1) مالا يجوز في حق الإنسان يقتضي منا فهم حقوق الإنسان في معناها الشامل ألا نفصل جوانب الكائن
الإنساني من حيث هو كائن حي عن جوانبه الأخرى من حيث هو ذان نفسية وكائن
مجتمعي. فهذا الفصل لايجوز إلا من الناحية الإجرائية التي تكون الغاية فيها
فهم كل مستوى من الحقوق على حدة، لكن الإنسان كيان واحد، كما أن حقوقه
مترابطة.
بمتابعتنا للنصوص الواردة حول حقوق الإنسان نجد بعضها تعبيرا بالنهي وهو
ما نسميه مالا يجوز في حق الإنسان، وبعضها الآخر واردا بصيغة الإيجاب، وهو
الذي نسميه هنا مايكون واجبا في حقه.
ليست اللاءات التي نجدها نافية لعدد من الأفعال التي تصدرعن الإنسان في
حق الإنسان إلا تأكيدا على ماهو جوهري فيه ولايمكن المساس به دون المساس
بكرامته. ونرى أنه من الممكن التعبير عن صيغ النفي بصورة إيجابية، إذ تدخل
كل تعبيرات النفي في إطار ما دعا له في القرن الثامن عشر الفيلسوف الألماني
كنط حين جعل إحدى قواعد الواجب عنده العمل بالكيفية التي تعتبر الإنسان في
الذات، كما في الغير، غاية في ذاته ولا وسيلة بأية كيفية من الكيفيات.(1)
واعتبار الإنسان غاية في ذاته يجعله كائنا له قيمة تسمو على جميع التحديدات
العقيدية والإثنية والطبقية، كما يسمو على شكله ولونه ووضعه المجتمعي.
بنال الإنسان حقوقه من حيث هو إنسان قبل كل شيء. وكل الأنساق الفلسفية
والسياسية والمجتمعية التي تتضمن تصورا عن الإنسان لايكون فيه غاية في
ذاته، تجد نفسها مناقضة للمبادئ التي تأسست عليها المواثيق الدولية لحقوق
الإنسان. وكذلك، فإن كل النظم السياسية والمجتمعية والاقتصادية التي لاتجعل
الإنسان غايتها الأسمى ستكون في حالة عدم توافق مع حقوق الإنسان كماهي
متوافق عليها في التشريعات الدولية المتعلقة بها.
على الصعيد العملي، هناك تناقض سلوكي، وهوقبل ذلك عقلي، لدى الشخص
الإنساني الذي يعامل غيره بوصفه وسيلة لبلوغ بعض الغايات الأخرى. فهو إذ
يجعل الإنسان الذي يتجه إليه سلوكه دون كل الغايات الأخرى ويسيء بذلك إلى
إنسانية الغير، يسيء في نفس الآن إلى خاصية الإنسان في نفسه من حيث هي
مشتركة بينه وبين ذلك الغير الذي أساء إليه وعامله بوصفه وسيلة لاغاية.وقد
عانت الإنسانية في تاريخها الطويل من هذا التناقض العقلي والسلوكي، سواء
أخذنا الأمر على مستوى العلاقة بين الذوات الفردية أو أخذناه على مستوى
العلاقة بين الكيانات الجماعية، وبين الحضارات والثقافات.
أول أمر بالنفي في الإعلان عن حقوق الإنسان هو الذي ينهى عن الاسترقاق،
أي عن معاملة الإنسان بوصفه مملوكا. والعبودية تناقض في حق الإنسان الذي
تمارس عليه ،من حيث هي إحالة له إلى كائن ذي صفة شيئية يجوز امتلاكه
والتصرف إزاءه بوصفه كذلك. ولكن إخضاع الإنسان للعبودية هو بالنسبة للذات
التي تمارسه بدورها إحالة لإنسانيتها على عبودية ممكنة على الأقل. فالذات
التي تقبل أن تعامل من تشاركه الصفة الإنسانية معاملة المملوك تقبل، حتى لو
كان ذلك دون وعي منها، أن تكون هي ذاتها موضوعا للاسترقاق من حيث إنها
تستعبد الغير الذي هو مثيل لها، فتستعبد في ذاتها أيضا الإنسانية التي
تشترك فيها معه. تقتضي العبودية طرفين: سيد هو الذي يملك وعبد هو المملوك
لسيده. وإذا كان الفيلسوف الألماني هيغل قد قال في القرن التاسع عشر بأن
كلا من السيد والعبد يكون في حاجة إلى الآخر، وبأن السيد ذاته يكون مستلبا
من خلال علاقته بالعبد، إذ لايمكنه الاستغناء عنه، فإننا نعدل من هذه
الصيغة بالنسبة لموضوعنا فنقول:إن الطرف الذي يخضع طرفا آخر للعبودية
ويسلبه حريته يجعل ذاته قابلة لسلب حريتها وإنسانيتها.
الإعلان ضمن الميثاق العالمي حول حقوق الإنسان عن نهي يتعلق باسترقاق
الغير معناه دعوة الإنسانية المتوافقة حول ذلك الميثاق إلى بداية تاريخ
جديد لها تكف فيه عن استعباد الإنسان للإنسان. ويتعلق النهي الوارد في
الميثاق، في نظرنا، بالماضي والمستقبل في نفس الوقت. فهو دعوة إلى القطع مع
ماض لم تكن فيه كرامة الإنسان محفوظة، علما بأن هذا الماضي يهم كل
المجتمعات وكل الحضارات التي كان نظامها يتضمن قبولا صريحا أو ضمنيا
للعبودية. ويتعلق نفس النهي بالمستقبل من حيث إنه يشير إلى الطريق الذي
ينبغي السير فيه لكي تحرر الإنسانية نفسها مما كان يمس كرامتها وينزع عن
الإنسان صفة الموجود الذي له قيمة في ذاته وهو في نفس الوقت أسمى قيمة من
بين كل الموجودات الأخرى.
تظهر حقوق الإنسان، من جهة أخرى، في ظل المجتمعات التي يحكمها القانون
الذي ينظم علاقات الأفراد، كما ينظم علاقات المؤسسات، علما بأن القانون
يحمي الإنسان من كل التعسفات الممكنة في حقه. ومن أبرز الحقوق التي يتم
التأكيد عليها في الميثاق العالمي القول بأنه لايجوز قانونيا اعتقال أي شخص
دون وجود دليل واضح على قيامه بما يخالف القانون ويضر بالغير أو على
ارتكابه جناية ما في حق الغير أو في حق المؤسسات المجتمعية. لكن هذا النهي
لم يمنع استمرار الاعتقالات التعسفية، وخاصة منها تلك التي تتحكم فيها شروط
سياسية.هناك الآن كما نعلم تحركات دولية لمناهضة مثل هذه الاعتقالات أينما
وقعت في العالم، غير أن المزيد من هذه التحركات مطلوب في كثير من البلدان
التي لم تتوقف فيها الاعتقالات التعسفية ذات الطبيعة السياسية والقائمة على
محاكمة الرأي المعارض لأسس الحكم القائم.
يرتبط بعدم جواز الاعتقال التعسفي حق آخر للإنسان هو عدم جواز إخضاعه
للتعذيب الذي يلحق به أضرارا جسمية وأخرى نفسية من أجل إرغامه على الاعتراف
بأفعال قد لايكون ارتكبها بالفعل، أو من أجل إرغامه على التخلي عن بعض
أفكاره التي تمس السياسة أو المجتمع.وإذا كانت المجتمعات المختلفة من حيث
طبيعة نظامها السياسي والمجتمعي قد عرفت مثل هذه الممارسات، فإن صدور
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يدخل في نطاق الممنوعات ممارسة الأشكال
المختلفة لتعذيب الإنسان جسديا ونفسيا أصبح بمثابة الدعامة التي يستند
إليها مناصروتجريم تعذيب الإنسان للكشف عن هذه الممارسة حيث يستمر وجودها
في العالم، ثم العمل من أجل مكافحة هذه الظاهرة. ولكن، مع وجود النص، فإن
المجهود الذي ينبغي بذله يتطلب وقتا طويلا وتحركات متعددة ومتنوعة.
هناك حقان آخران مترابطان للإنسان يرد ذكرهما بالنهي عما يمنع تمتع
الإنسان بهما:لاينبغي منع الإنسان من حقه في التعبير عن أفكاره ، وخاصة إذا
كانت معارضة لأسس النظام السياسي والمجتمعي الذي يعيش فيه. ولايجوز كذلك
إرغام الإنسان على تبني أفكارأو عقائد معينة لايريدها من تلقاء نفسه، وفي
ارتباط مع ماذكرناه سابقا لايجوز اعتقال الإنسان لمجرد تعبيره عن رأي قد
يكون مخالفا لما هو سائد أو لانتمائه لجماعة تعارض الحكم القائم. وهذا ما
نعتبره مدخلا للعضو المجتمعي الحر في ممارساته وأفكاره، وهو الذات التي
تكون متفاعلة مع الحياة المجتمعية وفاعلة فيها. فاستمرار منع الأفكار
والمعتقدات قائم دائما في مجتمعات تختلف نظمها السياسية، كما تختلف العقائد
والإيديولوجيات السائدة فيها.
يتعلق بندان آخران من وثيقة الإعلان عن حقوق الإنسان بما لايجوز حرمان
الإنسان منه. فليس من الجائز حرمان الإنسان من جنسيته التي هي إثبات
انتمائه لوطن معين والتي تسمح له بالحركة في أنحاء العالم بها بوصفها هويته
الوطنية. وبتعبير آخر لايجوز ترك الإنسان بدون هوية ، وهو الفعل الذي قد
يصدر عن بعض السلطات في حق مواطنيها المعارضين لها فتكون أسبابه بذلك
سياسية لاقانونية.ويختلف عن هذا، طبعا سقوط الجنسية عن الإنسان الذي يتخذ
لنفسه جنسية أخرى، كما هو الشأن في قوانين عدد من البلدان. ولايجوز كذلك
حرمان الإنسان من ملكيته لصالح أية جهة كانت، لأن في ذلك مساس بشخصه.
إذا تأملنا الحقوق التي يتحدث عنها الميثاق العالمي بصيغة عدم جواز
القيام إزاء الإنسان، سنجد أنها حقوق أساسية لتأسيس فكرة المواطن الحر الذي
يعيش في وطنه الأصلي مساهما بمساواة مع الغير في الحياة المجتمعية بكل
مظاهرها ومستفيدا في نفس الوقت من الحقوق التي تمنحها تلك الحياة. وإن
حرمان الإنسان من الحقوق التي نجد نهيا عن الساس بها في الميثاق العالمي
لحقوق الإنسان معناه جعل حياته المجتمعية ناقصة، من جهة، ووضع قيود أمام
تلقائيته في القيام بالواجبات التي تتطلبها تلك الحياة. فكما ينبغي توجيه
نداء الواجب للإنسان، يكون من الملائم لذلك عدم حرمانه من حقوقه المجتمعية
الأساسية. والمجتمعات التي تقوم على مبدإ حرمان الإنسان من حقوقه المجتمعية
الأساسية، تصبح في حاجة إلى ذلك الإنسان ذاته لتحقيق كل غاياتها المرتبطة
بتوازنها المجتمعي.
2) مايجب في حق الإنسان نمضي في نفس الطريق الذي رسمناه، فنتناول الآن الحقوق الواجبة في حق
الشخص الإنساني ،والواردة في النصوص بصيغة إيجابية.ونستخدم هنا مفهوم
الشخص، الوارد ذكره في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،لنشير به إلى الذات
الفردية الواعية والتي لها تكوين مجتمعي، و لها أيضا مساهمة في الحياة
المجتمعية والسياسية. ونرى أن الحديث عن حقوق الإنسان بالنسبة للشخص إشارة
إلى العمق المراد بلوغه من العمل بمقتضاها. ذلك أن تلك الحقوق تخرج بفضل
انطباقها على الشخص من حيث هو الذات الإنسانية المفرد، أي الخروج بها من
إطارها المجرد الذي تتعلق فيه بالإنسانية عامة لتكون حقوقا واقعية متعلقة
بذات محددة بصفة خاصة. وبتعبير آخر، فإن حقوق الإنسان حين انطباقها على
الشخص الإنساني تخرج من كونها مجرد بنود موضوعة في الدساتير أو منبثة في
القوانين لتنفذ إلى عمق الحياة الإنسانية في مجراها اليومي. ومساءلة أي
مجتمع في هذه الحالة عن مدى حضور حقوق الإنسان فيه لن يتوقف عن التساؤل حول
وجود بنود تتعلق بها في دستوره وقوانينه، بل يتجاوز ذلك إلى البحث في مدى
سريان الاعتراف بتلك الحقوق في مجرى الحياة اليومية للذوات الفردية. الذات
الفردية من هذا المنظور هي النواة الواقعية التي يمكن أن تكون معيارا دالا
على حضور العمل بمقتضى حقوق الإنسان في مجتمع ما. ويمكن أن نجمل حقوق
الإنسان في هذا المستوى الذي نتحدث عنه الآن بالقول عنها إنها الحقوق
المتعلقة باحترام الشخص الإنساني بكل أبعاده وفي كل مطاهر حياته داخل
المجتمع الذي يعيش فيه.
المظهر الأول لاحترام الشخص الإنساني هو احترام شخصيته القانونية. فكما
أن لكل شخص وجودا فيزيائيا يتمثل في حياته الجسمية، وكما أن لهذا الشخص
حياته النفسية، فإن له أيضا وجودا قانونيا لايقل واقعية عن وجوده
الفيزيائي. يكون الشخص الفيزيائي والذات النفسية ماثلين أمامنا ندركهما
بإدراك حسي ، ولكن الشخص القانوني هو الذي نتعامل معه في كل شأن يرجع إلى
مجموع التعاملات المجتمعية المبنية على تعاقدات مجتمعية كبرى وعلى قوانين
فرعية تتعلق بالجوانب المختلفة من الحياة الإنسانية. الشخص القانوني ذات
نفسية ومجتمعية تتبلور مع تطور المجتمع نحو قيام المجتمع المنبني على
تعاقدات بين أعضائه ومؤسساته.
حيث إن الإنسان كائن مجتمعي، وحيث إن الحياة في المجتمع تحكمها تعاقدات
وقوانين، فإن القانون يحيط بحياة الإنسان من كل جهة منذ ميلاده إلى حين
وفاته.الوجود الإنساني في المجتمع مؤطر بكامله بالقانون: متى ولد؟ ولمن
ولد؟ إسمه العائلي الدال على نسبه واسمه الشخصي، وجنسيته الدالة على
انتمائه إلى وطن ما، ثم متى كانت وفاته. فهذه هي المعطيات الأساسية التي
تتأسس عليها الحقوق التي تكون لكل شخص داخل المحتمع الذي يعيش فيه، وهي
كذلك المعطيات التي تترتب عنها واجبات مطلوبة من الشخص إزاء المجتمع. وهذه
المعطيات التي ذكرناها هي ما يمثل حدود الشخص بالنسبة لغيره من الأشخاص،
والتي تجعل من غير الممكن الاستعاضة عنه في الحقوق أو في الواجبات بشخص آخر
إلا بإنابة قانونية. وعندما نقول إنه من الواجب احترام حقوق الشخص في
المجتمع، فإننا نشير إلى الكيان الذي أشارت إليه الحدود السالفة الذكر.
إذا كانت محاولتنا، حين كنا بصدد الحديث عما لايجوز في حق الإنسان، قد
اتخذت في جزء منها الانتقال من الصيغة الناهية إلى الصيغة الإيجابية، فإن
محاولتنا الآن ستتركز في جزء منها في الانتقال من الصيغة الإيجابية التي
تجعل احترام الشخص الإنساني مطلبا إلى الصيغ الناهية التي تبرز مالا ينبغي
فعله من أجل تحقيق ذلك الاحترام.
ينبغي لتمثل واجب احترام الشخص القانوني قي عمقه أن نميز بينه وبين
الشخصية المجتمعية، لأن الشخص القانوني يشمل كل الشخصيات المجتمعية، إذ حتى
المرضى النفسيون أو ذوو العاهات الدائمة والذين يعانون من إعاقات تمنعهم
من حياة طبيعية هم أشخاص قانونيون إلى حين وفاتهم.
نرى في البداية أنه لاينبغي حرمان الشخص من مكوناته التي ذكرناها.
وهكذا، فإنه من غير المشروع التنكر لنسب الشخص وإرباك حالته المدنية، علما
بكل مايترتب عن ذلك التنكر من أضرار بالنسبة للشخص الذي يقع في حقه. نعلم
أن هناك حالات تدفع الناس إلى التنكر لنسب الشخص، خاصة حين يكون مولده
نتاجا لعلاقة غير شرعية، فيلحق ذلك بالشخص المتنكر له وضعيات قانونية حرجة.
و يكون المتنكرون في الغالب هم الآباء أنفسهم.وما يوجه نحوه الميثاق
العالمي لحقوق الإنسان هو بالذات عدم التنكر أو على الأقل منح الأشخاص
الذين يقعون ضحية لهذه الحالة وضعيات قانونية تحميهم من بعض الأضرار لامنها
كاملة.
يجب كذلك احترام جنسية الشخص التي تعني انتماءه إلى بلده، ولايجوز تبعا
لذلك حرمانه منها لأي سبب من الأسباب. ومهما تكن المخالفات التي ارتكبها
الشخص، فإن محاسبته عليها أمام العدالة ينبغي أن تكون وهو متمتع بجنسيته.
نزع الجنسية إجراء تلجأ غليه بعض الحكومات في حق معترضيها، غير أن في ذلك
مساس بحق أساسي من حقوق الإنسان. وبهذا المعنى، فإن النصوص المتعلقة بحقوق
الإنسان تمنح الأولوية لمايجب الحفاظ عليه بالنسبة لكل شخص على الاعتبارات
السياسية المجتمعية.
تتعلق الملكية بصفة عامة بشخص قانوني وفق المواصفات التي ذكرناها، ولذلك
فإن من حق الشخص الحفاظ على ملكيته وعدم المساس بها أو تجريده منها بأي
مبرر من المبررات. ويواجه الاعتراف بهذا الحق لجوء بعض الدول إلى نزع ملكية
بعض الأشخاص عقابا لهم على مخالفات ارتكبوها أو عقابا له على أفعال صدرت
عنه يكون فيها ما يطرح أسس النظام القائم موضع سؤال.
كذلك الحقوق المالية التي تعود إلى الشخص ،فإن من حقوق الإنسان عدم
تجريده منها بأية صفة من الصفات أو تبعا لأي مبرر من المبررات، إلا إذا كان
ذلك لمبرر قانوني تعود به بعض الحقوق إلى ذويها.
ينسجم مع ما ذكرناه سالفا احترام الحياة الخاصة لكل شخص وعدم التدخل
فيها أو محاولة توجيهها وفق مصالح تخرج عن وضعه ورغبته واختياراته. الحياة
الشخصية ينبغي أن تكون موضوعا لعدم اكتراث الآخرين لا موضوعا لانشغالاتهم
وتدخلاتهم فيها. ولكن هذه التدخلات تقع في الغالب في المجتمعات الأقل تقدما
حيث تداخل العلاقات قوي على الصعيد الأسري والمجتمعي في الوقت ذاته عامل
يسمح لمحيط الشخص القريب أو البعيد بالتدخل في الحياة الشخصية.
من حق الشخص القانوني أيضا أن يكون متساويا مع غيره أمام العدالة، دون
مراعاة أي فروق مجتمعية أو في المواقع المجتمعية التي قد يكون هناك ميل
ضمنها لإعطاء الامتياز لفئات دون غيرها.ففي تلك الامتيازات التي تتحقق بها
مصلحة البعض ضرر بالغير الذين يشتركون بدورهم في نفس مجالها.
ترسم الحقوق السالفة الذكر حدود الشخص الإنساني من حيث هو ذات فردية.
ونرى أنه بقدر تقدم المجتمعات في تنفيذ ميثاق حقوق الإنسان بقر مانجد أن
ذلك يصل إلى تطبيقها على الحياة الشخصية لكل أعضاء المجتمع، وبقدر ما
تتضاءل الفجوات الفاصلة بين النصوص والوقائع. وهذا هو الأمر الذي يجعل
الناس يشعرون أن هناك فعلا التزاما في كل مجتمع وعلى صعيد المجتمع الدولي
بتطبيق حقوق الإنسان كماهي واردة في الميثاق العالمي الخاص بها.
سواء تمت صياغة الحقوق في صيغة نزاهس أو في صيغة واجبات، فإنها دالة
جميعها على اعتبار الإنسان قيمة أسمى من كل ما يحيط به من كائنات، علما بأن
سمو القيمة هنا يعني وضع الإنسان فوق كل الاعتبارات التمييزية التي ماتزال
قائمة في كثير من المجتمعات والتي أصبحت منطلقا لكثير من الصراعات.
الإثنين أكتوبر 24, 2011 2:11 pm من طرف هذا الكتاب