مالذي يعوق الابداع

مالذي
يعوق الابداع

على مدى عدة سنوات جرى دراسة وبحث
ظاهرة الابداع في مجال الرسم
والموسيقى والعلوم، وصلت الى
درجة ان اينشتاين
سمح بدراسة دماغه بعد الموت،
والذي جرى تقطيعه الى 240 قطعة،
سعيا وراء معرفة اسباب ابداعه المميز.
فهل توجد علاقة بين العقل والدماغ والابداع؟

من خلال فحص دماغ اينشتاين
وجد العلماء ان اعلى النصف الايمن
نامي بشكل مميز.
عادة تتعلق وظيفة النصف الايمن
من الدماغ بالعمل في التفكير التجريدي والفني والتصورات،
في حين ان النصف الايسر يقوم بالتعامل مع المعلومات المنطوقة
والمرتبطة بزمن محدد.
اينشتاين نفسه كان يذكر انه كان يرى "صورة"
النتائج امام عينه عوضا عن ان
يستخدم اللغة للتفكير بها واستخراجها.

اسباب امتلاك اينشتاين لنصف ايمن متطور
جرى النقاش حوله طويلا.
احدى الاسباب المحتملة انه لم يكن
ينطق حتى السن الثالثة من عمره.
مركز النطق يقع في النصف الايسر،
ولذلك فأن القسم الايمن هو الذي تطور اكثر للتعويض عن النقص في النصف الايسر.

غير ان التصوير الاشعاعي الحديث اظهر ان النشاط الابداعي
في الدماغ يستخدم كلا النصفين،
وان دور الدماغ في الابداع هو القدرة على تحقيق اتصال افضل ومركز بين مراكز المعلومات والمشاعر
مما يسمح بربط هذه المعطيات بطريقة اكثر دقة.
وحتى عالم النفس النظري فرويد قام بالنقاش حول الابداع
وتوصل الى انها قدرة انسانية معقدة لاتسمح لنا بتوثيقها او الاجابة على سؤال: ماهو الابداع.

عوضا عن الاشارة الى بواعث الابداع
يفضل العلماء تعريف الابداع من خلال منتوجاته.
وبالرغم ذلك لم يصبح الامر اكثر سهولة
لأصطدام الباحثين
بالحاجة لوضع الحدود بين الفروقات الناتجة عن العمل الابداعي وبين عمل صادر عن طفل او مجنون.
مثل هذا الامر ليس من السهل الاجابة عليه.
مثل هذا الامر تعرض له المختصين عام 1998 عندما كان عليهم اختيار لوحات لمعرض فني في الدانيمارك،
وقد ظهر ان الامر كان صعبا حتى على الخبراء.

[color:6533=0d9c9f]اخطاء شائعة عن الابداع

هناك إعتقاد بان الابداع هو هبة لنخبة من الناس
، غير ان ذلك خطأ،
جميع الناس من مستوى الذكاء الطبيعي
قادرين على العمل الابداعي والوصول الى حلول جديدة وغير تقليدية.

فان كوخ اعترف بقدراته الابداعية بعد وفاته،
في حين كان يعتبر مجنونا.
علماء النفس قضوا العديد من السنوات وهم يبحثون عن تعريف مناسب
للابداع يفصله عن اعمال الاطفال وعن بعض اشكال الامراض النفسية ذات الطابع الابداعي.
الاغلبية تقترب من الاتفاق مع التعريف الذي قدمته
Teresa Amabile
من مدرسة هارفارد
في كتابها
The social Psychology of Greativity, 1983,
والتي تقول فيها
" الابداع هو تعبير عن مسيرة-عملية تنتهي
بشئ جديد ومفيد". كلمة " مفيد" تستخدم هنا في اوسع معانيها.

الشعر يمكن ان يكون " مفيد"
إذا تم استخدامه من اجل فهم المشاعر بطريقة افضل او من اجل
التمكن من رؤية العالم بطريقة جديدة،
في حين ان التصورات عن الواقع التي يقدمها شخص مصاب بالشيزوفرينا
ليست تعبير عن ابداع وانما
عن قصور في القدرة تخلق انطباعات لاتتطابق مع الواقع.
من الممكن الاستنتاج ان الابداع يعني ان على الانسان ان يعي انه مبدع
وانه قادر على خلق شئ متميز عن العادي.

من الصعب تعريف ماهو الجديد.
هل يجب ان يكون جديد للعالم بأسره ام يكفي ان يكون جديد للفرد بعينه،
حتى يصبح المرء مبدع.
من اجل فرز الابداع التاريخي عن الابداع اليومي
يفرق الباحثين في مجال الابداع بين
نوعين من الابداع:
مفهوم الابداع التقليدي المبهر ( سأشير اليه لاحقا بتعبير "الابداع الكبير") والابداع الصغير.
في اللغة الانكليزية يفرق بينهم من خلال الحرف الاول،
حيث في الاولى تكتب بحرف كاف كبيرة في حين الثانية صغيرة.
Kreativitet, kreativitet.
هذا الاسلوب قام بوضعه احد اكبر الاختصاصيين بالابداع
Mihalyi Csikzentmihayi.

من الشائع الاعتقاد ان الابداع يأتي تحت تأثير ضغط الوقت المحدود
، ولكن هذا غير صحيح.
الابداع من النوع الاول يجب ان يعترف اختصاصيين
في المجال المعني بأنه جديد ومفيد.
مثلا إذا كان صياغة نظرية جديدة
في ساحة الكهرباء المغناطيسية
يجب على النخبة الاولى من الباحثين في هذا المجال الاعتراف بجدة وفائدة هذه الصياغة،
إذ لايكفي ان الشخص المبدع وحده الذي يدعي انها صياغة جديدة ومفيدة.
في حين الابداع من النوع الثاني
يمس حياة الفرد اليومية،
عندما نقوم بإيجاد طريقة جديدة مبتكرة لقضاء الوقت او طبخة جديدة.
هنا يكفي ان الشخص ذاته يعتقد انها مبتكرة،
بالنسبة لروتينه وطرقه السابقة.

المعرفة والتحفيز احدى اهم ضرورات
ظهور الابداع الكبير.
كلا النوعين من الابداع
تاتي مصادرهم من النبع ذاته
ولكن إذا كان الابداع الصغير سيتطور الى الكبير
مثل بيكاسو واينشتاين
فيجب علينا " صقل" المنابع وتجهيزها.
غير ان هذه المعضلة لازال يدور العلماء حولها
للوصول الى جواب حاسم.
غير انه من الواضح اننا نحتاج الى اكثر من القدرات
الابداعية الفطرية للوصول الى الابداعات التي تستحق التسجيل
في كتب التاريخ.

Howard Garner
من جامعة
Harvard Graduate School of Education,
والمعروف من خلال نظريته عن الانسان المتعدد الابداعات،
قام بالبحث على مدى العديد من السنوات
لمعرفة سمات "الابداع الكبير".
حسب دراساته فأن من بعض سمات الابداع الكبير
ان يكون المبدع غارق في العمل بإستمرار
ويحب ويتقن عمله.
هذا لايعني بالضرورة ان الانسان الذي تنبق عليه هذه المواصفات هو بالضرورة
افضل من مستوى المتوسط بين زملائه.
ولكن على الدوام يمتلكون شخصية قوية ومميزة.

على خلفية دراساته لحياة المبدعين
ومن بينهم اينشاتين وفرويد وغاندي وبيكاسو وموزارت،
يستخلص عام 1993 نتيجة تقول ان " المبدعين الكبار"
يتميزون بثقة بالنفس عالية،
تصل الى حدود حب الذات.
إضافة الى ذلك يتميزون بالقدرة على الملاحظة وسرعة الخاطر
وطرح العروض المقنعة.

يشاع ان الابداع موجود في القسم الايمن من الدماغ
غير ان هذا الامر غير صحيح.
نحن نستخدم كلا النصفين عندما نكون مبدعين.
الابداع يخًلق من الطريقة التي نقوم فيها بتركيب
الفكرة بها.
إضافة الى ذلك يتميز المبدعين بالقدرة على
تثمين انفسهم
وجعل الاخرين مهتمين بمايقومون به.
ومن الضروري الاشارة الى ان سمات الابداع
تختلف من حقل الى اخر،
مثلا الابداع في مجال الفيزياء او في مجال الرسم.

بالنسبة للابداع في المجال الاول يحتاج ،
Howard Garner،
الى علم وخبرة اكثر،
قبل ان يتمكن ان يصبح مبدعا بالمقارنة مع مايحتاجه ليصبح مبدعا في مجال الرسم،
كما ان الفيزياء يحتاج الى مقدرة على
ربط كمية كبيرة من المعلومات
بطريقة خلاقة
في حين يحتاج الرسم الى حساسية للالوان والاشكال.
على اساس هذه النظرية
يملك الانسان العديد من المستويات الابداعية
لكون الابداع يستخدم
العديد المجالات المرتبطة بمناطق مختلفة من مناطق الدماغ المختلفة التطور والنمو،
ولكونه يستخدم العديد من الوجوه.

اهمية الابداع في المجتمع الحديث
لكون دور الابداع اصبح هام في المجتمع الحديث
، حيث الاختراع والتطوير يلعب دورا حاسما لتحسين المعيشة والتفوق،
يقوم الباحثين بالبحث عن
الطرق التي يمكنها ان تحسن قدرة الانسان العادي على الابداع.
منذ عدة سنوات وعلم السلوك النفسي يحاول
استظهار سمات التفكير الابداعي،
والتي تسمى علميا
out of the box
اي التفكير خارج الاطر.
العقل البشري متعود الى حد بعيد على التفكير ضمن مسيارات محددة،
حيث مثل هذا النوع من التفكير حسب " العادة" اسهل واسرع، وبالتالي اكثر فاعلية.
لهذا السبب ليس من السهل تغير طريقة واسلوب التفكير.

Edward de Bono,
احد اوائل الباحثين عن وسائل تطوير الابداع
بجأ في تطوير طرق التفكير الابداعي
وعام 2006 اشير اليه على انه واحد من افضل 20 شخص قادرين على التفكير الابداعي.
ادوار يوضح ان التفكير الابداعي هو
في حقيقته محاولة للابتعاد عن طرق التفكير اعادي
ويعبر عنه " بالانحراف عن الوسط"،
ويقصد ان التفكير يجب الابتعاد عن الحدود المسبقة بدون إعارة اي اهتمام لما يقوله المنطق
او العادات والتقاليد وماتعارف الناس عليه
او حتى الحكمة وطرق التفكير السليم.

حسب توضيحات ادوارد فإن مضمون الابداع
هو القدرة على النظر الى المشكلة بطريقة جديدة
واكتشاف حلول بديلة بدون اي اهتمام بمااعتاد الناس عليه للوصول الى هذا
الهدف.
كوسيلة للوصول الى هذا الهدف تمكن ادوارد من تطوير
طريقة
يمكن تشبيهها بإنسان يلبس بضعة طواقي مختلفة.
الانسان ينظر الى المشكلة كل مرة
من زواوية جديدة
حسب الطاقية التي يضعها،
(بغض النظر عما إذا كانت الطاقية فعلية ام
تجريدية).
مثلا الطاقية الصفراء تعني ان على الانسان ان يسعى
لايجاد الحل من خلال روح التفاؤل
في حين ان الطاقية السوداء تطالبه بأن ينظر الى
المشكلة بعين
الناقد المشكك.
الهدف من التمرين هو الالتفاف على المشكلة من كافة
جوانبها
ومعالجتها من خلال عدة وجهات نظر وليس فقط من خلال
الطريق الكلاسيكي المعتاد.

يتصور البعض ان المبدعين اجتماعيين ويحبون الاختلاط
الا ان هذا التصور خاطئ.
الابحاث تشير الى المبدع لايستخدم عقله فقط للوصول الى حلول وانما مشاعره ايضا.
لقد كان من المعروف دائما ان كبار المبدعين يملكون مشاعر فياضة.
تصل حساسية المشاعر لديهم الى حدود مرضية،
يمكن ان تظهر بمختلف الاشكال مثل الخوف او الوسواس القهري المتعدد الاشكال.

ومهما كان الامر فليس هناك اتفاق فيما اذا كانت المشاعر الايجابية او السلبية هي التي تجعلنا مبدعين اكثر.
غير ان بعض الابحاث الاخيرة
مثلا للباحث
Martin Seligmann,
تشير الى اننا مبدعين اكثر
عندما توجهنا المشاعر الايجابية،
فحسب ابحاثه تؤدي الايجابية الكبيرة الى ابدعات كبيرة.

باحثين اخرين لايعتقدون ان الجواب بمثل هذه السهولة.
في بحث اجراه
Sandra W Russ and Ethan D Schaefer,
عام 2006
توصلوا الى استنتاج ان
المشاعر السلبية
عند الاطفال تؤدي
المزيد من الابداع اثناء اللعب.
على خلفية هذا الاكتشاف يشير الباحثين
الى إمكانية ان تكون المشاعر اللااجتماعية هي
التي تقف خلف الابداع.

غير انه توجد بعض الدلائل
التي تقول اننا نقوم بإنتاج المزيد عندما نكون سعداء،
وان المزيد من الانتاج يمكن ان يكون الطريق الى النتائج الكبيرة.
اذا نظرنا الى معظم العظماء عبر التاريخ نجد ان من سماتهم
انهم لم ينتجوا الافكار فقط بل كانوا منتجين كبار
لبراءات الاختراع.
اديسون مثلا كان يملك 1093 براءة اختراع في حين
موزارت كتب حوالي 600 نوطة موسيقية قبل ان يموت وعمره 35 سنة.

وحتى لو لم نكن قادرين ان نقدم تعريف دقيق للابداع او من اين يأتي
،
الا ان الكثير من المؤشرات تشير الى انه إذا كنا نبغي ان نتطور قدراتنا على الابداع
فأن مانحتاجه هو امتلاك " موديل" التفكير بدون تابو مسبق
وامتلاك إرادة العمل والانتاج الغزير.
الكاتبة جوليو كاميرون تعبر عن الموضوع بطريقة اخرى اذ تقول:
" إذ تمكنا من تعليم الاكثرية طرق التفكير الحر بدون خوف او معوقات
فسيتكفل الله تعليمهم الابداع".

» مالذي يقع في بلاد العرب؟
» عصر ورشات الابداع السرد بعد الحرب العالمية الثانية ونهضة الكتابة الابداعية

مالذي يعوق الابداع

مالذي يعوق الابداع :: تعاليق

مالذي يعوق الابداع

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة