الاحصان في التشريع الجنائي الاسلاميد. محمد فاروق النبهان
الحصن هو المنع , يقال : مكان حصين , والحصن بالكسر – كل موضع حصين ,
والدرع الحصين هو الدرع المحكمة , وامرأة حصان هي المرأة العفيفة أو
المتزوجة , ويقال أيضاً , حصّنها البعل وأحصنها , وأحصنه التزوج , وتأتي
أحصن بمعنى تزوج .
وقد استعملت كلمة الاحصان في القرآن في مواطن متعددة وفي معان مختلفة ,
وكلها تشير الى الزواج أو العفة , قال تعالى : " والذين يرمون المحصنات ثم
لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة " ( سورة النور ) وقال أيضاً :
" والمحصنات من النساء الا ما ملكت أيمانكم " ( النساء / 24 ) وكأن الزواج
يمنع الانسان من الانحراف والزلل لأنه يحصنه .
والمراد بالمحصن هنا هو المتزوج بزواج صحيح , وتختلف عقوبة الزاني المحصن
عن عقوبة الزاني غير المحصن , فعقوبة الزاني المحصن أقسى وأشد لأن المفروض
ان الزواج قد حصّنه ضد الفاحشة ومنعه من ارتكابها , ولهذا فانه يستحق عقوبة
مشددة بخلاف غير المحصن فانه يستحق العقوبة أيضاً الا أن عقوبته أخف من
عقوبة المحصن .
شروط الاحصان :
يشترط في الوطء الذي يجعل الشخص محصناً أن يتم هذا الوطء في نكاح صحيح ,
وأن يكون الواطىء والموطوءة بالغين عاقلين , لأن ذلك يؤدي الى كمال الاتصال
الجنسي .
ويمكننا أن نفصل هذه الشروط بما يلي :
1- الوطء في القبل , وعلى هذا فان الوطء في غير القبل لايجعل الشخص محصناً ,
لأن الثيابه لاتحصل الا بالوطء في القبل ¸وعلى هذا لو تزوج شخص ولم يطأ
زوجته في مكان الوطء الطبيعي , وانما وطئها في الدبرأو وطئها فيما دون
الفرج فان هذا لايجعله محصناً .
2- الزواج الصحيح : وعلى هذا الشرط في الوطء الذي يجعل الانسان محصناً أن
يتم في عقد صحيح , فلو تم الوطء كاملاً في غير عقد كالزنا , أو في عقد فيه
شبهة , أو في نكاح فاسد , فان مثل هذا الوطء لايحصن , وروي عن أبي ثور بأن
الاحصان يحصل بالوطء في نكاح فاسد , وحكي هذا الرأي أيضاً عن الليث
والاوزاعي , لأن الصحيح والفاسد سواء في أكثر الاحكام , الا أن جمهور
الفقهاء ومنهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأحمد يشترطون أن يكون النكاح
صحيحاً , لأن الوطء في نكاح فاسد هو وطء في غير ملك , ولايحصل به الاحصان
كوطء الشبهة .
3- البلوغ والعقل : ويشترط في الوطء لكي يجعل الانسان محصناً أن يصدر منه
بعد البلوغ وهو عاقل , فلو تم الوطء كاملاً من صغير أو مجنون , فان هذا
الوطء لايجعل من الواطي محصناً , وبالتالي اذا زنى بعد ذلك ولو كان هذا
الزنا بعد بلوغه وعقله فانه فانه لايعتبر محصناً , لأن الوطء الذي قام به
لم يجعله محصناً , لأنه لم تتوفر فيه عند الوطء شرائط الاحصان كاملة ,
ومنها البلوغ والعقل . وذهب بعض أصحاب الشافعي الى عدم اشتراط العقل
والبلوغ , وبالتالي فان الوطء الذي يقع من الانسان في حالة الجنون أو الصغر
يجعله محصناً , لأن نكاح الصغير والمجنون صحيح , وبالتالي فان هذا النكاح
يجعلهما محصنين . الا ان جمهور الفقهاء لم يسلموا بهذا الرأي , وحجتهم في
ذلك أن الاحصان لا يتم إلا بعد البلوغ ومع العقل , ولو تم الاحصان قبل
البلوغ لوجب رجم الصغير والمجنون .
4- توافر شروط الاحصان في الطرفين :
وهذا الشرط يقضي بأن يكون كل من الواطىء والموطوءة قد توافرت فيهما شروط
الاحصان من حيث العقل والبلوغ, وعلى هذا فلا يكفي أن يكون الواطىء عاقلاً
بالغاً , بل يشترط أن تكون الموطوءة أيضاً عاقلة وبالغة , فمن تزوج بصغيرة
أو مجنونة فلا يمكن اعتباره محصناً .
وهذا هو رأي أحمد وأبي حنيفة , وحجتهما في ذلك كما يقول الكاساني : " وما
اعتبار اجتماع هذه الصفات في الزوجين جميعاً فلأن اجتماعها فيهما يشعر
بكمال حالهما وذا يشعر بكمال اقتضاء الشهوة في الجانبين , لأن قضاء الشهوة
بالصبية والمجنونة قاصر . أما ابن قدامة فيدافع عن هذا الرأي بقوله : انه
وطء لم يحصن به أحد المتواطئين فلم يحصن الآخر , كالتسري ولأنه متى كان
أحدهما ناقصاً لم يكمن الوطء , فلا يحصل به الاحصان , وكما لو كانا غير
كاملين .
أما الامام مالك فيرى أنه لايشترط أن تتوفرشروط الاحصان في كل من الزوجين
ويكفي أن تتوفر هذه الشروط في أحد الزوجين , فلا يشترط لكي يكون الزوج
محصناً أن تكون زوجته عاقلة بالغة , اذ يكتفي أن تكون مطيقة للوطء , ولو لم
تكن عاقلة أو بالغة , وقد روي هذا الرأي أيضاً عن الشافعي في احدى
الروايتين عنه , أما الرواية الثانية فيؤيد فيها رأي ابي حنيفة وأحمد.
5- الاسلام :
يعتبر الاسلام شرطاً من شروط الاحصان عند ابي حنيفة ومالك , وقد وافقهما
على ذلك هذا الرأي كل من عطاء والنخعي والشعبي ومجاهد والثوري , وحجتهم في
ذلك أن الذمية لاتحصن مسلماً , لما روي عن ابن عمر أن النبي ( ص ) قال : من
أشرك بالله فليس بمحصن , ولأن المسلم قد تنفر نفسه من غير المسلمة ,
وبالتالي فلا يمكن اعتباره محصناً, فلو زنى فلا يرجم , الا أن الامام مالك
يعتبره محصناً بناء على أصله في أنه لايعتبر الكمال في الزوجين . ولايشترط
الشافعي واحمد والزهري وأبو يوسف الاسلام في الاحصان , فلو تزوج مسلم من
ذمية فانه يعتبر محصناً , وبالتالي فانه يرجم في حالة ارتكابه لجريمة الزنا
, وحجتهم في ذلك أن الرسول الكريم قد رجم يهوديين لما احتكم اليهود اليه
فيهما .
( والرأي الثاني أقرب الى الصواب اذ لايمكن اعتبار الاسلام شرطاً من شروط
الاحصان, اذ يستوي الزواج سواء كانت الزوجة مسلمة أو ذمية , كما تستوي
المتعة والكفاية , واذا قلنا بأن الذمية لا تحصن المسلم فاننا بذلك نعفي من
يتزوج من الذمية من عقوبة الرجم , وكأننا نكافئه على هذا الزواج , وعندها
يصبح الزواج طريقاً للخلاص من عقوبة الرجم .
المصدر : مباحث في التشريع الجنائي الاسلامي