تاريخ النشر: الخميس 24 مارس 2011
تم التحديث: الخميس 24 مارس 2011
أصبحت الفنانة كاروليندا تولستوي، التي تتمتع بموهبة طبيعية وبشغف دائم،
رائدة في صناعة يصعب في العادة اختراقها. وقد كونت تولستوي المبدعة دائما
مجموعتها الخاصة، ومشروعاتها ومعارضها أيضا.
لا أحد يدرك أحلامه مثلما تفعل كاروليندا تولستوي، ولا
أحد يعيشها كما تفعل. تقول تولستوي: «لقد أصبحت انعكاسا لأعمالي الفنية».
فمن خلال الشغف الدائم للابتكار والموهبة الاستثنائية كفنانة، أصبحت
تولستوي من الرواد البارزين في مجالها. غالبا ما يبدأ يومها في السابعة
صباحا وتقضيه في تشكيل الصلصال أو تصميم شال من الحرير، وهو ما يتقاطع عادة
مع ندوة أو محاضرة تلقيها، يليها تناول وجبة العشاء مع مؤرخي الفنون
والناشرين وأمناء المتاحف.
وفي المساء، تتفاعل تولستوي
مع السفراء ورواد جمع القطع الفنية ومصممي الديكور في أول حفل استقبال من
الأربعة التي سوف تحضرهم خلال المساء. ومن وقت لآخر، تخرج من طيات ثوب
شهرزاد الحريري الذي ترتديه نوتة صغيرة براقة تخط بها إحدى الرسومات التي
استلهمتها للتو. وبعد العودة إلى منزلها في لندن، بعد منتصف الليل، تلقي
بملابسها وتشعل الفرن أو تفتح حاسوبها وتفحص استراتيجيات تسويق عالمية
لأعمالها.
ما هو الحلم إذن؟ ترغب الكونتيسة كاروليندا
تولستوي التي تبدو كإمبراطورة من العصر الحديث في غزو العالم بتشكيلاتها
الأثيرية والحسية في الوقت ذاته - ربما يبدو ذلك أقرب لجنون العظمة بعض
الشيء. ولكن ليس هناك ما هو أبعد عن الحقيقة من ذلك. فهي أم حنون لثلاثة
أطفال استطاعت دمج الحلم والعمل والحياة ورفع إصبعها عن زر التحكم. فهي
تفضل استخدام يديها لمشاركة الإلهام «بالفرشاة والطلاء لتغيير العالم» كي
يتحول عالمها إلى عالم من السمو والدقة المتناهية.
«إذا
كان ممتدا بما يكفي فسأزينه» ذلك ما قالته تولستوي عندما وصلت إلى منزلها
بجنوب لندن للمرة الأولى، كان انطباعها عن الشارع طيبا بالفعل، فالنوافذ
كانت مغطاة بشبابيك أرجوانية اللون وكذلك أطرها. وعبر باب بنفسجي، تنتقل
إلى أحد أكثر المنازل أصالة في لندن، والذي تم تصويره في مجلة «هاوس آند
غاردن» وغيرها من مجلات الديكور والكتب.
يبدو أن كل
تلك الأسطح المغطاة بالبنفسجي والوردي والأرجواني والأسود هي جزء من عالم
شرقي مغطى باللفائف الذهبية، والأرابيسك وسيقان الأوراق. حيث تمتزج القطع
الأثرية بقطع الفن المعاصر، مما يخلق جوا من الثراء والحسية والأنوثة
والإبداع. حيث الحلم هو التيمة، المنزل، العمل، المرأة، والحياة. فهو على
نحو ما، وكأنه حلم صنع خصيصا، فقد أعادت تولستوي ترتيب منزلها أخيرا
ليتوافق مع متطلباتها، كقاعة عرض لقطعها الخزفية، وأعمالها الإبداعية
وكمكان للقاء العملاء ومكان للترفيه (والذي يوجد قدر كبير منه) وبالطبع
كبيئة عمل مساعدة على الإبداع. ولابنيها، كلاهما مصور، شقة بسيطة في الدور
العلوي.
وهناك كوات مقببة محفورة تغطي جدارا بأكمله في
غرفة المعيشة لعرض مصادر إلهام أعمالها. وهو ما يشتمل على أطباق إزنيق
عثمانية وإيرانية، وآجر دمشقي وآنية فخار لامعة من مانيسيس والأندلس. وفي
الدور العلوي، في المعرض الذي تستشعر فيه ظلالا من الحريم، وسائد من الحرير
التي زينتها تولستوي بنفسها والمستوحاة من المنمنمات الفارسية. ويعرض جدار
كامل من الكوات المضاءة أعمالها الخزفية. زهريات منتقاة، وأوان وأحصنة
تتلألأ في ألوانها الباستيلية البراقة فيما تضيف الأحذية التي زينتها
بنفسها والأثواب الحريرية والوسائد إلى المأدبة البصرية الثرية.
وقد
طورت تولستوي طريقة فريدة تطلق عليها «تطريز الفرشاة» وهي تقنية تزيين
باليد تغطي بها السطح بأكمله.. «لا يهم إذا ما كان النقش سيطول أم يقصر.
فهو يستمر في تغطية السطح بنفس الكثافة».
وتعمل
تولستوي المجددة دائما على تطوير مجموعات جديدة ومشروعات ومفاهيم جديدة
للمعارض طوال الوقت. متحررة من دوران دولاب الخزف، ومن نمطية الفخار
المقوس، تركز تولستوي على التصميم أكثر من التركيز على الخزف الذي اشتهرت
به على المستوى الدولي، بخاصة على الحرير. وعلى نحو غريب، فإن كل أعمالها
الجديدة من الخزف - عالم مشوه، فورمسكوي، وسحب وكنوز - تدفق معقد للخامات
حيث تحرر الخزف لكي يتحرك كالحرير. براق وثري. في البداية، جاء «عالم مشوه»
وهي منحوتات تجريدية حسية من الخزف تبدو وكأنها تزحف على الأرض «الأشكال
غير متوقعة، تتحرك وتتشكل بنعومة وحسية. فهي عاطفية وليست بصرية. إنها
تعبير عن ماهيتي، والحركة المتعرجة المستمرة والتي يمكنك أن تراها في كل
أعمالي».
وفي يوم حار بمرسم تولستوي، تُعلق ستائر
حريرية وردية اللون حول شجرة زيتون معدنية تعلق عليها الفورمسكوي البراق.
وقد لجأت تولستوي إلى أسلافها اليونان لكي تكشف عن أساطير حول جيوب جلدية
ذهبية تتدلى في أشجار الزيتون لحمل الزيتون والتي تحولت إلى عملات ذهبية
حيث يرمز الزيتون إلى الثروة في دول البحر المتوسط. وتحول تولستوي تلك
الجيوب الجلدية إلى صلصال براق.
وتنتقل السيميائية إلى
عملها «السحب»، معلقات من الخزف تبدو وكأنها تتحرك في موجات كطيات المعدن.
وهي تلخص براعتها في الخزف، خزف مطلي بالقصدير الذهبي البراق. «للسحب
وجهان كالبشر تماما. أحدهما للتغطية أو المراوغة التي نقدمها للعالم،
والجانب المقابل هو الأرض، الحقيقة الطبيعية لوجودنا».
وتجعل
أحدث مجموعاتها أيضا «كنوز» الصلصال يذوب في الحرير، منحوتات صغيرة تتحرك
بحرية وتتألق بتوقيعها الخاص اللامع والذهبي. وجاءت «كنوز» مرصعة بالأحجار
شبه الكريمة مثل الكوارتس الوردي والفيروز، والجمشت والياقوت.
ثم
هناك «امرأة من الحرملك» نفسها. جمال خلاب ليس فقط لما تبدو عليه ولما
ترتديه ولكن للسكينة التي تشعها. وعندما تزيح نظارتها الوردية، تظهر عيون
داكنة مزينة بالكحل، ومحددة بالذهبي ومظلله بالوردي في الحفلات. وباستثناء
أوقات العمل، فإنها تلتف بملابس من الحرير الوردي أو الأرجواني الوردي
رسمته بنفسها وزينته بأحجار حقيقية وجمشت مثبت في الذهب بالطبع. والغريب في
الأمر أن تلك المرأة ضئيلة الحجم والتي تتمتع بأنوثة ملكة شرقية لديها ذلك
القدر من الطاقة والقوة. حيث يجب على العامل بالخزف أن تكون له أظافر
قصيرة.
ولدت كاروليندا التي تنحدر من أسرة شرق أوسطية
ويونانية في إنجلترا، ودرست الفنون التطبيقية في باريس ولندن. ثم مارست
المهنة لمدة سبع سنوات في «شيلسي بوتري» وهي الفترة التي اختلف فيها ذوقها
وأعمالها إلى حد كبير عن الفنانين من حولها. وكانت المنمنمات قد بدأت عصرها
الذهبي، فقد عشق الفنانون المرموقون مثل برنارد ليش بساطة الأعمال الخزفية
الدقيقة لجنوب آسيا. ولكن تولستوي كانت منجذبة إلى المجموعات الإسلامية
بمتحف فيكتوريا وألبرت. وفي الوقت الذي كان فيه الطلاب يتوجهون إلى الخزف
المعاصر فقد كانت متشبعة بالتصميمات الإسلامية الهندسية التجريدية والتي
كانت مركبة ومزخرفة. وقد حملت ببراعة تقاليد الخزف الشرق أوسطي وحولته إلى
طريقتها الخاصة.
وانطلاقا من الأشكال الهندسية، بدأت
العمل على تصميمات من الورود والنباتات، والتي تخلق في النهاية تجريداتها
من التزيين باللفائف والأرابيسك. وقد بدأت ثوابت عدة في الظهور، أشكال
مستديرة وحسية وأنثوية وفخامة استثنائية. وإلى اليوم، لا يتفق ذلك مع ذوق
الجميع، ذلك الجسر المزخرف بكثافة بين الشرق والغرب وقتها والآن. ولكنّ
هناك عددا كافيا من الناس الذين يضعون قطعة براقة في شرفاتهم البسيطة حتى
أن المشترين من كبرى المتاجر بلندن بدأوا يطرقون بابها كما أن مئات من
المعارض الفنية الخاصة أو الجماعية عرضت أعمالها.
وفي
تقرير مهم بعنوان «خزفيات كاروليندا تولستوي» أبرز كاتبه إرنست غروب انغماس
تولستوي في النوع «الشرقي». الأستاذ غروب هو رئيس مؤسسة «إيست ويست» التي
يقع مقرها في نيويورك، وأول أمين متحف للقسم الإسلامي بمتحف متروبوليتان
الفني. وهو يكتب: «إن الكونتيسة تولستوي بلا شك هي الممثل الحديث للتقاليد
الشرقية الإنجليزية الموقرة».
وفي زيارة حديثة لذلك
المنزل حيث «تحققت الأحلام ولم تظل أحلاما»، كانت تولستوي التي تفيض حيوية
تصوغ مجوهرات خزفية براقة على الطراز البيزنطي. وقد عرضت علي مجموعة جديدة
من «الفن المسطح» – لوحات مرسومة بالزيت والأكريلك، مضيئة بدفقات من نثر
المرمر والذهب والفضة. وإذا كنت محظوظا بما يكفي لكي تحضر واحدة من حفلات
تولستوي، ستتمكن من دخول عالم سحري تتحرك عبره «المرأة من الحريم» التي
خلقتها بنعومة. فورمسكوي والمصابيح الصغيرة المتدلية من الأشجار التي تحتوي
على الشموع الفواحة وتلقي بظلال من الأرابيسك على المصطبة المطلية. وقد
خلقت تولستوي كل شيء - المصابيح، الأطباق، القوارير والطعام الشرقي.
إنه
كالدخول إلى عالم ألف ليلة وليلة بنفس الانفعال من الشغف الكامن والحيوية
التي يمكن أن يخسر عبرها أي أحد رأسه أو موقعه الاجتماعي على الأقل. إنه
ذلك الالتزام العاطفي الذي يجعل عمل تولستوي متفردا ومشبعا ومرغوبا فيه