ذوات - نزهة صادقتعتبر النزعة الإنسية من أهم المذاهب والرؤى التي أثارت اهتمام الباحثين من مشارب فكرية مختلفة، وقد رجع بنا الكاتب العراقي رسول محمد رسول بدراسة حول النزعة الإنسية إلى القرن الأول الهجري، وتحديداً إلى الأربعين سنة الأولى منه، تلك التي شهدت ولادة أول نص فكري إسلامي، يتضمَّن رؤية واضحة وباكرة عن النزعة الإنسانية أو (الأنسنة)، وهي رؤية، حسب الكاتب، غاب تناولها من جانب الباحثين في شؤون تلك النزعة التي حركت الفكر الأوروبي الحديث بداية، والفكر العربي الحديث تالياً، حيث لم تتطرق لها دراسات عربية حديثة ألقت الأضواء على تلك النزعة في الفكر العربي الإسلامي كأبحاث الدكتور عبد الرحمن بدوي وأبحاث الدكتور محمد أركون وغيرهما.
وقد نشرت هذه الدراسة في موقع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" تحت عنوان " جذور النَّزعة الإنسية في القرن الأول الهجري"، وتتصدّى إلى تحليل بنية النص الذي ورد في تلك الرسالة الديوانية، والذي جاء فيه: (.... الرعية صِنْفَانِ؛ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّين، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ في الْخَلْقِ..). ولما كان نص كهذا يتداخل فيه التاريخ مع المعرفة الفكرية، فإنّ الباحث توفّر على ثلاثة مناهج؛ المنهج التاريخي كون النص إياه يرتبط بتطورات أحداث شهدها الواقع العربي الإسلامي اليومي في الأربعين سنة الأولى من عمر الدولة الإسلامية الوليدة. والمنهج التأصيلي كون هذا النص يمثل جذراً أصيلاً لولادة الفكر الأنسني في الفكر العربي الإسلامي في بواكير حراكه الأولى، وهي البواكير التي لم يتناولها المتخصصون العرب ولا غيرهم، ممن اشتغل على جذور النزعة الإنسانية في الفكر العربي الإسلامي. والمنهج البنيوي كون هذه الدراسة تتصدّى إلى تحليل بنية النص المذكور وفق أنموذج نظرية (رومان جاكوبسون) في الفعل التواصلي، والذي اشترط وجود ستة مفاهيم أساسية في هذا السبيل، على الرغم من أنّنا بصدد نص توجيهي غير أدبي، وهي؛ المرسِل، والمرسَل إليه، والرسالة، والسياق، والاتصال، والسنن أو التشفير.
وما يميز الدراسة هو كونها تعود إلى بدايات انبثاق نزعة الأنسنة في الفكر الأوروبي الحديث لتقف عند دلالة ما هو أنسني مصطلحًا، ومن ثم تلقي الأضواء على تطورات بحث هذه النزعة من حيث هي ظاهرة فكرية في التاريخ الثقافي والفلسفي العربي الإسلامي لدى عبد الرحمن بدوي ومحمد أركون، إلاّ أن جهودهما تلك ما كانت تطرقت إلى تلك الجذور، باعتبارها فكرة فلسفية ظهرت في القرن الأول الهجري العربي الإسلامي، وتحديداً في نص (فكري - سياسي) ضمَّته رسالة ديوانية وجهها خليفة المسلمين الرابع الإمام علي بن أبي طالب (23 ق هــ - 40 هــ) في سنة 36/ 37 هجرية إلى عامله على مصر مالك بن الحارث الأشتر الذي سرعان ما تم اغتياله قبل أن يتسلم منصبه الجديد، وهو الاغتيال الفكري - الجسدي في آن واحد، ذلك الاغتيال الذي عبَّر عن أزمة الفكر العربي السياسي في تلك المرحلة العصيبة من تاريخنا السياسي، فكان السياسي العبثي مهيمناً وبشكل سافر على أيّة قيمة معرفية فكرية ذات منحنى إنساني منفتح يعلو على الجهويات التي تتعامل مع الإنسان بوصفه قيمة هوياتية جهوية؛ هوياتية عرقية مناطقية ومذهبية ودينية وليس مجرد قيمة إنسانية كبرى.
وفي ما يلي رابط الدراسة للإطلاع عليها كاملة: