وائلة مرحبا بك
عدد الرسائل : 125
تاريخ التسجيل : 10/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2
| | الأزمة الماليّة الرّاهنة (3) الثقب الأسود الرأسمالي وأزمة السيولة النقدية المتلاحقة أين هم العرب؟! | |
تظهر الأزمة المالية العالمية التي انكشفت في الآونة الأخيرة بعد انهيار بعض مصارف التمويل والرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنها أزمة متزايدة ومتسارعة الخطى، وغير قابلة للتوقف أو للحلّ في المدى المنظور. ولا أبالغ كثيراً إذا ما شبّهت هذه الأزمة بالثقب الأسود الذي يجوب أطراف الوجود المترامي غير المحدود، ليبتلع كل ما يقف في طريق حركته الهائلة المتصاعدة في كلّ تلك الأكوان الفسيحة.. ومن المعروف علمياً أن الثقب الأسود من أهمّ مكونات الوجود الكونيّ المادّيّ، إذ يشكّل نسبة كبيرة من مادّة الكون السوداء. وهو يتحرّك بسرعات فائقة لا يتخيّلها عقل بشر، ويمكنه أن يبتلع في طريقه كواكب ومجموعات شمسية وحتى مجرات كونية واسعة وعملاقة.. والذي جعلنا نطلق على أزمة المصارف العالمية لقب "أزمة الثقب الأسود المالية" هو ضخامة تأثيرها، وحالة الفزع الشامل الذي انتاب معظم دول العالم منها. صحيح أنها أزمة بدأت أساساً من فقاعة الرهن العقاري، ولكنها اتسعت وبدأت تتزايد وتكبر ككرة الثلج، لتصل إلى البنوك وأسواق المال والبورصات، مستولدةً أزمات متتالية في البلدان الرأسمالية الرئيسية، ومخلفةً حولها هلعاً عالمياً واسع النطاق، ثم بدأت المشاكل المالية تكرّ كالسبحة، حبّة وراء حبّة، انطلاقاً من مصارف أمريكا إلى مصارف أوروبا إلى اليابان والبورصات العالمية والعربية -وعلى وجه الخصوص منها البورصات ومتعلقاتها المالية الخليجية.. وباتت تتنقل من مكان إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. ولا تزال معظم الدول-الغربية منها تحديداً- تحاول اتخاذ أقصى التدابير الممكنة للسيطرة على ما يمكن أن يترتب على تلك الأزمات من نتائج وآثار خطيرة ومدمرة من خلال زيادة ضخّ كميات هائلة من النقد في أسواق المال العالمية عسى تنتهي أزمة ثقب الرأسمالية الأسود أو تقف مؤقتاًً، أو تكفّ عن ابتلاع كميات جديدة من السيولة النقدية التي تضخ هنا وهناك.. والذي حدث مؤخراً في سوق الصناعة المالية في أمريكا –حيث البداية وربما النهاية كما يتوقع ويرغب بعض محللينا الاقتصاديين من مرتبة المخططين الاستراتيجيين!!- أنه قد وجدت فوائض مالية هائلة لدى البنوك الأمريكية تم توظيفها واستثمارها في مختلف النشاطات الإنتاجية، وعلى الأخصّ منها النشاط العمراني، أي سوق العقارات الضخم والواسع والسريع في تدفّق المرابح والمكاسب المادية. طبعاً لم يكن توظيف فائض السيولة الموجود لدى المصارف هو السبب المباشر الوحيد في حدوث تلك الأزمات المتلاحقة، وإنما كانت إدارة عملية التوظيف والخلل في عملية الإشراف على الاستثمار من قبل الإدارات القائمة هي المتسبب الأساسي في تفجّر تلك الانهيارات المالية التي تجلّت في عدم وجود رقابة داخلية واضحة وشفافة على قاعدة ما يسمى بالرأسمالية المرنة المتمثلة في فرض رقابة إجرائية على عمل البنوك والمصارف بهدف حماية نظامها المالي والاقتصادي من الخضات والأزمات التي قد تتعرض لها السوق الدولية. إذاً، فقد قامت البنوك بتمويل عمليات شراء البيوت والمساكن دون وجود ضمانات حقيقية، ولاحقاً قام أصحاب تلك البيوت بالمشاركة في الرهن العقاري عالي المخاطرة، مما رفع أسعار تلك البيوت التي تحوّلت إلى سندات وأوراق مصرفية، وارتفعت قيمتها أضعافاً مضاعفة فوق سعرها الحقيقيّ نتيجة المضاربات، ولما عجز أصحابها عن تغطية رهاناتهم العقارية أو بيع منازلهم، فقدت السندات قيمتها، وخسرت بالتالي المصارف رأسمالها الحقيقيّ فانخفضت أسعار العقارات، مما تسبب بالانهيار، حيث تحوّلت أزمة العقارات إلى أزمة سيولة نقدية مالية، بعد توقف تلك المصارف عن تقديم القروض. وفي ظنّي أن تلك الأزمة ستنجلي وستجدّد الرأسمالية شبابها، لأنّ طبيعة النظام الرأسماليّ غير أيديولوجية، وهي قائمة على مبدأ التحوّل وعدم الثبات، كما أنها نظام يمتلك قدرة فائقة على إدارة الأزمات توفّرها له كميات هائلة من القاعدة المادية المتمثلة في الثروة والنقد والقوة العلمية والتقنية. أي امتلاكه لثلاثية القوة: المعرفة، الثروة، السلطة. أما ما يجول في أذهان بعض مثقّفينا العرب من هواجس رغبوية دائمة في زوال أمريكا وأفول الرأسمالية (ونموذجها الليبرالي) وانهيار النظام الدولي الغربيّ بسبب الظلم والعدوان والغزو والسيطرة..الخ، التي ترتكبها بعض الإدارات الغربية بحقّ شعوب العالم المستضف والمفقر، ومنها شعوب عالمنا العربيّ والإسلاميّ، (وهي أعمال مدانة ومستنكرة).. فإننا نعتقد أنه لا يمكننا مواجهة ما تفرضه علينا تلك الأزمات بالحكي والانشغال الدائم بالكلام التنظيريّ كمن ينفخ في قربة مثقوبة، أو كمن يصرخ في واد لا قرار له. ولذلك نجد ضرورة ملحّة في إعادة فهمنا لحقائق عالمنا المعاصر الذي نعيش بين ظهرانيه، ولعلّ البداية هنا في أن نعيد الاعتبار للعقل وللتفكير العقلانيّ الموضوعيّ، وألا نمزج بين الواقع القائم وبين أمانينا ورغباتنا، خصوصاً تلك منها تلك التي تنطلق من عقول موغلة في غيبياتها وسحرها وطوطمياتها الدينية والعلموية.. وهذا وحده كفيل بأن يعيد التوازن إلى عواطفنا وعقولنا، ويجعلنا نفكر بطريقة واقعية –لا وقوعية- في فهمنا لأنفسنا وقدراتنا وتقدير طموحاتنا وتحديد أهدافنا أولاً ومن ثم تقدير وفهم طبيعة العالم والنظم الفكرية والسياسية المتقدمة علينا والمحيطة بنا ثانياً. ونحن عندما نركز هنا على أهمية ودور ومكانة العقل والتفكير العقلي في قراءة الأحداث وتقدير عواقب الأمور وتقييم المشاكل ودراسة التحديات الحاضرة والمستقبلية، ووضع وسائل وأدوات المواجهة، لا ننسى أنّ هناك عواطف ومشاعر قائمة وموجودة في دواخلنا وذواتنا لا يمكن نسيانها أو ادعاء التبرؤ منها أو زعم امتلاك القدرة على نزعها وقهرها بالعقل والعلم.. فالعاطفة مركوزة في أعماقنا شئنا أم أبينا، ولكن علينا أن نعطي العاطفة جرعة من العقل لتتوازن في مسيرتها الحياتية، كما علينا أن نعطي العقل جرعة بسيطة من العاطفة ليرقّ ويلين. فلا قهر للعاطفة ولا ترك للعقل، ولكن أمر بين الأمرين. نعم نحن –ومن موقع العاطفة والعقل والمنطق- ندين بقوة ما تقوم به بعض النخب السياسية والعسكرية في الولايات المتحدة وفي الغرب عموماً، من أعمال وممارسات وحشية وغير إنسانية في غير مكان من عالمنا المعاصر.. ولكن أمريكا –بقطع النظر عمّن يحكمها من أشخاص أو نظم- هي دولة قوية مهابة ونظام سياسيّ واقتصاديّ متماسك ومتين، قادر على احتواء واستيعاب أزماته الاقتصادية والسياسية التي يولدها نتيجة سوء ممارساته الرأسمالية.. فأمريكا وحدها تصدر شهرياً إلى العالم أكثر من 163 مليار دولار، وهي تمتلك أرقى الجامعات ومراكز البحوث العلمية في العالم كله، ولديها نظام تعليميّ عالٍ يستقطب كبار الباحثين والاختصاصيين والخبراء الكبار في شتى أنواع العلوم الطبيعية والإنسانية ومن كل أنحاء العالم. ولذلك فهي قادرة على التحكم في أزماتها، وفي غيرها أيضاً، طالما أن عملتها قوية وبيدها زمام المبادرة وسياسات البنوك واستراتيجيات السياسة ومفاتيح الخزائن. ونحن لا نريد أن نصوّر أمريكا وكأنها قضاء وقدر مبرم، ولكن هذا هو الواقع القائم الذي ينبغي الاعتراف به قبل البدء بالتفكير بأيّ خيار آخر، إنه واقع سيطرة الغرب على العالم كله، اقتصادياً وعلمياً وتقنياً وسياسياً وعسكرياً.. وهذا ما يستدعي منا نحن العرب في البداية أن نقدر الأمور على حقيقتها، وهذا شرط لازم وأساسيّ يجب الوقوف عنده كثيراً قبل التحرك على طريق الألف ميل، وتلمّس أولى خطوات النجاح حتى نتمكن من اقتناص فرصة اللحاق بأسباب التقدم وعناصر الازدهار، والبدء بخلق وابتكار نموذج آخر بديل عن النظام العالمي القائم حالياً. فمن يريد أن يرقص طرباً (وشماتةً) على أشلاء نظام اقتصاديّ أو سياسيّ أو فكريّ يدّعي مناقضته ورفضه ومواجهته (وهو يخطب ودّه ليلاً نهاراً، سرّاً وعلانيةً، ويتمنّى في قرارة نفسه أن يتعامل معه) عليه أن يبدع وينتج لجمهوره وشعبه ومجتمعه وأمّته بدائل أخرى غير تلك التي يزعم كرهه لها ويتمنّى زوالها.. بدائل أحسن وأفضل وأضمن وأكثر فاعلية وأغزر إنتاجاً علمياً ومعرفياً وثقافياً.. وإنه لحلم نراه بعيداً بعيدا.. | |
|