العرب والغرب وأزمة الهوية في زمن العولمة* د. علي عبدالهادي المرهج
تفهم العولمة على انها محاولة للقضاء على الهويات ومحاولة دمجها في هوية
واحدة هي الهوية التي تقتضيها الشركات العولمية التي تقودها الولايات
المتحدة.
تسيطر هذه الشركات على أكبر رأس مال في العالم وعلى مصادر التقنية، ومحاولة
تيسير وتسهيل حركة الاقتصاد ورأس المال، تحقيق هذا الهدف يتم عن طريق
اغراء العالم بالمظاهر الجديدة حيث التقنيات التي جعلت العالم قرية واحدة
يستطيع فيها الانسان أن يعرف ما يحصل في العالم في التو واللحظة، ويهيئ له
سبل المعرفة الجديدة والمتغيرات العالمية، وهذا يعد من الانجازات المهمة
للعولمة في عصرنا الحالي، لكن ما يكتنف هذا الانجاز هو محاولة الغاء الآخر
واعلان سيطرة القطب الواحد، أي سيطرة الفكر والثقافة ومظاهر الحياة
الأمريكية، وايصال العالم الى النظام الليبرالي الرأسمالي الجديد الذي هو
مصدر رفاهية الفرد وعلى الجميع الانسياق أو الالتحاق بهذا النظام. لدرجة
أصبح فيها العالم كله يخشى على حضارته من الزوال، فقد ضاع مفهوم الحقيقة
وأصبح الانسان في حيرة من أمره، فهو إما أن يكون مع النظام العولمي أو ضده،
فاذا كان معه تحقق ما أرادته العولمة من مسخ للهوية، واذا كان ضده انصب
عليه ضغط النظام الاقتصادي العولمي، فالآن البقاء للأقوى مثلما صرح بذلك من
قبل دارون، فالعولمة تريد من الانسان أن يرتاب في مفهوم الحقيقة بالخلط
بين العالمي الذي تريده الفلسفة والعولمي الذي تريده الأمركة.
شرعت الفلسفة ومنذ نشأتها للمفهوم السلطوي، فكان من قبل أفلاطون يريد تأسيس
جمهوريته المثلى على حساب الضعفاء، وأوغسطين أراد بعد أفلاطون تأسيس
«مدينة الله» التي تقوم على فكرة اغتصاب الانسان لعرش الله. وما كان هيجل
ليختلف عن سابقيه حينما أعلن نهاية التاريخ بتحقق «الروح المطلق» في ذات
الفرد الألماني والدولة الألمانية العظمى وتأسيس المركزية الأوربية، وما
على العالم الآخر إلا اللحاق بهذه المركزية.
انه حلم الفلسفة الذي استغله أصحاب الاقتصاد لتبرير حاجاتهم ورغباتهم
وتحصيل الربح الأعلى ونهب خيرات العالم وتحويله الى عالم استهلاكي يعتمد
على قلة قليلة هي المنتجة.
إذن يمكننا القول ان العولمة هي الغاء لهويات شعوب لصالح شعب يمتلك كثير من
آليات السطو والغلبة، فاذا كان مفهوم الهوية يعني «ما به يكون الشيء نفسه»
فان هذا المفهوم لم يعد له أهمية في زمن العولمة، لأن الشيء لايكون نفسه
بل هو غيره، فبعد أن كان ما يميز الهوية التفرد والتميز، أصبح مع العولمة
التماثل والتشابه بين الثقافات هو هوية العولمة، واذا كانت الهوية «مطابقة
الشيء لنفسه» فقد أصبح مع العولمة مطابقة الشيء للآخر، وأصبح مفهوم
«التذاوت» مع الآخر هو الذي يحكم زمن العولمة فمنطقها هو أن يجتمع النقيضان
معاً، وبعد أن كان من قوانين المنطق الثالث المرفوع، أي إما أن يكون الشيء
هو هو، وإما أن يكون غيره، أصبح مع العولمة من الممكن أن يكون الشيء هو
وغيره معاً، انه تقويض لقوانين المنطق وتجاوز للعقل لفرض نظام القطب
الواحد.
- العولمة بين الحداثة وما بعد الحداثة
حاول الفكر الأوربي وما زال يحاول التغيير وإحداث التطوير والانتقال من عصر
الى عصر أكثر تطوراً وأكثر تعبيراً عن حياتهم لاسيما العلمية التي تتميز
بقفزات سريعة لاسيما في مجال التكنولوجيا التي أصبحت أكثر تطوراً وتسارعاً
في التغيير من العلم الذي انتج التكنولوجيا.
ابان القرن السابع عشر بدأت الثورة المعرفية مع فرنسس بيكن ورينيه ديكارت
اللذين نقلا المعرفة من الاهتمام بانطولوجيا الطبيعة الى الاهتمام
بانطولوجيا الانسان واعتبار الانسان محور البحث الفلسفي، فقد أصبحت الذات
مع ديكارت هي مصدر المعرفة، والوجود يستنبط منها، وبالتالي الانتقال من
ميتافيزيقيا الوجود الى ميتافيزيقا الذات، وأصبح العقل الانساني هو محور
النظام المعرفي ومصدر اليقين المنطقي، اذ مع ديكارت بدأ تمجيد العقل
والنزعة العقلانية والاعلاء من شأن التقدم الأحادي والإقرار بالحقائق
المطلقة.
أصبح هذا الجانب هو ما يشكل أحد سمات عصر الحداثة الذي تعلق بفكرة النسق
والذي يحاول أصحابه تفسير العالم تفسيراً شمولياً، فالذات الديكارتية شكلت
قاعدة الحداثة في مجال الفكر الفلسفي، فما الحداثة إلا «انتصار لذات ورؤية
ذاتية للعالم»1، فالانسان أصبح في عصر الحداثة مثل المرآة والعالم يفسر من
خلاله، واذا كان ديكارت مؤسس الذاتية عن طريق الكوجيتو الذي عده أساساً
لليقين، فان لايبنتز هو مؤسس الحداثة الفلسفية على مبدأ العقلانية وتأكيد
القول بأن لكل شيء سبب معقول ولابد لنا أن نبني نظامنا المعرفي على هذا
الأساس، أي ان للعالم أسباباً معقولة، وبالتالي جعل العلم من حيث هو ممثل
للعالم بطريق الملاحظة والتجريب نموذجاً للقول الفلسفي وقدوة له، وأصبح
العلم هو الموجهة للفلسفة بعد ان كانت الفلسفة هي الموجهه للعلم، أيضاً
أصبح مفهوم الكلية الذي يعني النظرة الشاملة للأشياء معياراً للقول
الفلسفي، وبذلك أصبح عصر الحداثة هو عصر العلم وعصر الانساق الميتافيزيقية
وعصر النظرة الشمولية للعالم.
أما بالنسبة لحركة ما بعد الحداثة، فقد جاءت رد فعل تجاه الحداثة، ففي عصر
الحداثة أصبحت مقولة الانسان كائناً مرآوياً هي الأساس، أما فكر ما بعد
الحداثة فهو على حد تعبير أحد كبار فلاسفته – ريتشارد رورتي 1931 – «فقد
هجرت (فيه) مقولة الانسان باعتباره جوهراً مرآوياً يملك القدرة على معرفة
باقي الجواهر الاخرى»2، بمعنى آخر ان فكر ما بعد الحداثة يدعو الى الابتعاد
عن التحديد الميتافيزيقي لمفهوم الانسان وينقد فكرة النسق الذي يجعل من
الذات أساساً للمعرفة الكلية، أو نقد فكرة أن تكون الذات متطابقة مع العالم
وان العالم يفسر من خلالها، ففكر ما بعد الحداثة يرى ان هذا التطابق «يفقد
الانسان انسانيته ويتحول الى صورة إله»3، وبالتالي نقد الاتجاهات الدينية
والإعلاء من شأن الاتجاهات العلمانية.
إذن ففكر ما بعد الحداثة يدعو الى التخلص من الحقائق المطلقة ومن
العقلانيات الدوغمائية. انه عصر «التنوع والاختلاف والتشظي والتفتت»4، وقد
حدد ايهاب حسن أحد مؤسسي فكر ما بعد الحداثة في كتابه الصادر 1978 (التحول
ما بعد الحداثي) ثلاث صفات لعصر ما بعد الحداثة:
1- انه فكر يرفض الشمولية التي مثلتها الفلسفات النسقية، مركزاً على الجزئيات والهوامش.
2- ينبذ اليقين المعرفي برفض المنطق التقليدي القائم على تطابق الدال والمدلول أي تطابق الاشياء والكلمات.
3- يلح فكر ما بعد الحداثة على إسقاط نظم السلطة الفكرية في المجتمع وفي
الآدب والفن والعلوم والاطاحة بمشروعية القيم المفروضة من فوق في الأنظمة
والمؤسسات الاجتماعية كافة5.
ارتبط فكر فلاسفة ما بعد الحداثة بفلسفة نيتشه التي تؤكد على ضرورة القضاء
على ما تبقى من قيم العالم الحديث عن طريق الإسهام في هدم القيم البالية
وفضح النزعة المثالية ونقض الميتافيزيقيا. فضلاً عن تبشير نيتشه بقيم جديدة
تمليها ارادة الانسان الأعلى، إذ يقول: "لقد ماتت الإلهة وما يجب علينا أن
نفعله هو أن نساعد الانسان الأعلى Superman على أن يعيش ويحيا"6.
ذلك الانسان السوبرمان أصبح مع دعاة العولمة هو الانسان الاقتصادي المرتبط
بالمال والأرض، وما بعد الحداثة في أحد أوجهها كما يرى فردريك جمسون أحد
نقاد فكر ما بعد الحداثة انها "كلمة تنطوي على مفهوم التمرحل الذي تكون
مهمته منصبة على بروز سمات شكلية جديدة في الثقافة، وبروز نمط جديد من
الحياة الاجتماعية، ونظام اقتصادي جديد يعرف غالباً ما بعد الصناعي أو
الاستهلاكي"7، كما وصف جمسون ما بعد الحداثة بأنها "هيمنة ثقافية أو رد فعل
تجاه الحداثة وعلى تحول حاسم من الاحتكار الى الرأسمالية متعددة
الجنسيات"8. فيما يرى بيتر بروكر انه "اذا اعتبرنا ما بعد الحداثة حالة
تاريخية، فانها مرتبطة بصورة وثيقة بحقائق القوة الاقتصادية والسياسية
والعسكرية وتؤكد على النفوذ الثقافي الحضاري التام لأمريكا والغرب"9، إذن
فكثير من الكتاب يرى ان العولمة هي "احدى اللبنات الفكرية لحركة ما بعد
الحداثة جاءت لتعبر عن التغييرات التي تشهدها الحياة"10، لكن الذي يمكن
قوله في هذا الصدد ان العولمة تقع ما بين الحداثة وما بعد الحداثة، فهي
تأخذ من الحداثة وجهها السلطوي، فالحداثة عدت الذات مركز العالم، والعولمة
عدت أمريكا مركز العالم أو ان الوجه الحقيقي للعالم هو الوجه الليبرالي،
بمعنى آخر ان هناك دول مركز ودول هامش، وعلى الهامش أن يسعى دوماً الى
اللحاق بالمركز على حساب ان المركز يشكل النموذج أو المثال الذي يجب أن
يقتدى به.
أما من ناحية علاقتها (العولمة) بما بعد الحداثة، فيمكن القول ان العولمة
ترتبط بما بعد الحداثة كونها تحاول مسخ الهويات وازالتها وذلك عن طريق
الايهام حول مفهوم الحقيقة، فهي تدعو الى التنوع والاختلاف وهذه السمات هي
من سمات فكر ما بعد الحداثة، إلا ان أصحاب العولمة هم مَن يمتلك التقنية
ورأس المال الذين يساعدان في انتشار الثقافة، وأمريكا هي مَن يمتلك هذه
التقنية ويسيطر على أكبر رأس مال في العالم، وبالتالي فهي تحاول أن تؤثر في
المجتمعات والدول بحيث تروج لثقافتها وتكثر من سيطرتها.
إذن السؤال القائم هو هل العولمة نظام؟
وللاجابة عن هذا السؤال يجب أن نعرف النظام، فكلمة النظام تعني: ترتيب
الأشياء المبعثرة على أسس منطقية متناغمة وفق قواعد موضوعية محددة.
والمقصود بالنظام العالمي هو مجموعة المبادئ والأهداف والنظم التي تقوم
عليها العلاقات بين الدول، ويمكن تعريف النظام بشكل مطلق بأنه مجموعة
القواعد التي تحكم ظاهرة ما، أما النظام الدولي فهو يقوم على قاعدة رضائية
واسعة تشمل الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي، قائم على المساواة وحق
الشعب في تقرير مصيره11. أما العولمة بوصفها فكرة، فهي قائمة على إسقاط
لفكرة النظام أو النسق، أما بوصفها واقعاً فهي دعوة لسيادة النمط أو النظام
الأمريكي، لذلك قال فوكوياما بنهاية التاريخ وتحقق الدولة الكاملة التي
على الدول الأخرى الاتساق معها أو الانسياق في نظامها، الكوني الذي أثبت
انه الأجدر بعد فشل الاشتراكية السوفيتية في الحفاظ على نظامها فبعد تجريب
جميع أنوع الحكم فقد أثبت الشكل الديمقراطي الليبرالي والنظام الرأسمالي
نجاحه، ومثلما آمن هيجل وماركس بأن التطور المضطرد للمجتمعات البشرية لايصل
الى ما لانهاية انما هو محكوم بتوصل الانسان الى شكل محدد لمجتمعه يرضي
احتياجاته الأساسية، وعندما يتم التوصل الى هذا الشكل يتوقف التطور، أو
بمعنى آخر يصل التاريخ الى نهايته ويكون هناك نموذج سائد هوالنموذج
النهائي12.
هدف الغرب منذ زمن الغاء الهوية العربية الاسلامية بدءاً من حركات التبشير
التي استهدفت الاسلام الى الحركات الاستعمارية التي حاولت طمس اللغة
العربية، ومحاولة تغريب العرب وتسييد النمط الغربي، وبناء اعتقاد لدينا ان
النمط الناجح هو النمط الغربي وعلينا اللحاق به حتى نستطيع تحقيق التقدم.
بدت هذه الفكرة أكثر وضوحاً عند بعض مفكرينا العرب فهذا سلامة موسى يقول:
"يجب علينا أن نخرج من آسيا ونلتحق بأوربا وإني كلما زادت معرفتي بالشرق
زادت كراهيتي له"(13) وهذا معناه ان الغرب استطاع أن يحقق رواجاً لأفكاره
في الشرق لاسيما عند النخبة من مفكرينا، بل أصبح التغريب عند بعض مفكرينا
العرب شكل من أشكال العصرنة وأمر يحقق التقدم لنا. هذا في بدايات القرن
العشرين أي قبل الثورة المعلوماتية، فكيف بالعرب وهم في القرن الحادي
والعشرين، والعالم يشهد ثورة التقنية أو الثورة المابعد صناعية أو "الموجة
الثالثة"(14) بعبارة توفلر، أي بداية مدنية جديدة تالية لعصر المصانع ذات
المداخن؟.
بالتأكيد لابدّ أن يتعرض العرب الى صدمة فاذا كان العالم الصناعي لم يستوعب
التغيرات ويسميها "صدمة المستقبل " فكيف بنا نحن العرب؟ فهذه التغيرات
سريعة جداً تحدث في زمن جد قصير.. فمن الممكن أن تتعرض الدول لتغيير أكثر
من اللازم في مدة أقصر من اللازم مما يؤدي الى ارباكها وتعطل قدرتها على
اتخاذ قررات ذكية وتكييفية أي انها يمكن أن تتعرض لصدمة مستقبلية" (15).
وهذا هو الذي يحدث لمجتمعاتنا العربية الآن بالشكل الذي يجعل من العربي
انساناً عاجزاً لايستطيع المشاركة في جدلية المثاقفة لاسيما المثاقفة
العلمية، أولاً بسبب التسارع العجيب في التغير الثقافي والتقاني، والثاني
بسبب ممارسة الغرب للمنع والحجز للمعرفة العلمية، لاسيما المعرفة التقنية
التي أصبحت تشكل الهوية الحالية للغرب، بل أصبح فرض التقنية أمر لا مفر منه
ولكن ليس بالشكل الذي يجعلنا نستطيع فهم أسرارها، بل بالشكل الذي يجعلنا
مستهلكين لها، بل ومستعبدين لها.
"ان التقنية عند الشعوب التي صنعتها لم تعد خياراً ثقافياً، فكيف بالشعوب
التي لم تشارك فيها. التقنية أصبحت ليست خياراً ممكن القبول به أو رفضه
وانما هي تصدير داخلي متصل متنام يلتهم كل أشكال القبول والمقاومة ويوظفها
جميعها بأداوتها ومؤسساتها التقليدية لتؤدي أدوار مرسومة لها من داخل سلطان
التقنية وهويتها الثقافية"(16).
سيطرت امريكا على هذه التقنية واساليب تطويرها جعلت بلدان مثل فرنسا
وألمانيا والسويد(17) وغيرها من دول اوربا تخشى امريكا بل وتخاف على هويتها
الوطنية والقومية من تهديد العولمة التقانية الامريكية. وتندد بها عبر
المظاهرات والاعتراضات فكيف ببلدان العالم النامية. ان العولمة حركة تنتشر
على جميع الصعد على الرغم من انها حركة اقتصادية الا انها اصبحت فيما بعد
ثقافية وسياسية، سياسية، سيطرة سياسة الاقوى، وثقافية ونشر ثقافة الاقوى،
وهناك في عالمنا الجديد تداخل عجيب بين الاقتصاد والسياسة والثقافة، انها
سيطرة الاقتصاد على السياسة أي سيطرة الشركات متعددة الجنسية على سياسات
كثير من الدول، فقد اصبحت كثير من دول العالم مرتبطة بارادة هذه الشركات
لانها مضطرة لتقبل رسالتها فـ"مَن لايخضع الى قوانين السوق يلحق الضرر
باقتصاده"(18)، اما مع الثقافة فالثقافة اصبحت ثقافة صورة وكون الانسان في
زمن العولمة خاضعا لاقتصاديات السوق ولحجم التطور التقاني فاذن لاتوجد له
حرية الاختيار، فالثقافة كانت قبل ثقافة كتابة وكتاب، اما الان فانها اصبحت
ثقافة تنقل عبر التلفاز وشبكة الانترنيت، انه الزمن الذي لايستطيع الانسان
ان يفكر فيه الا من خلال الصورة (شاشة الكومبيوتر). انها ثقافة "ما بعد
المكتوب"، وليس فيها حرية اختيار لان حرية الاختيار مرهونة باصحاب التقانة،
هذه الثقافة كما يحلو للبعض ان يدعوها "فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على
سائر الثقافات"(19) ولربما قائل يقول اننا نستطيع ان نستخدم هذه الآلية
لصالح الترويج لثقافتنا؟ وهو محق الا ان الذي يجب ان نعلمه ان دول العالم
النامية مغرقة في مشاكلها وليست لها القدرة على مجارات الدعاية والاعلام
الامريكية والغربية، هذا فضلا عن قصور الفهم لدى الكثير منها باهمية هذه
التقنية، لذلك فهي مازلت محاربة وحجم الافادة منها ضعيف جداً، وتحتاج الى
دعم دولي تكتلي، كأن تجتمع الدول الاسلامية او الدول العربية لدعم مشاريع
اعلامية ضخمة تساعد المسلمين والعرب في نشر ثقافتهم ومواجهة الاخر، فعلى
العرب والمسلمين ان يدركوا ان خطر العولمة يداهمهم وهي هدم وتقويض للتاريخ
والجغرافية وسيطرة الفضاء السيبراني، ان امريكا تريدنا ان نبقى بعبارة محمد
حسنين هيكل "جميعا مربوطون بسلاسل لها، بعضنا سلاسل من ذهب (أنصار أمريكا)
وبعضنا سلاسل من حديد (خصوم أمريكا)"(20).
- العولمة وأزمة الهوية
ان العولمة كما بدا لنا تحاول أن تهدم الهويات وتتجاوزها، كل ذلك مرتبط بما
تحاول ان تحققه الشركات العولمية التي تخلت عن جذورها القومية والامر
عندها متعلق بالنظام الفائق السرعة القائم على طلب الربح الذي يميز الدوائر
المالية، فقد "أصبح المال الشيء الأكبر عقلانية في العالم"(21)، وهذا يعني
ان الشركات اصبحت تهدد امن الدول بل وتؤدي الى انعكاسات ايدلوجية تقلص من
دور الدولة وتعظم من دور الفردية والحرية الاقتصادية والتشديد على اهمية
حقوق الملكية الامر الذي جعل الدولة مؤسسات وادارات وقدرات وسلطات تشريعية
تصدر قوانينها على اساس حاجة السوق او القوى المهيمنة، هذا يعني ان دور
الدولة في تغير مستمر وهذا التغير هو مرحلي تقتضيه ظروف التدخل والانفتاح
التي يتصف بها الاقتصاد العالمي اليوم.
ان "جوهر العولمة التغريب، وهي تردد كل المقولات التي تؤيد المركزية
الاوربية وتعمل على تهميش دور الامم الاخرى وتكريس المشكلات القديمة"(22)
مثل الاصالة والمعاصرة، والحداثة والتراث، بل هي محاولة لخلق الاعداء
والاطاحة بهم الغرض من هذا كله تذويب الهويات في محاولة لجعلنا كالغربان
التي ضيعت طريقة مشيها، والمشكلة الاكبر اننا مجبرون لاننا بايجاز شديد
محاربون، وحتى ان اردنا وحاولنا الدخول في عصر العولمة فالامريكي سيبقى
رافض لنا على حساب اننا اسلاميون، والاسلام من الديانات التي ستكون مستعدة
للمنازلة والكفاح ضد امريكا حسبما تنبئ بذلك هنتغتون في نظريته "صدام
الحضارات"(23) فالصراع صراع وجود، وصراع الوجود هذا سيكون بين العالم
الغربي متمثلا بامريكا وبين الحضارات الدينية والثقافية متمثلة بالاسلام
والكونفشيوسية، ولذلك اخذت امريكا على عاتقتها محاربة الاسلام والمسلمين
والعرب ومحاولة خلق الصراعات المستمرة في هذه المنطقة وعدها منطقة مصدرة
للارهاب، الغرض من هذا كله هو هدم الهوية الاسلامية التي لاحظ الكثيرون
انها من الممكن ان تجد لها مؤيدين "من المقهورين والمظلومين في العالم على
حساب انها ديانة تناصر هذه الفئات"(24).
ونحن وان كنا نجد للعولمة مؤيدين في العالم العربي والاسلامي الا ان هؤلاء
يأخذون من العولمة فقط جانبها الايجابي والقول بحتميتها(25)، الا انهم لم
ينتبهوا بدقة كافية لخطرها الاكبر في محاولتها امركة العالم والقضاء على
الشعوب الضعيفة "فكلما اقترب البلد من مركز الجاذبية في الثورة المعلوماتية
والاعلامية اصبح جزء من آلية الهيمنة ودخل في مدارات لامحيد عنها ليجد
نفسه وقد فقط قدرته على ان يكون سيد نفسه وصانع تاريخه"(26)، بل وتحقق بفضل
العولمة " الشرور السبعة للخصخصة كما حددها تقرير التنمية البشرية لعام
1993 الصادر عن الامم المتحدة وهذه الشرور هي : التشديد على تحقيق اقصى
المداخيل في المدى القريب على حساب خلق مناخ تنافسي حقيقي في المدى البعيد،
واستبدال الاحتكارات العامة بالاحتكارات الخاصة مما يؤدي الى استغلال
المستهلكين وانتشار الفساد الذي يؤدي الى اثراء قلة من المحسوبين على
الحكومات والمقربين منها ونزوع الحكومات لبيع الملكيات العامة في سبيل
تغطية العجز في ميزانيتها، واغراق الاسواق المالية بالديون العامة بتقديم
وعود كاذبة للعمال بدلا من تدريبهم واعدادهم للمهمات الجديدة، ووضع قررات
متسرعة من قبل الحكومات من دون محاولة للتوصل الى اجماع سياسي(27).
من هنا نستطيع القول ان العولمة سعي لمحو الارادة الوطنية المستقلة للدول
والشعوب، فهي شكل من أشكال الهيمنة وهي والدولة الوطنية المستقلة نقيضان،
وجود احدهما ينفي وجود الاخرى، فالعولمة تتطلب فتح الحدود ورفع الدولة عن
الحواجز الكمركية وحرية انتقال الاموال عبر البنوك والغاء القطاع العام
والاسراع في خصخصته، وعلى هذا ليست وظيفة الدولة حماية الاقتصاد الوطني بل
تشجيع الاستثمار الاجنبي. العولمة تتطلب "الدولة الرخوة"(28) أي "أن ترخي
الدولة القوية قبضتها شيئا فشيئاً عن الاقتصاد تحقيقا لمصالح الشركات
متعدية الجنسية"(29) أي غرض العولمة تقليل قيمة الدولة لصالح تلك الشركات
التي رفعت شعار "دعه يعمل دعه يمر" أي أن تترك الدولة المنتجين وشأنهم
وتبقى حامية لمصالحهم.
اذن فتهديد العولمة للهوية واضح جدا فالرغبة الموجودة لدى امريكا عبر طرحها
لمفهوم العولمة هو فرض سيطرتها على دول العالم وتسييد النمط الامريكي
واغراء المجتمعات بالحياة الامريكية وبالثقافة الامريكية، فهي تهديد الى
الثقافة العالمية. (30)
واذا كان من يعرف الثقافة بأنها "كائن حي كغيرها من الكائنات الحية تتطور
بتطور حياة الفرد والمجتمع تنمو بنموهما، وتذبل بذبولهما وتموت بها عناصر
وتنشأ عناصر جديدة"(31) فلابدّ من التأكيد على الديمقراطية بوصفها طريق
الحرية الذي يحقق الابداع والمساهمة والمشاركة في خلق حاضرنا ومستقبلنا وهي
التي تسعدنا في تحقيق الاستقلال الثقافي والسياسي والاقتصادي وتقلل من
تبعيتنا للاخر تلك التبعية التي تريدها العولمة المتمثلة بسعي امريكا ودول
الغرب الى تكريس التخلف، وتشجيع هجرة اليهود بالضغط على بلدانهم.
المهم علينا ان لانضيع الوقت بالتشكيك بظاهرة العولمة كما يذهب الى ذلك
البعض أو "النوم على وعود اصحابها ودعاتها، وانما التعامل مع هذه الظاهرة
او النظرية بمنتهى الحكمة والمسؤولية والواقعية والموضوعية، منطلقة من
اعتمادها على الذات الوطنية اولا وعلى الذات العربية ثانيا، وعلى تعاملها
مع الظواهر العالمية الاساسية"(32) ولا نتعامل معها بلغة الرجم واللعن، لان
ذلك يؤدي الى نتيجة غير مرضية لذلك "علينا فهمها والمساهمة في صوغها أي
بتحويلها الى فكرة خصبة او الى حقل معرفي او الى مجال تواصلي لان من لايسهم
في ورشة الخلق او الانتاج يتخلف ويعود القهقري"(33)، والمشكلة يراها البعض
ليست في العولمة بل فينا (أنفسنا) أي "بسب عجزنا في خلق الافكار وفتح
المجالات وعن ابتكار المهام وتغيير الادوار ومواجهة تحديات العولمة على
صعدها المختلفة والمتعددة"(34) وعليه فالاجراء الممكن اتخاذه لمواجهة
العولمة " الاستفادة منها والمشاركة فيها مثلما فعلت النمور الاسيوية
والصين وبعض بلدان امريكا اللاتينية"(35) فـ"المعركة ستكون خاسرة ما لم
تتحول المقاومة الى مقاومة ايجابة تتسلح بادوات وتقانة العولمة القائمة على
اساس علمي تقاني اقتصادي"(36) وعلى العرب الا يخافوا على الثقافة العربية
لانها "عرفت المركزية الثقافية العالمية على مدى ثلاث قرون بممارستها شروط
المثاقفة بلا حدود ومن غير خوف من ان تتحول المثقافة الى تبدل في الهوية
الحضارية أو حتى ضياعها"(37)، ولكن يبقى الامر غير مرهون بمايريده العرب
فقط كما ذكرنا سابقا لان الدوائر الاستعمارية مازالت تعمل والذي تغير هو
شكل الاستعمار وطبيعته وآلياته.
أخيراً يمكننا القول ان تحقيق الهوية العربية يعتمد على:
1. الاستفادة من المشترك التاريخي الذي حققه الدين الإسلامي حينما جمع العرب وجعلهم مصدر قوة والهام حضاري لباقي الشعوب.
2. تحقيق الديمقراطية او الحرية الفكرية للمجتمع بكل فئاته.
3. الوعي بالتكون الحضاري لهذه الذات وارتباط الانسان بالارض (الوطن) المكون الجغرافية.
4. السعي الى تحقيق التكامل الاقتصادي فلا وحدة من دون اقتصاد عربي موحد.
5. تحقيق الوحدة الاقتصادية يتم عبر تحقيق الوعي التنموي العربي. وإدراك ان توحيد مشاريع التنمية العربية امر لامفر منه.
6. سيطرة العرب على رؤوس اموالهم وتسخيرها في المشاريع التنموية داخل الوطن
لا خارجه ومحاولة القبض على مصادر التقنية والثورة المعلوماتية الحديثة
لبناء اقتصاد منتج لا اقتصاد مستهلك، واذا كان في زمننا الحالي يختلط
الاقتصادي بالثقافي او ارتباط التنمية الثقافية بالتنمية الاقتصادية، فلابد
من تحقيق اقتصاد انتاجي يدعم العمل الثقافي، وبالتالي من الممكن ان تكونه
الثقافة مشاركة في بناء وعي ثقافي عملي يبتعد عن الرؤى النظرية المجردة
ويتحرك في اطار الثقافة العلمية.وعلى الرغم من اختلاف الهوية الثقافية لكل
بلد اذ له نوع من الخصوصية تنبع من الأرث التاريخي الذي ابدع تلك الثقافة،
فالذات بشكل او اخر تتشكل من داخل الفعل الثقافي التاريخي لأية أمة، لكنها
تتاثر في الوقت نفسه بمعطيات الزمن المعاصر على الرغم من كل ذلك الا ان
الهوية الثقافية حتى تعبر عن نفسها في هذا الزمن الذي تحكمه اليات الزمن
الحديث التي بناها اقتصاد الشركات متعدية الجنسيات، لابد من ان يكون هناك
اقتصاد داعم لها يمتلك هذه التقنيات فمشكلة العرب كما يرى البعض انهم "
يواجهون حضارة الغرب القائمة على العلم والتقانة بمعطيات الحضارة الزراعية …
وما يحتاجه العرب اليوم هو ثورة فكرية قيمية تغير نظرة الانسان العربي الى
نفسه والى علاقته بالمجتمع وبالكون بحيث يتحرر من كل الاغلال الفكرية
والمادية التي حجمت فكره وقدرته على الابتكار "(38).
ان امتلاك امريكا لهذه التقنية هو مادعاها الى القول بان النمط الامريكي
أي الليبرالية الجديدة هو النمط النهائي والكامل الذي يجب ان تسير على
هديهه باقي شعوب العالم، بل هو الامر نفسه الذي غير موازين القوى واصبح فيه
العالم ينقسم الى قسمين الى شعوب قاهرة وشعوب مقهورة، وشعوب منتجة وشعوب
مستهلكة وشعوب هامش وشعوب مركز، والعرب من الشعوب المقهورة المستهلكة
والهامشية.
لكن ما ينبغي قوله ان العرب من اكثر الشعوب التي تمتلك ارادة التغيير،
تبعا لطبيعة العربي فهو صاحب تاريخ وحضارة، كان في يوم من الايام قائدا
للعالم بفضل ما قدمه الإسلام والحضارة الاسلامية التي كان فيها العرب
العنصر الفاعل هذا اولا، فضلا عن انه يمتلك من الخيرات المادية الشيء
الكثير بحيث يستطيع ان يرقى على كل الشعوب، متى ما استطاع السيطرة على رؤوس
امواله، ولا يخفى علينا الموقع الجغرافي الذي يسمح بالتعامل مع قارات
العالم بكل يسر وسهولة.
الهوامش:
* أستاذ الفلسفة المساعد ـ كلية الآداب ـ جامعة المستنصرية
(1) مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة، حوارات منتقات من الفك الالماني
المعاصر، ترجمة محمد الشيخ، ياسر الطائي، دار الطليعة، بيروت، ط1،
1996،ص12.
(2) ريتشاد رورتي، الفلسفة النسقية، ترجمة عبد المعنم البري، مجلة فكر ونقد المغربية، عدد 14 لسنة 1998، ص48.
(3) المصدر نفسه، ص49.
(4) مقاربات في الحداثة، مصدر سبق ذكره، ص11.
(5) باسم علي خريسان، العولمة والتحدي الثقافي، دار الفكر، بيروت، ط1، 2001، ص113.
(6) مقاربات في الحداثة، ص181.
(7) فردريك جمسون، ما بعد الحداثة والمجتمع الاستهلاكي، مجلة قضايا وشهادات، مؤسسة عيبال للدراسات والنشر، عدد 3، شتاء 1993، ص369.
(8) بيتر بروكر، الحداثة وما بعد الحداثة، ترجمة عبد الوهاب علوب، منشورات
المجمع الثقافي، الامارات،ط1، 1999، ص47. من الجدير بالذكر الاشارة طبيعة
الشركات متعدية الجنسية: تقوم هذه الشركات بعقد اتفاقيات مع الدول تخولها
حق مقاضات الحكومات للحصول على فؤاد التعويض، كلما انتهجت هذه الحكومات
سياسة ان تحد من امتيازات الربح العائدة للشركات، لدرجة تتحول فيها
الحكومات حامية لمصالح هذه الشركات.
(9) بيتر بروكر، المصدر السابق، ص53.
(10) باسم علي خريسان، المصدر السابق، ص113.
(11) د. ابراهيم ابو خزام، العرب وتوازن القوة في القرن الحادي والعشرين، الدار الجماهيرية، ليبيا،ط1، 1995، ص.
(12) اشارة فوكوياما الى تاثره الذين ذهبوا الى القول بنهاية التاريخ
لاسيما هيجل، ينظر: نهاية التاريخ، فوكاياما، ترجمة حسين الشيخ، دار العلوم
العربية، بيروت، ط1، 1993، ص74.
(13) سعيد اسماعيل علي، الفكر التربوي الحديث، عالم المعرفة، الكويت، ص71.
(14) الفن توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ترجمة :عماد الشيخ قاسم، الدار
الجاهيرية ليبيا،ط1، 1990، ص475. يسمى الفن توفلر عالمنا الان في حضارة
الموجة الثالثة الذي يقوم ايدلوجيا جديدة تفقد فيها السلطة المركزية بمعنى
اخر ان عالمنا يقوم على لامركزية السلطة.
(15) يعتقد توفلر في كتابه " صدمة المستقبل " ان الزمن في العالم التقاني
اليوم متسارع جدا بحيث لايمكن السيطرة عليه، والتغييرات سريعة جدا بحيث
لايمكن الحاق بها لدرجة انها تؤدي الى صدمة مستقبلية وقد زاد ذلك وضوحا في
كتابه " تحول السلطة. ينظر، تحول السلطة، الفن توفلر، ترجمة : فتحي بن
شتوان، نبيل عثمان، نمكتبة طرابلس، ليبيا، ط2، 1996، ص6 وما بعدها.
(16) مطاع صفدي،ميتافيزيقيا الشبه والهوية،مجلة الفكر العربي المعاصر،بيروت،عدد 17، 1982، ص11.
(17) يذهب هبرماس، فيلسوف الالماني الى القول ان العولمة " تعبير يستدعي
صورة انها عارمة …تجرف الضوابط الحدودية وتقوض البناء القومي " ينظر :
الحداثة وخطابها السياسي، هابرماس، ترجمة جورج تامر، مراجعة جورج كتورة،
دار النهار، بيروت، ط1، 2002، ص130.
(18) بول كنيدي، الاعداد للقرن الواحد والعشرين، ترجمة نظير جاهل، الدار الجماهيرية ليبيا، ط1، 1995، ج1، ص98.
(19) عبد الاله بلقزيز، عولمة الثقافة ام ثقافة العولمة، ضمن كتاب العرب والعولمة، ص318.
(20) محمد حسنين هيكل، زيارة جديدة لتاريخ، بيروت، ط2، 1985 ن ص426 –427.
نقلا عن علي الجابري، العرب وما بعد العولمة التصور الفلسفي العقلاني
النقدي، مجلة دراسات فلسفية، بيت الحكمة، بغداد، عدد2، 2002، ص70.
(21) بول كنيدي، المصدر السابق، ص96.
(22) محمود المسافر،العولمة الاقتصادية، بيت الحكمة، بغداد، ط1، 2002، ص100.
(23) ينظر: صموئيل هنتغتون، صدام الحضارات، مركز الدراسات الاستراتيجية، بيروت، ط1، 1995.
(24) فخ العولمة، ص 64. يقول فوكوياما في كتابه نهاية التاريخ " قد هزم
الاسلام في الواقع الديمقراطية الحرة في اجزاء كثيرة من العالم الاسلامي
مواجها تهديدا خطرا للمارسات التحررية حتى في البلاد التي لاتمثل قوة
سياسية ذات بال". ينظر: نهاية التاريخ، مصدر سابق، ص61.
هناك بعض المفكرين العرب من الذين يؤيدون العولمة على حرب الذي يقول ان "
العولمة واقع حاصل وينبغي الا نركز على سلبياتها فالعولمة لاتعني ذوبان
الهوية " ينظر : علي حرب، حديث النهايات، المركز الثقافي العربي، بيروت،
ط1، 2000، ص13. كما يذهب الى القول بان العولمة " ليست مجرد تجسيد لفكرة
وانما هي تصطنع واقعا". المصدر نفسه، ص100. أيضاً يذهب عبد الخالق عبد الله
لاسيما العولمة السياسي تعني " اتجاه الانسان المتزايد نحو التعرف على
بعده العالمي واقترابه من هويته الانسانية. ينظر: عبد الخالق عبد الله،
عولمة السياسة والعولمة السياسية، مجلة المستقبل العربي، بيروت، عدد 478،
مايس 2002، ص33.
(25) ينتقد ابو يعرب المرزوقي، الاتجاهات التي تقول بحتمية العولمة ويرى
انها تقدم الاطلاق الامكاني حصول فعلي ويرى ان في هذا الموقف نوع من
التبعية لدى بعض من النخب في الفكر العربي المعاصر التي دائما ترى ان
خلاصها في تبعيتها للغرب وقد وجه نقده الى الاستاذ سمير امين الذي يذهب الى
القول، " ان العولمة هي التي تنتج عن الحتمية الاقتصادية وانها امر
لاانفكاك عنه " ويرى ان هذا الرأي من عدم تدقيق العولمة لانها في حقيقتها
تسد افاق الانسان فهي تجعل عولمة المافيات المحلية في خدمات المافيات
العالمية، ينظر : ابو يعرب المرزوقي ومستقبل الانسا