هند " ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
عدد الرسائل : 245
الموقع : جهنم تاريخ التسجيل : 09/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | الإنسان في عالم التّشيُّؤ | |
سالم بن عبد الله القرشي انقلاب مفاهيمي يسود حضارة اليوم، حضارة الأشياء والزّينة والتّجويع الحاجيّ، حتى لهث إنسان اليوم إلى سراب الأحلام الماديّة خارج ذاته ومكانه. في عالم الأشياء وفلسفة العرض والطّلب، سادت ثورة المادّة عبر إمبرياليّة السّوق الرّأسماليّ الحرّ المتحرّر من كوابح القيم والأخلاق، وظهرت السّلع المتخلّقة من تفتيق الحاجات وإيجادها بوساطة الدّعاية الممنهجة، والعرض الممنهج في الأسواق ومراكز التّسوّق، حتى أضحى الفرد هو من يمارس التّفكير نيابة عن آلة السّوق في تفتيق حاجاته عبر أحلامه المعلمنة أحيانًا وسعيًا وراء مزيد إرواء او اكتساب او تزين أو منافسة او حاجة... حتى باتت الأشياء في زحمتها وجلبتها السّوقيّة أكثر سيطرةً على عقولنا ووجداننا، وتنحّت القيم من أن تكون دواخل وجدانيّة أخلاقيّة إلى قيم برّانيّة مظهريّة ماديّة تكتسب قيمتها من ذاتها الجامدة...
ولعلّي ألقي بعض الضّوء على طبيعة هذه الجوامد الشّيئيّة التي أسرت عقل إنسان اليوم، وأحالت معنى الحياة وطعمها إلى صورة جميلة لذيذة دون نبض معنويّ تحيل إليه...
أولاً: من طبيعة هذه الأشياء التي جلبتها التّقنية والمهارة ما يلي:
- قابليّتها للتّشكل.
- جمالها.
- سهولة عرضها بعد تصغيرها.
- صلابتها وقوّتها.
- هشاشتها أو متانتها بعد إعادة تصنيعها.
- شموخها وتحمّلها لمؤثّرات البيئة.
- صعوبة تحريكها عند كبر حجمها.
- إغرائها وجمالها وجاذبيّتها بعد إعادة تصنيعها وتركيبها.
- لطفها ونعومتها الفائقة بعد التّصنيع.
- عنادها ومتانتها بعد التّشكيل التّصنيعيّ.
- رقّتها ونعومتها الحسّيّة أو الجماليّة.
- صعوبة نقضها وإعادة بنائها من جديد.
- خداعها الشّكليّ المظهريّ.
- سهولة استخدامها وعرضها عند تصغيرها وتجميلها.
- جمودها وتجهّمها.
- خداعها للنّظر عند إعادة تصنيعها وتشكيلها.
- تنوّع جودتها حسب مؤثرات تصنيعها.
- سهولة التّلاعب بتركيبها التّصنيعي للمصلحة النّفعيّة.
- صعوبة تجاوزها الشّرائي لجمالها ورقّتها وشفافيّتها للاستخدام المراد لها.
- سهولة الاستغناء عنها بعد استعمالها رغم تشكّلها التّصنيعي للاستخدام.
- سهولة حملها وقذفها واستخدامها عند تصغيرها وتجميلها.
- عنادها للتّشكّل إلاّ بطرق ذكيّة وإبداعيّة.
- تأثيرها الإغرائيّ بعد إعادة تصنيعها وتشكيلها.
- تشوّهها وتخدّشها عند استخدامها بطرق غير مناسبة.
- إراحتها للمستفيد عند إجادة تشكيلها وتصنيعها.
- لطفها وإغراؤها.
- تظليلها للذّهن والحواس.
- صعوبة تحلّلها وتفتيتها بسبب التّركيب التّصنيعي المعقّد لمكوّناتها.
- لذّة استخدامها واقتنائها.
- جاذبيّتها للحواسّ.
- نفعيّتها للاستخدام البشريّ والحيوانيّ والنّباتيّ.
- فوضويّتها وقبحها بعد استخدامها أو إهمالها.
- سهولة تشكيلها وتلوينها.
- جمودها وصلابتها رغم أناقتها وجمالها.
- فراغها النّفسي والرّوحي مع جاذبيّتها البصريّة.
- سلاسة استخدامها بعد إجادة تصنيعها.
- تجدّد جاذبيّتها بتجدّد تصنيعها وتعقّد تركيبها وتنوّعه.
- كثرة المصنّعات والأشياء من حولنا تغري بمزيد استحواذ.
- تعدّد النّسخ المصنّعة لذات الغرض وتوفّرها لكلّ أحد تولّد مع مجموع المصنّعات تشابه الأثر النفسيّ والذهنيّ والاجتماعيّ على الفرد في القطر كامل.
- فسيفسائيّة المصنوعات الصّغيرة لا يكتمل أثره على النّفس إلاّ بالمجموع في مكان واحد، وهذا يغري المشتري بمزيد اكتناز.
- تعقد التّكوين ورخصه وإبداعه تغري بإمكانيّة الاستكثار من نسخه.
- سهولة صناعة نسخ عديدة متشابهة أو متطابقة أو متنوّعة الفروق، ممّا يشبع كلّ الأذواق المحتملة.
هذه بعض الخصائص لطبيعتها فهل نستطيع القول إنّ لهذه الخصائص انعكاسها على طبيعة النّفس البشريّة في زمن تفتّت الأشياء وسيادة قيم وعبادة السّوق وغربة إنسان اليوم وضميره عن الرّيادة؟
أحسب أنّ لهذه الجملة من الخصائص الطبائعيّة أثرًا نفسيًّا وجدانيًّا انعكس في صور كثيرة منها:
- تعلّق النّفس البشريّة بالجمال والزّينة والتّملّك والكثرة وما تحويه من إغراء لذائذيّ غريزيّ يصعب مقاومته في غياب الضّمير والمعنى الأخلاقيّ المترفّع إلى التقلّل من المادّيّ والتّكثّر من المعنويّ.
- تشكيل المادّة بكافة صورها المنسوجة او المصنوعة أو التّقنية لجزء من طبيعة التّفكير لدينا حيث تلبّس الذّهن بلباس المادّة في جمودها العاطفيّ وجمودها الحسّي وحاجزيّتها لمسالك الطّريق وممرّاته؛ فأضحى الإنسان متّصلاً بوجوده، منفصلاً بروحه.
- اكتسى الإنسان من المادة إغراءها الشّكليّ والذّوقيّ التّصنيعيّ فتجمّل وتأنّق مظهره، سابقًا مخبره ليأتي السّياسيّ فيعقم الأجواء ويجفّف منابع الإيمان بمناهجه التّعليميّة المسيّسة وإعلامه الإمبرياليّ الماتع الخالع.
- للأشياء والسّلع عمر افتراضيّ تأثّرت به الطّباع والعادات البشريّة، فصار لأخلاق الفرد وسلوكه عمرًا افتراضيًّا تحكمه أخلاقيّات الصّفقة، وانتهت بذلك ديموميّة الأخلاق والمبادئ الرّاسخة.
- الموضة السّلعيّة وتجدّدها أوجد سلوكات شخصيّة متغيّرة زمانًا ومكانًا ومفهومًا، مثل تقليد نجوم الفضائيّات، حتى رأينا موضة الملبس تصنع موضة السّلوك، فيتكوّن سلوك الفرد من نوعيّة السّلعة التي يقتنيها
- سلطان الأشياء يحكم اليوم الحياة، فيفرض التّملّك والتّزيّن والاستحواذ.. وما أدوات الزّينة والمكياج والمساحيق، وما تبثّه الصّيدليّات التي أصبحت مختبرات للزّينة والتجمّل أكثر منها مخازن للوصفات العلاجيّة إلاّ جزء من حكم السّلع وسلطانها القهريّ على النّفوس ببثّ رغبة التملّك والاستحواذ لمجرّد وهم الفائدة.
- غباء الأشياء والسّلع بماديّته الجامدة أخفى العيوب الشّكليّة لمقتنيها، أو طبَّعها كواقع مقبول، وأشغَل عن خواء الجوهر المتلفّعة به بخداع الحواسّ التي تجذبها المفاتن المتحرّكة والصّارخة.
- السّلعة تفرض اليوم اقتناءها على الرّائي نظرًا لجاذبيّتها وامتيازاتها الذّكيّة التي أبدعها عقل صانعها.
- طبيعة الجَمال يجذب للتملّك والاستحواذ.
وهنا ومع هذه الجاذبيّة الفائقة للأشياء التي أبدعها الإنسان، وأصبحت تبدع هي في صياغته وقيادة وجدانه وعقله، خصوصًا المرأة العاشقة للزّينة المنشأة في الحلية وهي في الخصام غير مبينة ...
إنّها الرأسماليّة واقتصاد السّوق الغربيّ البغيض ساد مجتمعاتنا عبر شركاته العابرة للقارّات حاملة لثقافة وفلسفة مؤسّسة على فهم ماديّ للحياة، يعلي من المادّة على حساب الرّوح والضّمير والقيم النّبيلة التي تعطي إشباعًا يساهم في تقليل نوازع شهوة التّملك والاستحواذ ومثيرات الجسد وحواسّه الغريزيّة الثّائرة بغياب الرّوح والمعنى، وما حملته صحائف الأنبياء والرّسل من كلام الله وكلام رسله، وما خاطته عقول من استرشدوا بكلام الله ورسوله المصطفى
| |
|