"عاشقة الحرية".. لغادة السمان:
قبل أن نعرفها شاعرة، كانت إعلامية، مارست عملها الصحفي في أكثر من مجلة وصحيفة سورية،
ولكن ذلك لم يمنعها من مواصلة الدفق الشعري، حيث أصدرت خمس مجموعات
شعرية أظهرت نضج تجربتها الخاصة بكتابة نصوص تحمل صوراً عن عوالم مختلفة،
خاصة وأن الشاعرة فادية الخشن تعيش تجربة عالم الاغتراب في الدانمرك وهو
أمرِ أَثَّرَ في نضجها إلى حد عميق.
هنا نحاور الشاعرة
ونستطلع رأيها عن الكثير من المسائل المتعلقة بالشعر والاغتراب والحياة.
< متى كانت بدايات الشاعرة والإعلامية فاديا الخشن هذا السؤال حتى لو بدا تقليدياً هو مهم للقارئ العربي.
<< كما السمكة الهاربة بداية بحر
كما الطير المحترق بداية السماء،
كذلك بداية الشعر والشاعر.
لا يمكن رصدها وفق الحسابات اللوغاريتمية حيث لا علاقة لها بالظل والتظل والجيب والتجيب.
لأن زمن الشعر هو زمن الممكن والمحتمل الزمن المحلق والمخترق المتجاوز
والسابر فالشعر أشبه بالطير الذي لا يدرك ماهية التحليق من هنا فإن كتابة
الشاعر للقصيدة الأولى لا تعتبر بدايته كشاعر.
فبداية الشاعر تقاس بنضج تجربته الشعرية واختمارها جمالياً وفنياً.
شكلاً ومضموناً ووفق تجاوزها للسائد. والمكرر ووفق قدرتها على تسجيل حضور
لافت ووفق المعايير النقدية والقيمية فكم من شعر أجهض نتيجة انغماس صاحبه
في معتركات الحياة.
وكم من شعر باذخ ظل طي النسيان من هنا نرى أن تسجيل البدايات الشعرية
المبكرة للشاعر والشاعرة ليس من شأنه أن يزيد من أهمية التجربة. بل قد
يساهم في عملية تأريخ الشعر وتحولاته.
وعلى هذا الأساس يمكن أن يسجل الشاعر بدايات عديدة مع كل قصيدة صادقة. وعلى مدار أعماله الشعرية وارتكازاً على ذلك.
سأترك تحديد بدايتي الشعرية للقارئ المتابع.
< كيف تنظرين إلى المشهد الشعري العربي في وقتنا الحاضر، وما الذي تغير بالنسبة إليك؟...
<< لاأعتقد أن توقفنا عند بعض التجارب الشعرية الهامة وذات
الفرادة من شأنه أن يمنحنا فكرة شاملة وكاملة عن حقيقة المشهد الشعري
العربي المعاصر. فالموضوع أوسع من أن يتم جرده في هذه العجالة.
خاصة مع ارتفاع بعض الأصوات «العالية» أخيراً. ومحاولتها التركيز على حالة التداعي والتردي.
الثقافة العربية، والتي انتهت بالضربة القاضية على يد الشاعر أدونيس
الذي لم يتورع عن وصف الثقافة العربية بالثقافة المنقرضة إيذاناً منه ربما
بقرع أجراس الإنذار وباللهجة الصاعقة للإشارة إلى ضرورة البحث الجاد في
الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تهميش المثقف العربي شاعراً أو فناناً
وتقزيم دورهما الرائد ولأنني الباحثة دائماً عن بصيص النور هروباً من
محاولة المساهمة في تكريس أي حالة تقهقهر أقول.
نعم لدينا قامات ثقافية شعرية شامخة تنتصر للإبداع. قامات لم تدخل نرد اللعب الإعلامية.
ولا أسواقها، وهذا ما أكده لنا الشاعر أسعد الجبوري.
حينما أشرك 150 شاعراً من الغرب والشرق في قصيدة جماعية مشتركة، قام
الشاعر بإعدادها بحنكة المثقف المتابع للحراك الثقافي الشعري المحلي
والعالمي. بحيث صعب على القارئ أن يرجح أيهما ِأنضج شعرياً.
إن هذا يستدعينا لإعادة النظر في نظرتنا السابقة العامة بصدقية تفوق
الثقافة الأوروبية الشعرية وفق الرؤية الاستشراقية التي اشتغلت طويلاً
لتأكيد تفوقها المزعوم.
إنها تستدرجنا للتفحص والبحث بعمق وجدية في عمق وغنى الثقافة العربية الشعرية الحاضرة.
وإدراك مالها، وما عليها، ما يفيض عنها وما ينتقص منها.
فالذي تغير بالنسبة لي إذن هو نظرتي إلى الشعر الأوروبي الذي مازال
البعض يتلقاه باندهاش «القرد الواقف أمام المرآة»، ناسياً أو متناسياً
التجارب الذاتية، ومصداقية خبرتها. نضجها، واكتنازها وقدرتها على تسجيل
حضور لافت في الحراك الثقافي العالمي؛ لو أنصفت.
<حبذا لو تحدثنا الشاعرة والإعلامية فاديا الخشن عن المشهد الثقافي
في الدانمارك. كيف تقيمين تجارب المثقفين العرب في بلاد الاغتراب.
<< إن الغالبية العظمى من الكتاب العرب أو الأجانب على أرض
الدانمراك تحاول بشكل انفرادي شق أنفاق متعددة للوصول إلى المال الثقافي
وليس إلى الثقافة الدانماركية لذا كنا نقرأ الكثير من التسويفات والمسوغات.
وكثير من التملق والمداهنة وهذا يلخص الجانب المعرفي والمستوى الثقافي
الخاص بهؤلاء.
وقد يشير أيضاً إلى أن الثقافة العربية هناك ثقافة متناثرة. وأغلب
كتابها كتاب حقائب. وكونتونات تعمل لمصالحها الشخصية بعيداً عن عملية
التمازج الثقافي أو الحوار. أو التبادل. أو الاستفادة أو التأثير بها أو
التأثر بها أو العمل على إضافة بعض الإبداعات العربية إلى تلك الثقافات.
طبعاً دائماً هناك استثناءات ولكنها قليلة وغير مؤثرة وفق الحد المطلوب.
ومن هنا يمكن لي القول إن ما يحققه هؤلاء من امتيازات إنما يتم على حساب
الأهداف الكبرى لعملية الاندماج التبادلي والحضاري بين الشرق والغرب.
وطبعاً لا يمكن تقييم ثقافة بلد ما بشطحة قلم، ولا يمكن جردها ببضعة وريقات، ولكن دائماً ثمة ملامح عامة يمكن للقارئ أن يتلمسها.
1 ـ أولاً: إنها ثقافة قطرية محلية ذات خصوصية دانماركية على الأغلب ثم
إن الشعر الدانماركي عموماً يهتم في جوانب حياتهم الخاصة تلك الجوانب
البعيدة عن اهتمام الكتاب من الموفدين.
وهذا بالطبع لم يمنع من بروز بعض الأصوات الفاعلة القادرة على حصر الجوانب العالمية. وهم قلة أيضاً.
2 ـ يستغرق الشعر الدانماركي في وصف الطبيعة الغناء، وصفاً فوتوغرافياً،
وصفياً مباشراً لم يرق إلى درجة توظيفه لصالح المعاني الإنسانية الأكثر
عمقاً واكتنازاً. تلك المعاني التي تؤكد على عمق الوشائج التي تربط الإنسان
بالأرض والحب والحياة. شأن درويش والسياب.
3 ـ الترجمة:
تقيم الترجمة جسراً من التواصل الثقافي الحضاري بين الأمم، لكن في حين
يستغرق المثقفون العرب في ترجمة أغلب الآداب والفنون الأوروبية والأجنبية
بشكل عام.
يعمل المترجمون الغربيون والمستشرقون نقل أو ترجمة النصوص العربية الهامة.
وكأن هناك مهمة وحيدة الجانب تقع على عاتق المترجمين العرب دون غيرهم،
ترسيخاً لهذه المعادلة الناقصة هذا القصور الواضح يمكن معالجته عبر مؤسسات
ثقافية تعمل على إجراء العديد من العقود والبروتوكولات الخاصة بالتبادل
الثقافي الخاص بالترجمة من وإلى.....
< ماذا تقول فاديا الخشن عن الزمن في الشرق و الغرب؟...
<< أقترح بأن لا نتأمل كثيراً بنتاج الزمن لأنه يضرُّ بصحة النص.
وأنا كشاعرة أهتم بزمن الكتابة بكل تأكيد. وبالشعر الذي يختمر وينضج في زمني لأنه يشكل نقطة التحول.
لأن الزمن في الشرق عموماً تمضي عقارب ساعته عكس اتجاه المخلوقات، زمن سائب حر.
في حين زمن الغرب مقيد بوظائف مقنّنة وقاهرة، زمن معدني مادي قاتل....
< لك تجربة حميمة وعميقة في موقع الإمبراطور الإلكتروني حبذا لو تتكلمين عن تجربتك في منتدى الإمبراطور؟
<< منذ تأسيس موقع الإمبراطور حاولنا جهد الإمكان أن نجعل فيه تربة خصبة لكل بذور الإبداع شعراً ونثراً وفنوناً.
فهذا الموقع الثقافي الأدبي، يمكن اعتباره منصة لإطلاق كل الأعمال الأدبية والنصوص التي تمتلك قدراً مميزاً من الإبداع والاختلاف.
أما بالنسبة لعملي في إدارة منتدى الإمبراطور يمكن القول بأنني قد حاولت
فتح الأبواب كلها أمام الطاقات الوليدة التي تريد المساهمة في الكتابة
الخلاقة. ويمكن أن يكتشف الآخرون ذلك من خلال عدم إخضاع النصوص للرقابة أو
محاولة تغييب بعض الآراء التي نختلف معها.
فالحرية المتوفرة في المنتدى تسجل لنا علامة فارقة في تاريخ الشبكة
العنكبوتية ذلك لأننا سعينا إلى تبني مفهوم الإبداع الحر بمختلف مستوياته.
من النصوص المتنوعة.
ونأمل أن يحقق عملنا هذا هدفاً ثقافياً مبنياً على خصوصية أدبية متحررة من العقد
<هل يبقى الحب من أهم المؤثرات في بنية القصيدة المعاصرة؟
<< لاشك أن الحب مكون حقيقي للنصوص التي تؤثر في المخلوقات
البشرية من هنا ندرك أن خلو اللغة من الحب يسجل حالة إضرار بالكتابة
عموماً.لأنه عامل جلب وإشراك أو جذب للقارئ؛ كما أن الحياة قائمة على الحب
على الرغم من التغييب والتحطيم والتمزيق الذي يمارس ضد الحب مع تحول
الماديات إلى حقيقي لعبور الإنسان إلى الحضارة الحديثة وتقنياتها تلك
الآخذة بتحويل الآلة لتحل محل الإنسان والعكس صحيح حيث بتنا نقرأ عن الزواج
التكنولوجي والمرأة الإلكترونية. وهلم جراً...
مما يسبغ على الآلة صفات الإنسان ويسبغ على الإنسان صفات الآلة، نظراً
للتحول في مسار حياته نتيجة انغماسه المجنون في التقنيات الحديثة الآخذة به
باتجاه التشيؤ..
كل كاتب يحفر قبره بقلمه
الأربعاء نوفمبر 30, 2011 6:07 am من طرف سميح القاسم