"يا ترى بشكلي ده أقدر أشتغل"؟هذا ما قالته فتاة في الثّلاثين من عمرها، عانت من "اضطرابات في الأكل"،
تجاوزتها تدريجيّا، ووقفت على أهمّ أسبابها، فوضعت كلمات مناسبة حيث غابت
الكلمات في طفولتها. خفّضت من وزنها، وتحكّمت في نهمها الإلزاميّ وقرّرت أن
تصبح أخرى. تحوّلت إلى امرأة بعدما كانت "مستطيلا" حسب الدّالّ الذي تكرّر
في أحلامها وتداعياتها، وقبلت أنوثتها تدريجيّا، بعد أن ولدت في أسرة
تنتظر الابن الذي لم يأت إلا في الأخير. كانت المرأة في شعورها ولا شعورها
إمّا "راقصة" مفرطة الأنوثة أو "محترمة بلا أنوثة". فكان أحد مسارات
التّحليل النّفسيّ التي فرضت نفسها القبول بواو عطف ما : أنثى ومحترمة، أو
لا راقصة بلا حرمة ولا محترمة بلا أنوثة (مع الاعتذار للرّاقصات، فهذا كلام
الفتاة وليس موقفي الشّخصيّ طبعا). كان البحث عن نحو يولّد تأليفا ما بين
الصّورتين، حتّى تكون هذه الذّات "أقرب إلى نفسها" كما تقول : لا هذا ولا
ذاك، لا الملاك ولا الشّيطان، بل امرأة وأنثى. قد يبدو المسار سهلا بسيطا،
ولكنّه في عمقه ليس كذلك، لأنّه يرتبط بكيفيّة اكتشاف الذّات سبل تجاوز
إكراهات الأنا الأعلى القاسي الذي ورثته من أمّ باهتة رافضة لأنوثتها وأب
صارم ورافض لأنوثة بناته.
من الأنا الأعلى الآمر النّاهي المؤثّم إلى بناء "مثال للأنا"، هو
"إيطيقا" فرديّة مصغّرة، ليس الطّريق سهلا، ويجب أن يتمّ بعيدا عن
الإيحاءات والتّأويلات المسلّطة عنوة من الخارج، أو النّصائح التي لا تجدي
نفعا في الغالب، بل يمكن أن تعيد إنتاج علاقة سلطويّة تنرتّب عنها ردود
فعل قد تلغي التّحليل النّفسيّ وتتناقض مع شروطه الأساسيّة. يجب أن يكون
المسار إراديّا وبطيئا وتدريجيّا، ويجب أن يسلك طريق التّذّكّر المرير
أحيانا، وطريق اكتشاف الدّوالّ والهوامات المهيمنة والدّافعة إلى التّكرار
بدل الإبداع والصّيرورة.
تغيّرت وأظهرت جمالها، وشبابها، فبدت بدرا صغيرا مشعّا، وتركت ملابس
جديرة بالرّاهبات في معبد قاتم، وشعرت بسعادة غامرة، أذكتها تعليقات
المعجبين المكتشفين لجمالها وصغر سنّها الذي كانت تخفيه بزيّها وبوضعها
نفسها في موقع أمّ مضحّية بأنوثتها، مقدّمة إيّاها قربانا في معبد الواجب
والأخلاق السّائدة.
وعندما أرادت استلام وظيفة جديدة في سلك التّعليم، انقشعت غمرة السّعادة
بالأنوثة المكتشفة، وعاد التّردّد بين "الرّاقصة" و"المحترمة": "يا ترى
بشكلي ده أقدر أشتغل"؟ تردّد أقلّ حدّة من التّمزّق السّابق، لكنّه تردّد
تساوق مع التّعبير بصيغة المذكّر عن الوظيفة الجديدة. ليس التّحليل
النّفسيّ "علاجا" سهلا، مكلّلا دائما بصيحات الظّفر..
الكثير من المتاعب النّفسيّة النّسائيّة تعود إلى عدم قبول البنت
والمرأة لأنوثتهما : الإحجام عن الأكل لدى مراهقات ونساء غالبا ما يرفضن
لاشعوريّا استدارة الجسد الأنثويّ، مهما تعلّلن بأسباب أخرى تسير في اتّجاه
تأكيد أنوثة مقولبة تفرضها الموضة وثقافة المشهد، الإفراط في الأكل لدى
مراهقات ونساء يردن تدمير أجسادهنّ، ويصيّرنها "مستطيلات" هلاميّة بلا
صورة، وقد يعبّرن بطريقة واعية عن هذا التّدمير، وقد يتّخذن الأكل، والمتعة
الشّفويّة أو الشّرجيّة بديلا عن المتعة الجنسيّة، في مجتمعات تتميّز بقمع
جنسيّ مفرط، وبتحريم للعلاقات الجنسيّة النّاضجة قبل الزّواج. تاء
التّأنيث قد تكون عاملا مساعدا، آتيا من عالم السّياسيّ، لكي تتجاوز
النّساء عقبات الأنوثة المختنقة.
شعرتْ بأنّها لا يمكن أن تكون أنثى وموظّفة في الوقت نفسه. لم تشعر بذلك
نتيجة السّياسة اللّغويّة المعتمدة، لكنّ السّياسة اللّغويّة المعتمدة لم
تساعدها على إدخال واو العطف بين الأنثى والموظّفة، واو عطف لا تضيف، بل
تحدث التّوليف والنّحو المفقودين.
"أيتها المرأة أكتبُ اسمك":كان هذا عنوان الدّليل الذي أصدره "المعهد القوميّ للّغة الفرنسيّة" سنة
1999، للمساعدة على تأنيث أسماء الوظائف والرّتب والصّفات عندما تحملها
المواطنات الفرنسيّات. يدخل هذا الإصدار في إطار سياسة لغويّة يراد منها
مواكبة اللّغة لاضطلاع النّساء بمهن ووظائف لم يضطلعن بها في السّابق، لا
سيّما إن تعلّق الأمر بمناصب عليا. وهذه السّياسة اللّغويّة لا ينجرّ عنها
طبعا استحداث بوليس لغويّ يفرض على المواطنين تأنيث أسماء الوظائف والرّتب
والمهن، لكنّها تستجيب إلى مطالب نسويّة تعود إلى السّتّينات، وتؤدّي إلى
تبنّي الخطاب الرّسميّ لهذه الصّيغ المؤنّثة، وتؤدّي كذلك إلى اعتراف
المعاجم والمجامع اللّغويّة بها.
وقد اعتُمد تأنيث أسماء الوظائف والرّتب في سائر البلدان
الفرنفوكوفونيّة خارج فرنسا، من سويسرا وبلجيكا إلى كندا، رغم تعقّد الواقع
اللّغويّ الفرنسيّ، ووجود علامات تأنيث مختلفة، تفوق عدد علامات التّأنيث
في العربيّة التي تكاد تقتصر عمليّا على تاء التّأنيث. لكنّ سياسة التّأنيث
هذه ليست مقتصرة على العالم الفرنكوفونيّ. ففي سنة 1990 مثلا صدرت من لجنة
الوزراء في المجلس الأوروبّي توصية إلى الدّول الأعضاء بـ"جعل المصطلحات
المستعملة في النّصوص القانونيّة والإداريّة منسجمة مع مبدإ المساواة بين
الجنسين". وأعتقد أنّ كلّ البلدان التي تبلورت فيها مطالب المساواة لا بدّ
أن تنحو هذا النّحو في إثبات التّأنيث اللّغويّ إلى جانب التّذكير، رمزا
وشاهدا على حلول النّساء إلى جانب الرّجال في المجال العامّ.
لكنّ المطالبين بالتّأنيث كانوا منتبهين دائما إلى خطورة ما ينجرّ عنه
التّأنيث إذا لم يوضع في حسبان الجميع أنّ ذات القانون يجب أن تكون دائما
مجرّدة، ولذلك فإنّ اعتماد التّمييز في الخطاب يجب أن لا تتبعه تفرقة في
المنزلة القانونيّة بين الرّجال والنّساء من حاملي الرّتب والوظائف
الواحدة. وإذا ما زال هذا الخطر وهذا الالتباس الممكن، فإنّ تأنيث أسماء
الوظائف والرّتب والمهن من شأنه أن يؤكّد حضور المرأة في الفضاء العامّ
باعتبارها وزيرة ونائبة ووكيلة… وامرأة في الوقت نفسه.
فاللّغة ليست أداة تواصل فحسب، بل أداة تسمية، وإثبات للوجود. والأمر لا
يتعلّق بـ"تأنيث" الوظائف، فهذه مسألة أخرى، بل بتأنيث تسمية الوظائف،
وبإضافة أداة أخرى من أدوات إحلال المساواة بين الجنسين، والتّربية عليها.
ذات القانون يجب أن تكون مجرّدة في النّصوص، أمّا الذّات التي تعيش وتسعى
وتتكلّم، وتحمل جسدا "مجنّسا"، فمن العسف أن نفرض عليها هذا التّجريد في
حياتها اليوميّة.
في أغلب بلدان العالم العربيّ، أي في البلدان النّاطقة بالعربيّة، لم
توضع هذه السّياسة اللّغويّة بعد على أجندة أغلب النّسويّات والعاملين في
مجال حقوق الإنسان عامّة، ولا نعلم مدى اهتمام المجامع اللّغويّة العربيّة
بها. تأنيث الوظائف ومجالات العمل مطروح طبعا، ضمن البرامج التي تعتمد
النّوع الاجتماعيّ أو "تمكين" المرأة، لكنّ تأنيث أسماء الوظائف، هو
"تمكين" لغويّ- وجوديّ لم نصل إليه بعد، رغم أهمّيّته الرّمزيّة
والنّفسيّة.
في تونس تؤنّث الصّفات والوظائف والرّتب في الخطاب الرّسميّ باللّغة
العربيّة وفي سائر الاستعمالات، وتحرص النّسويّات على تاء التّأنيث ونون
النّسوة، ويصحن في وجه كلّ خطيب يتحلّل من "هنّ" ويعوّضها بـ"هم"، حتّى
إنّهنّ، وأنا منهنّ، يؤنّثن "عضو"، فيقلن "عضوة" و"عضوات"، رغم عدم قياسيّة
هذا التّأنيث وهذا الجمع. حصل أخذ وردّ في تأنيث وظيفة "النّائب" في
البرلمان، لأنّ "النّائبة" تعني المصيبة في العربيّة (نوائب الدّهر وحدثانه
التي أكثر الشّعراء القدامى من ذمّها)، ولكنّ بعض النّسويّات التّونسيّات
اللاّتي تحدّثت إليهنّ قبل كتابة هذا المقال يتمسّكن بتأنيث "النّائب"،
ربّما لأنّ مرجعيّتهنّ معيش المرأة، لا الاستعمالات القديمة للّغة
العربيّة. فالمشترك والاعتباطيّ موجودان في كلّ اللّغات، والقليل من
النّاطقين بالضّاد تحيله كلمة "النّائبة" إلى المصيبة قبل أن تحيله إلى
النّائبة في البرلمان. كما أنّ القليل النّادر من النّاطقين بالعربيّة
تحيله كلمة "أستاذ" إلى معنى "المخصيّ" في الكلمة فارسيّة الأصل. فمن منّا
يستعمل كلمة "الأستاذ" اليوم بهذا المعنى، إلاّ إذا أراد مداعبة أحد
أساتذته العارفين بالمعرّب والدّخيل، كما فعل أحدهم يوما في أحد المدرّجات
الجامعيّة؟ الدّلالات منزلقة ومترجرجة، لكن توجد "مسامير" تشدّها إلى
الاستعمال السّائد المصطلح عليه.
أمّا في مصر والكثير من البلدان العربيّة الأخرى، فإنّ الاستعمال مختلف.
تذكّر أسماء الوظائف والرّتب السّامية، بحيث تقدّم الوزيرة نفسها ووكيلة
الوزارة، والأستاذة المحاضرة على أنّها "وزير" و"وكيل" و"أستاذ".. ربّما
يعود هذا إلى الرّغبة في إثبات حياد القانون في بلدان ما زالت بعيدة عن
تحقيق المساواة الفعليّة في القانون والممارسات والعقليّات.
لكنّ ما دفعني إلى الكتابة عن تأنيث الأسماء، مسألة أخرى غير المقارنة
أو المفاضلة بين السّياسة اللّغويّة المعتمدة في فرنسا أو تونس والسّياسة
المعتمدة في غيرهما. فالفخر بالذّات الفرديّة أو الجماعيّة ليس من مهامّ
المثقّفين حسب رأيي، والاستجابة إلى النّعرات الشّوفينيّة البدائيّة ليست
من صفات الباحث أو المطالب بالحقّ. إنّما أردت مساءلة "معيش المرأة"، أي
كيفيّة عيشها للتّذكير والتّأنيث، عندما يتعلّق الأمر بصفتها ووظيفتها،
وبهويّتها في الفضاء العامّ، وأردت محاولة فهم أسباب القشعريرة التي
تنتابني كلّما استمعت إلى امرأة تقدّم نفسها بصفات مذكّرة، لا سيّما عندما
تكون من المثقّفات اللاّتي يناهضن في الوقت نفسه الذّكوريّة الطّاغية
للمجتمع. وقد انتبهت أكثر إلى الغبن الذي يتضمّنه تذكير الأسماء والصّفات
خلال إنصاتي إلى معاناة نساء تعذّبهنّ أنوثتهنّ. وانتبهت إلى أسباب
قشعريرتي، فهي أعمق من تعوّدي على التّأنيث في الاستعمال السّائد في تونس،
وأبعد أثرا من ميولي الفكريّة النّسويّة، وأستعمل النّسويّة هنا بمعنى
المطالبة بالمساواة بين الجنسين، مع الانتباه إلى ضرورة الحفاظ على
الاختلاف الجنسيّ، لأنّ ثنائيّة مذكّر/مؤنّث ظلّت وما زالت أساسيّة في بناء
النّظام الرّمزيّ وفي هيكلة الذّوات البشريّة وتنشئتها نفسيّا واجتماعيّا.
الخوف من الأنثى، ومأسسته:تعود آلام الأنوثة وصعوبة عيشها والنّهوض بعبئها إلى أسباب عديدة
متضافرة في الغالب : منها عدم قبول الأمّ نفسها لأنوثتها، وعدم اهتمامها
بزينتها وجسدها، أو غيرتها من أنوثة البنت، ممّا يجعل التّماهي الضّروريّ
مع هذه الأمّ صعبا وصراعيّا، والطّبيعة الصّدميّة لظهور علامات البلوغ،
وعدم قبول الأسرة لمولد البنت بدل الابن الذي يحمل العضو الذّكوريّ ويخلّد
اسم الأسرة… كلّ هذا يضاف إلى طبيعة عقدة الإخصاء لدى البنت، إذ تكتشف
فقدانها للعضو الذّكوريّ المبجّل، فيكون قبولها لأنوثتها مسارا معقّدا
مليئا بالمصاعب، وقد يكون باصما لحياتها وعلاقتها بالسّلطة وبالرّجال. لا
بدّ من طريق وعر طويل حتّى تقبل الأنثى بحقيقة الاختلاف الجنسيّ، وتتخلّى
عن استثمار بظرها جنسيّا، وتقيم الحداد على اكتسابها العضو المرجوّ، وتقبل
خصاءها الخاصّ بها. وما تذكير أسماء الوظائف الباعث على القشعريرة إلاّ
إنذار بالنّكوص إلى وضع عتيق، هو وضع ما قبل القبول بالإخصاء وبقبول الجسد
الأنثويّ. جسد يمكن أن يكون بلا عضو ذكوريّ، شريطة أن يكون محبوبا ومزدانا
وباعثا على بهجة الذّات والآخرين من حولها.
الحالة التي قدّمتها آنفا بشيء من التّبسيط، وإن كانت حالة فرديّة،
فإنّها تكشف عن سياق اجتماعيّ يؤدّي إلى نفس النّتائج : سياق رفض الأنوثة،
وتجزئة كينونة المرأة : إمّا أمّ محرّمة ومحترمة و"مطهّرة" من الأنوثة،
وإمّا مومس أو "راقصة"، إمّا "محجّبة" محترمة أو أنثى يتاجر بجسدها أو
بصورة جسدها، إمّا "موظّف" محترم أو أنثى غير محترمة. المشكل يكمن دائما في
إيجاد الذّات التي تقبل هذه الأنوثة، دون أن تقبل بعرض جسدها للفرجة
المغتربة والاتّجار.. فقد ثبت أنّ المومس غالبا ما تترك جسدها منفصلا عنها،
حتّى تتمكّن من احتمال أفعال جنسيّة بلا رغبة ولا نظرة حانية محبّة.
المومس لا تحبّ جسدها. والتي تتّخذ قرار التحجّب أو التّنقّب تكبّل جسدها،
وتكبّلها أنوثتها.
في سائر المجتمعات التي تحافظ قانونيّا وسياسيّا وأخلاقيّا على علامات
الخوف العتيق من الأنثى، بل وتُمأسسها أحيانا، لا بدّ من تذكير ما، أو حجب
أو شطب أو تجزئة حتّى يتمّ الاحتماء من "لعنة" الأنوثة : من فقدان العضو
الذّكوريّ الذي يخشاه الطّفل والرّجل، ومن "نجاسة" دم الحيض الذي تخصّص له
أبواب في فقه العبادات، وتعدّ بسببه المرأة ناقصة عقل ودين، ومن المتعة
الأنثويّة التي لا حدّ لها، فيخشاها الرّجل لأنّها تمتحنه وتضعه أيضا أمام
نصيبه هو من الخصاء، بما أنّ الانتصاب الدّائم المتكرّر غير متاح له، أو
غير متاح له على الدّوام. فـالعضو الذّكوريّ غير "القضيب" (الفالوس)،
والقضيب لا يملكه أحد. ولذلك فإنّ القبول بأنوثة المرأة يتطلّب قبول الرّجل
بنصيبه من الخصاء والنّقصان، وليست الذّكوريّة في عمقها سوى إنكار لهذا
النّصيب من الخصاء، وتوهّم لامتلاك القضيب، ورفض للمرأة وكأنّها وحدها
المخصيّة النّاقصة المفتقرة.
التّذكير يتّخذ شكل تذكير أسماء الوظائف والصّفات، لكنّه يتعدّى
التّعبير اللّغويّ إلى التّعبير باللّباس. فالحجاب خاصّ بالنّساء ولا شكّ،
ومخصّص لهنّ في عالم تقلّصت فيه الفوارق بين الجنسين. لكنّه في صورته وفي
شروطه التي قنّنها الفقهاء المتشدّدون يخفي شكل الجسد ويحوّله إلى
"مستطيل"، ويشطب دوائره. محجبات كثيرات يعشن صراعا بين الحجاب والأنوثة،
ويثرن على غطاء الرّأس والجلباب، ويحوّلنهما إلى زينة وصورة، لأنّ شأن
المرأة أن تتزيّن وأن تكون موضوعا للرّغبة. شأنها أن تكون موضوعا للّرّغبة
والشّوق، لا لاستعمالات المجزّئين لكينونتها الخائفين من أنوثتها خوفهم من
حدودهم ونصيبهم من الخصاء.
السّوسيولوجيّ والسّياسيّ يتقاطع مع النّفسيّ الفرديّ. والحياد الذي
يُحلّ المذكّر محلّ المؤنّث، بحجّة الكونيّة المجرّدة قد يكون كاذبا
ومموّها. الحياد المدّعى في أسماء الوظائف التي أصبحت تتقلّدها المرأة هو
من هذا القبيل. هو حياد يتمّ عبر قطع التّاء، وفصل المرأة عن معيش جسدها،
وهي تحيى وتسعى.
وبين الأمّ الطّاهرة المحرّمة أو الأنثى اللّعينة والمرغوب فيها
باعتبارها لعينة، يكمن المشكل في واو عطف تمنعها تقاليد عتيقة، وذكريات
أليمة، وواقع عبوديّة متجدّدة : عبوديّة الصّورة المعروضة، بدل الصّورة
المعيشة. كيف السّبيل إلى واو عطف كيميائيّة تجعل المرأة أنثى، دون أن تقبل
باختزالها في جسد أنثويّ ليس بيدها، وتجعل الرّجل يقبل بها موضوعا
للاحترام والرّغبة الممكنة في آن؟ هذا هو السّؤال، غالبا.
تاء التّأنيث، هذه التّاء المربوطة كزهرة، والمستديرة، استدارة الجسد
الأنثويّ، لا بدّ منها. لكنّ الصّرف لا يستقيم بلا نحو. فلا بدّ كذلك من
واو عطف، تخفّف من آلام نساء ترهقهنّ أنوثتهنّ، وتكبّلهنّ مجتمعات تعلي من
شأن الأمّ على حساب الأنثى. تلعن الأنثى فتجرّدها من الاحترام، وتمجّد
المحرّمة فتجرّدها من الأنوثة.