تقول حكاية من جنوب الهند :
"في ليلة غاب عنها القمر، كانت امرأة تبحث عبثا عن شيء في الشّارع. فسألها
أحد المارّة عمّا فقدتْه. فأجابت : أبحث عن مفاتيحي، لقد بحثت عنها المساء
كلّه. سألها : وأين أضعتِها؟ فردّت : لا أدري. لربّما أضعتُها في منزلي،
وسألها ثانية : ولكن لم لا تبحثين عنها هناك؟ فأجابت : لأنّ ما من ضوء فيه.
ولا زيتَ في سراجي. أمّا ههنا، فإنّي أعاين الأشياء جيّدا، على ضوء هذه
الفوانيس."(1)
لماذا تبحث هذه المرأة عن مفاتيحها في الشّارع وهي على الأرجح أضاعتها
في البيت؟ لا شيء يمكن أن نجده في الدّاخل، بلا نور يكون في الخارج، في
خارج ما؟ لكنّ ما نبحث عنه أليس دائما في داخلنا، بما أنّنا نبحث عنه هو،
ولا نبحث عن شيء سواه؟
لكن ماذا لو بحثت المرأة عن مفاتيحها لتعثر على شيء آخر؟ وماذا لو بحثت
عنها لكي يعترضها أحد المارّة ويكلّمها؟ أليس ما نبحث عنه تعلّة لشيء آخر؟
للعثور بدل البحث؟ للمفتاح عين، ولكنّها عين لا تَرى. وللفوانيس عيون
ولكنّها لا ترى. المارّ هو الذي كانت له عينيان تَريان وتُريان.
هل تُرى السّائل اتّهمها بالغباء لأنّه عقلانيّ يربط السّبب بالنّتيجة،
أم تراه غيّر منطق سببيّته، فصمت؟ ربّما رأى فيها ذكاء أعجبه وأفقده حيلة
المنطق. هل رأى عينيها على ضوء الفوانيس الخافت؟ أليس الذّكاء بريقا ينبعث
من العين؟ أليس الجمال أيضا بريقا ينبعث من العين؟
مفاتيح أيّ شيء هي؟ وماذا تفتح مفاتيحُها؟ بابَ بيتها أم بابَ قلبها أم
عيونَ المارّة؟ ما الذي "يؤنس السّيّدة" التي انطفأ سراجها : البحث عن
المفاتيح، أم فوانيس الشّارع، أم فوانيس عيون المارّة؟
لا قمر ولا زيت في السّراج، بل فوانيس في الطّريق : هل غاب عنها القمر،
أم غاب عنها قمرها؟ شَحّ الزّيت في سراجها، أم لا طارق على بابها؟ أم تتوق
إلى الطّريق ويضيق بها بيتها؟ أم تريد أن تعثر على شيء غير المفاتيح،
فيردّها البحث إلى المفاتيح؟
هذه أحجية، والأحجية لا حلّ لها. هي أحسن تمرين على الزّهد في الفهم.
الثلاثاء فبراير 23, 2010 2:41 pm من طرف هشام مزيان