روزا " ثـــــــــــــــــــــــــائــــــــــر "
عدد الرسائل : 267
تاريخ التسجيل : 11/04/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | روح الجماعة تصنع القتلة | |
إستسلام "الأنا" الى "النحن" ديناميكية المجموعة والحركات الجماهيرية مثيرة للاهتمام لمدى تأثيرها على الأفراد وكيف أنها تدفع بهم للقيام بأعمال منافية لطبيعتهم. احد الأشخاص من فريق من المتطوعين قد يخاطر بحياته لإنقاذ طفل من الغرق تحت موجة جارفة من مياة الفيضان وأخر قد يفجر نفسة ويقوم بعمل انتحاري من أجل هدف "أعلى" للمجموعة. الكثير من تلك الأمثلة حدثت على مر التاريخ. مخاوف الناس في العادة من الفكر الغوغائي الجماعي يجعلهم يتوقعون أن تنتج المجموعة دائما الفاعل السيئة بالرغم من أن التاريخ قد أظهر العديد من الحركات الجماعية الإيجابية التي أحدثت تغيرات كان من المستحيل أن تحدث لو لا العمل الجماهيري. كظهور حقوق الإنسان, وسقوط جدا برلين وكجماعات الحفاظ على البيئة الكثير من التطورات الإيجابية جئت كنتيجة لترابط الناس في مجموعات والقيام بحملات لصالح العام ووضع المصلحة الجماعية فوق مصالحهم الخاصة لتحقيق الصالح العام.
تجربة قناة البي بي سي ساعدت على تغير تلك الصورة نمطية السلبية عن المجموعة كمذيب للفردية والتي تحمل الأفراد دائما على القيام بالأعمال اللاخلاقية واللامنطقية. وألان بسط علماء نفس المجتمع السلوك الجماعي لإظهار توصيف علمي لتفسير سلوك المجموعات. النفسية الجماعية ليست شيء مرضي بضرورة, لكنها بالتأكيد وإلى حد ما تقلل من الهوية الفردية لشخص عندما ينضم لتلك المجموعة سوء كانت مجموعة سياسية أو نادي رياضي أو حتى مجموعة أوركسترا موسيقية. لكن هل هذه التبرير للمجموعة كافي لسمح للأفراد بالانصهار في المجموعة وفقدان الحس الفردي للأخلاق والقيام بإعمال مؤذية؟ التداخل المعقد ما بين ال "أنا" وال "نحن" أخذ حيز كبير من إهتمام العلماء ومنذ ظهور علم النفس. في عام 1895 ظهر كتاب بعنوان نفسية الحشود " Psychologie des Foules" لطبيب الفرنسي Gustave Le Bon يشير إلى أن الأفراد يفقدون ذاتيتهم في المجموعة وبالتالي السيطرة على النفس. موجهين فقط بالعواطف والغريزة موجهين فقط بالقوى الأولية والتي أسماها باللاوعي العرقي " racial unconscious" المعاير المتعصبة بعض الباحثين أدعوا بوجود حالة وعي خاصة بمجموعة. عالم النفس وليم ماكدوجال " William McDougall" والذي أسس ما يعرف بنظرية العقل الجماعي في بدايات القرن العشرين, قال بأن أي شخص ينضم إلى المجموعة يفقد ذاتيته من أجل الحصول على الذات الجماعية. نظريات Le Bon وماكدوجال واجهت بعض التشكيك وبالأخص فكرة وجود حالة وعي خاصة للمجموعة، كون هذه الفكرة تقترب من الأفكار الميتافيزيقية، لكن فكرة أن الفرد يفقد فرديته في المجموعة ظلت محافظة على قوتها.
بعد تجربة زامباردو في السبيعينات كذلك عززت تلك الفكرة عن سلوك المجموعة من خلال دراسات ما يسمى بالمجموعات الدنيا. في هذه التجارب فان المشاركين يتم توزيعهم إلى مجموعات مكونة بناء على معاير اعتباطية على سبيل المثال كاختيار الملابس. بالرغم من ان التوزيع الأساسي كان وفق معيار اعتباطي إلا انه في أغلب الحالات هنالك أحساس عالي بالانتماء لتلك المجموعات بين افرادها ويتمتعون بسلوك متماثل كذلك. بناء على تلك التجارب فأن عالمي النفس هنري تاجفل من جامعة برستول في انجلترى وجون سي. تيرنر والذي يعمل الأن في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا كونوا في عام 1980 ما يعرف بنظرية "الهوية الجماعية" والتي تنص على ان الانتماء للمجموعة يخلق ما يعرف بشعور الــ "نحن" حيث أن ذلك الشعور يولد الإحساس "بالذات الجماعية". وكلما أرتبط الفرد أكثر بالمجموعة كلما تميز بصفاتها وكان أكثر قبولا لقيم المجموعة ومعايرها. وهذه المعاير تتراوح بين تلك التي تتمثل في تدمير الذات قريبه من تلك الممارسة في طائفة داؤدية في مدينة Waco في تكساس إلى الاشتراكية الخيالية (الطوبائية) الممارسة من قبل مجموعات الكيبوتز في إسرائيل. بعكس نموذج ماكدوجال و لي بون فان نظرية الهوية الجماعية تتضمن بأن المجموع لا تقوم بجرف الفرد إليها ولكن الفرد هو من يختار قبول أفكار ومبدأ المجموعة. على الرغم من هذا فان الدوافع الجماعية يمكن أن تظهر وتندمج مع الدوافع الفردية لدى الأفراد بحيث تصبح الدوافع الجماعية هي محور اهتمام الفرد وتكون أكثر تأثير وقوة من الدوافع الفردية. الأفراد من خلال ذلك يمكن ان يقدموا تضحيات شخصية عظيمة من اجل المصلحة الجماعية المفترضة. الإرهابيون الأنتحارون هم خير مثال على المدى الذي ممكن أن تصله رغبة الفرد في التضحية من اجل المجموعة. السلوك العدوني للمجموعة هو المرجح لظهور إذا سيطرة "الذات الجماعية" على توجهات وأفعال جميع أفرادها فالفرد هنا لا يفرق بين "أنا" و "أنت" ولكن فقط بين "نحن" و "هم" الآخرون. هذه الآلية يمكن ان تظهر بشكل متقطع لدى الأشخاص العاديين الذين يعيشون اغلب الوقت بشكل طبيعي لكن تظهر لديهم هذه ال "نحن" في بعض الحالات كالجار الطيب والذي يتحول كل سبت إلى مشجع مشاغب لفريقه ويعامل مشجعي الفرق الأخرى بكل وقاحة. بالنسبة له فان هذا الوضع هو النتيجة طبيعية لولائه لــ "نحن" المتمثلة في فريقه المحبوب و في أفضل الحالات فأن هذا المشجع سوف يتجاهل مشجعي الفرق المنافسة –الآخرون- لكنه بسهولة يمكن أن يصبح عدواني اتجاههم . هذا التحول الغريب لا يمثل لغز بالنسبة لعلم النفس الجماعي ولكنه رد فعل منطقي للمجوعة والتي تحاول فرض سيطرتها. المشجع يستميت من اجل فريقه حيث يصيح بأعلى صوته ليحقق فريقه النصر, ولكن إذا خسر فريقه فان غضب المشجع ربما يتحول إلى عنف وهذا العنف ليس عشوائي ولكنه موجة إلى الفرق الخصم ومشجعيهم بكل ما يحمله من رموز وشعارات . رغم ذلك في بعض الأوقات فأن الحدود بين "نحن" و "هم" من الممكن أن تتبدل بشكل مفاجئ. المشجعون المتصارعون من الممكن أن يتحدوا ضد شرطة مكافحة الشغب. في الصخب الجماعي فأننا من الممكن أن نجد أن المجموعات العرقية المتعادية من الممكن أن تتحد لموجهة ما تراه بانه تجهم غير عادل من السلطة علية عليها. المجموعات غير المتعاونة تماما مع الآخرين من الممكن أن تتحد مثلما حدث في أحداث الحادي عشر من ستمبر على الولايات المتحدة. إلقاء أول حجر على كل حال فأن ما سبق لا يفسر تماما كيف يمكن لمظاهرة سلمية أن تتحول إلى شغب ورمي بالحجرة. العامل الأساسي يبدو بأنه التصرفات المعزوله لبعض الأفراد والتي تعمل على تحفيز المجموعة. فإذا تم إلقاء أول حجر من قبل شخص يعرف بانه ينتمي إلى المجموعة بشكل واضح من خلال لباسه او شعاراته فأن عمله هذا سوف ينهي حالة التردد او الاتحديد لدى البعض في ما عليهم القيام به والدور الذي يجب عليهم القيام به في المجموعة وربما يأخذ ذلك الشخص وضع القائد. والآخرون بسرعة سوف يقومون بتقليد سلوك الشخص القائد. مثل ذلك السلوك المعدي يمكن أن ينفجر بسهولة ضمن المجموعات التي ليس لديها قائد قوي أو سلوكيات محددة وثابتة من ومبادئ. بدون توجه واضح للمجموعة فأن الأفراد وبكل حماس يقلدون سلوك كل شخص يلعب دور القائد. الغوغاء والاضطرابات تتبع معيرها وقوانينها الارتجالية الخاصة. ولكن لماذا على الأفراد ضمن تلك الحشود أن يتبعوا قانون ما؟؟! في أغلب الحالات فأن أي شخص هو أو هي يكون غير مميز ضمن المجموعة وبكل سهولة من الممكن ان لا يساير تلك المجموعة ولا يتبع قوانينها أو سلوكياتها وبدون أن يخشى من العقاب من المجموعة, لكن دراسات عديدة أظهرت بأن عدم تميز الفرد داخل المجموعة يحفزهم أكثر على القيام بسلوكيات المجموعة العدوانية. لسوء الحظ فان "الالتزام المتقطع" يمكن أن يدفع الناس إلى تجاهل قواعد سلوكية تعلمها خلال فترت الحالة الاجتماعية الصحية على سبيل المثال "كن مؤدبا مع الناس الآخرين". في المجتمعات المتحضرة فأن اغلب الناس لا تميل إلى أحداث الضرر بالآخرين. لكن ومثلما اظهرت تجربة زامباردو بان العدونية يمكن أن تتفشى في بعض المجموعات كنمط لسلوك العام. لدرجة ما فأن الناس داخل المجموعة مندفعون في سلوكهم الذي يمثل النمط العام لسلوك المجموعة لأن الآخرين في الحشد ميالون إلى تأيد ذلك السلوك. فإذا كان الشخص موضوع الاختبار يفترض فيه ان يلعب دور حارس السجن فأن القسوة ستكون هي طبيعة تعامله, لأن الجميع يعلم من خلال الأفلام أو الكلام المتداول بأن الحراس يجب أن يتعاملوا بقسوة مع السجناء. قيادة الجموع لكن ما الذي يجعل الناس في الحياة الواقعية يتحدون في نوادي او منظمات أو مظاهرات؟ في الماضي أعتقد عالم النفس بان الشخص الذي ينظم للمجموعة هو أناني بشكل مستتر. كيفية وشدة ارتباطه بالمجموعة يعتمد على تحليل الفائدة والخسارة, وما الذي سيفقده وما الذي سيكتسبه في مقابل انضمامه لتلك المجموعة. اليوم يعلم علماء النفس بأن ما يجذب إلى الأفراد المجموعة هو في الحقيقة صورتهم الذاتية الجماعية. وأي شخص يستطيع التأثير على تلك الصورة الذاتية الجماعية للمجموعة يستطيع قيادة المجموعة إلى مستويات عالي كما فعل على سبيل المثال مارتن لوثر كنج ويستطيع كذلك قيادة المجموعة إلى الهاوية. هذه القدرة على التأثير تقع ضمن كريزما القائدة للمجموعات والثورات. والذين يمتلكون تركيبة نفسية متطورة أكثر من المتوسط العام للمجموعة. فإذا ضحى بطل حرب أو إرهابي بحياته من أجل المجموعة, فليس بالضرورة أنه قد قام بتحليل للمكاسب والخسائر بشكل خاطئ لأنه لم يعد يهتم بذاته الشخصية ولأن يهتم بالألم الشخصي او الموت. وعيه بالكامل تم استيعابه في إطار المجموعة. ويُصبحُ الموتُ قرباناً لشكلُ الأعلى للإدراكِ الذاتيِ والمتمثل في المجموعة, معرفتنا عن علم النفس الجماعي ربما قد تساعدنا على مقاومة إغراءَ ونفوذ الديماغوجيين في المستقبلِ, وتساعدنا كذلك على تقدير القوه الإيجابية للعمل الجماعي والمجموعات والتي تساهم في تحقيق إنجازات لم تكن ممكنة بدونها | |
|