مداهمة المخبأ السري للجزيرة مباشر.. وأفلام الكارتون!
سليم عزوز
2011-09-30
أرشد
القوم في قناة 'الجزيرة مباشرة مصر' عن أنفسهم، وقدموا للسادة المسؤولين
في وزارة الإعلام المصرية خدمة عمرهم، فقد دلوهم على عنوان مكتبهم الجديد
في المحروسة، ووفروا عليهم الاستعانة بالخبرة الأمنية في البحث والتحري
لمحاولة الوصول إلي مكتب القناة، وعليه قامت قوات الأمن الباسلة بغزوة على
المكتب الجديد، وعاملت القوم فيها معاملة اللصوص والذين يتاجرون في
'الممنوع'!.
لغير المتابعين لهذه القضية، فقد كانت 'الجزيرة مباشر مصر'
تبث إرسالها من القاهرة منذ ستة شهور، تحت سمع وبصر الجميع، لكن فجأة وبدون
سابق إنذار، تحرك فيلق من قوات الأمن وهاجم مقرها، وقد أعلن وزير الإعلام
بأن ما جرى مرده ليس إلي المحتوى ولكن لأن القناة القطرية خالفت القوانين
المصرية، وعملت بدون الحصول على الرخصة القانونية، وهو تجرؤ من القناة على
السيادة، يستدعي خروج العبد بدون استئذان سيده، والزوجة دون استئذان زوجها
دفاعا عن هذه السيادة من ان تمتد لها يد، أو ان يخدش حياؤها أحد.
بالقطع
كانت السعادة الغامرة ستملأ الفراغ الاستراتيجي بداخلي، لو جاء هذا في
إطار هبة تدافع عن السيادة في مواجهة كل من اقترب من رحابها، بدءا من
الإسرائيليين الذين قتلوا الجنود المصريين في سيناء، وانتهاء بالقطريين
الذين أطلقوا قناة تلفزيونية من الفضاء المصري دون استئذان ولي الأمر، لكن
حدث تقصير هناك وإسراف هنا.
مما قيل تبريراً لحملة 'كليبر' على 'الجزيرة
مباشر مصر' أن القناة تبث إرسالها من بناية سكنية، وان الجيران اشتكوا من
الضجيج وعليه قامت قوات الأمن التي تسهر على إشاعة الهدوء في إرجاء الكون
بالقضاء على مصدر الإزعاج، مع ان 'بي بي سي' تبث إرسالها من نفس العمارة.
لم
تصمد قصة شكوى الجيران طويلاً، فلو اشتكيت في القاهرة للشرطة من إزعاج ما،
لاتهموك بأنك شخص تعاني الفراغ، ولذا فانك تريد ان تشغله بإثارة المشاكل،
وإزعاج السلطات. وقد اضحك هذا المبرر الثكالى، فانصب الحديث عن الرخصة
القانونية.
وذات يوم احتشد العاملون في القناة سالفة الذكر، وذهبوا إلي
مقر وزارة الاعلام العامر بالإيمان، وقدموا ما ينقصهم من أوراق، وهم جميعهم
من المصريين، وليس من بينهم خواجات يريدون جرح كبرياء السيادة الوطنية،
وطلبوا مني ان أكون شاهداً ضمن وفد شكلوه من الإعلاميين لهذا الهدف،
واعتذرت عن الحضور، وعلمت أنهم تقدموا بالأوراق المطلوبة للحصول على
الترخيص بالعمل، وظننت أنهم بما فعلوا قد وضعوا وزارة الإعلام 'في خانة
اليك'.
ففي يقيني ان 'الغارة' على مكتب 'الجزيرة' لم تكن بسبب عدم
حصولهم على التراخيص، وكنت أظن بالتالي انهم عندما يستوفون الأوراق
المطلوبة سوف يحرجون القوم ولا شك!.
لكن تبين أن ما تصورته غير صحيح،
وان القوم لا يخجلون بتاتاً البتة، فقد طلبوا من وفد 'الجزيرة' ان يكتبوا
في الأوراق عنوان مكتبهم الجديد، وكان رهن التجديد، ومضى أكثر من عشرة أيام
على ذلك، ومن الواضح ان الترخيص لم يصدر، وقلت ربما يأتي يمتطي ناقة قادمة
من تورا بورا.
مغامرة
القوم في 'الجزيرة مباشر' كانوا قد طلبوا
مني أن يستضيفوني عبر برنامج معين على الكمبيوتر هم في الدوحة وانا من
القاهرة، ولما لم يكن بمقدروي أن افعل هذا فالكمبيوتر بالنسبة لي ليس أكثر
من آلة للكتابة، ولي فيه مآرب أخري ليس من بينها الأحاديث التلفزيونية،
فطالبوني بالذهاب إلي مكتبهم الذي داهمته قوات الأمن قبل أيام، ولأني كمثل
الشاعر المتهور الذي قتله شعره، صاحب الليل والخيل والبيداء تعرفني، فلم
أعلن خوفي للقوم وذهبت الي هناك وانا خائف أترقب!
جلست في المكتب لأكثر
من نصف ساعة، ثم سحبوني للخارج، ومنه للمصعد، ومنه للشارع، وجرينا أنا وأحد
الأشخاص، كنت أسئلة ولا يرد: إلي أين نحن ذاهبون؟، لكن حبي المغامرة دفعني
للذهاب معه، كان واضحاً ان مرافقي لا يعرف أين المستقر؟.. وكان هناك من
يوجهه عبر الهاتف، يمين في شمال.. تحت الكوبري.. نحن نراك، ادخل في هذه
البناية، اطلع المصعد.. سجل رقم كذا!
كنت أتصور أنني سألتقي بعد هذه
المغامرة بالشيخ أيمن الظواهري، وانه سيطلب مني ان أبايعه على المكره
والمنشط، فإذا بي في شقة يقوم عمال بالعمل فيها دهانا ونحو ذلك، وجلست في
حجرة صغيرة غير جاهزة لاستقبال البشر في هذا الجو الخانق، وإذا بمقابلة مع
برنامج مقدمه في الدوحة والنقل يتم عبر 'لاب توب'، وأيقنت ساعتها ان هذا هو
المخبأ السري، ولم أنبئ بما حدث احدا، حتي لا يتم إزعاج الخلايا النائمة!
ولأن
من يقومون على أمر 'الجزيرة مباشر' في القاهرة يعملون في عمل سري، دون ان
تتوافر لهم الخبرة في العمل بالتنظيمات السرية، ولكل ميسر لما خلق له،
فبمجرد ان طلبوا منهم في وزارة الإعلام عنوان المخبأ السري أعطوهم له لتتم
مداهمته يوم الخميس الماضي، ليذكرني بأحد التنظيمات الشيوعية في منتصف
السبعينيات، والذي كان يتشكل من خمسة أفراد، ولكن أجهزة الأمن كان لها رأي
آخر، اذ ألقت القبض على أعضاء التنظيم وأصرت على أنهم ستة لا خمسة، وبعد
محاولات للتوصل اليه قال احد المرشدين السريين انه يعرف السادس، وألقي
القبض على احد الأشخاص ولم يكن له في العير ولا في النفير، وان كان متهوراً
بعض الشيء!
أمام جهات التحقيق أنكر المتهمون كما هي العادة أن يكونوا
أعضاء في تنظيم سري يعمل على قلب نظام الحكم بالقوة، ولكن المفاجأة أن
السادس اعترف وبدون ضغط بأنه عضو في تنظيم سري يعمل على قلب النظام، فقد
استفزه هذا الإنكار، واعتبره ضعفاً، فأراد أن يتحدي أجهزة الأمن!
يسأله المحقق: هل أنت عضو في تنظيم شيوعي سري؟
فيرد: نعم
هل هذا التنظيم يستهدف قلب نظام الحكم بالقوة؟
فيرد: نعم
فيسأله: وهل هؤلاء هم أعضاء معك في التنظيم.
فيجيب: لا
من يشارك معك في التنظيم؟
كثيرون لا اعرف أسماءهم، فقد كانت الأسماء سرية، واللقاءات تتم في الظلام!
وقد
تم إخلاء سبيل المتهمين الحقيقيين، وحبس السادس، وبمرور الوقت ترك الأولون
'سكة النضال' واستمر الأخير فيها عن قناعة بعد هذا اليوم.
وليس هذا هو
موضوعنا، فالذي يعنيني ان القائمين على 'الجزيرة مباشر مصر' قد أرشدوا
وزارة الإعلام عن المخبأ السري، وهم يظنون أن الوزارة ستمنحهم الترخيص فإذا
بها تقوم بغارة جديدة على المقر الجديد.
وهو تصرف لا علاقة له بالدولة
المدنية التي نعمل على نقيم بنيانها بعد الثورة، ولكن علاقتها وثيقة
بالدولة البوليسية التي شيدها حسني مبارك على مدى ثلاثين عاماً.
أفلام الكارتون
لم يشعر أحد بوجود محمود سعد في قناة 'التحرير' فقرر أن يغادر ليشعر الناس بوجوده!
الفتى
له في 'الفرقعة الإعلامية' منذ أن سعى ليقوم بدور الزعيم الوطني عبر
تلفزيون الريادة الإعلامية، فقد أراد بعد الثورة ان ينظر له الناس على انه
الزعيم مفجر الثورة، ولا بأس فمحامي الرئيس المخلوع قال ان مبارك هو مفجر
هذه الثورة.. حتى بتنا لا نعرف كم عدد الذين فجروها!
نعلم، ويعلم أي
كائن حي، أن الظهور ضيفاً عبر القنوات التلفزيونية الخاصة والعامة في العهد
البائد وبشكل مستمر كان لمن يرضى عنهم جهاز مباحث أمن الدولة، أو على
الأقل لا توجد لهم مشكلة معه، وفي السنة الأخيرة من حكم المخلوع كان
التضييق الاعلامي قد وصل إلي مكاتب الفضائيات بالقاهرة فيما يختص بالضيوف.
ومحمود سعد كان يشارك في برنامج يومي من بابه، في وقت كان يغلق فيه النظام القديم الصحف ويسجن الصحافيين ويقوم بخطفهم!
وقد
جمع سعد بين الحسنيين، الزعامة السياسية علي بحسبانه معارضا، وتقديم
برنامج يومي على تلفزيون الدولة. وبعد تنحي مبارك عاد ليؤكد انه كان زعيماً
وجاءت المداخلة التلفزيونية من وزير الإعلام لتكشف ما بينهما، فصاحبنا كان
هو الاعلى اجراً في عموم المحطات التلفزيونية الناطقة بلغة الضاد، وكان ان
غادر مبنى التلفزيون وقال انهم عرضوا عليه ان يحاور رئيس الحكومة احمد
شفيق، فقال: معاذ الله، وتم كشف الحقيقة فقد كانت المشكلة انه خفضوا راتبه
المستفز للحدود المعقولة
وعندما تم افتتاح قناة 'التحرير' طل منها محمود
سعد ببرنامج ومؤخراً ظهر على الهواء مباشرة وقال انه يستقيل من القناة وان
بلال فضل استقال منها، وانه كان قد اتخذ قراره قبل بلال، لكن بلال سبقه في
إعلانه.. وان بلال قال له اذا كنت ستعلنه على الهواء مباشرة، فقل انك
تغادر لأسباب خاصة!
من شاهد بيان التنحي وقف على أننا أمام فيلم من أفلام الكارتون!
والذين شاهدوا الحلقة اجمعوا على ان أسباب التنحي ترجع إلي ان بلال ومحمود سعد وقفا على ان القناة تمول من جهة ما..
وانا استبعد ذلك فلم يكونا يعلمان من البداية انها تمول من بيت مال المسلمين!
وكان عليهما إما التنحي في الهدوء او الإعلان عن الأسباب الحقيقية بدلا من أفلام الكارتون هذه التي تفتح الباب للقيل والقال