كيفية البحث عن وجود حياة على المريخ
(*)قد تقدم التجارب التي يجري الآن تطويرها إجابة حاسمة عن واحد من
أعقد الأسئلة في العلم وهو: هل ثمة وجود لحياة خارج كرتنا الأرضية؟
-
باختصار لم تقم بعثة إلى المريخ بالبحث عن وجود حياة عليه منذ إطلاق برنامج ڤايكنگ في السبعينات، وهذه البعثات لم تعثر على دليل مقنع على وجود حياة على المريخ، ونحن نعلم الآن أن تجارب البعثات كان محكوما عليها بالإخفاق. ويمكن لبحث حديث عن وجود حياة على المريخ أن يستخدم اختبارات بيولوجية استعمالها شائع على الأرض. وقد تضاف هذه التجارب إلى عدد من البعثات التي حُدِّدَ موعد إطلاقها إلى المريخ بحلول نهاية هذا العقد. |
تعلم الفلكيون أشياء كثيرة رائعة عن المريخ، وذلك منذ أن هبطت المجسات
probes الأولى على هذا الكوكب قبل قرابة أربعة عقود. ونحن نعلم أن الماء السائل كان يجري في وقت من الأوقات عبر سطح المريخ، وأنه كان لهذا الكوكب ولأرضنا تاريخان متشابهان. وعندما نشأت الحياة على الأرض قبل نحو 3.5 بليون سنة، كانت حرارة المريخ أعلى مما هي عليه الآن، وكان يحوي محيطات سائلة وحقلا مغنطيسيا نشطا وجوا أسمك. وبافتراض وجود شَبَهٍ بين هذين الكوكبين، فمن المنطقي التفكير في أنه أيا كانت الخطوات التي أدت إلى نشوء حياة على كوكب الأرض، فإنها يمكن أن تكون حدثت أيضا على المريخ.
|
إن فوهة گيل البركانية Gale Crater - المبينة في الشكل إلى يسار مركز هذه الصورة المركبة - كانت، فيما مضى، تحوي ماء سائلا، وفي مطلع عام 2014، عثرت المركبة الجوّالة كيوريوسيتي Curiosity، التي تجوب سطح المريخ، على دليل يثبت وجود جزيئات عضوية على سهول الكوكب. |
وفي الحقيقة، ومهما يكن من أمر، فقد يكون من الممكن أن ثمة حياة ميكرسكوبية
microscopic مازالت موجودة على الكوكب الأحمر. إن كل بعثة أرسلت إلى جارنا في السنوات الخمس والثلاثين الأخيرة فحصت جيولوجيّته لا بيولوجيّته. لكن سفينة الفضاء التوأم مثل ڤايكنگ 1 و 2
(1)، التي كانت أول من حطّ على هذا الكوكب عام 1976، أجرت أول تجربة - مازالت الوحيدة حتى الآن - للبحث عن وجود حياة على عالم آخر. وقد حملت كلٌّ منهما على متنها تجهيزات لأربع تجارب تتعلق بهذا البحث، وأرسلت كلُّ تجربة إلى الأرض بيانات غامضة. ويمكن القول إن بعثات ڤايكنگ قدمت إلينا أحجيات لا إجابات. بيد أننا نعرف الآن أن طرائق ڤايكنگ في البحث لم تكن قادرة على العثور على حياة على المريخ، حتى ولو كانت هذه الحياة موجودة هناك - وهذا يعني أن السؤال عما إذا كان المريخ يؤوي حياة مازال مفتوحا.
ولحسن الحظ، ففي العقود التي تلت ذلك، ابتكر علماء الأحياء الميكروية
microbiologists عددا كبيرا من الأدوات لاكتشاف متعضيات ميكروية
microorganisms، وهذه الأدوات صارت الآن واسعة الاستعمال هنا على الأرض. لكن إذا استعملتها إحدى البعثات الكثيرة التي يتوقع توجيهها قريبا إلى المريخ، فبمقدورها أن تقدم، أول مرة، إجابة عما إذا كان أقرب جيراننا إلينا ينبض أيضا بالحياة.
عملية البحث الأولى
(**) كانت تجارب ڤايكنگ تبحث عن وجود حياة باستعمال تقنيات البحث المتيسرة في ذلك الوقت. وفي التجربة الأولية، فإن المركبة التي حطت على سطح المريخ أخذت معها غَرْفَةً من تربته وأضافت إليها مركبات كربونية بوصفها غذاء لأي متعضٍ ميكروي قد يكون موجوداً في التربة. فإذا كانت ثمة ميكروبات
microbes موجودة فعلا في التربة، فإننا نتوقع منها استهلاك الغذاء وإطلاق ثنائي أكسيد الكربون.
وفي الحقيقة، فقد كشفت بعثات ڤايكنگ هذا السلوك. وفي حد ذاته، يبدو أن هذا الاختبار يشير إلى وجود متعضيات ميكروية في تربة المريخ. بيد أنه عند دمج هذا الاستنتاج في نتائج تجارب أخرى، لم يستطع الباحثون الوثوق بصحة ما توصلوا إليه.
وكانت مهمةُ التجربة الثانية البحثَ عن دليل على وجود تركيب ضوئي
photosynthesis. غير أنها قدمت نتائج غير حاسمة. وفي تجربة ثالثة أضيف ماء إلى عينة من التربة. ولو كان ثمة وجود لحياة، فلربما ولدت الرطوبةُ ثنائي أكسيد الكربون، لكنها، بدلا من ذلك، ولدت أكسجينا. وكان هذا شيئا شديد الغرابة لعدم وجود تربة معروفة على الأرض تفعل ذلك. وقد استنتج العلماء أن الأكسجين تولّد بتفاعل كيميائي.
وفي التجربة الأخيرة، كانت المركبتان الجوالتان تبحثان عن مركبات عضوية في التربة. علماً بأن العضويات
organics تحتوي على مركبات كربونية هي التي تكّون العناصر الأساسية للحياة. فلو وُجدت أي حياة على المريخ، لتوقعنا العثور على هذه المركبات الكربونية. ومع ذلك، فالعضويات وحدها لن توفر دليلا حاسما على وجود حياة على المريخ، لأننا نتوقع أيضا أن تودع النيازك باستمرار مركبات عضوية عليه. ومن المذهل ألا تعثر التجربة على أي دليل على وجود عضويات أيا كانت.
وعموما، أربكت عمليات التنقيب هذه الباحثين. وكان معظم العلماء يعتقد أن التفاعلات الكيميائية هي المسؤولة عن النتائج التي حصلوا عليها في آخر تجربتين، لكن الكيمياء لم تستطع أن تفسر تماما أُولاهما. وقد اعتقدت قلة مسموعة الصوت من علماء المريخ، بأن التجربة الأولى عثرت فعلاً على دليل على وجود حياة على المريخ، غير أن معظم من خالفهم الرأي كان يراه كوكبا مقفرا لا حياة عليه.
وفي عام 2008، أي بعد مرور 32 عاما على هبوط ڤايكنگ على المريخ، بدأ حل هذه الأحجبات يتضح عندما هبطت مركبة فونيكس
Phoenix التابعة للوكالة ناسا على القطب الشمالي للمريخ. وقد أصيب الجميع بالدهشة حين كشفت فونيكس
پركلوراتperchlorate ، وهو جزيء نادر على أرضنا مكون من أربع ذرات من الأكسجين مترابطة بأيون كلورين
(2)، وهذه الذرات مرتبطة بأيون مغنيزيوم أو كالسيوم. وحين تبلغ درجة حرارة أملاح الپركلورات 350 درجة سيلزية، تتحلل مُطلِقة أكسجينا وكلورينا تفاعليّين
active. وكون الپركلورات تفاعلية جدا؛ مما يجعلها صالحة للاستعمال وقودا لكثير من الصواريخ.
لقد جعل هذا الاكتشاف الباحثين يرون أن جزيئات الپركلورات ربما طمست علامات على وجود حياة في التربة. فتجربة ڤايكنگ للبحث عن عضويات سخنت أولا عينة من التربة إلى 500 درجة سيلزية، وربما أدى هذا إلى تبخير أي جزيء عضوي، ومن ثم اكتشافها بحالة غازية. بيد أن فريقا يقوده <
R. ناڤارو-گونزاليس> [من جامعة مكسيكو]، وكان يضم أحدنا (<ماك كي>)، بَيَّن أن جزيئات الپركلورات لابد أن تكون قد دمرت تماما أي مركب كربوني في التربة خلال عملية التسخين.
وجزيئات الپركلورات تسلط الضوء أيضا على أحجيات التجربتين الأولى والثالثة. ففي التجربة الأولى، ولدت إضافةُ غذاء إلى التربة إطلاقَ ثنائي أكسيد الكربون. لكن الپركلورات تولد مركبات تَبْيَضُّ عند تعرضها للأشعة الكونية. وباستطاعة هذه المركبات تحليل الجزيئات العضوية (كتلك الموجودة في الغذاء المضاف)، وفي هذه العملية يتولد ثنائي أكسيد الكربون. وفي التجربة الثالثة، انبثق الأكسجين من التربة المُرطبة. وإنتاج الپركلورات ينشئ أيضا الأكسجين، بيد أن الأكسجين يظل محجوزا في البداية في التربة، ولا يتحرر منها إلا في وقت لاحق بعد ترطيبها كما حدث على ڤايكنگ. وهكذا، فقد تم الكشف عن سرِّين اثنين.
ومع ذلك، فإن الأمل باكتشاف وجود حياة على المريخ مازال مطروحا. فقد هبطت مركبة كيوريوسيتي الجوالة على المريخ في الشهر 8/2012، ومازالت تأخذ عينات من التربة منذ ذلك الحين. وفي وقت مبكر من عام 2014 صرح الفريق - (الذي يضم <ماك كي>) المشرف على الجهاز المسمى جهاز تحليل العينات على المريخ (
SAM)
ا(3)، والذي يقوده <
P. ماهافي> [من مركز گودارد للطيران الفضائي التابع لناسا
(4)] - أن التجربة عثرت على مركبات كربونية في رسابات حجر طيني قديم مستقر في قعر فوهة گيل، حتى بوجود پركلورات. وهكذا، فإن العضويات موجودة على المريخ - وكل ما في الأمر أن ڤايكنگ كانت غير قادرة على العثور عليها. تُرى، هل يمكن أن تكون الحياة نفسها موجودة على المريخ؟
مقاربات حديثة
(***) في السنوات الأربعين الأخيرة، التي بُنيت خلالها مرْكبات ڤايكنگ التي هبطت على المريخ، تغيرت تقانة علم الأحياء الميكروية تغيرا واسعا ومثيرا. فقد كانت بعثات ڤايكنگ تستخدم طرائق الاستنبات
culture، حيث تنمو المتعضيات الميكروية في أطباق پتري
(5). لكن هذه الطرائق لا تعتبر دقيقة حاليا، إذ إننا نعرف الآن أن نسبة ضئيلة فقط من ميكروبات التربة يمكن استنباتها. وقد ابتكر العلماء تقنيات أكثر حساسية يمكنها أن تكتشف مباشرة الجزيئات الحيوية
biomolecules، التي تحيا حياة ميكروبية. وهذه الطرائق الجديدة توفر أساسا لطريقة جديدة في البحث عن أدلة على وجود حياة على المريخ.
وأوسع الطرائق انتشارا هي التحري عن الدنا
DNA وسَلْسَلَتِهِ
(6). ولم يعد من الضروري استنبات متعضٍ كي يتضاعف ويوفر قدرا كافيا من الدنا للسلسلة. وهناك كثير من الفِرَق التي تسعى إلى التوصل إلى طرائق لدمج تقانات استخراج الدنا في آلات مناسبة لبعثات المريخ القادمة.
|
فوهة گبل البركانية، الجافة حاليا، كانت تحوي في وقت سابق، بحيرة مياه عذبةٍ ربما كان بإمكانها دعم حياة على المريخ. إن المركبة التي ستلي مركبة كيوريوسيتي الجوالة ستكون قادرة على وحمل تجارب يمكنها تحديد ما إذا كانت ثمة علامات على أن هناك حياة مازالت موجودة على هذا الكوكب. |
وأحد عوائق الاعتماد على تحري الدنا لإظهار وجود حياة على المريخ هو أنه على الرغم من كون الدنا شائعا في الحياة كلها على الأرض، فلا يمكن وجوده في حياة غريبة عنها. أما لو كان موجودا، فقد يكون مختلفا جدا بحيث إن تجهيزات اكتشاف الدنا التي صُنعت للحصول عليه ستخطئه ولن تكشفه.
ولحسن الحظ، يستطيع المريخ احتضان علامات أخرى على وجود حياة عليه؛ ومن ضمن هذه الواسمات البيولوجية
(7): البروتينات وعديد السكاريد
polysaccharides. فالبروتينات هي سلاسل خطية
linear chains طويلة مكونة من خلائط متنوعة من الأنواع العشرين المختلفة من الأحماض الأمينية التي تستعملها الحياة. فالأحماض الأمينية موجودة في النيازك، ومن الممكن أن تكون مركَّبا شائعا في البيئة ما قبل الحيوية
prebiotic لأي عالَم. فعديد السكاريد هو سلاسل طويلة من السكاكر التي تنشئها إنزيمات
enzymes (مواد حفازة بيولوجية
biological catalysts)، هي نفسها بروتينات.
إن اكتشاف الجزيئات التي يماثل تعقيدها البروتين أو عديد السكاريد سيكون دليلا قاطعا على وجود حياة بتعريفها الواسع القائل إنها نظام بيولوجي يُكوّد encode المعلومات ويستخدمها في بناء جزيئات مركّبة. ويمكن لهذه الجزيئات المركبة أن تصمد على أي خلفية لجزيئات في البيئة ما قبل الحيوية البسيطة، مثلما يمكن لناطحة سحاب أن تصمد على حقل من الصخور الضخمة.
لقد كان أحدنا (<
P. گارسيا>) يعمل على تطوير آلة لاستكشاف مثل هذه الجزيئات المعقدة على المريخ. وهذه الآلة تستند إلى تقنية - اختبار تحليل العينة
immunoassay testing - بغية استكشاف مئات من الأنماط المختلفة من البروتينات وعديد السكاريد وجزيئات بيولوجية
biomolecules (من ضمنها الدنا ذاته) في وقت واحد.
هذا وتوظف اختبارات تحليل المناعة أجساما مضادة
antibodies - وهي بروتينات لها الشكل
Y - كل منها يتماسك بنمط واحد فقط من الجزيئات الحيوية [انظر للإطار التالي "كيف يعمل"]. وفي اختبار تحليل المناعة، يُصبُّ محلول يمكن أن يحتوي على مواد تهمنا، على نسق كبير من الأجسام المضادة كل منها مصمم للارتباط بهدف معين. فإذا كان محلول العينة جزيئا حيويا يرتبط بجسم مضاد في النسق، فإن الجسم المضاد سينتزعه ثم يتعرف عليه بعد إعاقة حركته.
إحدى السمات اللطيفة لاختبار تحليل المناعة هي أن الأجسام المضادة تستطيع استكشاف الجزيئات التي هي أصغر وأقل تعقيدا من البروتينات الكاملة. وهكذا، فمن أجل الاختبار، يُمكن البحثُ عن جزيئات مرتبطة بالحياة، لكنها أقل تعقيدا، مثل شظايا البروتينات التي تكسرت إلى قطع. هذا وإن العثور على هذه القطع يقتضي أيضا وجود حياة حيثما نبحث.
إن جميع متعضيات الأرض تحتوي جماعيا على عدة ملايين من البروتينات المختلفة. وبهذا العدد الضخم الذي يمكن الاختيار منه، كيف ننتقي بضع مئاتٍ هي التي نبحث عنها في اختبار وحيد لتحليل المناعة؟ فالجواب المقتضب عن هذا السؤال هو أنه ما من أحد يعرف بثقة ما يتعين عليه انتقاؤه. بيد أن باستطاعتنا تقديم تخمينات بارعة تستند إلى استراتيجيتين: أولاهما، إن بمقدورنا البحث عن بروتينات مفيدة أو ضرورية لوجود حياة على المريخ. فمثلا، يمكننا البحث عن إنزيمات تستهلك پركلورات، أو إنزيمات تسمح لمتعضٍ ميكروي بأن يعيش في درجات حرارة منخفضة، أو إنزيمات يمكنها إصلاح الضرر الذي يحل بالدنا، والذي يسببه الإشعاع المؤين القوي للمريخ. وثانيتهما، إن باستطاعتنا استهداف الجزيئات المنتشرة في كل مكان عبر العالم الميكروبي، مثل الپپتيدوگليكان
peptidoglycan، وهو مُركِّبة كونية لجميع جدران الخلايا البكتيرية، أو تريفوسفات الأدينوزين (
ATP)
ا(8) الذي تستعمله جميع المتعضيات التي تعيش على الأرض لنقل الطاقة الكيميائية للحصول على نشاط أيضي
(9) metabolic.
[كيف يعمل] مكشاف البروتين المريخي(****) تستخدم اختباراتُ تحليل المناعة طبيعةَ الأجسام المضادة الشبيهة بالڤِلكرو Velcro-like - وهي بروتينات لها شكل الحرف Y موجودة في النظام المناعي - وذلك لتؤدي دور مكاشيف دقيقة للجزيئات الغريبة. وبوسع اختبار واحد لتحليل المناعة كشف مئات من الجزيئات البيولوجية (مثل البروتينات)، وشظايا جزيئات أيضا. ويجري استمثال optimization هذه الاختبارات للبحث عن دليل على وجود حياة على المريخ. (1) كل حفرة ضمن صفيف ميكروي مكسوة بجسم مضاد وحيد يسمى جسما مضادا آسرا(10). وكل جسم مضاد آسر يختار ليتمسك بجزيء محدد. (2) يسكب المحلول الذي يجري اختباره على الصفيف الميكروي(11). فإذا كان المحلول محتويا على جزيئات، فإنها تتماسك بالأجسام المضادة على الصفيف الميكروي. (3) يسكب محلول ثانٍ على الصفيف الميكروي. ويتضمن هذا المحلول أجساما مضادة للاستكشاف - وهي، مثلها مثل الأجسام المضادة الآسرة، تتماسك بالجزيئات المستهدفة المحددة. ولهذه الأجسام المضادة المستكشفة مهمة بارعة إضافية، إذ إن كلا منها يحوي جزيئا يتفلور fluoresce بتأثير النوع المناسب من الضوء. (4) وأخيرا، يلمع ليزر على الصفيف الميكروي، ويُهيِّج الجزيئات الفلورية fluorescent المحجوزة. وأي حفر تحتوي على جزيئات بيولوجية ستكون مهمة بوصفها اكتشافات إيجابية. هذا وإن شدة الفلورة fluorescence، تنسجم مع تركيز هذا الجزيء. |
وحتى لو دمرت البيئة القاسية للمريخ جزيئات كبيرة مثل الدنا
DNA والبروتينات، فمازال بمقدورنا العثور على أدلة على وجود حياة في أنقاضه. والإجراء الرئيسي هنا هو البحث عن أنماط. فكثير من أنماط الجزيئات يكافئ كيميائيا أحده الآخر، لكن روابطها قد تتلوّى إلى اليمين أو اليسار. فالحياة على الأرض محكومة بأحماض أمينية يسارية
(12) left-handed، فإذا تحرّت تجربة وجود أحماض أمينية، وعثرت على مجموعة خاصة تهيمن عليها روابط يسارية أو يمينية
(13) right-handed، فإن هذا دليل قاطع على وجود حياة. ومن المثير للاهتمام أنه إذا كانت الروابط يمينية - على عكس البروتينات الأرضية - فسيكون هذا دليلا على أن صيغ الحياة على المريخ نشأت وتطورت مستقلة عن الحياة على الأرض.
التخطيط للبعثة
(*****) حملت ڤايكنگ ثلاث تجارب بيولوجية؛ وبإمكاننا تصور بعثة إلى المريخ تحمل أيضا ثلاث آلات للبحث عن واسمات بيولوجية: مكشافا للدنا، وشيپة ميكروية لتحليل المناعة
immunoassay microchip، وآلة لتحري الأحماض الأمينية وتشخيصها. فالتقانة جاهزة تقريبا. والمهمة الثانية هي تحديد هدف - أي الموقع الذي يمتلك أفضل المواصفات لإيواء هذه الآلات.
والجليد والملح صديقان لهذه الآلات. إذ إنهما يقيانها الأذى والتآكل
erosion. أما عَدوُّاها، فهما الإشعاع المؤيِّن والحرارة. ولحسن الحظ، فإن درجات الحرارة المنخفضة على المريخ تجعل التضاؤل الحراري مهملا حتى طوال عمر الكواكب. بيد أن الإشعاع المؤين قد يدمر تماما جزءَ الآلاتِ الواقع ضمن المتر الأول فوق سطح المريخ، وذلك خلال بضعة بلايين من السنين. لذا، فإن الأهداف الواعدة هي مواقع جليدية قد تكون احتضنت حياة حديثة - مثل موقع هبوط فونيكس قرب القطب الشمالي للمريخ - أو مواقع عرّى فيها التآكل حديثا المادةَ القديمة. وفي كلتا الحالتين، المطلوب هو حفر السطح لاستخراج عينات من منطقة تقع على عمق متر أو أكثر تحت سطح الكوكب.
والبعثات إلى المريخ التي يجري التخطيط لها الآن قد تُجري ذلك البحث. هذا، وإن بعثة إكسومارس
ExoMars، التي حُدد عام 2018 موعدا لإرسالها، يجب أن تكون قادرة على حمل مثقاب
drill. وحديثا، أعلنت الوكالة ناسا عن خطط لإطلاق نسخة أخرى من كيوريوسيتي وذلك عام 2020. وبإمكان إكسومارس وكيوريوسيتي الجديدة البحث في المناطق الاستوائية الجافة من المريخ عن واسمات بيولوجية في المكامن الملحية والرسوبية. (ولا يمكن لأي من المركبتين الجوالتين العمل في المناطق القطبية.)
وفيما يتعلق بالبحث القطبي، فإن الوكالة ناسا تدرس إجراء هبوط غير مكلف، يسمى كاسر الجليد
icebreaker، يمكن أن يؤدي المهمة. وبتزويد هذه المركبة بمثقاب طوله متر وبآلة لتحليل المناعة، فقد تتمكن من الوصول إلى الجمد السرمدي
(14) في القطب الشمالي من المريخ الغني بالماء، وذلك للبحث عن واسمات بيولوجية في أرض المريخ المكسوة بالجليد.
|
تبين هذه الصورة، التي أخذتها كيوريوسيتي لنفسها، أول موقع حفرته في التربة. وأنّ أي ميكروب يجب أن يعيش بعيدا عن السطح. |
إن أيا من هذه البعثات سيكون مرشحا قيّما لقيادة العصر التالي لاستكشاف المريخ. هذا وإن العقود القليلة المنصرمة التي جرت فيها عمليات الاستكشاف لم تترك مجالا للشك في أن المريخ كان يؤوي ماء سائلا في وقت من الأوقات. وقد آن الأوان الآن لاختبار ما إذا كان هذا الكوكب، الذي كان في وقت سابق يحوي ماءً، قد وفر موطنا لأيٍّ من صيغ الحياة. فإذا وجدنا جزيئات بيولوجية على المريخ - وبخاصة إذا كانت هذه الجزيئات تشير إلى أن الحياة المريخية نشأت مستقلة عن الحياة على أرضنا - فسنحصل على نظرة ثاقبة إلى الحياة خارج أرضنا. ونحن نعرف أنه يوجد كثير من النجوم وكثير من الكواكب. وسنعرف أنه يوجد كثير من البيولوجيات، وهذا يعني في النهاية أن كوننا يزخر بتنوع واسع من الكينونات الحية.
المؤلفان
| Christopher P. Mckay - Victor Parro Garcia |
<ماك كي> عالم في مركز بحوث إيمز التابع للوكالة ناسا.
<گارسيا> عالم في مركز البحوث البيولوجية الفلكية بإسبانيا. | | |