-الحلقة الثالثة-"الإيباك"
... شبكة معقدة تصبر ثم تنقض لتحقيق الأهداف الصهيونيةاللوبي اليهودي في أمريكا ... أخطبوط بـ 100 ذراعالوطن السعودية :لم تكشف أحداث
11 سبتمبر عن سهولة اختطاف الطائرات المدنية الأمريكية وتوجيهها لتدمير منشآت
أساسية فحسب ، ولكن أيضاً عن النتائج التي يمكن أن يسفر عنها اختطاف السياسة
الخارجية الأمريكية وتوجيهها لتدمير مصالح الولايات المتحدة ذاتها قبل أي بلد آخر
.
فقد بدا واضحاً لأي شخص يتسم بقدر من رجاحة العقل أن تلك الأحداث تفرض أن تراجع
الولايات المتحدة سياستها الخارجية وأن تحاول الإجابة بحياد وموضوعية على السؤال
الذي طرحه الشارع الأمريكي بإلحاح بعد تلك الأحداث: لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد ؟
لماذا يكره العالم الولايات المتحدة؟.
والمفارقة هنا لا تقتصر على ما حدث بعد ذلك عند تقديم إجابة على هذا السؤال ،
ولكنها تمتد إلى صيغة السؤال نفسه . ذلك أن العالم لا يكره الأمريكيين بل إنه من
الصعب أصلاً أن يكره شعب من الشعوب شعباً آخر ، ذلك أن الناس العاديين في بلاد
الأرض يتبادلون زيارة هذا المجتمع أو ذاك ، يقفون مذهولين أحياناً من هذا التنوع
الذي يميز البشر ، يتعرفون على بعضهم بعضا وعلى حضارات ولت وأخرى تمضي في رحلتها
عبر الزمن، ويتعلمون في غضون ذلك من اختلافهم ، ولو شاء الخالق أن يجعل كلا منا
صورة مطابقة للآخر لفعل.
فإن كان الأمريكيون يتساءلون عن سبب كراهية العالم لهم ، وإذا كان العالم لا
يكرههم كشعب ، أفلا يفضي ذلك على نحو منطقي إلى الالتفات إلى سياسة الحكومات
الأمريكية المتعاقبة إزاء هذا العالم بحثاً عن إجابة مقبولة ؟.
وقد فعل الأمريكيون ذلك بعد أحداث 11 سبتمبر . فقد تناثرت التعليقات والآراء في
الصحف والإذاعات ومحطات التلفزيون حول أن الأوان قد آن لفحص سياسة الولايات
المتحدة تجاه العالم عموماً ، وتجاه العرب والمسلمين خصوصاً ، في محاولة لتحديد
ليس فقط أسباب أحداث 11 سبتمبر ، ولكن لفهم جذور هذا العداء الذي لا تخطئه العين
في شوارع المدن العربية والإسلامية تجاه سياسة واشنطن .
إلا أن الفحص انتهى ـ بعد أسابيع من عدم الوضوح ـ إلى لوم السعودية ومصر!... إنها
مفارقة حقيقية ، وهي تعكس حقيقة بسيطة هي أن سياسة الولايات المتحدة تجاه العالمين
العربي والإسلامي ليست في واقع الأمر سياسة أمريكية . فقد تم باختصار اختطاف هذه
السياسة وتوجيهها نحو أهداف تدعو إلى الشفقة على من يجلسون في مقاعد صياغة
استراتيجيات واشنطن ومواقفها إزاء العالم الخارجي.
العالم إذن ـ وخصوصاً عربه ومسلميه ـ يعادي سياسة خارجية أمريكية لا تعبر عن مصالح
الولايات المتحدة ، بل إنه يعادي سياسة خارجية مخطوفة يجري توجيهها ضد مصالح
الولايات المتحدة ، وضد مصالح العرب والمسلمين أيضا .
وفيما يعرف الأمريكيون الآن كيف تم اختطاف الطائرات صباح 11 سبتمبر ، فإن اختطاف
السياسة الخارجية الأمريكية ـ خصوصاً تجاه الشرق الأوسط ـ تم منذ وقت طويل سابق ،
وبواسطة شبكة بالغة التعقيد ، ومحكمة التنظيم ، تحدد أهدافها بدقة ، وتجمع وسائل
تحقيق هذه الأهداف بصبر، ثم تنقض بعد ذلك بلا تردد أو مساومة.
والشائع أن قلب هذه الشبكة هو منظمة الشؤون العامة الأمريكية الصهيونية (إيباك)،
ولكن هذا لم يعد دقيقاً الآن . لقد كان صحيحاً ربما حتى مطلع الثمانينيات ، إلا أن
رؤوسا أخرى ظهرت لهذا الأخطبوط ذي المائة ذراع وذلك في سياق تاريخي محدد فرضه
انتهاء احتكار مؤسسة حزب العمل (اليهود الأوروبيين) في الكيان الصهيوني .
وفيما ظل التياران على اتفاقهما حول أمور كثيرة فإنهما اختلفا في أمور أخرى ،
وأسفرت هذه الخلافات عن ظهور احتياج موضوعي لرؤوس أخرى في واشنطن تعكس
"التنوع السياسي" الذي طرأ على الساحة السياسية بعد صعود الليكود.
إلا أن ذلك بدوره ليس السبب الوحيد في معارضة القول إن "إيباك" هي قلب
اللوبي الصهيوني . إن هذا اللوبي يضم عدداً هائلاً من المنظمات . ويمكننا هنا أن
نرصد بعضاً منها فحسب على النحو التالي:
آيش هاتورا ـ آليه فوانديشن ـ إليف إنستيتيوت ـ آم إيشاد ـ أمريكا (إسرائيل)
فوانديشن - المجلس اليهودي الأمريكي - آميت وومن
ـ منظمة مكافحة التشويه (إيه. دي. إل) أو بناي بريث ـ تاير هجولاه إنستيتيوت ـ
بويز تاون أورشليم ـ فوانديشن أوف أمريكا ـ كامب سيمشا ـ تشمول ـ شوفيتز فوانديشن
ـ كوليل تشاباد ـ لجنة الدقة في أخبار الشرق الأوسط في أمريكا (كاميرا) ـ دارشي
نوآم ـ دوروت ـ إيلدريدج ـ ستريت بروجيكت ـ إيزارز توراه ـ حقائق الشرق الأوسط ـ
جيشر فوانديشن ـ هاراسا ـ هيليل ـ صندوق العدالة اليهودي - جينسا (المعهد اليهودي
لشؤون الأمن القومي) ـ الصندوق القومي اليهودي ـ كيرين آينيمر ـ كوليل أمريكا ـ
لايتس إن آكشن ـ نآمات ـ آوت ريتش ـ مجلس يهود الفلاشا ـ أوهر ساموياخ ـ ريفيوه
ياشيوه ـ شوفو (العودة) ـ اتحاد مجالس اليهود الروس ـ ياد ساره ـ يشيفوت بناي
آكيفا ـ زيف ـ مركز ويزنثال للسلام ـ مجلس رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية ـ
المنظمة الصهيونية الأمريكية.
وبوسعنا مواصلة الكتابة حتى يمل القارئ قراءة هذه الأسماء المعقدة ، ذلك أن
القائمة تمتد . هناك مجالس الجاليات اليهودية في المدن الرئيسية ، وجمعيات أصدقاء
(إسرائيل) في الجامعات ، ونحو 1500 لجنة للعمل السياسي على المستوى القاعدي في
الولايات المتحدة ، أي في أنحاء المدن الأمريكية المختلفة .
رغم ذلك فإنه من الإنصاف الاعتراف بأن "إيباك" تلعب دوراً مهماً رغم أنه
لا يتجاوز في أهميته بأي حال دور منظمة مثل بناي بريث أو مجلس رؤساء المنظمات
اليهودية . الفارق أن هذه المنظمات طبقت تقسيماً دقيقاً للعمل فيما بينها .
"بناى بريث" مثلاً ومجلس رؤساء المنظمات أيضاً يهتم بالاتصالات الشخصية
بالمسؤولين الحكوميين . "أيباك" تهتم بأعضاء الكونجرس ،
"كاميرا" تهتم بالإعلام... وهكذا.
إلا أن ذلك لا يعني أن هذه المنظمات وضعت سوراً صينياً عظيماً فيما بينها بحيث
أصبحت مكونات مستقلة إحداها عن الأخرى ، إن منظمات العمل السياسي مثلاً تعمل
بتوجيه من "إيباك" وذلك بجمع التبرعات لهذا المرشح (للكونجرس) بدلاً من
ذاك ومنظمة بناي بريث تدعم حملات مرشحين معينين... وهكذا.
وواقع الحال أن "إيباك" التي تأسست عام 1954 تعرضت لمطبات كثيرة في
مسارها السياسي في واشنطن . ولعل أصعب هذه المطبات هو الأزمة التي اكتنفتها عند
مواجهة جناحين بداخلها ، أحدهما عمالي والآخر ليكودي في مطلع الثمانينيات .. إلا
أنها حافظت على تماسكها وتأثيرها الخارجي في كل الأحوال .
وسوف ننقل هنا فقرات مترجمة لعدد من أبرز من علقوا على هذا التأثير الخارجي:
قدم الكاتب الأمريكي اليهودي جورفيدال كتاب "التاريخ والدين رؤية
يهودية" الذي كتبه المؤلف الصهيوني إيزرائيل شاحاك بقوله: في وقت ما من أواخر
الخمسينيات حكى لي جون كيندي (قبل أن يصبح رئيساً) أن هاري ترومان فوجئ عام 1948
بأن كل أصدقائه هجروه خلال حملته الانتخابية في مطلع ذلك العام ، إلا أن صهيونياً
أمريكيا زاره ذات مساء ووضع أمامه حقيبة بها مليونا دولار (وكان مبلغاً ضخماً في
تلك الآونة) ، وذلك كي يواصل ترومان حملته . وقال لي جون ضاحكاً "وهكذا جاء
اعترافنا بـ(إسرائيل) فور قيامها". ثم علق جون على ذلك بعبارة توضح مدى
اقتناعه باستشراء الفساد السياسي في واشنطن .
وأضاف: وبكل أسف أدى اعترافنا المبكر هذا بـ(إسرائيل) إلى 50 عاماً من العنف
القاتل والتخبط الدموي وتحطيم ما قال الصهاينة إنه حلم التعايش المشترك بين
المسلمين والمسيحيين واليهود . إنني لن أعيد كتابة تاريخ الحروب المريرة التي
شهدها الشرق الأوسط منذ إنشاء (إسرائيل) ، ولكنني سأقول فقط إن الاختراع المتعجل
لهذه الدولة أدى إلى تسميم أفكار الولايات المتحدة في مجالات كثيرة.
وتابع يقول: إن التاريخ لا يقدم سابقة مماثلة لما حدث ، أي أن تختطف أقلية لا
تتجاوز 2% من سكان الولايات المتحدة كل هذه الأموال لتخترع وطناً . ولو قال
الكاثوليك لدينا مثلاً ، وهم عشرات الملايين ، إنهم يريدون جمع أموال لدعم البابا
في إقامة دولة كاثوليكية في أوروبا الغربية لثار الكونجرس ضدهم . ولكن الكونجرس لا
يثور ضد 2% من السكان أقاموا دولة يهودية ، لقد اشترى اللوبي مجلسنا التشريعي
أيضاً.
وأضاف : والواقع أنني مندهش دائماً بسبب قدرة اللوبي على إنجاز كل ذلك . لقد قالوا
إن (إسرائيل) هي الموقع المتقدم لحماية الشرق الأوسط من الشيوعية . ولكن الشيوعية
لم تكن في أي يوم خطراً حقيقياً يهدد تلك المنطقة . رغم ذلك اقتنع الكونجرس .
والآن، وقد انهار الاتحاد السوفياتي ، فإن التأييد لا يزال مستمرا ً. لا يمكن
للمرء أن يقاوم دهشته عن قدرة اللوبي في هذا المضمار . ذلك أن الكونجرس لم يضمن
حماية الشرق الأوسط من الشيوعية عبر تأييده لـ(إسرائيل) ، ولكنه ضمن جعل المنطقة
كلها تناصب الولايات المتحدة العداء . إنه أمر واضح للجميع ، ولكن تم إخفاؤه
بعناية رغم ذلك .
وفي نوفمبر 1976م قام "ناحوم جولدمان" رئيس المجلس اليهودي العالمي
بزيارة إلى واشنطن حيث التقى بالرئيس كارتر وبوزير الخارجية سيروس فانس وبمستشار
الأمن القومي زبيجنو بريزنسكي. وقدم جولدمان للمسؤولين الثلاثة طلباً مذهلاً:
ابدأوا فوراً في تفكيك اللوبي (الإسرائيلي) في الولايات المتحدة . إنه سيئ لنا (أي
لإسرائيل) وسيئ للولايات المتحدة . (مجلة "شتيرن" النيويوركية ـ 24
إبريل 1978).
قال لنا جولدمان إن علينا تفكيك اللوبي بسرعة ولكن الرئيس وأنا قلنا له إنه ليس
بوسعنا أن نفعل ذلك لأنه ليس لدينا صلاحيات تمكننا من هذا ، وأوضحنا له أن مثل هذه
الخطوة قد تؤدي إلى إطلاق موجة من معاداة السامية . (المصدر: حوار مع سيروس فانس
أجراه إدوارد تيفنان ونشر في كتاب "اللوبي" عام 1987).
*لم يخف القادة اليهود قضية الولاء أبداً. لقد قال بن جوريون "حين يقول يهودي
في أمريكا أو في جنوب أفريقيا : حكومتنا، فإنه يعني حكومة (إسرائيل)" (المصدر
- المصير: إسرائيل. لجاك شتاين). ... وتمضي الفقرات أيضاً بلا نهاية تقريباً.
ولكن ماذا عما يحدث الآن؟.
وضعنا السؤال أمام الصحفي الأمريكي المعروف - وغير المحبوب - جوزيف سوبران رئيس
تحرير "ناشيونال ريفيو"، وأحد المغضوب عليهم بسبب انتقاده الدائم للوبي
اليهودي ، وذلك في حوار طويل دار مع سوبران هاتفياً، فأجاب:
بعد 11 سبتمبر مباشرة اعتقد اللوبي (الإسرائيلي) أن اللحظة ستكون مواتية لدعم
حكومة شارون في تنكيلها بالفلسطينيين بدعوى أنهم إرهابيون.
فحيث إن هجوم 11 سبتمبر جاء من إرهابيين ، فقد ظنوا أن ذلك سيفضي إلى خلق قوة دفع
تحمل شارون إلى الضفة والقطاع وتمكنه من تحقيق حلمه القديم - الجديد بطرد الفلسطينيين
إلى شرق الأردن .
وهكذا سمعنا عن جماعات يهودية متشددة "احتفلت" بأحداث 11 سبتمبر
باعتبارها بداية النهاية للكفاح الوطني الفلسطيني .
إلا أن تداعيات الأمور بعد ذلك اتجهت نحو وجهة أخرى . فقد طرحت واشنطن مبدأ إقامة
تحالف دولي ، وكان من الحكمة استبعاد (إسرائيل) من هذا التحالف - ولو من الناحية
العلنية - إن كان له أن يضم دولاً أخرى غير الدول الأوروبية.
أعقب ذلك انتشار تعليقات تربط بين ما حدث في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر وبين
انحياز السياسة الأمريكية لـ(إسرائيل) . وسرعان ما رأينا اللوبي (الإسرائيلي) يضع
في مقدمة أجندة عمله - وبصورة طارئة - محو أي ربط بين الأمرين . وأعقب ذلك على نحو
ملحوظ تجنب أجهزة الإعلام الأمريكية الرئيسية تغطية ما يحدث بين الفلسطينيين
و(الإسرائيليين) رغم أهميته ، وعلى الرغم من تصاعد حدة التوتر ودمويته بين
الجانبين في الأيام القليلة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر .
ثم أعقب ذلك إسكات بعض مؤيدي (إسرائيل) في وزارة الدفاع ، وفصل آخرين من مستويات
أقل بصورة هادئة بعد أن وجهت لهم تهمة القيام بتسريب أسرار العمليات العسكرية التي
كانت الولايات المتحدة تعدها .
إلا أن اللوبي ما لبث أن أفاق من هذه التداعيات التي لم يكن يتوقعها أصلاً . وتم
التحرك بسرعة لتجاوز الموقف ، بل ولتحويله إلى موقف هجومي . ذلك أن لدى اللوبي نحو
70 من كتاب الأعمدة المشهورين على المستوى القومي ، وهو يسيطر على عشرات من أجهزة
الإعلام التي تخاطب هذا المستوى .
لقد رأينا مثلاً مورتيمر زكرمان ، الذي يسمونه هنا "ملك اليهود" يفتتح
الحملة بمقال ضد السعودية ومصر . وزكرمان هو رئيس تحرير وناشر صحيفة "يو. إس.
نيوز آند وورلد ريبورت" وهو في الوقت نفسه رئيس منظمة "رؤساء المنظمات
اليهودية الأمريكية" وهي المنظمة التي تجمع الرؤوس الكبيرة في اللوبي (الإسرائيلي)
. إنه إذن رئيس هذه الرؤوس الكبيرة . وكان مقاله ذلك بمثابة إشارة البدء للجميع
بالتحرك ، فانهالت المقالات من الكتاب الـ70 التي مضت جميعاً في الاتجاه الذي حدده
زكرمان.
* ولكن هل يمكن أن يقتنع الرأي العام بأن السعودية ومصر هما المسؤولتان عما حدث
وليس انحياز السياسة الأمريكية لـ(إسرائيل)؟
إنها كذبة صعبة بطبيعة الحال . ولكن اللوبي مقتنع بأن تكرار نفس الكذبة مئات
المرات يجعل منها حقيقة . على الرغم من ذلك دعني أقل إن هذا التكتيك ينم عن الخوف
أكثر مما ينم عن أي شيء آخر . لقد ظن اللوبي أن يتداعى الموقف بأكمله إلى حد
الوصول إلى إفقاده هو نفسه لنفوذه .
* ما رأيك في موقف الرئيس بوش؟.
- للإنصاف كان موقفه جيداً . فقد أوضح أن من يهاجم السعودية أو مصر من مسئولي
الإدارة سيفصل من عمله . أعتقد أن الرئيس يعي تماماً ما يحدث، ولكنه لا يستطيع أن
يواجه هذه الشبكة المتشعبة وحده أو دون إعداد كاف ومسبق.
* هل تعتقد أن الكذبة تحولت إلى حقيقة؟.
ـ إنهم مستمرون في محاولتهم . قبل أيام مثلاً كنت أقرأ مقالاً لشخص يسمي نفسه
صحفياً هو زيف تشافيتس الذي يكتب في صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" والصحيفة
كما نعرف جميعاً تابعة بالكامل لأنصار شارون ، أما تشافيتس نفسه فقد كان في السابق
وزيراً (إسرائيليا) لفترة وجيزة ثم قرر أن ينصب نفسه صحفياً.
وكتب تشافيتس في
مقاله أن "أعداء أمريكا هم إيران والعراق وسوريا وليبيا والسودان وأفغانستان
ومنظمات القاعدة وحماس والجهاد الإسلامي ومنظمة التحرير الفلسطينية وأنه ينبغي
معاقبة الدول المترددة أو غير المستجيبة مثل مصر والسعودية". وقال تشافيتس
"إن على الولايات المتحدة أن تغزو هذه الدول جميعاً وتفكك منظمات الإرهاب
فيها وتشتت جيوشها وتصادر أسلحتها وذلك بافتراض توافر الوقت الكافي أمام
"قواتنا" المسلحة لإنجاز ذلك. أما إذا لم يتوافر الوقت الكافي فإنه من
الممكن دائماً تطبيق أسلوب سريع لتدمير قواتها المسلحة ومنشآتها الصناعية التي
يمكن أن تتحول إلى منشآت عسكرية . والأسلوب الأسرع هو الأسلوب الذي استخدمناه مع
اليابان".
قلما يقرأ المرء جنوناً من هذا النوع . ولكن المحير في مقال تشافيتس في "ديلي
نيوز" هو ما يقصده من كلمة "قواتنا" المسلحة.. قوات من بالضبط؟ إنه
يخلط بين أمور أساسية فضلاً عن أنه يريد فيما يبدو تدمير وقتل الجميع .
بعبارة أخرى تحول اللوبي إلى محاولة جعل المعركة مع أعداء (إسرائيل) تقوم بها
الولايات المتحدة بالنيابة عن آرييل شارون. والمشكلة هنا أن هذا الموقف يعد موقفاً
معادياً للولايات المتحدة نفسها . ولكن اللوبي يرى في هذا الصراخ عن دور السعودية
والسودان وسوريا ، إلى آخر القائمة محاولة لتشتيت الأنظار وإبعادها عن البحث في
جذر المسألة . لقد تابعت ما قاله الأمير الوليد بن طلال . والمشكلة أن تصريحات
الأمير الوليد جاءت في لحظة بالغة الحساسية بالنسبة للوبي حتى وإن لم يكن الأمير
الوليد يدرك ذلك مسبقا . لقد كان اللوبي في ذروة جهده لتمويه أي رابطة بين السياسة
الأمريكية تجاه (إسرائيل) و11 سبتمبر . وجاءت كلمات الوليد بن طلال لتهدد هذا الجهد
في تلك اللحظة الحساسة . فضلاً عن ذلك فقد أراد اللوبي توجيه رسالة مفتوحة لمن
تسول لهم أنفسهم القيام بهذا الربط مرة أخرى.
هل تعتقد أن كلمات مثل كلمات تشافيتس يمكن أن تؤثر في الرأي العام؟.
ـ كلا.. أعتقد أنهم أدركوا بسرعة أن هذه النغمة المباشرة تثير ريبة القارئ
الأمريكي العادي وتضر بقضية اللوبي (الإسرائيلي) وهكذا غيروا النغمة بعد ذلك على
نحو ما رأينا في مقالات كروثاو في "نيويورك تايمز" من أن غضب أسامة بن
لادن من أمريكا لا يرجع إلى موقف واشنطن من (إسرائيل) ، وإنما من حرب الخليج
الثانية وما رافقها من ملابسات .. المهم دائماً هو إبعاد الأنظار عن أي صلة بين
(إسرائيل) وما حدث.
هناك رغم ذلك صحفيون غير موالين لـ(إسرائيل)؟.
- الصحفي غير الموالي لـ(إسرائيل) هو إما فصل من عمله أو في طريقه إلى الفصل من
عمله .. ودعني أقل لك ما حدث لـ"جيم مور" الذي كان يكتب في صحيفة
"تالاهاسي ديموكرات" بفلوريدا ، وهي صحيفة تمتلكها شركة "نايت
رايدر" المعروفة . فقد كتب جيم مور بعد 11 سبتمبر بعض التقارير التي تنتقد
(إسرائيل) بدرجة أو أخرى . وأثار ذلك ضيق بعضهم فانتظروا أن يقع في خطأ . وقدم مور
مقالاً استشهد فيه بعبارة قالها آرييل شارون في اجتماع للكنيست وجاء فيه أن اليهود
يملكون أمريكا . وكان مور قد سمع العبارة من راديو (إسرائيل) باللغة الإنجليزية .
ولكن الناشر ميزل ستيوارت رفض نشرها وطلب من مور تقديم دليل على أن شارون قال ذلك
. واتصل الصحفي بالراديو وطلب نص التقرير المذاع الذي بثه ذلك الراديو في الوقت
واليوم الذي سمعه مور . ولكن الراديو رفض ذلك . واتصل رئيس التحرير ميزل ستيوارت
بالكنيست (الإسرائيلي) للتحقق مما حدث ، ولكن سكرتيرة الكنيست قالت إن رئيس
الوزراء (الإسرائيلي) تنتابه أحياناً حالات غضب مفاجئة ويتفوه بعبارات "لا
يمكن أن تؤخذ على مجمل الجد".
وسألها ستيوارت إذا كان شارون قد قال بالفعل إن اليهود يحكمون أمريكا فأغلقت
السكرتيرة الخط .
في الصباح التالي فصل ميزل ستيوارت الصحفي جيم مور . وعلينا أن نلاحظ أن
"نايت رايدر" ليست مؤسسة يهودية ، وأن ستيوارت ليس يهودياً ، ولكن
الجميع يعرفون من الذي يسيطر على الملعب بأكمله .
هناك واقعة أخرى مشابهة فصل فيها الصحفيان ديل سيث وجين رايان في إحدى صحف نيويورك
، وهناك واقعة ثالثة في كاليفورنيا ، وهكذا. وهذه هي الأمور التي نسمع بها ونعرفها
، وهناك ما لا نعرفه بطبيعة الحال.
ماذا سيحدث في المستقبل إذن؟.
- هناك علامات على أن الإدارة الحالية بدأت تتخذ خطوات واضحة ضد اللوبي . لقد تم
مثلا إبعاد الميجور شون باين من قيادة الكتيبة 300 المتخصصة في أعمال المخابرات .
وكان سبب الإبعاد هو أن باين يحتفظ بجنسية مزدوجة (إسرائيلية) وأمريكية. وقد قال
باين إن سبب إبعاده هو معاداة السامية .
فضلاً عن ذلك قال دونالد رامسفيلد إنه سيأمر بحبس مصادر تسريب الأخبار في
البنتاجون . ونحن نعرف جميعاً أن الوزير كان يتحدث عن مقالين كتبهما ويليام سوفير
و ويليام كريستول في "نيويورك تايمز" وكشفا فيها أنباء عملية تقوم بها
القوات الخاصة في منطقة قندهار . كما أننا جميعا نعرف أن مصادر التسريب لسوفير
وكريستول هما بول وولفيتز وريتشارد بيرل اللذان يعتبران أهم نقاط اختراق اللوبي
للإدارة . وقال رامسفيلد في لهجة ذات مغزى إن هذه التسريبات تهدد حياة الجنود
الأمريكيين .
ولكن ذلك لن يكون بحال نهاية المطاف . إن اللوبي ممتد ومتشعب ولا تسهل محاصرته أو
القضاء عليه . كما أن المسؤولين يخافون القيام بهذه المهمة لأنها تعني مواجهة كائن
بالغ القوة والتأثير . إن السلطة في الولايات المتحدة تتركز في المحكمة العليا
والإدارة والكونجرس والإعلام . ولقد سيطر اللوبي تقريباً على جناحين من هذه
الأجنحة الأربعة ، أي الكونجرس والإعلام . وتفكيك اللوبي يقتضي خطة قومية محكمة
يشارك فيها عدد من الأمريكيين المخلصين لوطنهم حقا ً. إذ إنه من الصعب القبول بأن
تتحول سياستنا أو إعلامنا أو مجلسنا التشريعي إلى رهينة لدى دولة أجنبية.
الأحد يوليو 15, 2012 4:31 pm من طرف بن عبد الله