لم تعد مراوغة الرئيس اليمني المخلوع شعبيا علي عبد الله صالح
( الذي لا نصيب له من مدلولات اسمه ) تنفعه. فهو منذ اندلاع ثورة غضب
الشعب اليمني على فساده وتسلطه ( فقط 33 عاما ) يلعب على عامل الوقت،
منتظرا تطورات تدعم بقاء استبداده، ولكن إصرار الشعب اليمني على الإطاحة
به، جاءت بما لا تشتهي سفنه المحملة بالنهب من ثروات الشعب اليمني، وأهمّ
ما أفرزتها هذه الإرادة اليمنية الشعبية:
أولا: المبادرة الخليجية القاضية برحيله
لم تعط دول مجلس التعاون الخليجي وقتا وأهمية كما أعطت
للمشكلة اليمنية الناتجة عن تسلط علي عبد الله صالح، وإصراره على البقاء في
السلطة رغم شهور من ثورة شاملة للشعب اليمني ضد بقائه. وهذا الإهتمام
مفهوم بسبب البعد الجغرافي الرابط بين اليمن وبعض دول المجلس والامتدادات
الديموغرافية أيضا. وتنصّ آخر نسخة من المبادرة الخليجية على تنحي علي صالح
بعد ثلاثين يوما من توقيع كل الأطراف عليها، ويسبق ذلك خطوات عديدة منها،
نقل السلطة لنائبه وضمان عدم ملاحقته ورموز نظامه قضائيا، و تكون دول مجلس
التعاون والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي شهودا على تنفيذ
هذا الاتفاق. ويدعو نائب الرئيس الذي سيتسلم السلطة في اليوم الثلاثين
لانتخابات جديدة خلال ستين يوما.
لماذا يرفض علي صالح التوقيع على المبادرة؟
وقعت أطراف المعارضة اليمنية على هذه المبادرة، في حين رفض
علي صالح توقيع المبادرة مشترطا توقيع المعارضة عليها في القصر الجمهوري،
وهو يعرف مسبقا أنّ المعارضة سترفض هذا الشرط، إذ لا شرعية عندها له ولقصره
مقر فساده واستبداده. وهو بذلك يخترع صعوبات لكسب الوقت علّ هناك تطورات
داخلية تضمن له المزيد من الاستبداد والفساد. لذلك أعلنت دول مجلس التعاون
الخليجي العربي تعليق مبادرتها، خاصة بعد أعمال الزعرنة والبلطجة التي قام
بها مرتزقة علي صالح، حيث قاموا باحتجاز الوسطاء الخليجيين العرب والغربيين
الذين كانوا يعدّون لعملية التوقيع داخل السفارة الإماراتية بصنعاء لمنعهم
من الخروج لمواصلة عملية التوقيع. وقد أكّدت مصادر يمنية أنّ عملية محاصرة
السفارة الإماراتية تمت بتعليمات مباشرة من علي صالح لتعطيل المبادرة وكسب
مزيد من الوقت. هذا وكانت دولة قطر قد انسحبت مسبقا من المبادرة الخليجية
لتأكدها المسبق من مراوغة صالح ونظامه الذي شنّ هجوما على دولة قطر على
اعتبار أنها تغذّي الثورة ضده، وقبل ذلك كان قد اتهم أمريكا وإسرائيل بذلك،
ثم اعتذر علانية للولايات المتحدة، لأنه يعلم علم اليقين أنّها ثورة شعبية
يمنيه غذّاها فساده وتسلطه.
وماذا بعد ؟
أعتقد أنّ أي تلاعب لكسب مزيد من الوقت لن يعمل لصالح علي صالح لأسباب ثلاثة:
أولا: إصرار غالبية الشعب اليمني بأطيافه المختلفة على
مغادرته، رغم تلويحه بحرب أهلية علانية، وهو يعرف أنّ مؤيديه يقتصرون فعلا
وحقيقة على مرتزقة وبلطجية، عندما تحين ساعة الجدّ سيهربون ويختفون كي لا
تمسك بهم يدّ الشعب مع سيدهم المستبد الطاغية.
ثانيا: الرفض الخليجي لبقائه رغم تعليق المبادرة
أعتقد أنّ دول مجلس التعاون الخليجي العربية، أعطته مزيدا من
الوقت ومبادرات كانت تضمن له التنحي السلمي عن السلطة، لكنّ رفضه المستمر
وأعماله الدنيئة ضد الوفد الخليجي في سفارة الإمارات بصنعاء برئاسة أمين
عام المجلس عبد الطيف الزياني، ورفضه التوقيع على المبادرة الخليجية، سينتج
عن كل ذلك مزيدا وإصرارا على رفض التعاون والتعامل مع نظامه، وأنّ أوراقه
حرقت خليجيا، وهذا سيضعة في خانة رفض دائمة ستعجّل برحيله بطريقة غير
مشرّفة هذه المرّة. ومن الدلالات ذات المعنى أن يدعى الأردن في خضم الأزمة
اليمنية لعضوية مجلس التعاون الخليجي، بينما منذ سنوات ترفض رغبة نظام علي
صالح في الانضمام لعضوية المجلس، رغم أنه الأقرب لبعض دول المجلس حدوديا
وديموغرافيا.
ثالثا: إذا قالت هيلاري كلينتون فصدّقوها!!
وهذا هو القول الفصل والحسم، وهو ما قالته وزيرة الخارجية
الأمريكية هيلاري كلينتون، إذ أعلنت بوضوح يوم السبت الموافق الحادي
والعشرين من مايو 2011 : ( على الرئيس اليمني الوفاء بالتزامه الرامي إلى
نقل السلطة..على حكومة اليمن الاستجابة للإرادة المشروعة للشعب اليمني ).
وهذا المطلب يعني التنحي والرحيل الفوري. ومن دلالات تصريح هيلاري أنَ علي
صالح ما عاد يستطيع الاستقواء بحليفته السابقة الولايات المتحدة، رغم
تهديداته الفارغة بأنّ تنحيه سيحول اليمن إلى مركز للقاعدة، وهي نفس
تخويفات نظيره الطاغية معمر القذافي، المختفي من كل الزنقات الليبية بعد
قرار الولايات المتحدة والناتو على الإطاحة به عسكريا من خلال الدعم الجوي
للثوار الليبيين، وإعلان الإدارة الأمريكية عن موافقتها للمجلس الانتقالي
الليبي أن يفتح له مكتبا في واشنطن، لأنّ الولايات المتحدة لا تستطيع أن
تقف مع طاغية عندما يثور شعبه مطالبا الإطاحة به ورحيله.
من القادم حسب تساؤل أوباما؟
تساءل الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير في واشنطن قائلا: تنحى
رئيسان عربيان عن السلطة فمن سيلحق بهما؟. أعتقد أنّ هيلاري كلينتون أجابت
سابقا ولاحقا على هذا السؤال. سابقا عندما طالبت وما زالت تطالب عميد
الطغاة العرب القذافي بالرحيل، ولاحقا منذ أيام قليلة عندما طالبت أو أمرت
علي صالح بالتنحي والرحيل. إنّ رفع الولايات المتحدة الدعم والغطاء عن واحد
من حلفائها في المنطقة، يدّلل على أنّ أيام علي صالح معدودة، وهي مرهونة
بتصاعد تحدي وثورة الشعب اليمني الذي ما عاد يقبل بقاء هذا المستبد ، خاصة
بعد تصاعد جرائمه عبر وحدات من جيشه ومرتزقته ضد المتظاهرين المسالمين
المطالبين برحيله. ولن تكون آخر جرائمه إحراق وقتل الناشطة اليمنية
المعارضة ( غانية علي الأعرج ) التي قتلها مرتزقته بطريقة لا يمكن تخيل
عاقل أو مجنون لها. ولكن يتخيلها ويأمر بها من أغواه الاستبداد والثراء
المسروق من ثروة الشعب اليمني. لقد أحرّق علي صالح كافة أوراقه، الخليجية
واليمنية والأوربية والأمريكية، فلم يعد أمامه سوى الرحيل، لكن يبدو أنّه
مصرّ على المزيد من الجرائم علّ الوقت يأت بمستجدات لصالحه، وهذا ما لا
تبشر به تطورات مطالب الشارع اليمني.
العفو عنه غير مقبول أخلاقيا
لذا أرى أنه بعد رفضه التوقيع على المبادرة الخليجية والبدء
بتنفيذ آليات تطبيقها، وسحب دول مجلس التعاون الخليجي العربية لمبادرتها،
لم يعد مقبولا القبول بالبند الوارد فيها حول ( تنحيه خلال ثلاثين يوما
وضمان عدم محاكمته وملاحقته قضائيا هو ورموز نظامه ). فلا بدّ من إصرار
الشعب اليمني على القبض عليه ومحاكمته وعائلته ورموز نظامه، كما فعلت وتفعل
الثورة المصرية مع حسني مبارك وعائلته ورموز نظامه، حيث تكشفت قضايا قتل
وفساد ونهب لثروة الشعب المصري، ما كان يحلم أحد بالكشف عنها، وكذلك ستكون
النتيجة عند محاكمة علي صالح وعائلته ورموز نظامه. وهذا هو سرّ إصراره على
البقاء في السلطة، فقد هاله وضع حسني مبارك وأولاده وزوجته ...فكلهم في
الفساد سواء، وليكن لدى كافة الشعوب العربية إصرار الشعب المصري وقوة
إرادته التي تعيد الاعتبار لمصر أم الدنيا.