حيدر عبد الرضا:
ليس أختيار هذه القصيدة للدراسة تام البراءة المفهومية في معاينة
وحدات النص وأجزائه ، ولكنه بالتأكيد أختيار خالص النية والقيمة الموضوعية
في التقويم ، خصوصا وأن هناك نقاد يسيء فهم مقاصد مساعي بعض توجهات
القراءات الأنطباعية لدي بعض النقاد وذلك نظرا للشكوك التي لديهم علي أن
مثل هذه الكتابات ما هي ألا تحصيلات ثمرات علاقات تعاطفية وشخصية أو لربما
هي ضربا من ضروب الصفقات الشخصية مع ذلك الشاعر.و لكن أعتقد من جهتي بأن
عوالم شعرية (علي الأمارة) لربما لا تنطبق عليها مثل هذه السكنات من
الأهواء المقصدية والشكوك ، لاسيما وأن أعمال هذا المبدع هي مديات تصويرية
ومخيالية وذائقية بعيدة ، حيث لا تتسني للقاريء الظفر بحلاوتها وأكتشافها
ما لم يكون من الراسخين في الشعر الحقيقي.و علي الأمارة كما هو معروف منذ
زمن طويل شاعرا مبدعا والكل يعرفه ومنذ لحظة الأحساس الحقيقي بقيمة ونوعية
القصيدة النخبوية اللائقة شكلا ومضمونا.إذن فأننا عندما نكتب عن نص هذا
الشاعر لربما لا يسعنا سوي التجاوب والأنتعاش الموضوعي العميق مع أجواء
قصيدة هذا الشاعر التي هي كثيرا ما تتداعي وترتكز مع مشفرات وتعاملات
وتوقعات وتراتيبيات متعددة الأختيارات والطلوع التمثيلي الكبير.أن القاريء
لقصيدة (حواء تعد أضلاع أدم) تحديدا يلاحظ بأن مجريات التصويرية التاويلية
في مكونات رؤية الشاعر في هذا النص كانت قادمة من حدود أمكانيات تداولية
معقدة في أداة متصلات وتراسلات النواة الشعرية الخطابية المهيمنة.و عند
الأنغمار القارائي في تجاوزات الشكل الأولي للنص التصديري نعاين بأن الحالة
العنوانية للقصيدة تتمظهر بموجب مواصفات علائقية متينة الصلة بدوافع
المحتوي الأظهاري المتآت من زمن الدليل والدلالة المرجعية في نصب عتبات ذلك
العنوان الموازي : (حواء / تعد / أضلاع /أدم) أي أن العتبات والمصاحبات
المصدرية في مرجعية عنوان القصيدة هي قادمة من بواطن أستدلالات موازية
لرحمية مرجعية تأريخية وقدسية في الوقت نفسه.
سأجلدك بالرغبات
حتي تعترف
أيها الجسد المسجون في الفراغ
سأجلدك بالكلام
و السنين السريعة
حتي تصبح عمرا طفلا .
أن
حالة التوصيف المنظوري هنا في هذه المقاطع الشعرية الأولي من القصيدة
ترتكز علي دالا علاميا ظاهرا وباطنا في الوقت ذاته ، حيث تتحدد من خلاله
تلك التوافقية والتظافرية في أستصحاب معادية المحتوي الكامن في توليد عتبة
المدلول الأحالي في النص ، فمثلا يشغل دال لفظة (سأجلدك) من جهة بعيدة ،
رمزا تعامليا في أجتياز وتوافق الأفعال الحاضرة وعلي نحو يشتغل فيه العنوان
بوصفه بؤرة توليد وتشكيل لما هو خاص وخاصية لدال فعل (سأجلدك) في حين أننا
نلاحظ من جهة أخري بأن موضعية لفظة (الرغبات) هي بمثابة دلالة انفتاحية
رغباتية لمعرفة خاصية ذلك الأنطباع والذي أضفي معاينة شكلية لجملة (أيها
الجسد) ولكن تبقي وظيفة صياغة التخاطب في هذه الجملة وهي تتبع ضرورة حاجة
التمثيل الدلائلي في المحتوي والتي تتشكل بموجب جملة (المسجون في الفراغ)
بيد أن المتابع لها سيجدها وبهذا الشكل تمثل جهة تصديرية أخري من فضاء
مفهوم (الأختيارات المتعددة) ولا يتوقف الأمر علي هذه الحدود ، بل أننا
نراه يذهب الي أبعد من هذه الموقعية الخطية في الخطاب ، وذلك في حدود تلك
الأرتسامية المقطعية الجديدة في هذه المقاطع :
فقل لسياط اللذة أن نساء بعدد الخلايا
توارثن أشرعتك
و حملن عرش خطاياك
لن تكفيك المنافي للبوح
و لا الأفق للأنهمار .
إذن نشاهد من خلال هذه المقاطع بأن الحالة التوصيفية صارت تتجاوز واقعة
الصيغة الأولي للمكنون الأرتباطي الرحمي الأولي للحالة ، حيث صرنا نقرأ
ونتعرف الأن علي مرونة تركيبية جديدة من صورة واقع صوري واحد ، ولا شك أن
مجمل مكونات البنائية الأخبارية والفعلية في هذه المقاطع ، قد جاءت علي نحو
يقدم الدلالة بديلا عن صوت المعلوم المرجعي السابق والذي هو كان منصوصا في
التصديرات الأولي من القصيدة ، فمثلا نشاهد ما عليه الصورة والحالة
التواصلية الأن في هذه الجملة (فقل لسياط اللذة أن نساء بعدد الخلايا) في
حين كان الأمر في السابق جاء هكذا وبطريقة أبلاغية مشفرة (سأجلدك بالرغبات)
في حين نراه الأن يتخذ موضعية دلالية بعدما غادرته الأسنادات الأحالية
الحاضرة من زمن الخطاب الأولي : (و حملن عرش خطاياك / لن تكفيك المنافي
للبوح) أن النص وبهذا الموجه صار فضاء تلويح الي بنية تسندها علامات الحراك
والكشف وآلية السعي نحو منظورا أحتوائيا من أفق أستثمارا واسعا وجديدا
ومتعدد الأختيارات :
ليس في الأرض سوانا ..
لكني لابد أن أعد أضلاعك
كل ليلة .
أن
المرسلة العنوانية (حواء تعد أضلاع أدم) مازالت تشكل أستثمارا دقيقا يهيمن
علي عتبات التشكيل المقطعي والخطابي في النص ، بمعني ما أن الشاعر الأمارة
بات يرسل هذه المحاور الثيمية والمحورية داخل محتويات الخطاب المركزي وبلغة
توزيعية دقيقة الصور والدلالات المختزلة ، وذلك لغرض من جهة تشكيل موجهات
وحساسية مؤثرة في منطقة مرجعية القصيدة ، لذلك صرنا نري بأن صوت دال
(حواء)
في القصيدة ليست هي حواء العنوان ذاته ، بل أنها أداة تواصلية متصلة في
محورية المقاطع وعلي نحو ضمني متشكل بموجب أرسالية شعرية في صورية لغة
الأشياء ، حيث تبدو من خلال هذه الموقعية أكثر ملاءمة وحالات المفعول
الكلامي والصوري في النص : وألا كيف أن (حواء) تبقي طوال هذه الأجزاء لا
تملك سوي وظيفة أحصاء أضلاع أدم ، ولكن الشاعر هو ذكي جدا ، والي حد أنه
جعل من لعبة أحصاء الأضلاع ، بمثابة الوسيلة البلوغية لأكساب حالات جديدة
من زمن مجموع تراسلات ومتصورات الخطاب الشعري.فضلا عن هذا لاحظنا بأن عنونة
(حواء تعد أضلاع أدم) هي بمثابة الأعتبار القرائي ولكن حتي هذا الاعتبار
هو سيالا نحو طبقات متينة ومتشعبة في مناهض خصوصيات الموجه النصي ، أي
بمعني أن الشاعر صار يستند في هذه العنونة الي أساس أستراتيجية خاصة في
نظام كينونة النمو النصي لديه :
أضلاع أخري
الأضلاع الدهشة والرعشة
الأضلاع الأمل
الأضلاع الخيانة
فأين تهرب من ضمأي
أيها الماء القديم
يا ماء التفاحة
و ملامح الطوفان.
أن
هذا الشاعر فعلا هو دقيق والي حد غير معقول ؟ فكيف حول علاقة الحكاية
المرجعية الي داخل حدود توزيعات شعرية في القراءة والسؤال المطروح
والمعالجة المدلولية والتي تصل الي حد عتبات صورية أستمرارية الأختيار
والتأويل المتعدد : إذن أضحي الأمر الأن في المقاطع كما قلنا سلفا ، بأن
الشاعر مع الأحتفاظ بقيمة الصورة المرجعية لواقعة حواء صار يشكل ثمة
تنويعات مؤولة بعدد أندراجي زمني يحافظ علي حدود الحالة المرجعية ، ولكنه
بات يمدها بعلاقات بنائية ومحتويات دلالية جديدة تعكس عمق المدلول ولكنه في
الوقت نفسه يؤولها بمحتويات تفاسيرية متعددة.و تبعا لهذا فأن دال حواء في
نص القصيدة لربما هو توكيدا مرجعيا ولكن ضمن مغايرات أختبارية وتأويلية
ومقصدية اجرائية متعددة ومتشعبة في العلامة وصورة السياق :
و صولجان غوايتي
أنت المتخذ شكل الشجن
و طعم العزلة
يا من لوثت الشعر بالسؤال
و لونت العمر بالندم
لن تموت جوعا
أرخ أنوثتي
أرخني
فما زال بين حذائك وقبعتك
متسع للنبوءة .
هذه
المقاطع الساحرة شعريا هي عبارة عن حالة أمتزاج وتصاحب نحو مداليل مقصدية
كبيرة ومؤثرة ، الي حد وصول الصورة الشعرية في القصيدة الي قمة عروشها
التعبيرية.المشكلة ونحن نقرأ عوالم قصيدة (علي الأمارة) ننسي أحيانا ما
تتحدث عنه الموضوعة والدلالة والمحتوي ونذهب حالمين وراء جمالية الأيقاع
ومتانة المحفزات الأيحائية في الصورة الشعرية ، وعلي هذا أقول شخصيا ونقديا
بأن قصيدة (حواء تعد أضلاع أدم) هي قصيدة درامية في لعبة المعالجات
المرجعية وعلي مستوي الموضوعة المدهشة وعلاماتها الساحرة في مساحة اجرائية
الدوال والدلالة والدليل والمدلول ، كما أن هذه القصيدة أيضا هي بمثابة
الأقتراب النسقي من علاقات بناء تصوري متعدد الأختيارات التأويلية
والسيميائية والمقصدية.و يبقي أمام كل هذا شاعرنا المبدع علي الأمارة وطنا
جميلا وحضنا واسعا لأجمل الدلالات والمقاربات الصورية والمدلولية الكبيرة
في القصيدة والصوت الشعري الساحر : زيادة علي هذا الكلام يبقي أنتاج هذا
الشاعر عصيا علي الناقد مثلي في أصطياد فرصة الثغرات والفراغات والهفوات
لأن حقيقة قصيدة هذا الشاعر هي من النصوص والأجناس المثقفة والثاقبة في
رؤياها ومتصوراتها : لذا أجدني تبعا لهذا الكلام من دراسة مقالنا هذا أميل
الي هذا القول أيضا : أن العلاقة ما بين (الناقد / النص) هي جملة حركية
دينامية حيث لا تبلغ مداها المثمر ألا بوجود نص ثري.و لا نشك أبدا من أن
أختيارنا لقصيدة (حواء تعد أضلاع أدم) هي مجرد دراسة هامشية عن أنطباع
عابر.فهذه القصيدة الهامة هي نتيجة تماس تجاوبي بعيد الغور ما بين ذائقة
الناقد ومواطن
أرضية النص ، فضلا عن هذا شاهدنا كيف أن قصيدة الشاعر
تشكل مرحلة دلالية مشبعة بكثافة التذوق وحكم علائقية دقيقة وصعبة ما بين
صوت الخطاب والمعالجة المرجعية في النص ، ولكي يأخذ القاريء فكرة مفيدة عن
حجم تلك الأحساسات الأولية المرجعية في قصيدة الشاعر ، ترانا أجرينا له
أمثلة تطبيقية بسيطة حتي وأن لم يعترف بها بعض النقاد والمتخصصون في النقد
الأدبي ، وحتي وأن لم تكن وافية من جهة الشاعر نفسه بحق قصيدته الرائعة تلك
، ألا أنها من جهة أيضا تبقي من ناحيتي الأنطباعية فحسب مجرد مساهمة
مقالية بسيطة تحاول الكشف ولو قليلا عن المعطيات والدلائل والعلامات في
مشهدية قصيدة الشاعر والتي جاءتنا مشبعة بروح الأختيارات الأستبدالية
ومقصدية التفاعل النصي وخصوصية الأداة الشعرية المتفردة.و في نهاية المطاف
أقول مضيفا أن من سوف يقرأ قصيدة
(حواء تعد أضلاع أدم) سوف يلاحظ دون
شك يوما ما بأن كل كلمة وكل جملة وكل دال في النص قد تم عن قدرات شعرية
خارقة في الأبداع والتأويل والتوصيف ، فالكلمات والصور هناك في القصيدة
لربما هي فوق ما تعنيه من دلالات ظاهرة وحافة ، حيث تحمل في سياقها أبعاد
مخيالية صادرة عن وعي شعري جاد بعد عملية تمريرها بالتجربة والصورة
المرجعية تمريرا صعبا يأخذ كل الكيان القرائي للقاريء وحكم كل مجاهيل
ومقادير وتقويم الناقد لهذا النص المتفرد بكل أشكاله ومضامينه.
الزما