لعله من السخافة والبله وقلة
العقل أن نصدق طوني بلير، وأن نعتقد أنه يحمل الخير لنا نحن الفلسطينيين،
كما لم يحمل وبلاده الخير يوماً للعرب، فهذا رجلٌ مقيتٌ سيئ السمعة والصيت،
يسيئ أكثر مما يفيد، ويضر أكثر مما ينفع، وما كان اختياره لهذا المنصب إلا
لأنه الأسوأ،
والأكثر ضرراً علينا والأكثر منفعة لعدونا، فقد أثبت جدارته
في فعل الشر وإضرام نار الحرب، وقتل الملايين من العرب عندما كان رئيساً
للحكومة البريطانية، حيث كان صنواً وشبيهاً وتابعاً لجورج بوش الابن، الذي
كان الأسوأ علينا وعلى أمتنا، والذي ألحق الضرر بشعوبنا وبلادنا، وأشعل
ناراً للحرب بين المسلمين والغرب، وقد أرادها حرباً صليبية جديدة، ولكن
الله أطفأها، فلما كان بلير شريكاً له، وشبيهاً به، فقد ولاه هذا المنصب،
وكافأه على ما قدم، وحمله أمانة الإساءة إلى العرب، والتضييق على
الفلسطينيين، وتشويه سمعتهم، والإضرار بمصالحهم، كما حمله أمانة الحفاظ على
الكيان الإسرائيلي، ومساعدته للخروج من أي أزمةٍ تواجهه، والعمل على
حمايته، وتطهير سمعته، والدب عن سياسته، وتبرير جرائمه، وتسليط الضوء على
ضحاياه، وتعظيم الأخطار التي تتهدده، ليسهل تفهم الغرب لردود الفعل
الإسرائيلية وتقبل نتائجها.
أصبحت الرباعية الدولية التي ينسق طوني بلير أعمالها في
فلسطين المحتلة أداةً إسرائيلية، وعصا يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي لتهديد
الفلسطينيين وعقابهم، وتجريدهم من كثيرٍ من حقوقهم، بل إنها مؤسسة
إسرائيلية تعمل وفق تعليمات وتوجيهات وزارتي الخارجية والدفاع
الإسرائيليتين، ولعل بلير في منصبه أسوأ على الفلسطينيين من الإسرائيليين
أنفسهم، فهو ينطلق في تصريحاته وأقواله وتقاريره المشينة من موقعٍ محايد،
ومركزٍ مراقب، مدعياً أنه لا ينحاز لطرف، ولا يؤيد فريقاً على الآخر، في
حين أنه يستكمل ما فاته من أجندة استهداف العرب والمسلمين، ويسعى في فلسطين
لقتل من لم يتمكن من قتلهم في العراق وأفغانستان، فهو لا يعتمر القلنسوة
اليهودية فقط، وإنما ينفذ بأمانةٍ وإخلاص الأجندة الصهيونية، إذ قبل أن يضع
القلنسوة اليهودية على رأسه، فقد وضع الآمال الصهيونية في قلبه، وأسكن
الهواجس الإسرائيلية في صدره، ورهن عقله لتنفيذ مخططاتهم، وأقسم أن يكون
جندياً وفياً للدولة العبرية التي كانت بلاده سبباً في تأسيسها، في الوقت
الذي يغمض فيه عينيه عن جرائمهم في حق الفلسطينيين أرضاً وسكاناً ومقدساتٍ
وممتلكات.
ولعله كان من المستغرب قبول الفلسطينيين قديماً بطوني بلير
ممثلاً للرباعية على أرضهم، والجلوس معه على طاولة الحوار وهم يعلمون
يقيناً عداءه للفلسطينيين، وكرهه للعرب، وحقده الدفين على الإسلام
والمسلمين، وولاءه المطلق للإسرائيليين، وقد كان بإمكان الفلسطينيين أن
يرفضوه منذ اليوم الأول، وأن يعلنوا عنه أنه شخصية غير مقبولة، بل شخصية
مقيتة ومعادية، ولكن الفلسطينيين تأخروا في إدراك هذه الحقيقة، أو أنهم
أجبروا على إهمالها وعدم الأخذ بها، ولكن مزيداً من الصبر على هذا الرجل
يسيئ إلينا أكثر، ويضر بمصالحنا أكثر، بل إن استمرار وجوده يستفز مشاعرنا،
ويتناقض مع قيمنا وموروثاتنا، فكيف نقبل برجلٍ نعرف يقيناً أنه قاتلنا،
وأنه يساند ويؤيد من يقتلنا، بل إنه يشتري السلاح لعدونا ليقتلنا به، ويدمر
بيوتنا به، ثم نستقبله في بيوتنا، وتبش له وجوهنا، ونخف لاستقباله في
بيوتنا ومؤسساتنا، وهو الذي مازالت أسنانه مليئة بدماء أمتنا، وسكينه حادة
لذبحنا، وروحه الشريرة تفكر في وسائل جديدة لقتلنا وسرقة خيراتنا
ومقدراتنا.
طرد طوني بلير من المنطقة العربية ورفض الاجتماع به والجلوس
معه خطوةٌ فلسطينية حكيمة وإن كانت متأخرة، ولكنها واجبة ومطلوبة، فإذا
تمكنت السلطة الفلسطينية من اتخاذها فإنها ستكون منسجمة مع معاني الكرامة،
ومفاهيم العزة العربية، وسيرضى عن قرارها الكثير من الفلسطينيين، وسيجد
غيرهم من العرب الفرصة للحذو مثلهم، والتضامن معهم، ورفض التعامل معه، فليس
منا ذليلاً يقبل الهوان، ويسكت على الصفعة، ويصعر الخد، ويبتسم لشانئه،
وفي هذا حثٌ جلي لدول الاتحاد الأوروبي للاستقلال عن الإرادة الأمريكية،
والانعتاق عن سياستها، ومحاولة انتهاج طريقٍ مخالفٍ لهم، فهم أقرب إلى
عالمنا العربي، وأقدر على تفهم ظروفه ومشاكله، وأحرص على علاقةٍ طيبةٍ به
وبشعوبه، فطوني بلير مع استمرار الاستيطان الإسرائيلي ومصادرة الأراضي
الفلسطينية، وهو مع استمرار الحصار على قطاع غزة، كما أنه مع تهويد القدس،
وإشهار الدولة الإسرائيلية دولةً يهودية، وهو ضد الدولة الفلسطينية، وضد
استعادة الفلسطينيين لحقوقهم، وضد مساعدة الفلسطينيين، وهو مؤيد لفرض
عقوباتٍ عليهم، فهل هذه هي السياسية الأوروبية تجاه الفلسطينيين؟ ...
إن كان على السلطة الفلسطينية أن تعجل في طرد طوني بلير
والإعلان عنه أنه شخصية غير مرغوبة، وأنه يضر بمصالح الشعب الفلسطيني، فإن
على دول الإتحاد الأوروبي أن تعجل بنفسها في تنحيته وتغييره، فهو يسيئ إلى
الدول الأوروبية التي ينتمي إليها، ويشوه صورة بعض دولها، ويفسد جهودها،
ويخرب مساعيها، ويئد مبادراتها، فهو ليس الرجل الأسوأ من الجانب الفلسطيني
والعربي فقط، بل لعله أسوأ رائدٍ لأهله، وأكذب مبشرٍ عن قومه، فهو يسيئ إلى
الأوروبيين أنفسهم، فما على الدول الأوروبية إلا أن تقترح شخصيةً أخرى،
تكون أكثر اعتدالاً وصدقاً ومصداقية ومهنية منه، وإلا فإنها ستكون مسؤولة
عن تصرفاته وسلوكياته، وستتحمل وحدها تبعات مواقفه وتصريحاته، فهو ليس
الرجل الأنسب والأمثل، وإن كانت دول أوروبا تدعي أنها تختلف في سياستها
تجاه القضية الفلسطينية عن السياسة الأمريكية، وترفض سياساتها المنحازة إلى
الحكومات الإسرائيلية، فما عليها إلا أن تعجل بالتخلص من إرث جورج بوش
المقيت، وأن تلقي إليه بمتاعه وأدواته، فهو متاعٌ قذر، وأداةٌ مقيتة
مكروهة، وسياسةٌ عنصرية منحازة، وتقاريرٌ كاذبةٌ خاطئة، همازةٌ مشاءةٌ
بنميم، والفلسطينيون يكرهونه ولا يريدونه، ولا يرحبون به ولا بجهوده، ويرون
فيه قاتلاً وسفاكاً، ومخرباً مفسداً لئيماً، مناعاً للخير معتدياً أثيماً،
أم أن الدول الأوروبية قررت بلسان الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإيطالي
أن يكونوا تبعاً للإدارة الأمريكية، ومؤيدين لسياساتها، ومنفذين لأجندتها،
فإنهم بذلك يقضون على دورهم في المنطقة، ويحكمون على جهودهم بالفشل،
ويجعلون من صورتهم المختلفة نسبياً عن الصورة الأمريكية، صورةً سوداء
جديدة، يتقدمها عتلٌ زنيم ضالٌ مضل، مجرم حربٍ قاتل الأطفال في العراق
وأفغانستان وفلسطين، طوني بلير المرتشي صاحب الوجه القبيح والتاريخ الأسود.