لمحاتفورة الشِّعر!سعد الحميدين
الشاعر معايش يتفاعل مع محيطه بكل أبعاده
لأنه لايرضى أن يكون بمعزل عما يتبدل ويتغير من حواليه لإيمانه بأنه جزء
من الكل , فهو في هذه الحالة يبرهن على مواكبته بفعله الذي يتمثل في شعره
, ولكون المرحلة االتي بدأت أكتب فيها الشعر كانت حركة التجديد في القصيدة
العربية الحديثة في أوجها إذ إن الستنيات ( من القرن الماضي) قد أصّلت ما
كان في الخمسينات من الحركات التجديدية التي تمثلت في قصيدة الشعر االحر
(=التفعيلة) التي كانت تتبناها وتنافح عنها مجلة الآداب بقيادة د.سهيل
إدريس ونخبة من المجددين في ذلك الوقت كغالي شكري ورجاء النقاش , شوقي
خميس , وشعراء مثل صلاح عبد الصبور ومحمد الفيتوري ونازك الملائكة وبدر
السياب وبلند الحيدري , ومحمد حسن عواد , وغيرهم كثير ممن استهوتهم موجة
التجديد في الشكل والمضمون. حتى أن بعض الشعراء الكاتبين بالطريقة
الخليلية كانوا يقطِّعون قصائدهم العمودية على طريقة توزيع الشعر التفعيلي
مماشاةً للحركة الحتمية السائدة , وهناك من توجه إلى كتابة قصيدة النثر
(=الشعر المنثور) كما كان يسمى تلك الفترة-) وتبنتها بحماس مجلة شعر
بمباركة صاحبها يوسف الخال المنظر الأول للقصيدة بالرغم من عدم ممارسته
لها , فكانت الفترة تحتم أن تكون ( كشاعر) في أحد الاتجاهين , وبوجود
السلطة الكبيرة لقصيدة الوزن الخليلي وقوة حضورها في المشهد وشراسة
المدافعين عنها واتهام كل متجاوز لها بأنه غير عربي وغير مسلم وشيوعي
ومتربص بالثقافة الأصيلية وعاجز عن الكتابة التقليدية , وأن كل من كتب
بشكل جديد هو ضد الأصالة ومقلد للغرب , وقد حدثت عدة مناظرات أذكر منها
واحدة كانت بين طرفين مثّلهما عبدالله بن خميس ود.أحمد الضبيب كطرف من جهة
التقليد وغازي القصيبي والنعمان القاضي من جهة مناصرة القصيدة الجديدة ,
وكانت مواجهة أعتبر أنها مفصلية قال فيها غازي مقولته الشهيرة : " نحن لم
نخرج عن البيت لقد بنينا ملحقا خاصا بنا له ميزته حيث شجعت مثل هذه
الكلمات على كتابة الشعر بالشكل الجديد نظرا لما يحمله من المغايرة وما
ينطوي عليه من رؤية لتطلعات الشباب من الباحثين عن المواكبة والتواقين إلى
التماثل مع الآخرين بالطريقة الصحيحة, فكانت الدراسات على قلتها تؤكد
وتحرض على الانعتاق من ربقة التقليد والتوجه إلى الساحة الأرحب ,مما دفع
إلى الاطلاع على مايكتب عن الشعر الحديث من دراسات في الداخل والخارج ,
وقد كان لكتاب (شعراء نجد المعاصرون) للأستاذ عبدالله بن ادريس وخصوصا وفي
المقدمة التي كتبها عن الشعر الحر( = التفعيلة) التي كتب عنها وعن مضمون
الكتاب من النماذج المختارة للشعراء الناقد الكبير محمد مندور وهو مدرسة
في النقد الحديث وله محبوه ومريدوه ومقلدوه ولازالت كتبه تلقى الرواج حتى
اليوم ويوصى بها في الجامعات كمراجع للنقد الحديث , وعزز ذلك شعراء من
الداخل في هذه المنافحة والمشاركة كمبدعين وكتبوا على الطريقة الجديدة مثل
محمد حسن عواد ,المشجع الأول ومحمد الفهد العيسى وناصر ابوحيمد وسعد
البواردي ومحمد العامر الرميح الذي توجه إلى كتابة قصيدة النثر في وقت
مبكر جدا ( سيكون لي حديث عنه ) ومن ثم توالت أسماء كثيرة مارست القصيدة
الجديدة لتستمر الحركة كلما مرت السنون أتت بما تحتاجه الساحة من عطاءات
تدل وتبرهن على أن التوجه دوما للأمام .
*لقطة:
يقول كزانتازاكي :"لا سلطة لي على شيء إلا على ستة وعشرين جنديا مقداما
, على الحروف الستة والعشرين في الأبجدية . قلت لنفسي سأعلن نفيرا عاما
وأعد جيشا ضد الخمول , فأستمر في الكتابة مادمت حيا حتى النهاية "