إن التفكير النقدي والبيانات المحكمة هما دعامتا كل
علم حقيقي. ونظرا لما تتمتع به علوم البيئة من أهمية عظيمة لبقيانا على
الصعيدين البيئي والاقتصادي (على الرغم مما قد يبدو غالبًا من تعارض بينهما)
فجدير بهذه العلوم أن تنال منا كل عناية وتمحيص. وعلى هذا الأساس، كان من المفروض في كتاب
«البيئي المتشكك»
(1) (لمؤلفه
أستاذ
العلوم الإحصائية والسياسية في جامعة Aarhus
بالدنمارك) أن يكون تحليلا مقنعا، لكنه لم يكن كذلك.
كان في نية لومبورگ ـ كما جاء في العنوان الفرعي:
«قياس الحالة الواقعية للعالم» ـ أن يعيد تحليل البيانات البيئية بحيث يتمكن
الناس من التوصل إلى قرارات سياسية تستند إلى فهم صحيح مئة في المئة لما أقره
العلم. ولكن النتيجة التي ذكر أنها أذهلته أثبتت ـ خلافًا لتوقعات التدهور
المكفهرة ـ أن كل شيء يسير نحو الأفضل. ليس ذلك أن كل شيء مشرق ويدعو للتفاؤل،
وإنما هو أن مستقبل البيئة أقل قتامة مما كان يُظن. وعلى هذا الأساس يتهم
لومبورگ جماعات بيئية ومؤسسات ووسائل إعلام بالتآمر لتشويه مكتشفات العلم
الحقيقية.
إن مشكلتنا مع استنتاج لومبورگ هي أن العلماء أنفسهم
أنكروا ما أورده عنهم. وقد تحدث العديد منهم إلينا في مجلة ساينتفيك أمريكان عن
خيبة أملهم من سوء التفسير الذي عرضه لومبورگ لأعمالهم. وأخبرونا أن نظرته
البريئة في الظاهر كطرف خارج اللعبة، غالبًا ما يفسدها استخدام منقوص للبيانات،
أو سوء فهم للعلم وراءها. وحتى حين يكون تحليله الإحصائي سليمًا، تكون تأويلاته
في معظم الأحيان بعيدة عن الهدف. فهو كمن يغض الطرف عن الغابات بسبب عدد
أشجارها. ومن الصعب ألا يُدهَش المرء من جرأة لومبورگ في ادعائه أنه كان ينظر
إلى أعماق العلم بإيمان يفوق إيمان الباحثين الذين وهبوا حياتهم له. والطريف
أنه يجد الأنباء الجيدة المعارضة نفسها كامنة في كل مجال من المجالات المختلفة
للعلوم البيئية.
لذلك طلبنا إلى خبيرين متميزين أن ينتقدا معالجة
لومبورگ في مجالي عملهما وهما: الاحترار العالمي والطاقة. وعلى هذا النحو يمكن
أن يفهم القراء لماذا أثار الكتاب كل هذا الرفض.
حقًا، قد يكون لومبورگ محقا في قوله إن أحوال الأرض
بوجه عام في حالة تحسن بالنسبة إلى رفاهية الإنسان، إلا أن الأخطاء المذكورة
تثبت أنه فشل فيما يتعلق بالهدف المعلن للكتاب، وهو أن يعطي وصفًا لحالة العالم
الحقيقية.
.رينّي>، رئيس تحرير ساينتفيك أمريكان
احترار الأرض وإهمال تعقيداته(**)
خلال ثلاثة عقود ظللتُ أحاور عن طريق آلاف المقالات
المتبادلة واللقاءات الرسمية، آلاف الزملاء من العلماء والمحللين السياسيين،
بشأن حلول بديلة لتنمية مستدامة. وعلى الرغم من كل ذلك، أُقرُّ في الحال بخيبة
أمل تلاشى معها حماسي. فقد تسربت إلي بعض الشكوك حول قضية التغير المناخي الذي
لايزال من المستحيل التحكم في عواقبه، سواء منها البسيطة أو الكارثية، أو حتى
طرح احتمالات موثوقة تؤيد الادعاءات المضادة بشأن البيئة.
وحتى أكثر هيئات التقييم الدولية وثوقية، وهي هيئة
التحاور بين الحكومات حول تغيرات المناخ
Intergovernmental Panel
on Climate
Change IPCC
رفضت محاولة إعطاء تقديرات احتمالية حول درجات الحرارة في المستقبل. الأمر الذي
أرغم السياسيين على القيام بتخميناتهم بأنفسهم حول تغيرات درجات الحرارة
المرجحة لسطح الأرض. تُرى هل ستزداد درجة الحرارة في عام 2100 بمقدار 1.4 أم
بمقدار 5.8 درجة سيلزية، من تغيرات يمكن التكيف معها نسبيا إلى تغيرات ضارة
جدًا؟
وفي مواجهة هذا الجو من الإحباط، بدأت أسمع أكثر
فأكثر أن شابًا دنماركيًا إحصائيًا، يعمل في قسم العلوم السياسية، ويدعى لومبورگ> قد استفاد من مهاراته في علم الإحصاء لكي يحدد بشكل أفضل مدى خطورة
القضايا البيئية. وكنت طبعًا متشوقًا لأن أرى هذ الإسهام الرائج جدا بين
الجماهير، الذي حمل عنوان ـ البيئي المتشكك: يقيس حالة العالم الحقيقية. فقلت
في نفسي متأملا «بيئي متشكك» هذا حتمًا أفضل البيئيين، لأن الشكوك مستوطنة في
هذه القضايا الشائكة التي تعاني افتقارها للبيانات والنظريات غير المكتملة
والتأثيرات المتبادلة المعقدة (غير الخطية). أما «حالة العالَم الحقيقية» فهذا
فوق طاقتنا نظرًا للمدى الواسع للنتائج المقبولة.
ثم تساءلت، من هو لومبورگ هذا؟ لماذا لم ألتقه في أي
من اللقاءات التي يناقش فيها المتشككون العاديون النفقات أو الفوائد أو معدلات
الانقراض أو غيرها من القضايا؟ كما لم أستطع أن أتذكر على الإطلاق أنني قرأت له
أية إسهامات علمية أو سياسية. كل ما في الأمر أنه كان بين يديّ ذلك المجلد
المؤلف من 515 صفحة مضافًا إليها 2930 حاشية طويلة للخوض فيها. وفي الصفحة 20
من مقدمته يُقر لومبورگ: «إنني شخصيًا لست خبيرًا في شؤون القضايا البيئية» ـ
إنها الكلمات التي لا نعثر على أصدق منها في كتابه، كما سنوضح في الحال. سأتحدث
في البدء عن الفصل الضخم بعنوان: «الاحترار العالمي» وعن 600 حاشية وردت فيه.
إن هذا النمط من الفصول الثرية بالتفصيلات يثير وحده في الذهن بهارج الدراسة
الواعية والمتأنية. فكيف إذن يجعله واقع النص عُرضة للسخرية؟ إنني على يقين
بأنكم تستطيعون في الحال أن تحزروا، ولكن دعوني أذكر بعض الأمثلة لتوضيح ما
اطلعت عليه من قراءة ذلك الكتاب.
يعرض فصل المناخ أربع حجج أساسية:
إن علم المناخ علم غير يقيني إلى حد بعيد، ولكن مع
ذلك فإن حالة العلم الحقيقية تقول إن حساسية الطقس لثنائي أكسيد الكربون هي في
حدها الأدنى من مجال الريبة تبعًا للهيئة IPCC؛
فهذا المجال الذي يراوح وفقه ارتفاع درجة الحرارة ما بين 1.5 و4.5 درجة سيلزية،
فيما لو تضاعف ثنائي أكسيد الكربون ثم ظل ثابتًا على مدى الزمن.
سيناريوهات الانبعاثات. تصنف هذه السيناريوهات تبعًا
للهيئة IPCC في ست طرق بديلة «محتملة بدرجة
واحدة.» وهذه الطرق تمر عبر مضاعفة تركيز ثنائي أكسيد الكربون عام 2100 إلى أن
تصبح ثلاثة أمثالها أو حتى أكثر من ذلك في القرن الثاني والعشرين. بيد أن
لومبورگ يصرف النظر عن جميع السيناريوهات ما عدا أدناها: «ستزداد درجات الحرارة
أقل بكثير من الحدود القصوى المعلنة من قبل الهيئة IPCC،
ومن المرجح أن درجة الحرارة ستكون عند التقدير B1
أو حتى أقل [وهذا أدنى سيناريو للانبعاثات] (أقل من درجتين سيلزيتين عام 2100)
ومن المؤكد أن درجة الحرارة لن ترتفع بعد القرن الثاني والعشرين.»
حسابات التكاليف والعوائد. يظهر من هذه الحسابات أن
فوائد تجنب تغيرات المناخ، على الرغم من أنها قد تكون وافرة (5 تريليونات
دولار، هو الرقم الوحيد الذي ذكره لومبورگ)، إلا أن هذا لا يساوي تكلفة
الاقتصاد الذي يحاول التقليل من انبعاثات الوقود الأحفوري (من 3 إلى 33 تريليون
دولار، وهو المجال الذي استقاه لومبورگ من الأدبيات الاقتصادية). وبشكل لا
متماثل، لم يرد في الكتاب ذكر لمجال أضرار تغير المناخ.
پروتوكول كيوتو. إن هذا الپروتوكول، الذي يضع حدًا
لمخرجات الدول الصناعية من غازات الدفيئة، مكلف جدًا. فهو لن ينقص الاحترار عام
2100 سوى بضعة أعشار الدرجة «وهذا يوقف ارتفاع درجة الحرارة ست سنوات فقط.» ومع
أن هذا الرقم يستند إلى سياسة خرقاء لم يفترضها أحد جديا، إلا أن لومبورگ وسّع
مجال پروتوكول كيوتو القابل للتطبيق لغاية العام 2012، وكأنه السياسة المناخية
الوحيدة للعالم لتسعة عقود أخرى.
قبل أن أذكر التفصيلات عن سبب اعتقادي بأن هذه
الدعاوى كلها منهارة من أساسها، لا بد لي من أن أقول شيئًا يتعلق بمنهاج
لومبورگ. أولا، إن معظم الثلاثة آلاف استشهاد تقريبًا منسوب إلى أدبيات ثانوية
ومقالات في وسائل الإعلام. إضافة إلى ذلك، حتى حين تُذكر المقالات المنقولة عن
مراجعات، تكون مختصرة لدرجة التشويه عن تلك الدراسات التي تؤيد نظرته المتفائلة
القائلة إن الحد الأدنى فقط من مجالات الارتياب هو المقبول. وعلى العكس من ذلك،
تخضع مؤلفات الهيئة IPCC لثلاث دورات من المراجعة
من قبل مئات الخبراء من خارج الهيئة. فمؤلفو منشورات الهيئة
IPCC لا ينعمون بالاقتصار فيما يكتبون على عرض
الآراء التي تتفق مع آرائهم الفردية.
يعترف لومبورگ
قائلا: «إني شخصيًا لست خبيرًا بشؤون البيئة»،
ولكن هذه
الكلمات الصادقة لا نجدها في ما تبقى من الكتاب.
ثانيًا: إن ما يدعو للسخرية، هو أنه في كتاب شعبي
مؤلفه إحصائي، لا يستطيع المرء أن يجد تمييزًا واضحًا بين مختلف أنماط
الاحتمالات، كالتكراري frequentist والبيزياني(2)
Bayesian (أي «الموضوعي»
objective و«الذاتي» أو «الشخصي» subjective)
وهو غالبًا ما يستخدم كلمة «مقبول» plausible، من
دون أن يرفقها أبدًا بأي قيمة احتمالية، وهذا ما يدعو للعجب باعتبار أن لومبورگ
إحصائي. وبالمقابل فإن تقرير الهيئة IPCC الثالث
عن عملية التقدير واجه بصراحة الحاجة إلى أن يُعين تقديرًا كميًّا(3) لكل عبارة
من عبارات الثقة(4). فمثلا، أعطى الفريق (WG1(5)
عبارة «على الأرجح» likely فرصة حدوث(6) بين 66 و
90 في المئة. ومع أن الهيئة IPCC تعيّن مجالا
واسعًا لمعظم توقعاتها الاحتمالية، فإن لومبورگ صرف النظر عن هذه المجالات
مركِّزًا على النتائج الأقل خطورة. كما أنه يُصر في التأكيد على أن المناخ لن
يذهب بنا حتمًا إلى أبعد من احترار درجتين سيلزيتين في القرن الثاني والعشرين،
وهذه نتيجة تتعارض مع نتائج الهيئة IPCC وتقديرات
وطنية أخرى، كما تتعارض مع أحدث الدراسات في حقل علم المناخ.
والآن دعونا نلق نظرة أكثر تفصيلا على الحجج الأربع
الرئيسية التي قدمها لومبورگ في هذا الفصل.
علم المناخ. من الأمثلة النموذجية عن منهج لومبورگ،
ذلك الذي أعاد فيه صياغة مصدر ثانوي يعرض تلخيصًا لبحث قدمه مركز هادلي
Hadley Center عام
1989 في المجلة نيتشر Nature. ففي هذا الملخص
أجرى الباحثون تعديلات على نموذجهم المناخي. وفي هذا الصدد يقول لومبورگ «لقد
حسّن المبرمجون عندئذ عمليات تحديد بارامترات (وسطاء) السُّحب في موضعين.
فصَلُح حال النموذج بتخفيض تقديره لدرجة الحرارة من 5.2 درجة سيلزية إلى 1.9
درجة سيلزية.» فلو كانت دراسة لومبورگ دراسة جادة لرجع إلى المقالة الأصلية،
ففيها سيجد أن المؤلفين ينبهوننا في الجملة الختامية من الفقرة الأولى إلى
ملاحظة أنه «على الرغم من كون نظام السحب المعدل أكثر تفصيلا، فليس هو بالضرورة
أكثر دقة من النظام الأقل منه حِذقًا.»
ويعرض لومبورگ بأسلوب مماثل مسألة .R .لندزن>المثيرة للجدل والمتعلقة بالتغذية المرتدة (الراجعة) العاملة
على الاستقرار، أو «مفعول إيريس»(7). وقد أتى بها لتكون دليلا على ضرورة اختزال
مجال حساسية المناخ عند الهيئة IPCC ثلاث مرات
تقريبًا. وقد غاب عنه على كل حال فهم هذه الآلية، أو إفهامنا أنها تستند إلى
بيانات أخذت خلال بضع سنوات فقط وفي جزء صغير من أحد المحيطات. فتعميم هذا
النموذج الصغير من البيانات على كامل الكرة الأرضية، يشبه تعميم التغذية
المرتدة القوية المحدثة للاضطراب، على مساحات واسعة في أواسط القارة عندما يذوب
الثلج في الربيع. إن مثل هذا الإسقاط غير المناسب، يمكن على الأرجح أن يزيد
تقديرات حساسية المناخ عدة أضعاف.
وكمثال أخير، يستشهد المؤلف بفرضية مثيرة للجدل
طرحتها مجموعة من الباحثين الدنماركيين في السحب، وهي أن أحداث المغنطيسية
الشمسية تعدل الأشعة الكونية وتحدث «رابطة واضحة بين غطاء الأرض من السحب
المنخفضة والإشعاع الكوني الوارد». ويستخدم الباحثون الدنماركيون هذه الفرضية
لدعم فرضية بديلة لفرضية ثنائي أكسيد الكربون، يفسرون بها تغير المناخ الحديث
العهد. ولكن لومبورگ يعجز عن مناقشة «ما الذي تفعله تغيرات الغطاء السحابي
المزعومة هذه في الميزان الإشعاعي للأرض» (بل ولم أر أن أصحاب هذه النظرية
التأملية قد تطرقوا إلى ذلك.) فقد كان من المعروف على وجه اليقين، اعتمادًا على
بحث قدمه و عام 1967 وآخر نشرتُه عام 1972، أن تزايد السحب يمكن أن يسخن الجو
ويبرده تبعا لارتفاع قمم السحب وعاكسية reflectivity
سطحها السفلي، وأيضا تبعًا لفصول السنة وخطوط العرض. والسبب في أن الهيئة
IPCC تقلل من أهمية هذه النظرية، هو أن المدافعين
عنها لم يبرهنوا على وجود أية أمثلة عن قسر forcing
إشعاعي مركّز يكفي لأن يكافئ قسر نظريات أكثر منها شحا في أمثلتها، كنظريات
تطور الإنسان.
ذلك بالتحديد
لأن الجماعة العلمية المسؤولة لا تستطيع أن تستبعد
النتائج
الكارثية، حتى إنها تقترح جديا سياسة لتلطيف المناخ.
سيناريوهات الانبعاث. يؤكد لومبورگ أن آلات شمسية
جديدة محسَّنة وتقنيات أخرى يمكن تجديدها، ستقصي خلال عدة عقود قادمة الوقود
الأحفوري من السوق، وسيتم ذلك بفعالية لدرجة أن سيناريو الهيئة
IPCC سيبدو مغاليًا إلى حد بعيد في تقدير احتمال
زيادات كبيرة في ثنائي أكسيد الكربون. كم أتمنى أن يكشف المستقبل عن صحة ذلك!
ولكن الأماني لا تعتبر تحليلا! ويستشهد لومبورگ بدراسة واحدة؛ وقد تجاهل الكم
الهائل من الدراسات الاقتصادية التي يعترف فيما بعد بأنها تقدر مدى التكاليف
فيما لو أننا باشرنا التحكم في الانبعاثات. ففي الواقع، يعتقد معظم هؤلاء
الاقتصاديين بشدة أن الانبعاثات المرتفعة هي مرجحة تمامًا: إذ عادة ما يتوقعون،
كسياسة اقتصادية مثالية، تضاعف ثنائي أكسيد الكربون مرتين إلى ثلاث مرات (أو
حتى أكثر). وقد هاجمتُ هذا الاتجاه فيما نشر بهذا الصدد، لأنه يغفل الإشارة إلى
أن سياسات المناخ التي ترفع سعر الوقود المعهود، تحث على الاستثمارات في نظم
اقتصادية بديلة. ولكن هذه الحوافز بحاجة قبل كل شيء إلى سياسات ـ ولومبورگ
يعارض هذه السياسات بالذات. فما من محلل موثوق يمكن أن يؤكد فعلا أن سيناريوهًا
لوقود أحفوري مكثف غير مقبول ـ وكما هو معهود عنه، فإن لومبورگ لا يعطي احتمالا
لإمكان حدوث ذلك.
حساب التكاليف والعوائد. كانت أفظع تحريفات لومبورگ
وأفقر تحليلاته، تلك المتعلقة بحساب التكاليف والعوائد. ففي البدء عنّف
الحكومات التي عدّلت النسخة قبل الأخيرة للتقرير الصادر عن أعمال الفريق الثاني
في الهيئة IPCC. فقد قللت هذه التعديلات من أهمية
مدلول الدراسات الاقتصادية التي ضخمت جميع مضار تغير المناخ، وهنا يقول لومبورگ
«إن قرارًا سياسيًا أوقف الهيئة IPCC عن النظر في
مجموع تكاليف الاحترار العالمي وعوائده.» (وهنا عليّ أن أذكر مسألة جانبية، وهي
تفضيله الغريب لذكر نسخة التقرير قبل النهائية، وغير المصادق عليها، على ذكر
الموضوع الفعلي الأول الوارد في الموجز المصدق الذي جاء فيه أن اتجاهات درجات
الحرارة الأخيرة سببت تأثيرا واضحا في النباتات والحيوانات. وما يزيد في حيرتنا
أنه أغفل مناقشة الآثار البيئية بوجه عام، مركزًا بدلا من ذلك على مجالي الصحة
والزراعة، اللذين في اعتقاده لن يتضررا كثيرا بسبب تغيرات المناخ الضئيلة التي
يتوقعها.)
لم يول ممثلو الحكومات أهمية تذكر لدراسات مجموع
التكاليف والعوائد؛ والسبب في ذلك هو أن هذه الدراسات تعجز عن ملاحظة الكثير
جدًا من أنواع الضرر التي ترى القيادات السياسية أنها مهمة كي تتخذ منها،
ببساطة، مؤشرًا إلى حركة التعامل في قطاع السوق بدلا من مجمل التكاليف والعوائد
كما يود لومبورگ. فالتحليل الكلي يجب أن يتضمن قيمة الأنواع البيولوجية
المفقودة، وخدمات النظام البيئي التي تدنت قيمها، والظلم الذي يصيب الفقراء
أكثر مما يصيب الأغنياء (وهو ما يعترف به لومبورگ)، وتدني مستوى المعيشة (فارتفاع
مستوى سطح البحر يرحِّل سكان الجزر الصغيرة من موطنهم الأم) والتغيرات المحتملة
نحو المناخات القاسية وتقلباتها. وهنا أيضا لا يذكر لومبورگ سوى قيمة واحدة
لأضرار المناخ ـ 5 تريليونات دولار ـ مع أن الأبحاث الاقتصادية التي استشهد بها
من أجل تكاليف السياسة المناخية، تعترف بوجه عام بأن الأضرار المناخية يمكن أن
تتغير من عوائد إلى خسائر كارثية.
وبالتحديد لأن الجماعة العلمية المسؤولة لا يمكنها
أن تستبعد مثل هذه النتائج الكارثية بدرجة عالية من الثقة، فهي لا تقترح سياسات
جديدة لتلطيف المناخ. كما أن إعطاء عدد واحد ـ وليس مجالا واسعًا ـ عن الخسائر
المناخية المتجنبة أمر يتحدى كل تفسير، وبخاصة حين يعين لومبورگ فعلا مجالا
لتكاليف السياسات المناخية. ثم إن هذا المجال يستند إلى الأدبيات الاقتصادية
لكنه يغفل النتائج التي توصل إليها المهندسون. فهؤلاء يشككون في تقديرات
الاقتصاديين النموذجية، لأن الاقتصاديين يغفلون الأخذ في الاعتبار وجودًا
مسبقًا لعيوب السوق، كالآلات غير المجدية طاقيًا والمنازل والسيرورات. وتتضمن
الدراسات الهندسية هذه دراسة شهيرة لخمسة مختبرات تابعة لوزارة الطاقة في
الولايات المتحدة، وجميعها تعتبر غير متشددة في مجال البيئة. وهي ترى أن
السياسات المناخية التي تتقدم بحوافز لكي يستعاض عن التجهيزات غير المجدية
بأخرى أكثر جدوى تستخدم أحدث ما توصل إليه العلم في هذا الشأن، يمكن أن تقلص
فعليًا بعض الانبعاثات إلى الصفر.
پروتوكول كيوتو. إن ابتكار لومبورگ لنظام يمتد مئة
سنة بدلا من پروتوكول مدته عقد كامل، هو تشويه لسيرورة السياسة المناخية. فكل
تقرير قدمته الهيئة IPCC كان قد أشار إلى أن
انبعاثات ثنائي أكسيد الكربون، لا بد من أن تُقلص إلى أكثر من 50 في المئة من
أدنى معظم التوقعات، لكي نتجنب الزيادات الضخمة في التركيز خلال القرنين 21 و
22. ويعرف معظم المحللين أن «پروتوكول كيوتو الموسع» لا يمكن أن يقوم بمثل هذه
الاقتطاعات، وأن الدول المتقدمة والنامية معا، عليها أن تصوغ حلولا تعاونية
وفعلية للنفقات على مر الزمن. وسيحتاج ذلك إلى كثير من التعلم عن طريق الممارسة،
لأن التعاون الدولي ليس تجربة شائعة، وليس كيوتو سوى نقطة بداية. ومع ذلك، يود
لومبورگ أن يسحق بمشروعه المئوي التافه الذي ابتكره، هذه الخطوة الأولى.
والآن ما هي إذن «حالة العالم الحقيقية»؟ غني عن
القول إنها لا يُمكن أن تعرّف بعبارات إحصائية معهودة؛ ومع ذلك، يمكن أن نطرح
بثقة تقديرات تستند إلى اعتبارات خاصة. فالمجالات التي عرضتها الهيئة
IPCC في تقاريرها المعاد مراجعتها، تعطينا أفضل
صورة سريعة لحالة التغيرات المناخية الحقيقية. فقد نكون محظوظين ونشهد تأثيرًا
لطيفًا، أو غير محظوظين فنحصل على نتائج وخيمة كارثية. أما الهيئة
IPCC فتصوغ القضية كقرار إدارة مخاطر حول تحديد
تلك المجالات. فالمسألة ليست أن كل شيء سيكون على أحسن حال كما يريدنا لومبورگ
أن نقتنع.
في مثل هذه الأبحاث المتعددة الاختصاصات
interdisciplinary لا بد أن يكون الناشر حكيمًا،
فيطلب إلى مختصين بالعلوم الطبيعية مثلما طلب إلى المختصين بالعلوم الاجتماعية،
أن يراجعوا الكتاب المقدم للنشر، الذي صدر عن قسم العلوم الاجتماعية في دار
النشر. وليس عجيبًا أن يخفق المراجعون في كشف عرض لومبورگ اللامتوازن للعلوم
الطبيعية، وذلك بسبب تعدد المجالات المرتبطة بالكتاب. أما أن المختصين في
العلوم الطبيعية لم يُسألوا، فهذا إهمال خطير بالنسبة إلى ناشر وجيه، مثل دار
جامعة كامبريدج للنشر.
فمن المؤسف أن نتيجة ذلك ستكون مراجعات غاضبة كهذه.
والأسوأ من ذلك أن العديد من عامة الناس وصانعي السياسة لن يطلعوا على
المراجعات النقدية، فمن الممكن إذًا أن يُخدعوا وأن يتصوروا أن آلاف الشواهد
ومئات الصفحات في كتاب لومبورگ تشكل علمًا متزنًا. والقاعدة البسيطة لمن ليس
لديه وسيلة للحكم على شيء يجهله، هي أن يحذر ممن يتحدث في المجالات والاحتمالات
غير الموضوعية، وأن يحذر أيضا من أدعياء «معرفة الحقائق».
المؤلف
Stephen Schneider
أستاذ في قسم العلوم
البيولوجية، وزميل قديم في معهد الدراسات الدولية بجامعة ستانفورد، وهو محرر في
المجلة Climatic Change وموسوعة المناخ والطقس Encyclopedia of Climate and
Weather، ومرشد ومؤلف رئيسي للعديد من فصول ما نشر عن الهيئة IPCC والصحيفة
الدليل لدى الهيئة IPCC حول الأمور غير اليقينية.
الطاقة
توجيه السؤال الخطأ(***)
يشغل فصل كتاب لومبورگ عن الطاقة 19 صفحة غير وافية.
وهو بكامله تقريبًا مخصص لمهاجمة الاعتقاد بأن العالم سائر نحو نفاد الطاقة.
وهذا اعتقاد يبدو أن لومبورگ ينظر إليه كجزء من «دعاء بيئي»؛ ولكن قلة من
البيئيين تعتقد ذلك: فما يقوله البيئيون في هذا الشأن هو بصورة رئيسية: لسنا
سائرين نحو نفاد الطاقة، وإنما نحو هدم البيئة ـ أي نحو نفاد قدرة الماء
والهواء والتربة والغطاء النباتي على امتصاص الآثار الناجمة عن استخراج الطاقة
ونقلها وتحويلها واستخدامها، وذلك من دون أن يترتب على ذلك نتائج لا يمكن أن
يتحملها حسن حال البشر. كما يحاجّون بأننا قد لا نستطيع التعامل مع مخاطر أخرى
في مجال التزود بالطاقة، كالمخاطر السياسية والاقتصادية الناجمة عن فرط
الاعتماد على نفط الشرق الأوسط.
لقد بقيت «مشكلة الطاقة» لعدة عقود المحور الرئيسي
لموقف علماء البيئة، وهو أن المشكلة ليست بصورة رئيسية مشكلة نضوب الموارد بأي
معنى عالمي، وإنما مشكلة تأثيرات بيئية ومخاطر اجتماعية سياسية، وربما مشكلة
ارتفاع التكاليف المالية للطاقة حين تكون مخاطرها البيئية والاجتماعية السياسية
قد ضُمنت بصورة مناسبة. فموقفنا مثلا من هذه المشكلات هو الذي وضحته في عدد
الطاقة من سلسلة الكتب Battlebook التي أصدرها
نادي Sierra (وقد اشتركت يومها فيها مع هيريرا> الذي كان حينذاك محرر البيئة في المجلة Time)؛
وكان أيضًا هو الموقف الذي وصفه مشروع سياسة الطاقة التابع لمؤسسة فورد المنشور
في تقريرها الرائد عام 1974 والمعنون: «وقت للاختيار»
Time to Choose، وكذلك موقف في مقالته المهمة المنشورة في المجلة Foreign
Affairs تحت عنوان: «استراتيجية للطاقة: الطريق
غير المسلوك»، وكذلك في كتابي الجامعي للعام 1977 الذي عنوانه علم البيئة
Ecoscience.
إذن من هم الذين فند لومبورگ آراءهم بهذه الطريقة
الصارخة في بحثه حول وفرة مصادر الطاقة في العالم؟ يبدو أن أهدافه هم عَلامة (نذكر
منهم مراسلي مجلة E ومحطة
CNN المذكورة في مطلع فصل الطاقة من كتاب لومبورگ) ومحللون ممتهنون (مع
أن قلة فقط من هؤلاء جاء ذكرهم في الكتاب وتم اختيارهم بطريقة انتقائية جدًا).
فهؤلاء لم يحاجوا بأن العالم سائر نحو نفاد الطاقة بجميع أشكالها، وإنما قد
يكون سائرًا نحو نفاد النفط الرخيص الثمن. ولكن، على الرغم من بلاغة لومبورگ
المرفوضة، فإن هذه المشكلة ليست تافهة ولا من السهل الإجابة عنها.
الشيء الرئيسي
الذي ينادي به البيئي في هذا الشأن
هو أننا لسنا
سائرين نحو نفاد الطاقة، بل نحو نفاد البيئة.
والنفط هو أكثر أنواع الوقود المعهودة في تعدد
استعمالاته، وهو أصلحها. وقد مضى زمن طويل وهو يزود الحاجة الضخمة إلى الطاقة.
ومن المعتقد (استنادًا إلى أدلة راسخة) أن موارد النفط المعهودة القابلة
للاستخراج، هي أقل بكثير من موارد الفحم وربما أيضًا أقل من موارد الغاز
الطبيعي. ويبدو أن الجزء الأكبر من هذه الموارد يقع في الشرق الأوسط المتفجر
سياسيًا. أما الموارد الأخرى، فالكثير منها يقع بعيدا عن الشواطئ، أو في أمكنة
وعرة أو حساسة بيئيا. فلهذه الأسباب مجتمعة، ولزمن طويل، ظلت هواجسنا من تراجع
سهولة الحصول على النفط ومن ارتفاع أسعاره، هي الشاغل الأكبر مما هي عليه
بالنسبة إلى أنواع الوقود الأحفوري الأخرى. وإلى جانب ذلك، ثمة أدبيات تقنية
جدية (طُرحت بصورة رئيسية من قبل جيولوجيين واقتصاديين)، وفيها تثار تساؤلات من
مثل متى يبلغ النفط ذروة إنتاجه ليبدأ بعدها بالتراجع؛ وكم يمكن أن يصبح سعره
في عام 2010 أو 2030 أو 2050، وهناك تعارض كبير بين أصحاب الاختصاص في الإجابات
عن هذه التساؤلات.
وقد صدق لومبورگ في أن النقطة الأساسية ليست في أن
سيطرة النفط في سوق الطاقة العالمي ستنتهي نتيجة لعدم ترك أي نفط في باطن الأرض،
وإنما لأن مصادر أخرى للطاقة أصبحت أكثر جاذبية نسبيًا من النفط. ولكن لومبورگ،
كما يبدو، لا يعترف بأن التحول من النفط إلى المصادر الأخرى، لن يكون بالضرورة
انتقالا سهلا أو أنه سيكون بأسعار منخفضة كأسعار النفط التي ينعم بها
المستهلكون حاليًا. وبالفعل، ففي حين أنه يستخف من فكرة أن الاعتماد العالمي
الشديد على النفط يمكن أن يكون معضلة في فترة حياتنا فهو لا يظهر أي إشارة إلى
أنه يتفهم (أو أنه لا يرى ضرورة ليوضح لقرائه) لماذا ثمة مناظرة حقيقية في هذا
الشأن بين أشخاص مرموقين.