سمى ملك البلاد القط قطا، عندما تحدث في خطاب 20 غشت عن
الرشوة الانتخابية،وشراء الأصوات في العمليات الانتخابية واحد منها، كما
سمى الفأر فأرا عندما تكلم عن السعي إلى إفساد العمليات الانتخابية بوسائل
أخرى.
وعندما يتكلم ملك البلاد ورئيس
دولتها عن حالة الرشوة وشراء الاصوات، نعتقد جازمين أنه لا يتحدث عن حالات
متفرقة أو عن «ملفات» سريعة ومحدودة. لا شك أن رئيس دولة ما عندما يضع
الأصبع على آفة ما، فهي ولا شك تكون قد أصبحت ظاهرة وورما.
ما الذي رأيناه في السابق حول هذه الظاهرة؟
بعض الملفات، شبه نادرة، تعرض على القضاء وتقضي ما شاء لها الوضع
القضائي والسياسي في بلادنا أن تقضيه بين الرفوف وفوق المكاتب، ثم تدخل
النسيان.
وفي الحقيقة، إنها تدخل النسيان
المؤسساتي والقانوني والإجرائي، لكنها تدخل بالتباس ،الذاكرة الجماعية
للشعب المغربي الذي يرى أن الامور تستفحل، وأن الاشياء تزيد تعفنا، وأن
المراهنة على انتخابات نزيهة ، أصبحت من باب التمني.
لقد عشنا انتخابات سابقة ، ساد فيها الريع، وسادت فيها أساليب البيع
والشراء. وكان الكثيرون، بمن فيهم بعض القادة الديموقراطيين »سامحهم الله
في هذا الجو الرمضاني المفعم بالتوبة»، يعتبرون أن الحديث عنها أو الإصرار
على طرحها على الطاولة
يعد من باب التيئيس أو المبالغة، وأن تكرار الحديث قد يضرب مصداقيتنا أمام .. الدول التي تعتبرنا نموذجا.!!
وحقيقة الأمر أن صناعة اليأس وصناعة النخب كانت تسير على سكتين متوازيتين، وتسير أيضا على فهم مشترك.
اليوم هناك إقرار ملكي بأن الآفة لابد لها من المحاربة، وأنها بالفعل أصبحت لا تقبل لغة النص نص، أو لغة
بارد وسخون التي يشعر بها الكثير من المناضلين..
فإما أننا نشعر اليوم بأن هناك حاجة ملحة للقطع مع الماضي، أو أننا
سنسوق بلادنا الى المجهول، وإلى دوامة لا أحد يعرف مسارها، لا قدر الله.
أمامنا اليوم مناسبة لكي نسعى الى «تفعيل قبلي للخطاب الذي ألقاه رئيس الدولة وممثلها الأسمى.
هناك اليوم عمل، تحت يافطات كثيرة منها التوبة والإحسان، ينسف من الداخل
كل مجهوداتنا المغربية لكي نجتاز الامتحان بنجاح. أمامنا فرصة لكي تبدي
الدولة وأياديها كلها، حسها المسؤول في محاربة تجار السوق السوداء
للديموقراطية، والذين بدأوا يخزنون منذ الآن الأصوات كما يخزن الدقيق
والمعونات للمراحل الحاسمة
، وكما تخزن كل الأشياء المهربة.
وبنفس القدر ، يسعى كثيرون ، في الدولة والإدارة نفسها الى ضرب الحديث
عن الحياد الإيجابي، الذي ورد في الخطاب ، والحياد يبدأ من اليوم.
فعندما تروج في مدن كاملة وفي مناطق كاملة، لقاءات متعة وعشاءات وسفريات
وأحداث خاصةبين رجالات السلطة الاوائل في الاقليم والجهات وبين رؤساء
جماعات مشبوهين، يدخلون للانتخابات، كما لو أنهم حولوا الجماعات الى رأسمال
شخصي، كما حصل في الأيام الأخيرة في مدينة تازة عندما أقدم برلماني
ومسؤول، ما زال ملفه بين يدي القضاء ، منذ 6 سنوات، يا سلام!!!) على
استضافة المسؤولين في السلطة على مرأى« ومسمع من الساكنة والنخبة المحلية
والاحزاب والرأي العام العابر للمدينة.. وهو ما يبطل المفعول الذي يريده
ملك البلاد من الإصرار على الحياد الإيجابي، وتقديم مؤشرات إيجابية تسري في
هذا الاتجاه.
إن ما يحدث في المغرب اليوم
يتأرجح بين حراك ساخن وقلق كبير ومشروع من المسارات الحالية، وبين محاولات
تبريد غير موفقة تسعى الى تقديم الأمور وكأنها تتطور بالشكل الطبيعي، وأن
الحل قريب للغاية.
بلادنا في حالة «بارد وسخون»، تتأرجح ما بين عناصر التفاؤل العام ، وعناصر التشاؤم «المبقع» وهو تفاؤل يجعل الأمل مناطقيا.
وقد يفترض الجواب مناطقيا في حالات يتم فيها التعايش المريب بين السلطة
وأدوات الدولة، وبين بعض المرشحين الفاسدين ولوبياتهم وحراسهم السياسيين .
ولن نفاجأ غدا إذا ما لجأت الاحزاب والشخصيات الوطنية الصادقة إلى الرد
المبقع على الانزلاقات ، ولن نفاجأ إذا كانت العمالات والولايات التي تعرف
الانزياح غير المقبول، قد لاقت مقاطعات وخروج الأحزاب والمرشحين الصادقين
من حلبة المنافسة «ومقاطعتها حتى تستقيم الأمور.
فقد كشفت أطوار التغيير في المغرب، وفي الدائرة العربية عموما، نهاية
فهم معين للدولة في علاقتها بالمجتمع، ونهاية ممارسة معينة للسياسة
وللتدبير اليومي والاستراتيجي لها.
لم يعد من الممكن أن
نعيش بنصف المعنى في تصورنا للمغرب والمغاربة ، بعد كل الذي جرى ويجري. ولم
يعد من الممكن أن يتم « الصراع» بين من يريد بقاء الوضع كما لو لم يكن
هناك دستور جديد، ولا خطب ملكية تحمل مضامينه وترعى معانيه، ولا أن هناك
قلقا مغربيا وتطلعا الى مجتمع جديد.
لقد انتهت مفاهيم كثيرة، ويجب أن تنتهي معها ممارسات ما وحالات محددة من الوعي وفهم دور الدولة.
لقد انتهت سياسة معينة ومفهوم معين للدولة وللنخب وللقرار وصياغته، وانتهت أيضا مرحلة بكاملها..
والوعي بذلك أو مواجهته والسعي الى تعطيله، هو الذي سيشكل قاعدة
الاصطفاف في المغرب القادم: من مع التوجه الذي اختاره المغاربة، ومن مع
التوجه الذي يريد به الحفاظ على مصالحه وعلى أنقاض وترسبات لا جدوى منها من
الآن فصاعدا.