هشام مزيان المشرف العام
التوقيع :
عدد الرسائل : 1762
الموقع : في قلب كل الاحبة تعاليق : للعقل منهج واحد هو التعايش تاريخ التسجيل : 09/02/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 25
| | مفهوم الوسطية والمفهوم الفكري | |
يبدو لي أن مفهوم (السلام الفكري) شديد الالتباس والتعقيد، لاسيما وأنه مطلب أساسي للحياة؛ فالأمن الذي يحققه السلام الفكري شرط أولي لكل مجتمع يخطط للحياة ويسعى للنمو والتطور والتقدم والازدهار. فإذا كنا نتفق بإجماع على أن مفهوم السلام الأمني الذي يعني حفظ وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم في المجتمع من خلال ما يسمى بالأمن الحسي، فهل نتفق حول كيفية ضبط السلام الفكري أو الفكر السلمي في المجتمع؟ كيف نحدد جوهر العلاقة بين الأمن الحسي والأمن الفكري؟ هل يمكن أن يتحقق الأمن المجتمعي لمجتمع ما دون وجود السلام الفكري الذي يمنح للفرد ضمان حماية حقوقه الفكرية وحريته الإنسانية؟ وهل يمكن حماية الأمن الشامل للمؤسسات الاجتماعية والمدنية في ظل تغييب الاهتمام والأمن الفكري والتركيز عليه؟ ولنفهم أيضاً كيف يستمرئ الإنسان القتل والاحتراب، ويرفض السلم والوئام؟ هل هناك مفاهيم عقدية أو دينية أو أخلاقية وراء ذلك؟التطرف الفكري هو مشكلة أمنية في حد ذاته، والانحراف الفكري والسلوكي ليس سمة لازمة لفكر أو دين أو مجتمع أو زمن أو مكان معين، وإن اختلفت درجاته بين هذه المتغيرات. الانحراف الفكري، أحد أهم مهددات الأمن العام والسلم الاجتماعي، خصوصاً في هذه المرحلة من تاريخ العالم، التي تتسم بالصراع الحضاري، الضمني والمكشوف إن ما نشاهده اليوم من مظاهر عنف واحتراب يستدعي العودة إلى الذات لمراجعتها ونقدها، والوقوف على مواضع الخلل فيها لتقويمها ومعالجتها. ثم الارتكاز إلى قيم جديدة تستبعد الكراهية والحقد، وتنفتح على قيم الإنسانية والدين. وهذا يتطلب الغوص في أعماق الفكر بحثا عن جذور المشكلة. أي ينبغي البحث عن الدوافع الحقيقية وراء ثقافة العنف المجتمعي. وتقصي المفاهيم المسؤولة عن صياغة البنى الفكرية والمعرفية لاتجاهين أساسين:الاتجاه الأول: يتلخص في البحث عن أسباب اكتساب الأشخاص لعدوانية موجهة دينيا تجاه الآخر، أيا كان الآخر داخلياً أم خارجياً، دينياً سياسيا، ويمثله تيار ديني متطرف يعارض المدنية الحديثة وكل ما يتصل بالتقدم الحضاري، فالمدينة من وجهة نظرهم ليست إلاَّ فسادا في الأخلاق، وتفككا في الأسر وجمودا في العلاقات الاجتماعية، فهم يرون أن الحضارة تجعل الفرد يعيش لنفسه ملبيا لرغباتها متنكرا للآداب والفضيلة. ولذا نرى هذا التيار يرفض فكر الآخر ويقاومه، وينظر إليه نظرة ريب وشك دون تمحيص وتقويم. والاتجاه الثاني: يركز على البحث في أسباب اكتساب الأشخاص لعدوانية موجهة ثقافيا تجاه القيم والمبادئ الأخلاقية، لنشر قيم الانحلال والضياع والصراع المجتمعي من نوع آخر، ويمثله تيار علماني، يدعو إلى بناء الحياة على أساس دنيوي، وغير مرتبط بالأصول الشرعية، ولا بالتقاليد والعادات والموروثات الاجتماعية الأصيلة، فهي -من وجهة نظر أصحاب هذا الاتجاه- عوائق في طريق التقدم والانطلاق نحو الحضارة.إن عملية ربط علاقة الوسطية بالسلام الفكري تقتضي توظيف العلوم الاجتماعية؛ لتكشف لنا عن طبيعة التفاعل بين التربية على منهج الوسطية والحوار الفكري، من حيث هو صيغة عملية تشيع جو السلام والتعايش بين مختلف الانتماءات الفكرية والمذهبية، وتزيل التوتر في العلاقات داخل المجتمع، ومن هذا المنطلق جاء هذا البحث ليناقش أربعة محاور:أولها: مفهوم السلام الفكري.الثاني: الوسطية والسلام الفكري.الثالث: أساليب ووسائل الغزو الفكري والأخلاقي.الرابع: آليات مواجهة العنف الفكري والأخلاقي قراءة في استشراف المستقبل.1- مفهوم السلام الفكري:السلام هو الأصل في الحياة الإنسانية، وهو مرتبط بإشباع الحاجات الأساسية للإنسان وطمأنينته، ولعل مفهوم حقوق الإنسان قد نبع مع تطور المجتمعات وتطور الحاجات الأساسية من المأكل والمشرب والملبس والمسكن إلى مفاهيم تحقق للإنسان كرامته وتزيد من وعيه ومستوى مشاركته في مختلف أوجه الحياة سواء كانت اقتصاديه أو سياسية أو فكرية أو اجتماعية، السلام إذن حاجة إنسانية أساسية لايفوقها في الحاجات إلاَّ الحاجات العضوية الضرورية مثل الماء والغذاء لقوله -تعالى-: ﴿ادخلوها بسلام آمنين﴾. وهو غاية فردية وجماعية تحتاجها الإنسانية على كافة المستويات أفرادا وجماعات ومجتمعات ودولاً، والسلام يتحقق باطمئنان الناس على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية. يعني السكينة والاستقرار والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وبهذا يكون منطلق كل عمل يمارسه الإنسان ويظهر في سلوكه من خير أو شر مركوزاً في كيانه الفكري والاعتقادي، ومستكناً في داخل النفس وأعماقها، (والسلام الفكري) يعني الحفاظ على المكونات الثقافية الأصلية في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة، وهو بهذا يعني حماية وتحصين الهوية الثقافية من الاختراق أو الاحتواء من الخارج.وهذا -أيضا- يعني أن السلام الفكري هو الحفاظ على العقل من الاحتواء الخارجي، وصيانة المؤسسات الثقافية في الداخل من الانحراف. إن السلام الفكري مسألة تهم المجتمع مثلما تهم الدولة، من حيث إحساس المجتمع أن منظومته الفكرية ونظامه الأخلاقي -الذي يرتب العلاقات بين أفراده داخل المجتمع- ليس في موضع تهديد من فكر وافد، بإحلال لا قبل له برده، سواء من خلال غزو فكري منظم، أو سياسات مفروضة(1).بمعنى أن العنف الفكري وما يترتب عليه من عنف نفسي وجسدي يختلف في دوافعه ومظاهره، ولكن الموت واحد، والضحية واحدة!فللعنف أشكال مختلفة: منها العنف الثقافي، الذي يمنع مجتمعًا ما من التعبير عن خصوصيته الثقافية، ويمنعه من النطق بلغته، ويمنعه من التفتح والتعلم والتطور؛ والعنف الذي يمنع حرية المعتقد وممارسة الشعائر. والعنف الجنسي باحتقار الرجل للمرأة وتمجيد القوة والذكورة؛ والعنف الاقتصادي الذي يمنع الفرد أو المجتمع من أن يكون منتجًا، وينهب ثرواته وأمواله، ليحوِّله إلى مجرَّد مستهلك؛ والعنف العرقي والقومي الذي يستبيح الشعوب الأضعف أو الأقلِّيات أو القوميات التي تُعتبَر أدنى مرتبة، ويمنع العمل السياسي، ويفرض قِيَمَه ومعاييره وإيديولوجيته والخطير في هذا الشكل من العنف أن وراءه مؤسَّسات تمارسه، كالحكومات أو الأحزاب أو المؤسسات أو وسائل الإعلام... إلخ. إن أيًّا من العوامل السابقة يمكنه أن يتحول -في لحظة من الزمان- إلى سبب (وجيه) للانزلاق في دائرة العنف والفساد في الأرض بشتى صوره..والاتجاه إلى مسالك خاطئة والتصرف بتصرفات طائشة قد تروع الآمنين وتبث الخوف والهلع داخل المجتمع(2).ومن هنا فإن مصطلح السلام الفكري يتمثل في الأمن المجتمعي، وهنا يتعين تحديد موقف واضح إزاء مجموعة أسئلة تشمل المحاور التالية:السلام الفكري لمن؟ لصالح أية قيم؟ في مواجهة أي شكل من المخاطر؟ وما هي الوسائل المستعملة لتحقيق: هذا السلام؟يمكن استقاء إجابات مهمة لهذه التساؤلات من خلال تعريف Müller للمأزق المجتمعي، الذي ينتج -في رأيه- عن (غياب الأمن المجتمعي، والذي يرتبط بدوره بقدرة المجموعة على الاستمرار مع المحافظة على خصوصياتها، في سياق من الظروف المتغيرة والتهديدات القائمة أو الممكنة. وبتحديد أكثر فإنه يتعلق بإحساس هذه المجموعة المعنية بأن هناك مساسا بمكونات هويتها كاللغة، والثقافة، والدّين، والهوية، والعادات، أو بأن تطورها لا يتم في ظروف مقبولة).2- الوسطية والسلام الفكري:أصبحت الوسطية عملية صعبة التعريف بسبب الالتباس في وضع حدود لها. فالوسطية ليست إجماعاً، إنها سعة تحتمل التناقض والخلاف، وحتى الصراع، إذ إنه لا يمكن أن نقول: إن كل صراع فيه أطراف متطرفة.إن الوسطية تختلف باختلاف المجتمعات وتنوعها، فالوسطية في المجتمع الشرقي لا تتطابق مع الوسطية في المجتمع الغربي مثلاً، والوسطية في التيار الماركسي ليس هي ذاتها الوسطية في التيار القومي والإسلامي أو التغريبي، فالباحث حينما يصحح مفاهيم الوسطية لابد أن يدرس الأفراد داخل المجتمع المخاطب، وكيف يفهم الوسطية وما هي الوسطية المرادة منه(3).إذن الوسطية ليس مجرد مفهوم يراد استنباته ضمن النسق القيمي للمجتمع، وإنما هو نسق ثقافي وفكري وعقيدي مغاير، له آليته في العمل، وأسلوبه في التأثير، ومنهجه في التفكير، وطريقته في الاشتغال. فلا يمكن سيادة قيم الوسطية مالم تكتمل جميع مقدماته. أي ان قيم الوسطية تقوم على سلسلة عمليات فكرية وثقافية يخضع لـها الفرد والمجتمع كي يعمل بشكل صحيح ومؤثر.ونحن إذا ما حاولنا استقراء مفهوم اللإسلام الفكري سنخلص إلى انه أحد أهم مهددات الأمن العام والسلم الاجتماعي، خصوصاً في هذه المرحلة من تاريخ العالم، التي تتسم بالصراع الحضاري، الضمني والمكشوف؛ لأنَّ الانحراف الفكري والسلوكي ليس سمة لازمة لفكر أو دين أو مجتمع أو زمن أو مكان معين، وإن اختلفت درجاته بين هذه المتغيرات.والانحراف الفكري مفهوم شائع ومدروس في علم الاجتماع بشكل عام، وفي مجالات علم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام على وجه الخصوص، حيث ينسحب المفهوم على السلوك غير السوي، والذي قد يؤدي إلى مخالفة الشريعة والنظام، ومن خلال ارتكاب أفعال، أو القيام بأعمال تتنافى مع القيم والعقائد والنظام وتتطلب محاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم، والانحراف الفكري قد يكون سبباً رئيساً للانحراف السلوكي(4).وأداة الانحراف الفكري هي (العقل)، وهدفه التأثير في العقول الأخرى. لتغيير الواقع الفكري للأمة، والتشكيك في ثوابتها، وهو خروج -بدرجة أو بأخرى- من منظومة القيم، وقد يكون نتيجة لمؤثرات خارجية (الغزو الثقافي). أو تفاعلات نفسية لها أسبابها السياسية والاقتصادية والاجتماعية كما قد ينتج من التعرض لعملية غسيل دماغ مدروس من قبل اتجاهات فكرية أو حزبية أو مذهبية معينة، أو من خلال الانفتاح المطلق والاستتباع الكلي للمؤثرات الفكرية الغربية، وعدم التحصّن أمام سلبيات الثقافات الأخرى(5).3- آليات ووسائل الغزو الفكري والأخلاقي وأثره على زعزعة السلام الفكري:يعتبر الفكر البشري ركيزة هامة وأساسية في حياة الشعوب على مر العصور ومقياساً لتقدم الأمم وحضارتها، وتحتل قضية السلام الفكري مكانه هامة في أولويات المجتمع الذي تتكاتف وتتآزر جهود أجهزته الحكومية والمجتمعية لتحقيق: مفهوم الأمن الفكري تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة، وبذلك تكون الحاجة إلى تحقيق: الأمن الفكري هي حاجة ماسة لتحقيق: الأمن والاستقرار الاجتماعي.ويمكن القول: إن الأمن الفكري لكل مجتمع يهدف إلى الحفاظ على هويته إذ في حياة كل مجتمع ثوابت تمثل القاعدة التي تبنى عليها وتعد الرابط الذي يربط بين أفراده وتحدد سلوك أفراده وتكيف ردود أفعالهم تجاه الأحداث وتجعل للمجتمع استقلاله وتميزه وتضمن بقاؤه في الأمم الأخرى. وتعانى الدول -على اختلاف أيديولوجياتها- من ظواهر الانحراف والغزو الفكري والأخلاقي، والتي أفرزتها الاتجاهات الفكرية المعادية محاولة الوصول إلى أهداف إستراتيجية مؤداها السيطرة على توجهات هذه الدول الاجتماعية والسياسية، وتتفاوت الدول في مدى تأثرها بهذه الأفكار والاتجاهات ومن الدول ما يؤهلها رصيدها الثقافي والحضاري والديني على مجابهة هذه الأفكار والمعتقدات ومنها ما يسهل التأثير عليه تحت ضغط الظروف الاقتصادية والاجتماعية.لعل أول ضحايا الانحراف الفكري هو الفكر نفسه الذي ينتمي إليه المنحرفون فكرياً، حيث إن ثوابت وقيم هذا الفكر وفرضياته ومنطلقاته، تصبح مجالاُ للتشكيك، بما ينعكس على المؤمنين بهذا الفكر فتهتز قناعاتهم، ويتزعزع تماسكهم كجماعة فكرية أو مؤمنة، في مقابل الفكر الآخر(6).والضرورات الخمس للفرد المسلم وللمستأمن وللفئات الاجتماعية المختلفة تتأثر بطريق مباشر وغير مباشر، عبر الزمان وعبر المكان بالانحراف الفكري. والانحراف يصيب أول ما يصيب (عقل) و(دين) المنحرف نفسه. ثم يتعداه إلى استهداف (عقول) (وعقائد) وقيم الآخرين. وزعزعة أمن واستقرار المجتمعات بما يلي:- التهديد المادي والمعنوي المباشر للضرورات الخمس، وللأفراد والجماعات، وتحطيم المكتسبات العامة والخاصة.- إشاعة جو من الخوف في المجتمع.- إيجاد نوع من الاستقطاب الفكري العقدي والسياسي والاجتماعي.- هز القناعات الفكرية والإيمانية والثوابت العقدية والتشويش على العامة.الإعلام ودوره في الغزو الفكري:تعد مسألة الغزو الثقافي والإعلامي من أولى المسائل التي واجهت وتواجه الأمة الإسلامية والوطن العربي تحديدا.فمما لا شك فيه أن الإعلام -بكل أنواعه وتقنياته- قد أحرز نجاحاً باهراً في جميع المجالات وهو من أقوى وسائل الإقناع الذاتي في أتباع الأسلوب الهادئ والرزين دون اللجوء إلى العنف. لكنه في الوقت نفسه- أنفذ إلى القلوب من السهام، وأشد وقعاً على النفوس، إذ له ظاهر أنيق ومنظر جذاب وهيكل أخاذ إضافة إلى مجموعات الإثارة الكاملة والمواد الغزيرة والمعلومات المتدفقة إلى ما لا نهاية، من التصوير والإضاءة وما شابه. فلا بد من تأثيره الفعال ونفاذه إلى الأعماق بصورة سريعة ومباشرة، والغرب من حيث طول الباع لديه في هذا المجال واهتمامه التام في تطويره قد قطع شوطاً مهماً في سبيل ذلك(7).لقد قام غزاة الأمن الفكري باستخدام الدعاية المغرضة بجميع أنواعها من خلال السعي المخطط والمنظم، لتشكيل تصورات المتلقين، والتلاعب بمعارفهم وأفكارهم، وتوجيه سلوكهم. وتشتيت أذهانهم. مستخدمين في ذلك أنواع الدعاية المختلفة السياسية، والدينية، والحرب النفسية ومن ثم غسيل الدماغ الذي يسعى إلى تحويل الأشخاص وتقهقرهم عن معتقداتهم. وذلك بأن ينقطع الفرد تماماً عن مناخه الاجتماعي وعن الأخبار والمعلومات، مِمَّا يجعل الفرد يعيش في فراغ تام مع نمط حياة قياسية، من حيث العزلة، ونوع الطعام والإضاءة، وغير ذلك مِمَّا يزيد من القلق ويؤدي إلى تدمير مقومات الشخص الذاتية ويجعله يشعر بالدونية والانهزامية. وذلك كله ليس بهدف تدميره ولكن لإعادة بنائه من جديد، باستخدام شعارات يتم تكرارها لتنفذ إلى أعماقه بحيث لا يستطيع نسيانها، مع استخدام نمط المناقشة الجماعية، بناء على الطريقة الديمقراطية، ويكون قائد المجموعة رجلاً متفوقاً قادراً على الإجابة على أي سؤال أو اعتراف.وبما أن القيود الأمنية الإعلامية والثقافية أوشكت على التلاشي في ظل زمن العولمة الكونية، وحل بدلا عنها الانفتاح الإعلامي والثقافي، أصبح الحل الأفضل للحد من هذه المشكلة استخدام المؤسسات المجتمعية التي تساهم في تحصين الشباب من الغزو الفكري القادم بتقوية أمنهم الفكري من خلال تزويدهم بالمعلومات الصحيحة والسليمة التي تزرع في نفوسهم الوعي الثقافي والأمني، للحيلولة دون الوقوع في مخاطر الغزو الفكري الدافع إلى الجريمة أو الخروج عن التعاليم الدينية والشرعية والنظامية.وأهم هذه المؤسسات المجتمعية التي تساهم في إنشاء جيل مسالم فكريا هي الأسرة، ووسائل التعليم (المدرسة، المعهد، الجامعة) وغيرها، والمسجد، والمجتمع ومؤسساته الأخرى، ووسائل الإعلام المختلفة، لأهميتها الكبرى في التأثير على نسبة كبيرة من الشباب في الوقت الحاضر خاصة بعد انتشار القنوات الفضائية العربية والعالمية التي تتحدث بجميع اللغات وتتطرق لجميع المواضيع الممنوعة وغير الممنوعة والمباحة والمحرمة وغيرها من المصطلحات الأخرى المختلفة. وليس المقصود بالسلام الفكري للأمة أن نغلق النوافذ على الثقافة العالمية، ونتهمها بغزو العقول ونخرها. فنحن نحتاج إلى ثقافات الشعوب، نأخذ منها ما يتوافق وقيمنا وعقائدنا ومبادئنا، ونحتاج إلى نشر ثقافتنا ليستفيد منها الآخرون.كما نحتاج لمحاولة التعرف على أفضل طرق تحقيق: السلام الفكري لتحصين الشباب من الغزو الفكري القادم من الداخل والخارج من خلال وسائل الاتصال غير التقليدية. لاسيما وأن العنف الفكري لا شكل ولا وجهة محددة له، يمكن أن يكون يميناً أو يساراً، ويمكن أن يحمله فرد أو أفراد، ويمكن أن يصدر من مؤسسات، ويمكن أن يكون ممارسة سلطة، أو سلوك جماهير، ويمكن أن يكون على شكل كتاب، أو مقال، أو خطبة، أو برنامج، ويمكن أن يقدم في شكل سياسات وقوانين. وكما أن وسائل الغزو الفكري إعلاميا أو عن طريق الشبكة المعلوماتية العالمية قد تؤدي إلى الانحراف الفكري الموجه عقديا ومذهبيا وأخلاقيا (التعصب-التطرف-الغلو) فإنها أيضا تضعنا أمام وضع عولمي جديد يلزمنا بتبني الأخلاق الأجنبية في كافة المجالات والمحاور الحياتية. لقد أبانت المعطيات التجريبية وجود علاقة سببية بين ما يقدمه الإعلام المعاصر من أفلام إباحية ومشاهد عنف وبين ازدياد الانحراف لدي الأطفال والشباب بحيث ساهمت وسائل الإعلام العربية في تعميق الغزو الإعلامي الأجنبي من خلال ما تعرضه من البرامج الغربية وبالأخص ما يسمي برامج تليفزيون الواقع من دون أن تضع تلك الفضائيات بالحسبان قيم المجتمع العربي وتقاليده وأنماطه الاجتماعية بحيث تقتصر برامج القنوات الفضائية العربية علي المادة الترفيهية وأفلام الجريمة والعنف والرعب والعري أي أن ثقافة الصورة تطغي عليها أكثر من ظاهرة سلبية تتمثل بالاغتراب والقلق وإثارة الغريزة الفردية العدوانية، دافعية الانحراف وكلها مفردات تتأسس في إدراك الشباب وسلوكهم ومعارفهم بحيث تتحول من مجرد صورة ذهنية إلى نشاط عملي عن طريق المحاكاة والتقاليد وعمليات التطبيع الاجتماعي(8).وحيث إننا نبحث عن دور الغزو الفكري بكل اتجاهاته في اختراق السلام الفكري لمجتمعاتنا إذ يمارس هذا الاختراق دوره المهدد لهويتنا، ووسيلته في ذلك السيطرة على الاختراق هي الصورة السمعية والبصرية التي تسعى إلى (تسطيح الوعي) وجعله يرتبط بما يجري على السطح من صور ومشاهد ذات طابع إعلامي إشهاري يغير الاختراق ويستفز الانفعال، وحاجب للعقل، وبالسيطرة على الاختراق، وانطلاقاً منها، تخضع النفوس، بمعنى تعطيل فاعلية العقل وتكييف المنطق والتشويش على نظام القيم، وتوجيه الخيال، وتنميط الذوق وقولبة السلوك، والغرض تكريس نوع معين من الاستهلاك لنوع معين من المعارف والسلع والبضائع تمثل -في مجموعها- ما يمكن أن نطلق عليه (ثقافة الاختراق)(9).فالسلام الفكري إذاً مسؤولية اجتماعية تقع على عاتق جميع المؤسسات المجتمعية المختلفة ابتداء بالأسرة ثم المدرسة فالجامعة والمسجد ووسائل الإعلام وبقية المؤسسات المجتمعية الأخرى. وأي تقصير من أي من هذه المؤسسات تكون نتائجه سلبية على المجتمع بأكمله.4- آليات مواجهة العنف الفكري والأخلاقي:قراء في استشراف المستقبلإن البحث عن آليات التعامل مع ظاهرة العنف الفكري لا تتطلب إعطاء مسكنات مهدئه في حالات التشخيص الأولي لمن أصيبوا بمن أصيبوا بهذا الداء، أو إجراء عمليات جراحية قصرية لمن استفحل فيهم الداء، بقدر ما تحتاج إلى وضع إستراتيجية حضارية تتكفل بطموحات الشباب وتقدم لهم ضمانات تفتح شخصيتهم وتوفر لها نمواً طبيعياً ليتمكنوا من الإسهام الإيجابي في البناء الحضاري الذي يقيهم من الانحراف الفكري. ومن مقومات تلك الإستراتيجية ما يلي:1- الاهتمام بالتنشئة الاجتماعية عموما لأنها (العملية التي يتم بها انتقال الثقافة من جيل إلى جيل، والطريقة التي يتم بها تشكيل الأفراد منذ طفولتهم حتى يمكنهم المعيشة في مجتمع ذي ثقافة معينة، ويدخل في ذلك ما يلقنه الآباء والمدرسة والمجتمع للأفراد من لغة ودين وتقاليد وقيم ومعلومات ومهارات ومن ثم فهي تهدف إلى إكساب الأطفال أساليب سلوكية معينة ودوافع وقيم واتجاهات يرضى عنها المجتمع الذي يعيش فيه الفرد بحيث تشكل طرق تفكيره وأنماط سلوكه وحكمه على المعاني والأشياء. وينطوي مفهوم التنشئة الأخلاقية على:الوعي الأخلاقي: إذ يعتبر تكوين الوعي الأخلاقي من أهم الأهداف التربوية الأساسية وهو الخطوة الأولى من خطوات التنشئة الأخلاقية وضرورة من ضروراتها التي يجب توافرها، وهو لا يقتصر على المعرفة الخيرة وتعلم واكتساب المفاهيم الأخلاقية وإنما يتجاوز المعرفة إلى تكوين النزعة الصادقة نحو الحقيقة والقيم(10).2- تعميق الوعي الديني؛ لأنَّ غياب الوعي الديني والفهم العميق للنصوص الشرعية، وتلقي الفتوى من غير المتخصصين، والملتزمين سلوكاً وقولاً - أدى إلى الخلط والفوضى في المفاهيم، وبالتالي انعدم الوسط الثقافي الديني السليم في المجتمع وحدثت قطيعة بين المتحدث والمستمع المتلقي، كل ذلك أدى إلى خلق وسط بديل للشباب، يشبعون فيه أهواءهم ونزواتهم، فحدثت قطيعة بين المتحدث والمستمعين، والتجأ أبناءنا إلى بدائل أخرى، تشبع نهمهم مثل الأشرطة الدينية والثقافية، غير الخاضعة للرقابة والتمحيص.فلا بد من إصلاح الخطاب الدعوي؛ ليرتفع إلى مستوى متطلبات المرحلة والعصر؛ لأنَّ المسجد اليوم تؤمه جموع المسلمين من مختلف الفئات والأعمار فلو يقدر لهذا الخطاب أن يكون في المستوى التربوي والعلمي واللغوي المناسب فإنه يمكن أن يفتق في الأفراد الإرادة الحضارية مع إحياء المفهوم الصحيح للعبادة ليشمل العمل الدنيوي الذي به تتحرر البلاد من ربقة التبعية المطلقة لكل وافد وإصلاح الخطاب الدعوي يستلزم النظر في تكوين الإمام ليتكيف برنامجه وفق معطيات العصر، وهذا لا يتم إلاَّ إذا عاد الاعتبار لوظيفة الإمام والداعية لتتوجه لها الاستعدادات العقلية والعلمية والخلقية؛ لأنَّ الإمام اليوم تتلقى منه الآلاف من مختلف الفئات ومن الأمانة إذن أن يكون في مستوى الإفادة والإصلاح. فالمنتظر من الداعية أن يقدم الدين للناس طاقة روحية وخلقا قويما ومعاملة صادقة ونظاما كاملا للحياة وعقيدة تقوي فيه إرادة الصلاح، والتحرك النافع الفعال في اتجاه التاريخ لا أن يضع الناس في خيار بين الدين والدنيا.3- إبراز وسطية الإسلام واعتداله وتوازنه، وترسيخ الانتماء لدى الشباب لهذا الدين الوسط وإشعارهم بالاعتزاز بهذه الوسطية (وكذلك جعلناكم أمة وسطاَ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)، وهذا يعني الثبات على المنهج الحق. ويستدعي دراسة عناصر ومقومات العنف الفكري وتحصين الشباب وتوجيههم ضده قبل الوقوع في شراكه من خلال غرس قيم التسامح والإيمان بالتعدديةوإتاحة الفرصة الكاملة للحوار الحر الرشيد داخل المجتمع الواحد، وتقويم الاعوجاج الفكري بالحجة والإقناع؛ لأنَّ البديل هو تداول هذه الأفكار بطريقة سرية غير موجهة ولا رشيدة مِمَّا يؤدي في النهاية إلى الإخلال بأمن واستقرار المجتمع(11).4- ملء الوسط الفكري والثقافي بالكفاءات؛ إن دور المؤسسات التعليمية جد خطير في إرساء دعائم السلام الفكري وفعاليته وخاصة في المرحلة الجامعية التي يصبح الشباب فيها في قمة الحيوية والنشاط وتدافع الأفكار، وتجاذب الأطراف من خير وشر، فإذا قامت الكفاءات داخل هذه المؤسسات بواجبها في بناء العقول وترشيد المعارف فإنها قد تعيد بناء عقول ناشئتنا بما يؤهلهم للمساهمة في تفعيل المشروع الحضاري لأمتنا عوض الاقتصار على ثقافة الاستهلاك لمشاريع الغزو الفكري بشتى ألوانه وقد يخطئ من يعتقد أن مهمة المؤسسات التعليمية تقتصر على تعليم القراءة والكتابة، وإعطاء مفاتيح العلوم للطلاب دون العمل على تعليمهم ترجمة هذه العلوم إلى ما يحتاجون إليه في حياتهم العلمية والعملية.5- التركيز على توظيف الإعلام الجماهيري في مواجهة اللإسلام الفكري: من بديهيات الأشياء أن الفكرة لا تقارعها إلاَّ فكرة، حيث أن مصدر هذا التطرف هو الفكر، ولهذا لا يمكن التصدي له إلاَّ بالفكر، ولا تقاوم الشبهة إلاَّ بالحجة، ومن الخطأ مقاومته بالشدة والبطش من البداية، بل من الواجب مخاطبة العقول أولاً، ولما كان الإعلام الجماهيري، بوسائله المتنوعة خير أداة لخوض مثل هذه المعارك، فإن ضعفه في تناول هذه الموضوعات ومعالجتها، جعل المجتمع يفقد أقوى وسائل وآليات المواجهة.6- إعادة التربية لعاداتنا الاستهلاكية التي كونتها وسائل الإعلام والإشهار عن طريق الأفلام والمجلات، وهو الأمر الذي يحدث الاختلال بين الدخل والخرج؛ بل إنها تفجر فينا حاجات اصطناعية لا تتناسب ومستوى بلادنا الاقتصادي والحضاري ولعل الإقبال الكبير من شبابنا على اقتناء منتجات الغرب خير دليل على ضرورة إعادة النظر في تلك التقاليد الاستهلاكية المبتدعة في ديارنا وجعلتنا نقتني بناءا على شهواتنا لا على حاجتنا ﴿ولا تسرفوا..﴾.قراءة في استشراف مستقبل الوسطية والسلام الفكري:إن العنف الفكري يؤكد الطبيعة العدوانية والروح الدموية لتوجهات أصحابه الفكرية، ومن ثم فإنه يبقى علامة شذوذ ودليل انفراد وانعزالية، كما انه يعتبر مرضا اجتماعيا يتطلب تعاون الجميع وتآزر الجهود من أجل محاصرته والحد من استفحاله وتدميره للبنى العقلانية في المجتمع وأسس البناء الاجتماعي السليم.فما لم يتم استيعاب المتغيرات الجديدة التي طرأت على ظاهرة العنف الفكري في المنطقة والعالم، وما لم تتم مواجهتها بكثير من الحكمة والعقلانية، بعد الفهم العميق للظاهرة، فإن من الممكن ارتكاب أخطاء إضافية تؤدي إلى زيادة حجم المشكلة لا الحدّ منها. فلم يعد ممكناً مواجهة ظواهر التشدد، بذات الوسائل القديمة التي كان البعض يصرّ على اللجوء، إليها وأثبتت التجربة العملية فشلها. لا بدّ هنا من التوقف عند نقطتين هامتين:الأولى: عند العمل على معالجة المشكلة ضرورة التمييز بين التعامل مع العنف في إطاره الفكري الذي يقتصر على الأفكار والقناعات والتوجهات، وبين العنف الذي انتقل إلى دائرة الممارسة المادية السلوكية العنفية. فالأساليب المجدية في التعامل مع النوع الأول، لا تجدي بالضرورة في التعامل مع النوع الثاني. وما هو ضروري للتعامل مع الشكل الثاني قد لا يكون ضرورياً للتعامل مع الشكل الأول.الثانية: جرت العادة على مواجهة ظاهرة اللاتسامح الفكري بأحد أسلوبين:1- الأسلوب الأمني، وهو المفضل لدى غالبية الأجهزة الرسمية والمؤسسات الأمنية العربية والإسلامية.2- الأسلوب السياسي والفكري؛ عن طريق الاستيعاب، وفتح قنوات الحوار، لإقناع من يحمل فكراً متطرفاً بأن أبواب التأثير والإصلاح بالطرق السلمية -بعيداً عن العنف وإراقة الدماء متيسرة أمامه وليست مغلقة. ولوحظ أن غالبية الدول التي اقتصرت على التعامل بالأسلوب الأول، لم تنجح -بعد سنوات طويلة من المواجهة- في الوصول إلى هدفها بإضعاف التوجهات الفكرية المنحرفة، وكانت النتيجة سلبية للطرفين، للسلطة وللمجموعات المنحرفة فكريا، وغالباً ما دفع المجتمع الثمن غالياً من أمن أبنائه ومن اقتصاده واستقراره نتيجة هذه المواجهة المعكوسة النتائج.وهنا بعض المقترحات لمواجهة المشكلة:- نشر الوعي والثقافة الاجتماعية بمختلف الوسائل والأساليب والتي من شأنها إيقاظ الوعي والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية والواجب الوطني مع محاولة إكساب أفراد المجتمع العادات القرائية الصحيحة؛ أعني إكساب أفراد المجتمع مهارات تقويم المعلومات وتمييز الغث من السمين.- تدريب أفراد المجتمع على البحث العلمي وإكسابهم مهارات استخدام تقنيات المعلومات وإطلاق الفكر في التصور والبحث والاستقراء، مع تنمية المهارات الإبداعية.- تقديم الأنشطة المتنوعة التي تعمل على تنمية شخصية أفراد المجتمعو غرس مفاهيم الحوار والوسطية وتقبل الرأي الآخر.- بث القيم الأخلاقية والاجتماعية بما يؤثر على تصرفاتهم وحمايتهم من الانحراف الفكري بالتحصين الفكري ووقاية المجتمع من الأفكار الشاذة.- معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية، وتقليص الفجوة الآخذة بالاتساع بين أغلبية مقهورة ومسحوقة في المجتمعات العربية، وبين أقلية متنفذة تسيطر على الثروات والمقدّرات والمداخيل. لاسيما أن قناعة تسود لدى أوساط شعبية واسعة بأن الفساد واستغلال المناصب والمواقع للإثراء غير المشروع هي التي تقف وراء ما تتمتع به نخبة مهيمنة محدودة من مكتسبات.- إعطاء استقلالية حقيقية لمؤسسات التوجيه الديني، والتوقف عن توظيفها كأداة لحشد التأييد لتوجهات السلطة السياسية، كي تكون قادرة على ممارسة دورها بفاعلية في التوعية والتثقف الديني والتصدي لبعض مظاهر الفهم الخاطئ للإسلام. - التوقف عن وضع جميع الحركات الإسلامية في كفة واحدة ومناصبتها جميعها العداء بشكل أعمى، ودون وعي أو تمييز، وإدراك أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه الحركات الواعية في مواجهة الفهم الخاطئ.- الحذر من دعم مظاهر (التطرف العلماني) في مواجهة (التطرف الديني)، فكلا التطرفين نتائجه خطيرة على المجتمعات العربية والإسلامية، وتنامي الواحد يستفز الآخر ويعمل على تفعيله..- وقف التصريحات المعادية للإسلام والمسلمين في الغرب، سواء من قبل بعض وسائل الإعلام، أو بعض النخب السياسية والفكرية والدينية؛ لأنَّ من شأن هذه التصريحات العدائية أن تستفز غضب العرب والمسلمين، وتولّد مشاعر غضب شديدة.خلاصة القول: أن رفض المنهج الوسطي هو رد فعل على منهج عنف مقابل؛ فالعنف لا يولّد إلاَّ عنفاً مضاداً، وسرعان ما يتحول الأمر إلى حلقة مفرغة لا نهاية لها. وما لم تتم معالجة الأسباب التي تشكل أرضاً خصبة لانتشار الأفكار المتشددة في العالم العربي الإسلامي، فإن أي معالجات أمنية ستكون قاصرة عن مواجهة الظاهرة، بل قد تشكّل سبباً إضافياً لتناميها. ومن الأهمية بمكان أن تدرك كل الأطراف الطور الجديد الذي تمرّ به ظاهرة تبني اللإسلام الفكري في ظل المعطيات القائمة. إن البحث عن السلام الفكري غاية سامية لم يحتكرها فرد أو عصر بذاته عبر تأريخ البشرية، فالبحث عنها أزلي ارتبط برغبة الإنسان في اكتشاف أمن ذاته وحياته والكون الذي يعد هو جزء منه، وللوصول إليها علينا أن نوفر مستلزمات الحصول عليها متمثلة: بتحرير تفكيرنا من سيطرة عواطفنا، وبنبذ التعصب الفكري الذي يغذي أهواءنا لا عقولنا، وبتأهيل فكرنا عن طريق إزالة كل المعوقات التي تحجمه كالفقر والجهل والمرض والاستبداد بكافة أنواعه، وأن نسلك طريق الموازنة بين أفكارنا والحريات الفردية والعامة، فلا نتخذ من الأشخاص أصناما تعبد، ولا من التوجهات والسياسات والإيديولوجيات أديانا تزهق في سبيلها أرواح الأبرياء لمجرد مخالفتهم لهؤلاء الأشخاص أو لتلك التوجهات.مما تقدم نستطيع أن نقول: إنَّ هناك حقائق مطلقة وأخرى نسبية، وأن علينا أن ندعو الناس لأدياننا ولتوجهاتنا ولأفكارنا امتثالا لأمره تعالى لنا بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومحبة ورغبة في أن ينعموا بالخير الذي ننعم به، لا رغبة بمحو هويتهم أو إرضاءً لروح الغلبة والتسلط في داخل نفوسنا على الغير، لذا يجب أن نكون متسامحين مع المخالفين لنا بآرائهم ومعتقداتهم مع إيماننا المطلق بصحة معتقداتنا الدينية. | |
|