مصر أولاً
هدية أهل الحكم في مصر للثوار: وزير إعلام من الفلول!
سليم عزوز
2011-07-08
تعودنا على عطاء يوم الخميس، منذ أن أجبرت الثورة
حسني مبارك على التنحي، فكلما دعا الداعي الى مليونية في يوم جمعة، تمت
رشوة الثوار بتحقيق بعض المطالب والالتفاف على بعضها، ولا تنس أن إقالة
عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار في تلفزيون الريادة الإعلامية كان
في هذا اليوم الفضيل.
وبدا المجلس العسكري الحاكم في البلاد متمسكاً
به، وهو المتهم بتشويه الثورة، والتشهير بالثوار، واستضافة السفهاء من
الفنانين الذين قالوا إن حفلات للجنس الجماعي تقام في 'ميدان التحرير'،
وقد غادر صاحبنا الى الشقيقة الكبرى لندن، وقال انه في إجازة قصيرة لن
تتجاوز أربعة أيام لكنه بقي هناك، فلا شئ مضمون في مصر، فقد يضطر من
يصنعونه على أعينهم تحت ضغط مليونية جديدة لإلقاء القبض عليه، على الرغم
من انه هناك من أهل الحكم من ينظر إليه على انه من المحميات الطبيعية بحسب
قوانين البيئة!.
كان المناوي مرشحاً لكي يكون وزيراً للإعلام خلفاً
لأنس الفقي، لكن عندما اضطر القوم لعزله، ألغوا المنصب، وقيل أنهم عرضوه
على عماد أديب وهو واحد من رجالات النظام السابق، لكن يوجد أكثر من ثلاثين
وزيراُ في حكومة عصام شرف من الفلول، على الرغم من الزفة التي استقبلت بها
باعتبارها حكومة قادمة من 'ميدان التحرير'، وقد أدخل سيادته الغش والتدليس
على الناس بتخصيصه غرفة في مجلس الوزراء لمن اصطفاهم وقدمهم للناس على
أنهم أولياء أمور الثورة، وقال انه لن يتخذ قراراً إلا بعد العودة إليهم
باعتبارهم من أهل الحل والعقد، مع أن الثورة المصرية لم تفرز قيادة لها،
ولم تختر من يتحدث باسمها!.
أحد المحافظين الجدد، في ظل حكومة الثورة،
متهم بقتل الثوار، وكان يشغل موقع مدير أمن الجيزة، وقد ترقى في ظل
الحكومة الحالية ليصبح محافظاً للدقهلية، وقد ظللنا نعيش في كنف محافظين
عينهم حسني مبارك لأسابيع، وفي ذات خميس وقبل مليونية بساعات، حدثت حركة
المحافظين التي أنتجت هذا المحافظ وغيره ممن ينتمون الى الحزب الحاكم
المنحل، وكانوا في مواقعهم يده التي يبطش بها!.
قيل أن عماد أديب زايد
على أولي الأمر منا ورفض منصب وزير الإعلام، وأعطاهم درساً في 'أصول
الحكم' فهذا منصب مرتبط بالأنظمة الشمولية، وبالإعلام الموجه، ولا يليق
بمصر بعد الثورة التي قضت على نظام شمولي أن تبقي على هذه الموقع، وعلى
الفور أعلن أهل الحكم انه تم إلغاء منصب وزير الإعلام، وقوبلت هذه الخطوة
بارتياح بالغ.
ولأن وزير الإعلام هو في الأصل والفصل وزير للتلفزيون
وفقط، فقد تم تعيين أستاذ بكلية الإعلام رئيساً لاتحاد الإذاعة
والتلفزيون، برتبة رئيس للشاشة هو سامي الشريف، ربما تبركاً بالاسم، فقد
عين مبارك صفوت الشريف وزيراً للإعلام، وأبقى عليه رئيسا لمجلس الشورى،
على الرغم من مؤامرات نجله عليه، وربما رأي القوم أن من ابقي مبارك في
السلطة ثلاثين عاماً هو وجود من يحمل اسم الشريف بجانبه، فكان اختيار سامي
الشريف، مع أن ما بينه وبين الرائد متقاعد صفوت هو تشابه أسماء.
رئيس لبرنامج
أنس
الفقي وزير الإعلام السابق، لم يكن رئيساً للتلفزيون وإنما كان رئيساً
لبرنامج واحد هو 'البيت بيتك'، الذي عدل اسمه الى 'مصر النهارده'، وهو
البرنامج الذي مثل الثورة المضادة، وكان يقوم بتشويه الثورة بجانب البرامج
الإخبارية الاخرى التي تقع تحت إشراف 'عب لاتيف مناوي' بحسب النطق
الاستشراقي للمذيعة سلمى الشماع، والدتنا التي تتعامل على الرغم من أنها
من القواعد من النساء على أنها صغيرة على الحب!.
الشريف فشل وغادر، وهو
رجل بركة وطيب، لم يكن مشغولاً سوى بموضع 'قصته' على جبهته، وفي برنامج
تلفزيوني بعد مغادرته راعني انه تخلى عنها، وان كان بدا وقتها انه الأقرب
الى وجداني، فقد كان يجلس على كنز من الفساد والفشل اسمه التلفزيون
المصري، الذي يوجد به أكثر من 40 ألف موظف يكفون لإقامة دولة لها علم
ونشيد.
وقد شكلوا مجلسا للأمناء، وعينوا في وقت لاحق، وربما ذات خميس
جنرالا رئيساً للمبنى هو طارق المهدي، وعلى أثر هذا استقال حافظ المرازي
مذيع 'الجزيرة' السابق من مجلس الأمناء وبقي حمدي قنديل. ومما نشر ولم
أتأكد من صحته ان المرازي احتج على وجود شخصية عسكرية في تجمع مدني، وقد
أشيع أن المهدي سيتم تعيينه وزيراً للإعلام، لكن أهل الحكم عادوا للتأكيد
على أنهم لن يعيدوا هذه الوزارة الملغاة، فليس معقولاً أن تقوم الثورة ضد
الشمولية والإعلام الموجه، ثم يبقون هم عليها، ولا تنس أنهم يقدمون أنفسهم
على أنهم حماة الثورة، ولولاهم لطاردنا حسني مبارك.. شارع شارع.. دار
دار.. زنقة زنقة. من أجمل هتافات الثورة السورية هتاف: شارع شارع .. دار
دار.. مش ح نسيبك يا بشار.
وعلى الرغم من أننا لم نشعر بغياب وزير
الإعلام، إلا من باب العاطفة الجياشة، وربما تأثر بغيابه عاطفياً السيد
رئيس الحكومة، لأنه كان وزيراً للنقل في حكومات سابقة، كان فيها وزير
الإعلام له شنة ورنة، وقيمة وسيما، وهو من الوزراء السياديين: الدفاع،
والإعلام، والداخلية، والخارجية، وليس من بينها وزارة البيئة المعنية
بالاهتمام بالمحميات الطبيعية.
بمرور الوقت، والإصرار على عدم عودة
وزارة الإعلام بدأ الجانب العاطفي في الموضوع يتراجع شيئاً فشيئا، ولكن
فجأة التقي الدكتور عصام شرف مع أسامة هيكل وأعلن عن ترشيحه وزيراً
للإعلام.. وكان هذا يوم الخميس أول أمس، فقد ضرب أهل الحكم (لخمة) هذه
المرة، ولم يجدوا ما يقدمونه لمليونية الجمعة 8 يوليو، وكان اختياراً من
عقل مثقل بالهموم ولم يعد قادراً على أن يكون على مستوى المسؤولية الثورية.
نحن
نظلم الدكتور عصام شرف عندما نقول ان هذا من اختياره، فالرجل يكلف نفسه من
البلاء ما لا يطيق، منذ أن أعجبته الدعاية الكاذبة التي تدور حول انه رئيس
حكومة قادم من قلب ميدان النضال، فظن انه يترأس حكومة لها صفة الديمومة
وليست حكومة تصريف أعمال لا أكثر ولا أقل!
ضرب أكثر من عصفور
من
اختار سالف الذكر وزيراً للإعلام استهدف ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فمن
ناحية تتم مجاملة حزب 'الوفد' بحقيبة وزارية أخرى بعد ان تمت مجاملة الحزب
بحقيبة السياحة، ومن ناحية أخرى فإنهم اختاروا شخصية تحسب على المعارضة
شكلاً وهذا مهم في التعامل مع الرأي العام، في حين أنها في الأصل والفصل
ليست كذلك وان عينه الدكتور السيد البدوي شحاتة رئيس الحزب رئيساً لتحرير
صحيفة 'الوفد'، ففي الواقع إن أداء قناة 'الحياة' التي يملكها المذكور
كانت في أيام الثورة، جزءا من الثورة المضادة، وكان أداؤها هو امتداد
لأداء التلفزيون الحكومي، وكان عبد اللطيف المناوي هناك والسيدة حرمه رولا
خرسا هنا، وعندما بدأت قناتي نجيب ساويرس التحلل من الولاء لأهل الحكم في
أيام الثورة، لم تبذل قنوات الحياة أي خطوة في هذا الاتجاه، فرأس المال
جبان، كما ورد في الأثر!.
أحزاب المعارضة كانت تفخر في ظل الحكم البائد
بأنها جزء من النظام، وهي كانت جزءاً منه حقيقة، وبرحيل فؤاد سراج الدين
انتهت المعارضة الجادة للحكم، وشاهدنا كيف منع رئيس 'الوفد' فهمي هويدي من
الكتابة في الجريدة لأنه هاجم صفوت الشريف، وكيف صدرت 'الوفد' بمقال مشوه
بفعل فاعل للراحل أحمد أبو الفتح لأنه أيضاً حمل انتقاداً لصفوت المذكور..
لم يكن أحد يهاجمه باستمرار إلا العبد لله ولا فخر.
لتقريب الصورة فقد
تم فصل منير فخري عبد النور في رئاسة نعمان جمعة للوفد من عضوية الهيئة
العليا للحزب، قبل أن يُجبر على إعادته بضغوط من رجال جمال مبارك، وفي
فترة العدة، قال منير الذي أصبح وزيراً للسياحة في حكومة الثورة، أنه يفكر
في الانضمام للجنة السياسات.. التي كان يترأسها جمال مبارك وهي لجنة داخل
الحزب الوطني المنحل، وعندما عاد كان من الذين قادوا الحملة من اجل طرده
من الحزب لأن جمعة تمضمض باللبن الحليب وهاجم 'المحروس'.
الهجوم على الثورة
من
تم اختياره وزيراً للإعلام في حكومة الثورة، باعتباره منتمياً للمعارضة
الوفدية لم يكن من أنصار الثورة، بل كان سباقاً في الهجوم عليها، باعتبار
ان يوم 25 يناير هو من الأيام المباركة التي لا يجوز الخروج فيها على
الحاكم، لان هذا اليوم هو عيد الشرطة، وبعيداً عن هذا المقال فقد كنت
ضيفاً على برنامج لقناة 'الحرة' يقدمه المصري: السيد يوسف، لمناقشة ظاهرة
التحول الإعلامي، المرتبطة بالصحافة القومية بعد الثورة، وكان وزير
الإعلام المختار حريصاً على التأكيد بدون مناسبة بعدم تصنيف الصحافي
واعتبار من يعملون في الصحافة الحزبية معارضين!.
ولم نكن بحاجة الى
معياره لنحدد موقفه، ففي الوقت الذي كان فيه النظام يطارد الصحافيين
المعارضين: دار دار.. زنقة زنقة، وفي الوقت الذي تم فيه إغلاق جريدة
'الشعب' المعارضة بقرار من النظام وتشريد العاملين فيها حتى الآن، وفي
الوقت الذي دخل فيه زملاؤنا مجدي حسين، وصلاح بديوي، وعصام حنفي، ومحمد
هلال السجن.. كان صاحبنا مستشاراً لدي احد الوزراء، وكان وزير إعلام
الهانم فاروق حسني يفتح له دار الأوبرا ليعقد فيها ندوة شهرية وربما
أسبوعية!.
نسيت أن أقول لكم إن هذا هذه الهدية جاءت في يوم خميس سابق
على جمعة قررت كل القوى الوطنية المشاركة فيها، بعد جريمة الاعتداء على
اسر الشهداء من قبل الشبيحة في يوم الثلاثاء الأسود، وكان واضحاً ان هناك
من دفع بهؤلاء من فلول النظام السابق الذين لا يزالون في السلطة، فكان
القرار بمليونية الصمود والتصدي لعمليات التباطؤ المشمول بالتواطؤ في
محاكمة القتلة والمجرمين والفاسدين، وقد قرأنا مؤخرا عن افراجات عنهم
بالجملة.
لقد تمخض الجبل فولد وزيراً للاعلام في يوم الخميس الماضي.. فياما جاب الغراب لأمه.عزت القمحاوي