** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

  مسكويه بين أرسطو والإسلا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
هشام مزيان
المشرف العام
المشرف العام
هشام مزيان


التوقيع : 	مسكويه بين أرسطو والإسلا Democracy

عدد الرسائل : 1752

الموقع : في قلب كل الاحبة
تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش
تاريخ التسجيل : 09/02/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25

	مسكويه بين أرسطو والإسلا Empty
08062012
مُساهمة مسكويه بين أرسطو والإسلا

الأخلاق
أحد فروع الفلسفة التي أولاها الفلاسفة اهتمامهم وسأتناول في هذه المقالة
آراء الفيلسوف العربي مسكويه حول الأخلاق، من خلال كتابه (تهذيب الأخلاق
وتطهير الأعراق)، ومدى ارتباطها بأخلاق أرسطو اليوناني والنظام الخلقي
الإسلامي.


فهل هناك من تواصل فكري حقيقي بين الفلسفة المشائية وبين الإسلام ومسكويه؟

أصل
الفعل الخلقي: أسند مسكويه الأخلاق كأرسطو(1) إلى العادة والتدريب
والتعلم، رافضاً إسناد الأخلاق إلى الطبع؛ لأنَّ قولنا في أن الطبع أصل
الأخلاق، يعني التقليل من أهمية دور التمييز والعقل عند الإنسان.


الأخلاق
العملية هي الإعتدال بالأكل واللباس والجماع، أما التعلم فيرفع من قيمة
الإنسان، وتدوم هذه الفضيلة بدوام تغذيتها ويعني بهذا الغذاء العلم
والزيادة في المعقولات والتزام الصدق في الآراء وطلب الحق وقبوله ودحض
الكذب والبطلان. فالأخلاق تكتسب عن طريق التنشئة على أدب الشريعة
والاطِّلاع على كتب الأخلاق والتأثر بصحة البرهان المأخوذة من الحساب
والهندسة(2).


يضيف
مسكويه: (أما الكريمة الأديبة بالطبع فالنفس الناطقة، وأما العادمة الأدب
-وهي مع ذلك غير قابلة له- فهي النفس البهيمية، وأما التي عدمت الأدب،
ولكنها تقبله وتنقاد له، فهي (النفس الغضبية)، وإنما وهب الله تعالى لنا
هذه النفس خاصة لنستعين بها على تقويم البهيمية التي لا تقبل الأدب، وقد
شبه القدماء الإنسان وحاله في هذه الأنفس الثلاث بإنسان راكب دابة قوية،
ويقود كلباً أو فهداً للقنص)(3).


بالنفس
العاقلة يعّود الإنسان على حبّ الكرامة والتقيد بما يمليه الدين، وتفضيله
الدين على المال، ويحذّر مسكويه من اعتياد الصبي على سماع التوبيخ في حال
أخطأ؛ لأنَّ اعتياده على ذلك يجعله وقحاً، والوقاحة تجعله يكرّر ما فعله
فيقوم بقبائح اللذات الكثيرة(4).


والأمر
الهام الذي يحث عليه مسكويه هو طاعة الوالدين والمعلّم والمؤدّب
واحترامهم. تلك الآداب صالحة للصبيان وللكبار ولكنّها للصبيان أنفع(5).


ونجد
عند مسكويه اقوالاً تؤسس لنظرية التطور التي اعتمدتها الفلسفة الأوروبية
الحديثة وخاصة عند لامارك الفرنسي ودامين الإنكليزي عندما يذهب إلى أن ثمة
ترقياً وتدرجاً في مراتب الوجود، وهذا يعود لقبول الآثار والصور التي تحدث
في الموجودات. الحيوانات متفاوتة بالفضائل، فمنها من يزدوج ويطلب النسل
ويربّي الولد ويمنحه الشفقة بالكن والعش واللباس، وهناك حيوانات قابلة
للتأدّب، فالقرد مثلاً طالع أفق الإنسان ويصير في أفق الإنسان من يقبل
العقل والتميّز والنطق والآلات التي يستعملها، والصور التي تلائمها(6).


هناك
بشر لا يتميزون عن القرود إلاَّ بمرتبة يسيرة (كأواخر الترك من بلاد يأجوج
ومأجوج، وأواخر الزنج وأشباههم(7). أمّا آخر أفق الإنسانية فهو أفق
الملائكة، وعندها تتآخذ الموجودات ويتصل أولها بآخرها، وهو الذي يسمى
دائرة الوجود.


بما
أن الإنسان مؤهل ليكون وسيطاً بين العالمين الأعلى والأسفل، كان البعض قد
حظي بالنبوة وتكون النبوة لمن بلغ أفق الإنسانية. ولكي يبلغ الإنسان
السعادة على مدبر المدن أن يوجّه الإنسان نحو العلوم الفكرية وان يسددهم
بالصناعات والأعمال الحسية، (وإذا سددهم نحو السعادة العملية بدأ بهم من
عند هذه القوى وانتهى بهم إلى تلك الغايات(8).


وفي هذه الآراء سبق مسكويه الغزالي وابن خلدون في تعليل النبوة.

خلق
الطفل واضح، فلا يمكن أن يكون مستتراً برويّة أو بفكر، وهكذا ينبغي علينا
-حسب قول مسكويه- الاهتمام بتربية الطفل، فهي ضرورية، وذلك لكي لا يكونوا
سيئي الطبع وذوي غضب أو لذة أو زعارة أو شره. وتربية الأولاد ليست واحدة،
هي فنون، وقد تكون مرتكزة على الضرب أو على التوبيخ أو على المكافأة. إنّ
مسكويه يتابع أرسطو في هذه المسألة ولا يتوافق مع الرواقية قديماً وجان
جاك روسو حديثاً الذين قالوا: إنّ الإنسان يخلق خيراً، ولكن المجتمع هو
الذي يفسده، وأن الإنسان خيّر بالطبع لا بالإكتساب وهو يخالف جالينوس الذي
يذهب إلى أنّ الناس قد يكونون أخياراً بالطبع أو أشراراً بالطبع، والأخيار
بالطبع قليلون وهم لا يصبحون أشراراً، أما الأشرار بالطبع فهم كثر،
ويستحيل تحولّهم إلى أخيار، أمّا من هو متوسط بين هؤلاء، قد ينتقلون
بمصاحبة الأخيار ومواعظهم إلى الخير، وقد ينتقلون بمقارنة أهل الشر
وإغوائهم إلى الشر(9).


كما يخالف الجاحظ الذي يؤكد أن الأخلاق طباع تولد في الإنسان ولا تكتسب إكتساباً.

الفضيلة:

ارتأى
مسكويه أن تكون الفضيلة وسطاً بين رذيلتين، فالذكاء وسط بين الخبث
والبلادة، والذكر هو وسط بين النسيان والعناية بما لا ينبغي ان يحفظ،
والتعقل هو وسط بين الذهاب بالنظر في أمر ما أكثر مِمَّا هو عليه والقصور
بالنظر فيه عمّا هو عليه. وسرعة الفهم وسط بين إختطاف الخيال في الفهم
والإبطاء في الفهم(10)، فضيلة النفس الناطقة متمثلة بتشوقّها إلى العلوم
والمعارف، فهي تنفرد بتشوّقها دون الجسم. وإذا سألنا عن كيفية نيلنا لهذا
الفضل، أجاب مسكويه: (وهذا الفضل يتزايد بحسب عناية الإنسان بنفسه
وانصرافه عن الأمور العائقة له عن هذا المعنى، بجهده وطاقته(11).


ورغم
تبنّي مسكويه لنظرية أرسطو في التوسّط، لم ينأ عن نظرية أفلاطون في القوى
النفسانية الثلاث، الأولى تساهم بإنجاح عمل التفكّر والتمييز بين الأمور،
والثانية تجعل الإنسان مقداماً وشجاعاً، لا يخيفه أيّ أمر في سبيل المروءة
والكرامة، والثالثة تولّد الشهوة نحو المأكل والمشرب والجنس وما يرتبط
باللذة الحسية.


الفضائل
عند مسكويه أربع: الشجاعة والحكمة والعفّة والعدالة. العدالة هي اعتدال
الفضائل الثلاث: الشجاعة والحكمة والعفّة وكمالها وتمامها. سخر مسكويه
ممّن يهمّش أهمية هذه الفضائل ويقبع في زاوية الإفتخار بالآباء والأسلاف.
واضداد الفضائل الجهل والشره والجبن والجور. ومن الرذائل تنجم الأمراض
النفسانية كالخوف والحزن والغضب(12).


إننّا
نستشف تقارباً بين أرسطو ومسكويه والإسلام، فالإسلام يقول: إن التوسّط
فضيلة ﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتعقد ملوقاً
محسوراً﴾(13). فالمجاوزة عن الحد خارجة عن الفضيلة ﴿ولا تطع من أغفلنا
قلبه عن ذكر هواه وكان أمره مفرطاً﴾(14) وعدم الإسراف فضيلة ﴿ثم صدقناهم
الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين﴾(15).


الحكمة:

اشترط
مسكويه في الحكيم أن يتوافر لديه الذكاء، الذكر، التعقّل، سرعة الفهم
وقوتّه، صفاء الذهن وسهولة التعلّم(16). والحكمة هي وسط بين السفه والبله،
المقصود هنا هو تعطيل القوة الفكرية بالإرادة(17).


من
هنا يتضح أن الحكمة والفكر متلازمان، وهكذا يلتقي مسكويه مع أرسطو الذي
ركّز في حديثه عن الحكمة مطولاً، فهي قمة المهارة في الصناعات، وهي أتمّ
أنواع المعرفة، فهي غير محصورة في ميدان السياسة، لأنّها إدراك مصالح
المرء الخاصة، (هي علم وعقل عياني معاً للأمور ذات المرتبة العليا
بطبعها(18).


كما
استشففنا التقارب بين آراء مسكويه والإسلام في مسألة الحكمة من خلال الجمع
بين صفتي الحكمة والعلم، وهذا على مثال ما ورد في سورة الأنعام ﴿إنّ ربّك
حكيم عليم﴾(19).


للتعقّل
دور مهّم في حياة الإنسان وفي تميّزه عن الآخرين وعمّا حوله، إذ ﴿إنّ شرّ
الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون﴾(20). التفكّر هام جداً عند
الإنسان، فقد جاء في سورة يونس ﴿كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون﴾(21). أما
الحكمة فتكون لمن بلغ الأربعين، أي لمن بلغ أشده، وهذا واضح من سورة يوسف
﴿ولمّا بلغ أشدّه آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين﴾(22). وفي سورة
القصص ﴿فلما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي
المحسنين﴾(23).


العفّة:

في
فلسفة مسكويه إشارة إلى عدم المبالغة في التعفّف، فللإنسان دور في الحياة
ولذلك إنتقد مسكويه الزهاد وأبدى تعجبه ممن لا يبالي بقول الحكماء
(الإنسان مدني بالطبع) ومن تقدير أهمية مساهمة جميع الأشخاص دون استثناء
من أجل تحصيل السعادة. فالزاهد يشبه الجماد والميت لأنّه لا يعمل حسب قواه
وملكاته التي ميزّه الله بها عن بقية الكائنات، فهو بذلك لا يتوجه لا إلى
خير ولا إلى شرّ، فهو ليس عفيفاً ولا عادلاً(24).


فكما
أنّ الزاهد يفتقر إلى الطموح وامتحان ذاته في مواقف عديدة قد تظهره
شريراً، كذلك الأمر عند أرسطو الذي أكدّ أنّ اللذات نوعان: منها ما يرتبط
بالبدن كالعفة، ومنها ما يناط بالنفس كالطموح والمعرفة.ويؤكد أرسطو أنهّ:
(ينبغي أن تنـزع من اللذات التي تكون باللمس أليقها بالأحرار، وهي التي
تحدث في الرياضات من الدلك والتسخين، وذلك أنّ مسّ الذي يستلذه الشره ليس
يكون في جميع بدنه، لكن إنّما يكون في بعض أعضائه(25).


وكما
تحدّث مسكويه عن تشبّه الزاهد بالجماد أو الميّت إذا لم يتوغّل في دروب
الحياة المتباينة من حيث الشر والخير، كذلك هو الحال مع من انصاع لأهوائه
ولم يتسم بالعفّة، وقد اتضح هذا الأمر في سورة الأنعام ﴿قل لا اتبّع
أهواءكم قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين﴾(26).


وفي سورة طه ﴿ولا تمدّن عينيك إلى ما متعّنا أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خير وأبقى﴾(27).

الشجاعة:

رأى
مسكويه أنّ الشجاعة وسط بين الجبن والتهوّر(28)، ويقوم البعض بأعمال
الشجعان وهو ليس شجاعاً، بمعنى أنّه يقوم بذلك من أجل غاية فهذا شرير وليس
فاضلاً أي شجاعاً، ومنهم من يعمل عمل الشجعان خوفاً من ملامة أو عقوبة،
وشجاعة الأسد والفيل ليست حقيقة وأعمالها ناجمة عن ثقتها بالنفس والغلبة.
ومن يريد أن يتظاهر بالشجاعة فيثب من مكان عال مثلاً، فهذا لا يسمى شجاعاً
فالشجاعة والحكمة والعفة مفاهيم متلازمة، لا يمكن الفصل بينها البتة(29).


لم
يبتعد معنى الشجاعة عند مسكويه مِمَّا هو عليه في الفلسفة المشائية فقد
اعترى أرسطو التعجب ممن لا يخافون؛ إلاَّ أنّ الشجاعة لا تعني أبداً
الإقدام على كل أمر مهما كان، فالتوسط هو بين ما يفزع الإنسان وبين ما
يتجرأ إليه.


يربط
أرسطو بين الشجاعة والحكمة وبين الشجاعة والغضب(30). إلاَّ أن الغضب لا
يفيد وحده، بل ينبغي أن يترافق مع الإختيار، والعلم عند المحارب يجعله
يستحق صفة الشجاع، أما المحارب عن جهل فهو غير شجاع، والشجاعة لا تخلو من
الألم والصبر والتجلد.


وإذا
تعمقنا في الإسلام، نلمس تلاقياً بين رأيي مسكويه في الشجاعة وبين
الإسلام، ففي الإسلام على الإنسان أن يأخذ الحذر من تصرفاته النابعة من
كبريائه وقوته، وأن لا يكون جباراً، وهذا ما نستشفه من سورة القصص ﴿فلما
أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت
نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارًا في الأرض وما تريد أن تكون من
المصلحين﴾(31).


العدالة:

والعدالة
هي أتم الفضائل فهي تتخذ الوسط بين الأطراف. العدالة هي المساواة وهذا هو
المعنى الواضح في صناعة الارتماطيقي، وتكون العدالة في ثلاثة مواضع، في
قسمة الأموال والكرامات وفي قسمة المعاملات الارادية من بيع وشراء
ومعارضات وفي قسمة الأشياء التي وقع فيها ظلم وتعد.


شرح
مسكويه كلام أرسطو عندما قال: إن أرسطو الذي قرر أن (الدينار ناموس عادل)
إنما كان يعني بالناموس لغة السياسة والتدبير. وهكذا تابع مسكويه قائلاً:
أن الناموس الأكبر هو إلهي، والثاني هو الحاكم، والثالث هو الدينار. أما
الجائر في رأي أرسطو فهو على ثلاث مراتب، الجائر الأعظم هو الذي يخرج عن
الشريعة، والجائر الثاني وهو الذي يخضع بشكل جزئي لقول الحاكم، والجائر
الثالث هو الذي يأخذ المال من غير حق، فيظلم غيره بإعطائه أقل مِمَّا
يستحق، وخلص مسكويه إلى القول أن العدالة هي الفضيلة كلها وأن الجور هو
الرذيلة كلها(32).


صنف مسكويه المضرات إلى أربع: أولاً الشهوة وتتبعها الرداءة، ثانياً الشر ويتبعه الجور، ثالثاً الخطأ ويتبعه الحزن، رابعاً
وأخيراً الشقاء، لم يذكر أرسطو رأيه الخاص بكيفية برهنة طاعتنا ومحبتنا
لله، بل اكتفى بعرض آراء الناس في ذلك. أما مسكويه فيقول: إن الحدث من
الفلاسفة يعبدون الله تعالى بواسطة أبدانهم فيقيمون الصلاة ويصومون
ويناجون الله، وبواسطة نفوسهم فترسخ العقائد الصحيحة فيهم، ويتحلون بالعلم
بتوحيد الله، ويتفكرون في فيض الله الجواد والحكيم على العالم. وعن طريق
معاملاتهم مع الآخرين يتسمون بالأمانة والتعاون وجهاد الأعداء والدفاع عن
الحريم ونصرة الحوزة(33).


التجرد
من الذاتية والتمسك بالأحكام الموضوعية يؤدي إلى تحقيق: العدالة في
الإسلام، ومسكويه لم يكن إلاَّ منسجماً مع الديانة الإسلامية وهذا ما جاء
في سورة النساء: ﴿
يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء
لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن
يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ
تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ
فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
﴾(34). ودعوة الإسلام لتحقيق: العدالة واضحة، فهذا ما ورد في سورة المائدة: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾(35). والجزاء وارد في الإسلام، فقد جاء في سورة المائدة: ﴿فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ﴾(36). أما العادل الحق فهو الله ﴿وَتَمَتْ كَلِماتُ رَبِّهَا صِدْقَاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَتِهِ(37).

يعمل الأنبياء على تحقيق: العدالة ﴿ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون﴾(38).

من
اتبع الإسلام قابل الإحسان بالإحسان ﴿هل جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان﴾(39).
والقساواة واجبة في بعض الحالات، فقد جاء في سورة الحديد: ﴿وأنزلنا معهم
الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع
للناس﴾(40).


للقصاص فائدة في المجتمع من نزل به القصاص عبرة للآخرين: ﴿ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلَّكم تتقون﴾(41).

الرذيلة:

أراد
مسكويه أن يعالج مسألة الرذائل من خلال تبيان عوامل إفساد الفضائل فأكد
أنّه بما أن الإنسان مدني بالطبع فهو بالضرورة يؤثر ويتأثر في المجتمع.
أما محبة الحكمة وهي المتمثلة بالتأمل الإلهي، فهي بريئة من كل القبائح،
وبمنأى عن كل الشرور لأنها تهدف إلى الخير المحض وهي ذلك الخير بعينه(42).


بما
أن الأخلاق ترتبط بالأمراض النفسية، فقد بحث مسكويه في أسباب تلك الأمراض،
فقال: أنه بالرغم من تباين طبيعة النفس عن طبيعة الجسد، إلاَّ أن هناك
علاقة بينهما، فهي وإن كانت قوة إلهية فهي حالة في جسد يصح ويمرض وتتغير
أحواله.


دعا
مسكويه إلى التروي في اتباع الميول الشهوانية وفي تحقيق: ما تمليه علينا
القوة الغضبية إذ أن الله سبحانه وتعالى وهب هاتين القوتين للإنسان،
ليتفاعل معهما شرط أن لا يخسر سيادته عليهما، أما في الفلسفة المشائية،
فالزيادة والنقصان اي الابتعاد عن التوسط يخلق الرذائل، فالإفراط في
الرذيلة يقود إلى السبعية ولكن السبعي نادر الوجود كما يندر وجود الرجل
الإلهي.


يشترط
أن يكون عالماً بما يقوم به لكي يتصف بالرداءة، وإلا كان بريئاً من هذه
الصفة، وأكد أرسطو في كلامه القدرة على ضبط النفس(43). وعلى الإنسان أن
يميز بين اللذات الجسمية المضطرة وبين أخرى غير مضطرة ومختارة كالغلبة
والغنى والكرامة(44).


من
كانت رداءته في طباعه صعب علاجه كالفاجر مثلاً، واللاعفيف أردأ من
اللاضابط لأنه لا يندم على ما قام به. ويتمثل التمييز بين الداهي والعاقل
في الاختيار، فالأخير هو الذي يختار ويضبط نفسه.


نظر الإسلام إلى الإسراف كما نظر اليه أرسطو، فهو رذيلة ومنبوذة فينبغي تجنبه، وقد جاء في سورة الاسراء ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾(45).

ومرتكب القبائح والرذائل مسؤول أمام رب العالمين، وهذا واضح مِمَّا جاء في سورة النحل: ﴿ولتسئلن عما كنتم تعملون﴾(46).

الخير:

كما
عوّل أرسطو على القوة الناطقة عند الإنسان في التماس الخير كذلك فعل
مسكويه، الذي قال: إن الإنسان تميز عن الحيوان والنبات والجماد والنار
والهواء والأرض والماء والأجرام العلوية بازديانه بقوة الفكر والتميز أي
بالفلسفة العملية. في أقسام الخير يقتبس مسكويه ما قاله أرسطو، فهناك
خيرات كثيرة، الشريفة وهي الحكمة والعقل، والممدوحة وهي تتمثل في ما ينجم
عن إرادة الإنسان من فضائل وأفعال جميلة، والتي بالقوة مثل التهيؤ،
والنافعة هي التي توصل الإنسان إلى الخيرات فهي ليست ما يبتغيها المرء
لذاتها.


قد تكون الخيرات لذاتها او لغيرها أو لذاتها ولغيرها معاً، ومنها ما هو مطلق ومنها ما هو نسبي ومنها ما هو ليس بخير مطلق(47).

أما
من حيث المبدأ فالله هو الخير الأول وكل الكائنات تتشوّق إليه، وهي تستقي
السرمدية والتمام منه تعالى. لم يغفل أرسطو عن تنوع الغايات التي يتوخاها،
فمنهم من يتشوق إلى الفعل ومنهم من يتشوق إلى المفعول، ولكنه أضاف قوله:
(الأخيار التي لها غايات ما سوى الأفعال فالمفعول فيها أفضل من
الأفعال)(48) على الإنسان أن يختار الخير الأسمى، وأن لا يظن أنّ صناعة
الحرب وتدبير المنزل وصناعة الخطابة هي الخير الأسمى، بل هي تندرج تحت
صناعة تدبير المدن. الخير الأسمى هو السعادة؛ لأنَّ كثراً من الناس
يبغونها ويتشوقونها.


أما
في الإسلام فيناط الخير بالإيمان، من كان خيّراً آمن بالرسول وقال
بالوحدانية ﴿يا أيّها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربّكم فآمنوا خيراً
لكم﴾(49)، ويمنح الله الخير لمن كان خيّراً ﴿إن يعلم الله في قلوبكم خيراً
يؤتكم خيراً مِمَّا أخذ منكم﴾(50).


الدار الآخرة هي الخير الحقيقي للإنسان ﴿وللدَّار الآخرة خير للذين اتقوا﴾(51).

ومن صبر وتجلّد كان من الأخيار ﴿ولئن صبرتم لهو خير الصابرين﴾(52).

وقد يكون الخير فتنة للإنسان ﴿كلّ نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾(53).

السعادة:

أبدى
مسكويه آراء قيّمة في معالجته لمسألة السعادة، فقال أنّه من الطبيعي أن
يصعب على شخص واحد بعينه الحصول على كلّ السعادات، لذلك وجب التعاون بين
الناس لتحصيل الخيرات المشتركة والسعادة، ولكي ينجح الناس في تحصيل
السعادة ينبغي عليهم تبادل المحبّة فيما بينهم(54).


أخذ
مسكويه بالرأي الأرسطي في تحديد السعادة والخير، فالخير مطلق والسعادة
نسبية، إذ أنّها تختلف بين شخص وآخر وهي كمال لصاحبها وليس لجميع
البشر(55).


وأكد
أنّ السعيد في المرتبة الأولى هو من اعتدل في طلب الأحوال المحسوسة، واتجه
إلى مثيل الحكمة، أمّا السعيد في المرتبة الثانية فهو الذي فضّل ما هو
أفضل للنفس والبدن دون أن يبالي بالأهواء والشهوات إلاَّ ما كان ضرورياً
منها. وقد عزا أرسطو الإختلاف بين السعيد في المرتبة الأولى وبين السعيد
في المرتبة الثانية إلى اختلاف طبائع الناس أولاً، وإلى التدريب والتعليم ثانياًًًًً، وإلى مراتبهم من ناحية تحليّهم بالفضل والعلم والمعرفة والفهم ثالثاً، وإلى هممهم رابعاً، وإلى شوقهم ومعاناتهم وجدّهم خامساً.


ارتأى
مسكويه أن تكون المرتبة الأولى من السعادة وكذلك الثانية مهمتان، فسير
الناس ثلاث: سيرة اللذة وسيرة الكرامة وسيرة الحكمة، بالرغم من أنّ سيرة
الحكمة هي الأشرف إلاَّ أنها محتاجة إلى السيرتين أي سيرة اللذة وسيرة
الكرامة. فضّل مسكويه لذة العقل على لذة الحسّ، فالأولى ذاتية والثانية
عرضية، في زمان طويل يطلب الإنسان الخير المطلق والفضيلة التامة والحكمة
العملية(56).


لم
ينس مسكويه الحديث عن سعادة الملوك، إذ إن سعادة الملوك إنما تكون لفترة
يسيرة جداً، لأنه يبتهج بالملك في بدايته ولكن بعد ذلك يتولد عنده ميل إلى
دنيا أخرى ويطمح للوصول إلى البقاء الأبدي والملك الحقيقي.


بالعودة
إلى الفلسفة المشائية، نجد أن الإنسان يسعد بفضل أفعاله الإنسية
وانفعالاته وتفكره، أما الحيوان فلا يسعد لأنه لا يفكر. شدّد أرسطو على
النواميس في مسألة السعادة فرحب بالنواميس التي وضعت العقوبات على من
يشتهي اللذة(57). وعلى النواميس التي تكرّس آراء الآباء وما وصل إلينا من
تقاليد فيها تفيد الإنسان وتمنحه الكرامة.


أمّا في الإسلام، فالسعيد هو من تبرأ من الأعمال الطالحة، واهتدى وآمن بالله وبالآخرة(58).

المحبة:

لم
تغب المحبة عن فلسفة مسكويه، فقد رأى أنّ المحسن إليه يشتهي الإحسان أكثر
مِمَّا يشتهيه المحسن، وتعظم المحبة أيضاً على قدر التعب الذي بُذل من
أجلها، فالأم مثلاً، تحبّ الولد أكثر مِمَّا يحبها الولد، فالفاعل يعطي
والمنفعل يأخذ(59).


ذكر
مسكويه كلام أرسطو الذي يفيد ما معناه أنّ اللذة المفرطة تسبب المحبة،
فتحدث العشق التام والخالص الذي يسمّى الوله، والوله يعني المحبة الإلهية،
وهو يكون للأشياء المشاكلة والتي فيها جواهر بسيطة، أما الأشياء التي فيها
هيولى، فهي لا تتأحد، فالاجرام مثلا لا تتأحّد(60).


يرى
الإنسان الخير الأول بواسطة عقله ويلتذ عقله بذلك لذة لا مثيل لها ويتأحد
لكن بعد تخليه عن هذه الدنيا. تختلف المحبة الإلهية عن المحبات الأخرى
بأنها تنحصر بين الأخيار ولا تنتقص، (ولا تقدح فيها السعادة ولا يعترض
عليها الملك)(61).


ويجوز
مسكويه أن تكون محبة الحكماء قريبة من محبة الوالدين، وهذه الأخيرة متوسطة
بين محبة الإنسان لله وبين محبّة الإنسان لوالديه(62).


أما في الإسلام، فتناط المحبة بالاصلاح بين الآخرين ﴿إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾(63).

الصداقة:

ظهر
التقارب الشديد بين موقفي أرسطو ومسكويه واضحاً، عندما قال مسكويه: إن
الإنسان محتاج ضرورة إلى إخوانه البشر، لكي يشبع جميع حاجاته ويصل إلى
التمام، وفي غياب المحبة يستحيل تعاون الناس فيما بينهم وتعسّر تحقيق:
الائتلاف.


بسبب
العلاقة بين المحبة والصداقة، أتى مسكويه على ذكر أنواع المحبة، فهناك
المحبة التي تحدث وتنهار بسرعة، والمحبة التي تنشأ بسرعة وتزول ببطء،
والمحبة التي تنعقد ببطء ولكنها تنهار بسرعة، والمحبة التي تحدث وتنتهي
ببطء، وقد تولدت هذه الأنواع للمحبة من مقاصد الناس. أسباب المحبة: هي
اللذة والخير والنافع، ويشترط وجود الإرادة والروية في نشوء المحبة وفيها
تكمن المجازاة والمكافأة(64).


تغيب
المحبة عن عالم الحيوان، في حين تحضر الألفة التي تكون بين الأشكال. أمّا
عالم الجماد ففيه ميل طبيعي إلى المركز الخاص، وهناك منافرة ومشاكلة حسب
الأمزجة الناجمة عن العناصر الأولى، وهذه الأمزجة لا يعلمها الإنسان.


تنعقد
صداقة الأحداث وتنتهي بسرعة، لأنها قائمة على اللذة. وصداقة المشايخ
المنوطة بالمنفعة، منشوؤها وانتهاؤها مرتبطان بالمنافع ودوامهما. أما
الصداقة بين الأخيار فهي متولدة من طلب الخير الذي يمثل سبباً حقيقياً لها.


وقد
ردد مسكويه كلام أرسطو وابن المقفع اللذين أكدا على الصديق في السراء
والضراء على السواء، فقال: (ومن أجل فضيلة الصداقة يشارك الناس بعضهم
بعضاً ويتعاشر عشرة جميلة ويجتمعون في الرياضات والصيد والدعوات)(65).


أخذ
مسكويه برأي أرسطو في مسألة اتخاذ الصديق فقال: إنه ينبغي قبل اتخاذ
الصديق أن نتيقن من صلاح سيرته عندما كان شاباً مع والديه وإخوته وقبيلته،
ثم التأكد إذا كان صالحاً مع أصدقائه من قبل، ولنحذر من شخص كفر بالنعم
ولم يشكر الله تعالى على منحه إياه من نعم كثيرة.


على الصديق أن يكون صريحاً مع صديقه وإعلامه بعيبه إن وجد هذا العيب وإلا كان خائناً بحق صديقه وصداقته(66).

أما
الإسلام فقد أوجب إقامة علاقة حميمة مع من فضله الله من الآخرين ﴿ومن يطع
الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً﴾(67).


الخوف:

أرجع
مسكويه الخوف إلى توقع مكروه، وانتظار محذور بالرغم من أن المستقبل قد
يحمل ما هو حسن أو ما هو سيء، وينبغي أن يعلم الإنسان أن ما قد يحدث قد
نكون نحن سببه وقد لا نكون وقد يكون ما يحدث ممكناً، الممكن لا يمكن حسم
حدوثه، فلم التعجل في إدخال اليأس إلى قلوبنا والخوف من حدوثها. بالرغم من
أنها قد لا تحدث!


استحسن مسكويه الاستئهال بالكلام على الخوف من الموت لأنه أكثر ما يخيف الناس أجمعين.

لهذا
يرى مسكويه وجوب معرفة الموت على الحقيقة، فيقول: (إن الموت ليس بشيء أكثر
من ترك النفس استعمال آلاتها وهي الأعضاء التي يسمى مجموعها بدناً، كما
يترك الصانع استعمال آلاته، وأن النفس جوهر غير جسماني وليست عرضاً، وأنها
غير قابلة للفساد)(68).


لا
يخاف الحكماء الموت لأنهم علموا الموت على حقيقته بعدما جهدوا في طلب
العلم والتخلص من الجهل. وقالوا: إن الموت موتان: موت إرادي وموت طبيعي.


وجد
مسكويه علاجاً لمن يخاف من الموت يسبب اعتقاده بألم ناجم عن الموت، العلاج
هو التيقن أن الألم يكون للحي والبدن ميت وفاقد الاحساس في الموت، فكيف
سيتألم؟


(من
يخاف من الموت بسبب ما سيواجهه من عقاب فعلاجه أن يعرف ذلك الإنسان أن
خوفه ناجم عن العقاب وليس عن الموت، ووجب عليه بالتالي أن يتطهر من
الرذائل وأن لا يقترف الذنوب، لكي ينقذ نفسه من العقاب.


نصح
مسكويه من يخاف الموت لأنه يجهل مصيره بعد الموت، أن يتعلم ليعلم ويشتاق،
وقال مسكويه لمن يخاف الموت بسبب حزنه على ما سيتركه في هذه الدنيا، أن
علاجه خارج عن علاج الخوف، إذ هو ضمن علاج الأحزان.


على
الإنسان أن يعرف أن من غير المعقول أن نحب أن نكون و أن نحب أن نخرج من
هذه الدنيا، فأسلافنا كانوا السابقين وسنكون نحن اللاحقين(69).


وتوافق
مسكويه مع رأي الكندي الذي يستفاد من رسالته (دفع الأحزان) إن الحزن من
صنع الإنسان وهو خارج الأشياء الطبيعية، فكثرهم الذين يُتِّموا أو فقدوا
أولادهم وأحبتهم، وأولئك حزنوا فترة ثم عادوا ليعيشوا حياة طبيعية، فالحزن
ليس من الأشياء الطبيعية.


ولم
نحزن على أمور ليست من ملكنا بل هي ملك الله تعالى. والودائع لا بد أن
تعود لصاحبها، فما علينا إلاَّ أن نشكر الله على نعمه وأن لا نبدي أي تذمر
أو حزن(70).


أما
الإسلام فلم يترك مسألة أخلاقية دون معالجتها، وكان للخوف محطة في ذلك،
على المسلم أن لا يخاف من الموت، بل عليه أن يشتاق إليه، فوصف الله الجنة
في سورة النساء ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها
الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً
ظليلاً﴾(71).


يعتري
الإنسان الخوف من يوم القيامة، في حال كان الإنسان مأثوماً ﴿والذين يصلون
ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب﴾(72). إن الخوف
ملازم للإنسان منذ ولادته ﴿الإنسان خلق هلوعاً﴾(73).


تقويم:

ما
قيل في أصل الأخلاق يرحب به على قدر موافقته للواقع ولما يدور حولنا
فالإنسان يولد صفحة بيضاء ويمكن أن يصبح خيراً او شريراً، يتأثر بظروف
الحياة التي يعيش فيها، واكتسابه ما هو رديء أو حسن من الآخرين، بيد أن
للطبع دوراً مهماً في تحديد شخصية الإنسان إلى جانب التربية. أن الفضيلة
هي التوسط بين الرذيلتين حقاً، إذ كل ما زاد عن حده انقلب إلى ضده، وجميل
هو ذلك الأمل الذي أعطاه مسكويه لكل منا في سبيل تحقيق: الفضيلة وحين قصد
وجوب عناية الإنسان بنفسه وجدّه في تحصيل الفضائل والجمع بين الفضيلة
والعلم.


يبدو مسكويه بديهياً كمل بدا لسقراط قبله! بيد أن الواقع لا يؤيد هذه المقولة.

كما
أصاب مسكويه عندما انتقد الزهاد في حديثه عن العفة، فقد كان محقاً عندما
قال: إن الإنسان خلق ليعيش مع بني جلدته، لا؛ لأنَّ يزهد في هذه الدنيا
ويقبع في زاوية لا يبرحها مدعياً وجوب التزهد. أضف إلى ذلك وجوب اختيار
الإنسان لمعرفة مدى تعففه، والاختيار لا يتم إلاَّ من خلال التفاعل مع
آخرين، والإنخراط في شؤون الحياة.


أما
العدالة فعبارة عن إحقاق الحق ونبذ الظلم وهذا يعني أن على الإنسان أن
يسير على جادة العدل في كل أمر، سواء كان خاصاً به او مرتبطاً بغيره،
والصواب هو تحقيق: العدالة في ذاتنا اولاً ثم مع الآخرين، وهنا على
الإنسان أن يتجرد من الذاتية ويتحلى بالموضوعية، ولكن إلى أي مدى نستطيع
ان نعدل مع وجود الطمع والحسد والأحكام المسبقة والغيرة والضغينة في
حياتنا؟ ومن نادى بالعقاب والثواب اي بالحساب من أجل إقامة العدل كان
مصيباً؛ لأنَّ الترغيب والترهيب مهمان جداً في ردع النزوات الدنيئة
ومحاربة الفساد. يقتضي موضوع الصداقة، الشفافية في معالجته فالبرغم من أن
كلا منا يرى في الصداقة المحبة الخالصة وحب الخير للصديق إلاَّ أن
(لاروشفوكو) لم يكن مخطئاً عندما قال: إن الصداقة تجارة، فللأنانية حظ
كبير بين الأصدقاء ولو حاولنا مراراً إنكار هذا الواقع واخفاءه.


أسوأ
ما يشعر به الإنسان هو الخوف، وإنقاذ أنفسنا من ذلك الشعور يجعلنا نتعاضد
مع بعضنا البعض لكي تدخل الطمأنينة إلى قلوبنا، فإذا كان من نلجأ إليه
ونحتمي به ضعيفاً، نكون قد أخطأنا في اختيارنا، أما الأقوى فهو الذي
يطمئننا ويضعنا في موقف قوي، من هنا ارتأيت أن يكون الإيمان بالله
والاعتقاد به كرحيم وجبار خير علاج للخوف الذي ينتابنا من موت وشيك أو من
مرض فتاك أو مصيبة قاهرة؛ لأنَّ ما يعزينا فعلاً وجود من هو أقوى وأشد من
تلك الأمور القاسية التي تجعل الإنسان ضحية الغم والتشاؤم، أضف إلى ذلك ما
جاء به مسكويه من أن التفكر بما هو مؤلم لنا لن يفيدنا أو يفرحنا، فلم
نتذكر الأحداث الماضية المليئة بالمآسي ونتناسى الأمور السارة التي
صادفتنا في حياتنا؟


إن
مسكويه يحاول أن يوفق بين الفلسفة اليونانية والشريعة الإسلامية، ويمزج
بين أفكار أفلاطون وأرسطو، وما انطوى عليه الإسلام من نظام خلقي دون أن
يخط لنفسه فلسفة عملية أصيلة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مسكويه بين أرسطو والإسلا :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مسكويه بين أرسطو والإسلا

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» كتاب "نزعة الأنسنة في الفكر العربي، جيل مسكويه والتوحيدي"
» مفهوم المحاكاة بين أرسطو وفلاسفة الإسلام مراجعة نقدية
» أرسطو: فيلسوف ومدرسة
» تاريخ الفلسفة من أرسطو حتى هوكينج
» تصوُّر أرسطو لمفهوم الحركة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: