شيطنة ميدان التحرير وفضائيات الفلول!


سليم عزوز

































كان
يقال عن محمد حسنين هيكل انه أكثر من أجاد استخدام 'سلاح الأرشيف' ضد
خصومه، الذين لا يتمتعون بصبره وجلده. لكنك الآن تستطيع بدون جهد يذكر أن
تقف على الآراء المتناقضة لشخص ما، من خلال موقع ' اليوتيوب' أكرمه الله.
في
مصر حملة إعلامية لشيطنة ميدان التحرير ومن فيه، والتعامل معهم على أنهم
لا يمثلون الشعب المصري، وهو ذات الخطاب الذي أنتجه إعلام النظام السابق،
قبل أن يولي الأدبار ويغادر مبارك وأهل بيته الى شرم الشيخ، وأيامها كنا قد
استمعنا الى أناشيد الصباح من فرقة العزف المنفرد بقيادة المايسترو جهاد
عودة، بأن الشعب المصري الذي هو 85 مليوناً لا يمكن ان يعبر عنهم بضعة آلاف
في الميدان، ومن المعروف ان الأنظمة في عالمنا العربي تحسب دائما الأغلبية
الصامتة على أنها تؤيدها، فيبدو أنها صامتة خجلاً، أو لأنها 'مكسوفة'،
والحياء نصف الإيمان.
المحللون الإستراتيجيون يستحقون الشكر، لأنهم
ولحيادهم العلمي كانوا يقولون ان من هم في الميدان بضعة آلاف، في حين ان
تلفزيون الريادة الإعلامية كان يقول أنهم بضع مئات، حتي في اليوم الذي
تجاوز فيه المتظاهرون ثلاثة ملايين مواطن، هذا غير ميادين النضال الأخرى في
عدد من المحافظات!
عندما استمعنا الى صوت عمر سليمان وهو يعلن تنحي
الرئيس و ينعى مرحلة من تاريخ مصر، كان ينتمي فيها هو الى الأقلية
المتواطئة مع النظام الفاسد، كنت مع الآلاف أمام القصر الجمهوري بمصر
الجديدة، وكنت قد صدقت الدعاية التي يروج لها الإعلام الحكومي بأن الأغلبية
الصامتة مع مبارك.. وفي طريقي من القصر الى الميدان شاهدت القاهرة كلها في
الشوارع تحتفل بهذا الخبر التاريخي، حتي وجدتني أصرخ بداخلي: كلكم معنا
إذن لماذا جعلتمونا نصدق أننا وحدنا؟!
الآن يعاملنا المجلس العسكري
الحاكم على ان الأغلبية الصامتة منحازة له، ولم تفصح عن ذلك لأنها خجولة
بالفطرة، وذكر هذا الكلام المشير محمد حسين طنطاوي في خطابه المتلفز.
بالمناسبة فان من أخرجه بدا كما لو كان مخرجاً مبتدئاً في الكار.
قال
المشير انه مستعد للذهاب لاستفتاء الشعب ان كان يوافق على استمرارهم في
الحكم، وبعد ذلك شاهدت ضياء رشوان على احدي الفضائيات يحلل الخطاب البديع
ويتعامل مع حدوتة الاستفتاء على أنها صدمة عبقرية، فقد انتهى هو والمشير
الى أن الشعب مع الحكم العسكري، وكأن المشير جاء الى موقعه باستفتاء حتي
يغادره باستفتاء!
خروج الشعب في عرس الديمقراطية في الأسبوع الماضي،
وبشكل غير مسبوق للادلاء بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية،
هو استفتاء على ان المصريين ينظرون لحكم العسكر على انه مرحلة انتقالية،
ويريدون الانتقال الى حكم مدني مستقر، بغض النظر عن أن الأغلبية كانت مع
من؟.. وفي واقع الأمر ان الجميع استخدموا الدين بشكل او بآخر، فالإخوان
والسلفيون تعاملوا على أنهم مرشحو السماء، والكنيسة أعدت قائمة بمرشحيها
وهم من الكتلة، وبحسب المنسوب لقيادة بحزب ' الوفد' انه ترك التحالف مع
الإخوان على وعد بأن أصوات الكنيسة لحزبه وقد خذلته.

وظهرت فضائيات الفلول

ما
علينا، فقد شاهدنا في الأسبوع الماضي حملة تشهير واستهانة بميدان التحرير،
الذي لا يعبر عند المنظرين لأهل الحكم عن الشعب المصري، وظهرت فضائيات
الفلول على حقيقتها وهي تستضيف بعض المنظرين وهم يتعاملون على ان هذا
التدافع الشعبي امام لجان الانتخابات هو استفتاء ضد ميدان التحرير، الذي لا
يزال يرابط فيه البعض ويصرون على مطالبهم برحيل العسكر او بحكومة انقاذ
وطني لا يتدخل العسكري في شؤونها ولا يحولها الى حكومة عساكر الدرك.
لولا
ميدان التحرير لما وصلت مصر الى حد ان تجري على ارضها انتخابات حرة، وقد
شهدت مصر قبل عام انتخابات برلمانية هي المهزلة بعينها، كان الحزب الحاكم
(رحم الله موتاكم) قد استدعى الشبيحة من البيوت والسجون لسحق الإخوان،
الذين خذلوهم في هذا اليوم ولم يخرجوا من بيوتهم، وقد هاتفني الزميل معوض
جودة وكان موفد الـ 'بي بي سي' في محافظة المنيا باعتبارها من الدوائر
الملتهبة لترشح زعيم الكتلة الاخوانية في البرلمان السابق سعد الكتاتني،
الأمين العام حالياً لحزب 'العدالة والحرية'، ولم يجد زميلنا معوض الكتاتني
أو أياً من أنصاره أمام اللجان، فشعر بفشل مهمته الإعلامية.
التزوير
الفاضح في هذه الانتخابات كان هو القشة التي قصمت ظهر البعير فكانت الثورة
تطالب بالاحتكام الى الشعب، والانتخابات النزيهة هي على رأس مطالب ثوار
ميدان التحرير، ووجود الثوار في الميدان الآن لم يكن لأنهم ضد الانتخابات،
فهذه الانتخابات لم يتحدد موعدها إلا بعد ضغوط من الميدان ولتفويت الفرصة
على مليونية من المليونيات، تماماً كما تم تحديد موعد الانتخابات الرئاسية
بعد مليونية الثلاثاء التي لم يشارك فيها الإخوان المسلمون. وبسبب هذه
المليونية سقطت 'وثيقة السلمي'، نسبة الى الدكتور علي السلمي نائب رئيس
الوزراء لشؤون التنمية السياسية والديمقراطية، وكان الإخوان قد دعوا الى
مليونية ضدها مرت دون تحقيق هذا الهدف.
والمزعج حقاً هو ما قاله السلمي
من ان الإخوان أنفسهم قد وافقوا على الوثيقة في وقت سابق، وحدد اسم رئيس
حزب ' العدالة والحرية' بأنه هو من وقع بالموافقة، وقد قال السلمي ذلك في
مقابلة تلفزيونية ووصل صوته الى آذان الإخوان فخرقها، ولم ينفوا ولم يعقبوا
على كلامه.
التلفزيون المصري، ومعه فضائيات الفلول وجدوها فرصة لتصفية
حسابات قديمة مع ميدان التحرير، ولدرجة انك تشاهد تلفزيون الريادة
الإعلامية، فتظن انه نفسه الذي كان يدير الحملة ضد الميدان في عهد خالد
الذكر انس الفقي في ظل النظام السابق، وان كانت الوجوه فقط هي التي تغيرت،
وكان الأبرز في حملة الإبادة الإعلامية ضد الميدان سالف الذكر هو حديث
الدكتور محمد سليم العوا المرشح المحتمل لموقع رئيس الجمهورية، وقد فوجئت
في اليوم التالي ان ما قاله صار حديث الناس، ووجدت من يقلب كفيه على
النهاية البائسة للرجل.

العوا في الميدان

'لا تنسوا الفضل
بينكم'، فالعوا كان في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل رابط الجأش، عندما تم
اقتحام الميدان بالخيل والبغال والحمير والشبيحة. كانت كاميرا الجزيرة قد
وجدت لها مكاناً في احدى النوافذ لتنقل الجريمة للعالم كله، وتم اعتقال عبد
الفتاح فايد مدير مكتبها المغلق قبل أيام، وكان السؤال هو أين توضع
الكاميرا ولم يكن يعرف.
كان صوت العوا شامخاً، يأتي مع البث المباشر
فيشكلان معاً تجسيداً للجريمة التي تقع، وكان العوا صامداً في لحظة خارت
قوى أيمن نور، وجاء صوته عبر الجزيرة أيضاً يقول أنه لا يعرف سبباً لما
يجري وقد وافقت المعارضة على تلبية دعوة نائب الرئيس عمر سليمان على
الحوار، كان ما يهم نور هو الحصول على الشرعية بأن حزب الغد تبعه بعد ان تم
السطو عليه سابقا بواسطة مباحث امن الدولة، وكان ما يهم الإخوان أيضاً هو
الحصول على الشرعية الرسمية ولو من نظام يلملم أوراقه في انتظار ان يرحل،
وكنت في الجمعة السابقة قد استمعت الى المرشد محمد بديع عبر الجزيرة وهو
يعلن في حدة عن رفض جماعته الحوار قبل تنحي مبارك، لكن في هذا اليوم قرر
الجميع الذهاب الى مائدة الحوار فقد كشر أولو الأمر عن أنيابهم!
صمود
العوا في ميدان التحرير وعبر مداخلاته في الجزيرة اشرنا إليه هنا في حينه،
لكن الرجل خذل نفسه مؤخراً عندما استضافته لميس الحديدي في واحدة من
فضائيات الفلول، لا يغير من طبيعتها هذه ان الشيخ مظهر شاهين يعمل مراسلاً
لها من الميدان، ولا أن عبد الرحمن يوسف القرضاوي يقدم فيها برنامجاً، فهذا
يدخل في باب غسيل المواقف، وهو وثيق الصلة بغسيل الأموال.

خطاب النظام السابق

لميس
بنت أبيها هي المسؤولة الإعلامية بحملة الدعاية للمخلوع، وقد جاء معها
العوا مستدعياً كل خطاب النظام السابق في مواجهة الميدان فذكرنا بجهاد
عودة: فمن في الميدان يعملون لصالح جهات أجنبية، وان الغرب ينتظر على أطراف
أصابعه الى حين إعلان مجلس انتقالي ليعترف به، وان المجلس العسكري لا
يستمد شرعيته من ميدان التحرير ولكن من الاستفتاء الدستوري. وكان هذا عشية
اختياره عضواً بالمجلس الاستشاري الذي شكله العسكري، فقد تغير خطاب العوا
من النقيض الى النقيض.
لا يحتاج سلاح الأرشيف الى جهد، فيكفي ان تدخل على 'اليوتيوب'، او على غوغل، لتجد النقيض بالصوت والصورة.
في
لقطة مع جمال عنايت كان العوا حاداً في مواجهة المجلس العسكري، وقال انه
جيء به للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها وأن بإمكانهم ان (يروحوا) بعد خمس
دقائق فيحلوا 80 في المئة من مشاكل البلد، وفي لقطة في برنامج 'مصر
الجديدة' على قناة 'الحياة' مع معتز الدمرداش قال ان على العسكري ان يسمع
صوت الشعب وان ينزل على قرار هذا الشعب وعدم العناد، لأن الرئيس السابق
مارس العناد وفي النهاية رحل.
في البرنامجين كان حاداً بشكل لم نعهده
فيه، وقال انه علق حملته الانتخابية احتجاجاً على عدم تحديده جدول زمني
لنقل السلطة. ولم يعترف مع لميس الحديدي بأن تحديد الجدول الزمني كان بفضل
نضال ثوار التحرير وقد ذهب إليهم ليطلب منهم مغادرة الميدان فطالبوه
بالرحيل.
في لقطات أخرى لم أتبين المصدر فيها قال العوا ان أسلوب المجلس
العسكري في إدارة الحكم يتسم بالغموض، وانه لو استمر في الحكم سيخرج
الملايين ضده.
بالمناسبة يوجد برنامج على قناة 'الناس' يحمل اسم 'مصر
الجديدة' يقدمه خالد عبد الله ولا نعرف من السابق في اختيار الاسم، فمنذ ان
قام احمد منصور بالسطو على اسم البرنامج الرائع على الإذاعة المصرية 'شاهد
على العصر'، والأسماء لم تعد ملكاً لأحد، ومحسوبكم يكتب زاوية يومية في
صحيفة مصرية تحمل اسم 'بيت القصيد'، بعد ستة شهور من كتابتها جاء عبد
الرحمن يوسف القرضاوي وقام بالسطو على نفس الاسم، وتمسك به، فبدا له وكأنه
'لعبة فشبط فيها'، أي امسك فيها بيديه وأسنانه!
وكان مسك الختام هو في
نقل التلفزيون المصري لمليونية الإخوان ضد وثيقة السلمي، وقد سأل المذيع
المراسل عن حجم الليبراليين في الميدان، فقال له انهم موجودون وقد سمع
اغاني عبد الحليم حافظ. وكان هذا دليلاً عبقريا بالطبع على وجود
الليبراليين.
تحدث الدكتور العوا في هذه الفقرة وكان حاداً وهو يخاطب
المجلس العسكري وقال ان الثورة لم تسقط. لكنه في لقاء لميس كانت قد سقطت،
وقال سيادته في المجلس شعراً، فقد تم اختياره تواً عضواً في المجلس
الاستشاري.
ويا ايها القراء: لقد أذل الحرص أعناق الرجال.