(إلى سعدي يوسف)كيف
يمكن أن يكون الشاعر (العربي أولاً، والعراقي ثانيًا) سعدي "بليريًّا"
(نسبة إلى بلير)، في حين أن رئيس وزراء بريطانيا الصغرى "توني" لا ولم ولن
يكون "يوسفيًّا" (نسبة إلى يوسف) أبداً؟
يقول الشاعر سعدي يوسف في "قصائد العاصمة القديمة":
هل لي أن أسأل توني بْلير:
إن كنتَ تُريد لـ"لندنَ"
ألاّ تُمسي "مستعمرةً" لعراقيين
فلماذا لا تطردُ صدّام الواحدَ
كي نرجعَ نحنُ،
ونحن ملايين أربعةٌ
(قصيدة: "الشاحنة الهولندية- الخزان"، ص 76)
كنت قرأت هذا المقطع ضمن قصائد مجموعته المذكورة منذ أكثر من سنة، ومررت
على هذا الكلام الذي صدمني كأنه "الشاحنة الهولندية"، لكنني نجوت وعبرت
بقية القصائد على الرغم من جرح الصدمة (هل الشعر يدهش أم يصدم؟). فإذا كان
الرئيس العراقي صدام حسين صدم سعدي يوسف وترك فيه جرحاً غائراً، فإنه
(سعدي) قد صدمني أكثر، ذلك أنه شاعر عربي مبدع أميل إلى قراءة شعره منذ زمن
طويل، كما تُميل نخلةً عراقيةً "أصلها ثابت وفرعها في السماء" ريحُ الحصار
الجائر الذي امتد إلى أكثر من اثنتي عشر سنة، دمر العراق وأهله (قبل الغزو
والاحتلال الحالي) بجريرة كلنا نعرف أن العراق ليس سببها قبل سنة 1990.
وتساءلت حينها، كما أتساءل الآن بعد أن عدت إلى قراءة المجموعة الشعرية:
كيف أمكن لسعدي يوسف، وهو الشاعر المبدع، أن يقول هذا؟ من الظاهر أن
"بلير" لم يقرأ من الشعر العربي سوى هذا المقطع الذي راق له، وهاتف فورًا
سيده المخمور في "البيت الأبيض!" أن لا يتأخر عن تلبية دعوة المدعوّ،
فالمدعوّ فهم بطريقته، ذات الأطماع والنوايا السيئة، أن له الحق في دعوة
آخرين، فكان "بوش" وبعض صغار القادة من العالم "المتحضر" حاضرين في العراق.
كنت أتمنى لو دعاه إلى تخليص الشعب العربي العراقي من الحصار أولاً وأخيرًا، مع أني كامل الشك في هذا!
كلُّ صراخ العالم كلّه، حتّى صرخات "عشيرة" بلير في بريطانيا الصغرى
وبوش في الولايات المتحدة، لم توقف جنون شرارة صاروخ "كروز" الأول التي
أشعلها الأصم المخمور بوش في عشب العراق الجاف منذ سنوات. في حين أن صرخةً
واحدةً فقط، صرخةَ شاعر: "وابليراه".. تُلبّى على عجلٍ وطائرات وصواريخ
وأسلحة دمار شامل، أيقظت منجل الموت كي تفتك بعيون الأطفال والنساء والشيوخ
وكل عيون العراقيين اليقظة والمفتوحة على مصاريعها!
الطائراتُ التي مرقت سوف تتبعها طائراتٌ
وهذا الضُّحى مشمسٌ
والسَّماءُ الغريبةُ زرقاءُ،
أما أنا
فسأسحب، حتى نهايات رأسي، الغطاء...
(قصيدة: "الطائرات"، ص 79)
لقد فعل سعدي يوسف هذا في (23/6/2000)، فهل فعل الفعلة نفسها في (20/3/2003)؟ وكيف شعر الشاعر فيه؟
يبدو أن الضّبابَ الأسود في لندن لم يكن كافياً كي لا يرى شيئاً، فسحب الغطاء حتى نهايات رأسه وبدايات العري!
أقول ثانيةً : كيف شعر الشاعر فيه في (20/3/2003)؟
في "قصائد" سعدي يوسف الجديدة المنشورة في "أخبار الأدب" (30/3/2003، العدد 507) نقرأ حول البلاد/ بلاده:
والآن، ماذا سأصنع بها؟
أين أسكنها في هذا اللَّيل البلقع؟
ألن تغضب عليّ إذ سألتها: من أنت؟
ألن تشعر بالحرج إن عرّيتها؟"
إن كان هذا شعوره أثناء ما حلَّ بأهلهِ وبلده: أين أسكنها؟ ألن تغضب
عليّ؟ ألن تشعر بالحرج إن عرّيتها؟ فكيف يكون شعوري وغيري وقد فقدت البلاد
سكنها، وغضبت عليه، وشعرت بأكثر من الحرج من تعرية ابنها لها بدل أن يسترَ
عريها من حصار فرضته "الفرنجة" وكسرته هي نفسها، وحوّلته احتلالاً لغرض في
نفس بوش (كلّنا نعرفه) ونفوس من خَلفه، من اعتقاد ديني (المسيحية
الصهيونية) لا يتجاوز عمره ما بين 10 - 12 سنة.
صرخنا وغيرنا من العقلاء: إن الاحتلال الصّهيوني لفلسطين العربية هو آخر
احتلال في القرن الواحد والعشرين، ودعونا أبناء جلدتنا والعالم "المتحضر"
إلى أن ينتبه للمذبحة الدائرة رحاها هنا في فلسطين، كي يوقفوا أنهار دم
العرب الفلسطينيين التي تنبع من حسرة قلوبهم وتجري إلى مصافي البترول
العربي.
يبدو، أننا نبّهنا "جورج كولومبس" إلى هذه الحقيقة فعبّأ خمره في جمجمة
أصغر طفلة قتلت في العراق ولم يتجاوز عمرها بضعة شهور حيث كنا شاهدنا جثتها
الساخنة أكثر من مرة على شاشات التلفاز ويحملها رجلٌ من يدٍ ورجلٍ وهي
متصلبة الأطراف واللّهاية في فمها، ويضعها مع بقية الجثث في شاحنة عراقية
(ليست هولندية) مثل بُرعم نخلةٍ قصفته طائرة (B52) العملاقة، أو داسته
جنازير دبابة "بليرية" أو "بوشية" والأغلب أنها "شارونية" لأننا شاهدنا
مثلها وفعلها هنا في فلسطين!
... وأتساءل للمرة الألف: كيف أدعو الغزاة، أنا الشاعر المبدع، قوّات
الغزو إلى أن يحتلّوا بلادي؟ وأنا، ببدهيّةٍ، كـ"المستجير من الرمضاء
بالنار"؟
شكرًا سعدي يوسف، فأنت نبّهتني، أنا العربي الفلسطيني الذي يُسحب دمه
حتى نهايات رأسه إلى "حقيقةٍ" فاعليةٍ سأعمل بها مثلك: بما أنك دعوت "بلير"
كي يطرد صدام الواحد، فأنا سأدعو "بوش" الصغير كي يطرد "شارون" الكثير من
وطني فلسطين.
هل لي أن أسألَ "جورج" الصغير:
إن كنتَ تريدُ لـ"فلسطين"
أن تعودَ دولةً عربيةً من البحرِ إلى النّهر
فلماذا لا تَطرد "شارون" الكثير
كي يرجعَ الذين في الشّتاتِ
وكي يَبقى مَن بقيَ في وطنه!