القرآن حرصاً على خصوصيته
العربية.

يولي سليمان ساطع الحصري (1880-1968)
ـــــ وهو أحد أهم ممثلي الأيديولوجية القومية العربية ـــــ أهمية خاصة،
ويلتفت إلى دور التعليم في التحديث وبناء الأمة. فقد أصر على أن تكون
العربية لغة التعليم الوحيدة في مرحلة ما بعد سقوط الإمبراطورية
العثمانية، وعلى تعريب المصطلحات العلمية. وتعريف الحصري للأمة يركز على
العامل الثقافي أكثر من السياسي، فهو لا يرى الدولة شرطاً ضرورياً أو
كافياً لتكوين الأمة.

يرى ساطع الحصري، في هذا المجال، أن بعض
الأمم قد تكون مجزأة وموزعة بين دول عديدة كما كانت الأمة الألمانية قبل
اتحادها، وكما هي الأمة العربية في الحالة الحاضرة.. كل أمة تنزع إلى
تكوين دولة خاصة بها، إلا أنها تكون موجودة قبل أن تتوصل إلى تكوين
الدولة، كما أنها تبقى "أمة" ذات كيان خاص حتى إن فقدت الانتظام في شكل
دولة. وتكون أمة واحدة ولو تعددت الدول التي ترعى شؤونها. فالأمة والدولة
شيء آخر.

ويبدو الحصري قريباً من النموذج الألماني
في تعريف الأمة، ولكن بينما يهتم الفلاسفة الألمان بالآخر والمقارنات،
يهتم الحصري بالعامل الداخلي للروابط العربية دون كبير انشغال بالأمم
الأخرى. ويؤمن بأن للدين دوراً رئيساً في تكوين الأمة عندما تكون ذات نوع
منغلق مثل اليهودية ولكن ليس على أديان مثل المسيحية والإسلام، لاسيما
للتعدد اللغوي لأمم هذه الديانات.

أما بخصوص الدين كعنصر مكون للأمة فقد
حدث اختلاف عليه، فعندما نشأت الأمة والقومية في أوروبا لم يكن الدين من
مكوناتها نظراً لتبني معظم الدول الغربية العلمانية التي قادت إلى فصل
الدين عن الدولة. لأن هذه الأفكار نشأت في أوروبا في القرنين 18 و19، بعد
فك الارتباط بين الدولة والكنيسة والفصل بينهما وسيادة النزعة العلمانية
هناك.

الحركة القومية في العصر الحديث:

تجدر الإشارة إلى ظهور قوتين كبيرتين في
الوقت الحاضر تؤثران بشدة على المسرح السياسي الدولي، واحدة منها القومية،
والأخرى الأصولية الدينية. وهما ليستا بجديدتين، وأنهما قديمتان، وكان
لهما دور سياسي كبير عبر التاريخ(19).

فالقومية هي أساس نشأة الحداثة، وقبل
القومية كانت الدولة الدينية ويشهد العالم في الوقت الحاضر صراعاً قومياً
مريراً من قبل قوميات وجماعات دينية تريد الانفصال عن دولها، وهما يشكلان
حالياً جزءاً من الحركات الاجتماعية الأوسع المؤثرة على المسرح السياسي
الدولي.





وهناك اتجاهان فيها يتعلق بالحركة القومية:

1ـ الأول يرى أن القومية مفهوم أيديولوجي، وفي السياسة يعني الأمة، فضلاً عن مصالحها القومية.

2ـ الثاني يرى أن القومية هي قوة
اجتماعية مستقلة، وهي متغير مستقل في التاريخ، وروجت لها النخبة، وتجاوبت
معها الجماهير كمحدد للهوية.

ونقلت النخبة العربية الفكرة القومية هذه عن أوروبا، علماً أن فكرة الأمم أقدم عندهم.

وانقسمت آراء النخبة في الوطن العربي
بخصوص فكرة القومية، فهناك من يعتقد في الفكرة القومية، كما نقلها عن
أوروبا من دون تعديل، وهناك من ينفي هذه الفكرة بالكامل على أساس أنها ضد
الدين، وهناك من يحاول التوفيق.

فالفريق الأول يهدف من وراء رأيه إلى فصل الدين عن الدولة، ومن ثم لا يكون الدين من الأسس التي تنظم على أساسها حياة الدول والشعوب.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفكرة
ظهرت أولاً في بلاد الشام والعراق، وهي كثيرة الطوائف الدينية، ولذا تبنى
زعماء فكرة القومية العربية هناك مبدأ الفصل بين الدين والدولة خشية حدوث
اضطرابات في دولهم، وآمنوا بفكرة القومية العربية، ويرفضون فكرة الوحدة
الإسلامية.

أما الفريق الثاني فلا يقر بفصل الدين عن
الدولة، وأن حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية يجب أن تنظم
كلا على أساس الدين. فالإسلام دين ودولة، وهم يرفضون القومية العربية،
ويقولون بالوحدة الإسلامية وزعماء هذا التيار من مصر لأنها تعاني من
الطائفية كما تعاني بلاد الشام والعراق(20).

وأما الفريق الثالث، وهو الواقعي فيرى
أنه لا يمكن تجاهل الدين الإسلامي مطلقاً تحت أي سبب من الأسباب في تنظيم
الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاد العرب لأن الإسلام دين
ودولة ما وبالمثل لا يمكن تجاهل القومية العربية مطلقاً، أي التوفيق بين
الوحدة الإسلامية والقومية العربية، لكن في حدود بلاد العرب فقط، حتى تكون
المسألة واقعية وقابلة للتنفيذ.

أيهما أسبق الدولة أم الأمة:

عرفت الحركات القومية في سيرورة تشكلها
التاريخي طيلة القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين عدة
أنماط. ويتعلق النمط الأول بالحركات القومية التي نشأت في الدول الغربية،
منبت الفكرة القومية ذاتها. ففي أوروبا الغربية، حيث كانت الرأسمالية
صاعدة، كان هناك تقارب كبير حول تاريخ ظهور فكرة الأمة والقومية.

وفي القرن العشرين شاع نمط الحركات
القومية التحررية، حيث كانت تعتبر المسألة الوطنية، أو المسألة القومية
تعتبر قضية ثورية في مقارعة الاستعمار والإمبريالية. وتعتبر الحركات
القومية التحررية هي المسؤولية عن حصول المستعمرات على استقلالها. وكانت
كل الحركات الساعية إلى استقلال الدول عبارة عن حركات تحرير قومية، وتجدر
الإشارة إلى أن حركات التحرير القومية التي ظهرت في القرن العشرين اتخذت
الطابع الاشتراكي فأصبحت حركات تحرير قومي اشتراكي.

القضية القومية في الوعي العربي:

الأيديولوجية القومية العربية ولدت في
المشرق العربي، ولم تتبلور نظرية قومية عربية إلا في النصف الثاني من
القرن العشرين، يوم كانت شمس القومية قد بدأت تميل إلى الغروب عن أوروبا،
في عالم بدأ يتنبه للشرور الإمبريالية في القومية المسلحة بالأسنان
والأنياب كما لاحظ جورج طرابيشي(21).

القضية القومية واحدة من القضايا
الأساسية التي احتلت مركزاً مهماً في تاريخ القرن التاسع عشر والقرن
العشرين، حيث لعبت فيها الحركات القومية دوراً بارزاً.

وعلى الرغم من أن تكوين الأمم يمتد إلى
تاريخ طويل جداً وأن عوامل تكوين الأمم نشأت وتبلورت عبر المسيرة العميقة
للحركة التاريخية، قبل ظهور الرأسمالية، فإن ستالين اختصرها فيما بعد بعصر
صعود الرأسمالية والطور البرجوازي الصاعد.

إن غياب الوحدة السياسية للأمة، لا يلغي
وجود الأمة القومية، والتسليم بوجود أمة عربية واحدة، مع أن آلية الاقتحام
الإمبريالي الغربي في الوطن العربي، وقانون التجزئة الموضوعي للأمة
العربية، وتثبيت قاعدة الكيان الصهيوني المرتبطين بقانون التخلف والتبعية
للإمبريالية، لا يلغي كل هذا، وجود الأمة العربية، لأن وجود الأمة العربية
تاريخي، وإن كان هذا الوضع قد نشأ عنه كيانات قطرية، وطبقة برجوازية
طفيلية مرتبطة وتابعة، لها تعبيرات سياسية معادية للقضية القومية العربية.

إن الطابع المشرقي للحركة القومية
العربية قد يفسر عدم ارتباط فكرة الأمة بفكرة الدولة لدى روادها الأوائل،
ثم لدى منظريها فيما بعد، مع أن مبدأ القوميات في كل مكان يقوم على أن
"لكل أمة الحق في أن تكون دولة... وينبغي أن تتطابق حدود الدولة مع حدود
الأمة... وأن للأيديولوجية القومية صوتاً مزدوجاً: بصوت أول تتكلم عن
التوحيد، وبصوت ثان تتكلم عن الانفصال".

إن رواد الحركة القومية، أسقطوا عامل
الدولة من المسألة القومية بسبب نزعة عثمانية ترتكز على "ضرب من الانتماء
الديني يتنافى أو يتعارض أو على الأقل لا يتطابق مع الانتماء القومي"
ونعيد تفسير حق الأمة، أو المبدأ القومي، من منطلق مجاملة، ذلك الشعور
الديني، مما عرض الأيديولوجية القومية لعملية مماثلة لتلك التي عانت منها
الأيديولوجية الليبرالية، والاشتراكية والعقلانية عند تكريرها في مصفاة
المذهب التوفيقي لمعظم أيديولوجيي عصر النهضة العربي(22).

إن النزوع إلى تفسير القومية العربية
تفسيراً ثقافياً، لا سياسياً، سيبقى هو النزوع السائد لدى واضعي النظرية
القومية العربية، ولاسيما لدى ساطع الحصري وورثته.

إن خطورة النزعة الثقافية، تكمن في
تجاهلها عامل الدولة في المسألة القومية، أي أنها تكمن في ترجيحها لـ كفة
ما يسمى بالقومية السلبية على كفة القومية الإيجابية، قومية مجرد الشعور
الانتماء على قومية الوعي والفعل.

لقد غدت الحركة القومية العربية بعد
الحرب العالمية الأولى ثورات وطنية (إقليمية) على الاستعمار الغربي وعلى
سياساته التجزيئية، في سبيل الاستقلال، ثم حركة احتجاج على الصيغة
الإمبريالية وعلى إقامة الكيان الصهيوني، بعد استقلال الدول العربية.

وهي في جميع الأحوال حركة نخبة ذات وعي
ملتبس، شبه تقليدي وشبه حديث وذات رؤية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مـقــــــاربــــة في تأصيل الفكر القومي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مـقــــــاربــــة في تأصيل الفكر القومي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
انتقل الى: