الكاريكاتيريست محمد الخو في عمل خاص ب"كود"
لم يجد عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، سوى الموز للاستدلال على استقرار
أسعار المواد الغذائية رغم زيادة أسعار المحروقات. لحظة معبرة عن مدى
الارتباك الذي غشي بنكيران طيلة 45 دقيقة مدة خرجته الإعلامية للدفاع عن
قرار الحكومة بالزيادة في أسعار المحروقات. الوثائق التي جاء بها رئيس
الحكومة مكتوبة بالفرنسية، ضدا على الدستور وإيديولوجية الإسلاميين في
الدفاع عن التعريب. كما أن الموز يعتبر من الكماليات التي لا تطالها بطون
أغلبية الفئات الفقيرة التي يحاول رئيس الحكومة طمأنتها!
ارتباك رئيس الحكومة بدا واضحا كذلك من خلال، استفراده بالحديث طيلة مدة
خرجته الإعلامية، وعصبيته المفرطة في مواجهة جامع كلحسن حينما حاول
مقاطعته وطرح سؤال عليه.
ارتباك في الشكل
يعكس ارتباكا في المضمون. بنكيران يريد أن يبيع الزيادة الأخيرة في أسعار
المحروقات على أنها جزء من مسلسل لإصلاح صندوق المقاصة ليستفيد منه
المحرومون. هذه هي الفكرة الأساسية التي حاول إبرازها في خرجته الإعلامية
على القناتين العموميتين.
غير أن تسلسل
الوقائع لا يدل على هذا التوجه. إذ كيف يعقل أن يقرر رئيس حكومة الزيادة
في أسعار مواد مدعمة ثم يتجه بعد ذلك إلى مجلس المنافسة ليطلع مثله مثل
باقي الناس على دراسة تقترح حلولا لإصلاح نظام المقاصة؟
بدل أن يكون القرار الحدث وموضوع النقاش هو حزمة الإجراءات الجديدة التي
اختارتها الحكومة لإصلاح نظام المقاصة، أصبح الموضوع تبرير قرار الزيادة
في أسعار المحروقات.
الأغرب أن رئيس الحكومة لم يضرب أي
موعد محدد أو أفق منظور لإصلاح هذا النظام، مكتفيا بالقول إنه سيتم قبل
ولاية حكومته أي في أفق قد يمتد ل5 سنوات المقبلة!
الجديد
هذه المرة أن الحظ يخون حكومة بنكيران في ملف اجتماعي ثقيل، بعد أن جعلتها
محاسن الصدف تستفيد من إنجازات الحكومة السابقة في ملفات رخص النقل الطرقي
و"صندوق التماسك الاجتماعي" و"صندوق التكافل العائلي" ونظام المساعدة
الطبية للمعوزين "راميد".
لوائح رخص النقل
التي كشف عنها الرباح كانت جاهزة منذ عهد كريم غلاب، كما اعترف بذلك
بنكيران في لقاء أمس. صندوق التماسك الاجتماعي كان متضمنا في قانون
المالية الذي أعده صلاح الدين مزوار تحت مسمى "صندوق التضامن الاجتماعي".
نظام المساعدة الطبية للأشخاص المعوزين "راميد" كان ساري المفعول في جهة
تادلة أزيلال على عهد الحكومة السابقة، وقرار تعميمه كان منتظرا. صندوق
التكافل العائلي كان جاهزا منذ عهد وزارة العدل السابقة، وإن حاول بنكيران
الاستمرار في نسب إنجازات الحكومات السابقة لنفسه حينما تحدث عن التعويضات
التي ستمنح للمطلقات على أنها مكسب تحقق بفضله.
مع الإشارة هنا إلى أن هذه الظاهرة تعكس جزء من أزمة الديمقراطية في
المغرب. ذلك أن بنكيران قاد المعارضة ما قبل 25 نونبر 2001 ليصبح ببساطة
المسؤول الأول عن تنفيذ نفس السياسات العمومية التي كانت تنفذ وتنجز طيلة
الفترة التي كان بنكيران يقدم نفسه فيها على أنه يمثل "التغيير".
هذا فرق جوهري بين حكومة الإسلاميين وحكومة التناوب التي يحاول البعض تشبيهها بها ظلما وبهتانا.
ارتباك بنكيران في تدبير ملف المقاصة يكشف الوجه اليميني المتطرف للحكومة
التي يقودها، ليس فقط في قضايا المرأة والحريات ولكن أيضا في التوزيع
العادل للأعباء التي تفرض الظروف الاقتصادية الصعبة على المواطنين تحملها.
حكومة تنهزم أمام "الصداع" الذي تلا الكشف عن لائحة "الكريمات"، وتفضل أن
تتريث ولا تكشف عن "كريمات" مقالع الرمال والامتيازات الأخرى حتى تأتي
بمشاريع إصلاحية متكاملة تعوض نظام الرخص، كما قال بنكيران.
لكنها تتخلى عن هذا المنطق، حين يتعلق الأمر بجيوب فئات أقل حظا بكثير من
أصحاب "الكريمات"، فترفع أسعار المحروقات دون أن تنتظر إدراج هذه الزيادة
في إطار شمولي لإصلاح نظام المقاصة.
أما
قمة الاستغفال فهي أن يتحدث بنكيران عن الزكاة، بينما يستمر في منح هدايا
ضريبية للمنعشين العقاريين والفلاحين الكبار والأبناك، الذين يمكنهم
موضوعيا تحمل جزء أهم من المجهود الوطني المفروض في هذه الظروف الصعبة.