مرّ خبر انتهاء عهد عمرو موسى وتسلم نبيل العربي موقع الأمين العام لجامعة
الدول العربية، وكأنه خبر اجتماعي لا يعني إلا أصحابه والأصدقاء
المقربين... أو ـ في أحسن الحالات ـ «خبر إداري» لا يهم إلا الموظفين
والسفراء المنتدبين لتمثيل الحق العربي أو وجهة النظر العربية (؟) في
الخارج، وكأن للعرب رأياً موحداً أو موقفاً مشتركاً مما يجري في بلادهم،
بدءاً بفلسطين وانتهاءً بها، أو في العالم من حولهم.
فبعض الشعوب
العربية تخاف على دولها من الزوال وبعض آخر يخاف على دوله من التفكّك
والتقسيم إمارات طائفية ودوقيات عنصرية، وبعض ثالث يخاف على دوله من
التقهقر رجوعاً إلى عصر الاستعمار باعتباره ضمانة وجود الدولة!
مع
ذلك، أو برغم ذلك، لا يجوز أن يخرج عمرو موسى من موقعه السامي كأمين عام
لجامعة الدول العربية بغير وداع يليق به وبهذه المؤسسة العريقة التي يعمل
الكثير من الدول الأعضاء فيها لجعلها أثراً من الماضي لا ضرورة لأن يكون
في المستقبل.
يكفي أن عمرو موسى قد استبقى من هذه الجامعة ما يستحق
أن يسلّمه لخلفه، نبيل العربي، الذي جاء من المدرسة الدبلوماسية المصرية
ذاتها التي حاولت جاهدة أن تنقذ ما يمكن إنقاذه من الدور والهوية عندما
اقتاد الرئيس المصري الراحل ـ اغتيالاً ـ أنور السادات «المحروسة» إلى
خطيئة الصلح المنفرد.
وبطبيعة الحال فإن هذه الجامعة لم تعد ما كانته
قبل أن تحرجها مصر ـ السادات فتخرجها إلى المنفى التونسي، ثم أعادتها أو
استعادتها بعدما «غفر» النظام العربي «الخطيئة المميتة» بذريعة أن مرتكبها
قد نال جزاءه... وكأن المشكلة مع السادات كانت شخصية.
كذلك فإن هذه
الجامعة تفتقد دورها لأن أهلها قد غادروها بمعظمهم، فالأغنياء منهم تجمعوا
في مجلس مذهّب بديل، في حين ينشغل الفقراء بثوراتهم التي لما تنتصر تماماً
فتغيِّر مستعيدة لدولهم هويتها، ما يعيد النبض إلى هذه المؤسسة المحكومة
بأن تسير بخطى أضعفهم... ولا أحد يعرف الآن مَن هو الأضعف، لا سيما وقد
فقد «العرب» أسباب قوتهم أو تاهوا عنها فأضاعوها وضاعوا.
ولعل لبنان،
الذي كان واحداً من المؤسسين، أكثر مَن يفتقد دور هذه الجامعة ـ الحاضنة
التي جعلتها الأقدار بحاجة إلى من يحتضنها ويعيد إليها الاعتبار، خصوصاً
وقد خرج معظم أهل النظام العربي من هويتهم القومية وعليها.
إن
الخريطة السياسية للوطن العربي يُعاد تشكيلها الآن وفق معطيات مختلفة وضمن
ظروف مختلفة.. وبالتالي فإن جامعة الدول العربية بحاجة إلى من يعيد
استيلادها وتجديد دورها بما يتناسب مع طبيعة المرحلة المقبلة والتي ما
تزال ملامحها غامضة، خصوصاً وقد تزايد عدد الذين لهم مصلحة في «التحرر» من
أي قيد على حركتهم وتبديل مواقعهم والهوية، إن تسنى لهم ذلك.
فليس
سراً أن العديد من الأنظمة العتيقة ترغب وتتمنى وتعمل للتحرر من «العروبة»
ولو تمّ تقزيمها في «وحدة الصف»... فالصفوف متعارضة الآن، وقد باتت
الإدارة الأميركية طرفاً مقرراً في الشؤون العربية، أما إسرائيل فدولة
عظمى لها حق الفيتو على أي قرار عربي، إذا ما أمكن اتخاذ قرار عربي موحّد،
في المستقبل القريب.
ولقد استمر عمرو موسى، في السنوات القليلة
الماضية، أميناً عاماً لمؤسسة عتيقة لا يريد أحد أن يتحمّل مسؤولية قتلها
تماماً، كما أن أحداً لا يريد لها الحياة... وهو دور برع فيه «أبو حازم»
فشغل نفسه بمؤتمرات ومشاركات دولية كثيرة، فيها الثقافي والاقتصادي
والسياسي والفكري، وحصد من الصور ما يؤكد الحضور في قلب الغياب.
أما
نبيل العربي الذي أعاده «ميدان» ثورة مصر إلى وزارة الخارجية، وتنبهاً إلى
حتمية أن يكون لمصر دورها العربي وإلا فإنها سوف تظل تعيش خارج هويتها،
إلى جامعة الدول العربية، فلسوف يكون عليه أن يقاتل حروباً كثيرة قبل أن
ينتزع الاعتراف بأنه صاحب دور وليس موظفاً وبأنه يريد ويسعى لأن تكون
الجامعة في المستقبل ومنه وليست من الماضي وفيه.
والرهان على عروبة
الثورات التي تعيد تشكيل خريطة الدول وتؤكد فيها ولها هويتها العربية التي
تبرّر وجود الجامعة كمؤسسة تؤشر إلى المستقبل وليست مجرّد ذكريات موروثة
من الماضي