لديّ ظاهرياً، كطبيب أطفال، مجموعة لا حصر لها من القصص الظريفة: طفل حديث
العهد بالمشي أتى وبيده أداة لحمايته من السقوط – ملعقة فحص الفم. بعدها
في ذلك اليوم، أتت امرأة متزنة وبصحّة تامّة تعترف لي بأنهّا ترتعب من نبات
الشمام. من ثمّ عالجت مراهقاً كان في رحلة تخييم حيث اتخذ قراراً مشؤوماً
لا يحسد عليه بأن استخدم نبات اللبلاب السامّ كورق للتواليت.
ولكنْ هناك من الجهة الأخرى جانب مظلم وأكثر قتامةً. مثل كلّ الأطباّء
أستطيع أنا أيضاً أن أرويَ مآسي اختبرتها تفطر القلوب: عندما غادرت الأم
ّشقتّها لخمس دقائق من أجل أن تشتري الحليب نسيت أن تغلق باب الموقد. في
هذه الأثناء التهمت النيران الشقة وقضت على ثلاثة من أطفالها الأربع.
ولمدةّ عشرين دقيقة حاولت جاهداً أن أنقذ واحداً منهم ولكن دون جدوى.
إن المآسي والحوادث غير الاعتيادية تنتج قصصاً ملفتة ولكنها أحياناً تحجب نور عجائب متخفية وراء قصص تبدو ظاهرياً عادية جداً.
كايتلين في الغرفة رقم 5 لديها التهاب حاد في الحنجرة، وصفتُ لها
آموكسيسيلين. لوكاس في الغرفة رقم 2 أتى لمراجعة روتينية من أجل أخذ إبرة
تلقيح. إنها تفاصيل مملة ولكن إليكم العجائب المخفية.
في نهاية القرن المنصرم كانت مضاعفات حمى المفاصل الناتجة عن التهاب
الحنجرة هي السبب الرئيس لموت الأطفال في سن الدراسة في هذا البلد. وخلال
النصف الأول من القرن العشرين قتل شلل الأطفال عشرات الألوف في الولايات
المتحدة وحدها وأصاب عشرات الألوف بالإعاقة. أما الآن وبسبب نجاح العلم
فشلل الأطفال أصبح بحكم المنتهي، ونحن قلما نرى إصابات بالتهاب المفاصل في
هذا البلد. لذا وقبل عدة أجيال، فقط، كان من الممكن أن يكون كلّ من كايتلين
ولوكاس من بين الضحايا.
انظر حولك وستدهش لوفرة العجائب العلمية: الهواتف اّلخليوية، الإنترنت،
حمام ساخن في الصباح، مكيفات الهواء، وبالطبع ما يفضله كل شخص: الساعات
المنبهة وخاصية الغفوة فيها بالإضافة إلى وسائل التحكم بالولادة والنسل.
العديد منّا في الدول المتطورة يفكرون في وسائل الراحة هذه كحق مخوَّل لنا،
ولكن وسائل ترفنا وحرياتنا هذه تعدّت ما كان يمتلكه السلاطين في السنوات
الغابرة، وتعدّت حتى حياة أولئك الناس الذين أنهكتهم الأمراض، تلك الجماهير
المعدمة وهؤلاء العمّال الكادحون المضطهدون الذين أنتجوا معظم الحضارة
الإنسانية طوال التاريخ.
بالطبع فالعلم ليس كله مشرقاً، فالمعرفة العلمية أنتجت الأسلحة النووية
والمشاكل البيئية التي تهدد بفناء كل المخلوقات. ولكن الخيار ليس بين
متفائل غير منطقي أعمته الانتصارات الباهرة للعلم والتكنولوجيا من جهة وبين
متعصب معصوب العينين بالأساطير الخارقة للطبيعة أو معارض للتكنولوجيا
والذي يعتقد أن العالم كان مكاناً أفضل قبل أن يظهر العلم (حسناً، قبل أن
يقوم أسلافنا بأول تجربة علمية لهم كانت هناك على الأقل خمس حوادث انقراض
كارثية جرت على الأرض حيث أدت إلى القضاء على أكثر من خمسين بالمئة من جميع
الحيوانات). إن أفضل مقاربة هي في أن ننزع أولاً عصابات الأعين وأن
نستبدلهما بنظارة لنرى من خلالهما أننا بالرجوع إلى قوة الجنس البشري
والإنسانية يمكننا أن نحكم على الأشياء وأن نجعل من العالم مكاناً أفضل
وأكثر أماناً.
من السهولة جداً أن نسلِّم بهذه اللحظة الاستثنائية من التاريخ، إن قبول
ونجاح العلم والصحة العامة قد ضاعف من مستوى العمر المتوقع في معظم مناطق
العالم منذ أواسط القرن التاسع عشر. لكن العجائب المخفية في عالمنا هذا
ليست فقط علمية كما أنها ليست فقط في مجال الطب، فنحن نعيش في عالم كانت
العمليات والحوادث الطبيعية سبباً في بنائه وتطوره على مر الزمن حيث مناطق
كانت مسرحاً لاختراعات الإنسان الاستثنائية الباهرة وأيضاً لتحولات
اجتماعية غيرت من أسلوب عيشه. في معظم دول العالم ساعد تغلب المنطق والعطف
على الخرافة والتقاليد في تشجيع ظروف ازدهار الحرية و(العجائب). إن
الفانتازيا ممتعة ولها مكانها في هذا العالم – في الأفلام، في الأدب، خلال
أحد الدروس المملة في المدرسة، في لحظات الإلهام الخلاقة، حتى في غرف
نومنا. لكن الخرافات الخاصة لا دور لها في المبادئ العامة للناس. إن جانبنا
اللامنطقي ينبغي أن يلهم ويشي بالواقعية لا أن يملي علينا إدراكنا لها. إن
القواعد التي وردت في قصص الجنيات القديمة يجب ألا تملي علينا ما هو جيد
أو سيء لنا، فالمبادئ العامة والفضيلة يجب أن تكون ميداناً للمنطق والبرهان
والحرية والتجربة والعطف.
لذا فعندما يتسبب حريق في البيت في فقدان حياة بريئة، اسمح لنفسك بالبكاء
والصراخ العالي، أخرج مشاعر الألم العميق، وواسِ المفجوع، لكن لا تقل:" كان
مقدراً أن يحصل ذلك" أو "إنهم في مكان أفضل الآن". بدلاً من ذلك عزّز
موقدك بحساسات الدخان، وتأكد من إغلاق الصمامات. إن حقيقة أننا قادرون –
بواسطة الأفعال والخيارات الواعية – أن نغير العالم ونجعله مكاناً أفضل هي
الأعجوبة الأساسية لكوننا بشراً، لذا فهي خير بذاتها ليس لفائدة عالم آخر
بل لعالمنا الوحيد هذا .. ليس لمصلحة مخلوقات ما خارقة بل لمصلحة جنسنا
البشري.