تمهيدٌ لا بدَّ منه
يبدو البحث عن المحتوى الثقافي العربي في برامج الأطفال بالقنوات
التليفزيونية كالنبش عن إبرة في كومة من القش. فالبحث هو عملية عكسية تأتي
بعد حضور ما نبحث عنه، الذي يظهر نتيجة للتخطيط له.
فإذ علمنا بغياب التخطيط لجُلِّ ما يبث لأطفالنا، أو أيقنا بغياب مقومات
المحتوى المفترض العثور عليه، بدا ذلك البحثُ عبثيا، إن لم نفترض عكس ذلك،
وهي الفرضية التي نستجيب لها ونحن نحلل مضمون المواد التي تبث عبر تلك
القنوات.
من هنا تأتي دراسات المحتوى لتجيب عن الأسئلة الهاجسة، ولدينا سؤالان أساسيان، هما: ماذا قيل؟ وكيف قيل؟
ومن الضروري قبل الخوض في هذا التحليل، استعراض مجال البحث، وهو القنوات
التليفزيونية المخصصة للأطفال، أو البرامج المخصصة للأطفال في خريطة
القنوات العامة، قبل الخوض في محتوى تلك المواد المتلفزة.
ضوضاء في الفضاء
بات إطلاق قناة تليفزيونية أمرًا يسيرًا، لا يتطلب سوى قرار، وحفنة
نقود، تضمن حيزًا في قمر صناعي، عربي أو غربي. ولم تعد تلك العملية حكرًا
على الحكومات والدول، بل أصبحت متاحة للمؤسسات والأفراد، على حد سواء، بعد
أن أصبح توافر مكان صغير (قد يكون شقة متواضعة) مناسبًا لإدراج مكائن تسمح
بتبادل شرائط تعرض تلقائيا أو تقنية بث لمتحاورين على منضدة يواجهون آلة
تصوير تلفزيوني.
قبل عدة عقود كان يمكن الحديث عن بضعة قنوات عربية تزاحم الفضاء الذي
شغلته قبلها قنوات تليفزيونية أطلقها الغرب. يمكننا بداية أن نوجز هنا
مسردًا لدخول التلفزيون إلى حياة سكان الأرض، وارتباط عوالم هؤلاء إلى
التلفزيون.
إذا عدنا لبداية البث التليفزيوني في العالم، سنجد أنه يحتفل بعيده
الماسي، وأن ثلاثة أرباع القرن قد شهدت تحولاتٍ جذرية في صعود هذا الجهاز
العجيب ـ التليفزيون ـ ليمثل قمة الحراك الاجتماعي في العالم كله.
كانت بريطانيا هي أول من يقدم خدمة البث التلفزيوني المنتظم في عام
1936، من خلال هيئة الإذاعة البريطانية BBC التي تعتبر أيضاً أولى مؤسسات
التلفزة التي تقدم التصوير والبث الحي من خارج الاستوديوات المغلقة. وهو
أمر مختلف عما شهده عام 1935 عندما عرف الألمان للمرة الأولى خدمة الإرسال
التلفزيوني. وفي العقد نفسه (1939) دشنت فرنسا أول إرسال تلفزيوني منتظم من
برج ايفل، وفي العام نفسه انطلق البث التلفزيوني المنتظم للمرة الأولى في
موسكو، إذ وظف السوفيات ـ رواد الفضاء آنذاك ـ الفضاء في الإرسال عبر
الأقمار الاصطناعية، لتصبح محطة موسكو من بين أوائل المحطات التلفزيونية في
العالم التي بثت برامجها فضائياً إلى العالم، كما استطاعت اليابان أن تلحق
بذيل العام 1939 لتبدأ البث التجريبي للتليفزيون الذي بدأ أمريكيا في
مادته قبل أن يتراجع ليمثل 5 بالمائة في مقابل 95 % من المواد المحلية.
عرفت حقبة الخمسينات بأنها عصر التلفزيون الذهبي، وتنافست شركات التلفزة
الأميركية الثلاث الكبرى NBC وCBS وABC حول اقتسام تلك الكعكة الإعلامية
الطازجة، بل وغطت شركة CBS حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 1952،
وهو ما جعل كفة جون كينيدي ترجح أمام منافسه ريتشارد نيكسون.
وفي العقد نفسه دخل التلفزيون إلى الصين بمساعدة تقنية من الاتحاد
السوفياتي (1958)، وهو ما استمر عقدًا قبل أن تقلص الثورة الثقافية (1966
و1967) محطات التلفزة الصينية إلى واحدة مكرسة للشعارات الرسمية.
في عام 1951 أجرت الشركة الفرنسية لصناعة الراديو والتليفزيون أول تجربة
للإرسال التليفزيوني بمصر، عندما صورت حفلات أقيمت بمناسبة الزواج الثاني
للملك فاروق، واستغلت الشركة ذلك في الترويج لصناعتها وعرضت على الحكومة
المصرية إقامة محطة تليفزيونية بالقاهرة، ولم تكتفِ بذلك بل قامت بوضع عدد
من أجهزة التليفزيون في عدد من النوادي العامة على سبيل الدعاية، وقامت ببث
سهرة شاهدها أعضاء هذه النوادي.
بعد ثورة 23 يوليو 1952، بدأت الدولة تستعد لإنشاء مبنى للتليفزيون،
ورصدت مبلغ مائة وثمانية آلاف جنيه لإقامة مبنى الإذاعة والتليفزيون على
مساحة 12 ألف متر مربع، وهو المكان الحالي بشارع ماسبيرو المطل على كورنيش
النيل، وسخرت الدولة جيشا من العاملين لإنجاز المهمة وحددت منتصف عام 1957
موعدا لافتتاح المبنى إلا أن وقوع العدوان الثلاثي (1956) أجل خطط مصر
المعلنة ببدء الإرسال التلفزيوني، إلى عام 1959 حين وقّعت مصر اتفاقية مع
هيئة الإذاعة الأمريكية RCA زودت بواسطتها البلاد بشبكة إرسال تلفزيونية.
وفي الحادي والعشرين من يوليو في العام التالي بدأ إرسال أول قناة
تلفزيونية في تمام السابعة مساء لمدة خمس ساعات وكانت البداية بالقرآن
الكريم، ثم حفل افتتاح مجلس الأمة، ثم خطاب الرئيس جمال عبد الناصر، ونشيد
وطني الأكبر، فنشرة الأخبار، والختام بالقرآن الكريم. كانت بداية
التليفزيون بقناة واحدة وهي القناة "! أو ما أطلق عليها فيما بعد بالقناة
الأولى، وبدأت ساعات الإرسال في التزايد من خمس ساعات في البداية إلى ست،
ثم إلى ثلاث عشرة ساعة، وبعد ذلك أنشئت القناة الثانية وكانت تسمى بالقناة
7.
رسميا بدأ أول بث تلفزيوني عربي في بغداد مطلع مايو 1956، عقب مشاركة
شركة باي البريطانية في معرض استضافه العراق، قامت بعده الشركه بتجهيز
العراق بأجهزة بث اقتصرت على بغداد، وانطلقت أواخر الستينيات شمل البصرة
والموصل وكركوك.
وفي نهاية شهر ديسمبر عام 1956 أقيمت بالجزائر مصلحة بث محدودة الإرسال،
استحدثت من أجل الجالية الفرنسية لقوات الإحتلال، اقتصر بثها على مدن
قسنطينة، ووهران والجزائر العاصمة.
في لبنان وضع حجر الأساس لمبنى التلفزيون في العام 1957، وبدأ البث في
مايو 1959 بلغتين: اللغة العربية فيما عرف بالقناة 7، وباللغة الفرنسية
فيما سمي بالقناة ، بمشاركة شركة أر تي أف الفرنسية، قبل أن يشيد مبنى شركة
تلفزيون لبنان والمشرق عام 1961 ليبدأ بث القناة 11 باللغة العربية، وكان
معظم مساهميه من الفرنسيين.
وفي مساء 23 يوليو 1960، بدأ التلفزيون العربي السوري إرساله في دمشق
لمدة ساعة ونصف فقط في اليوم الأول من داخل استديو متواضع شُـيِّـدَ بجانب
محطة الإرسال
أما دولة الكويت فكانت أول دولة خليجية تؤسس محطة تلفزيونية رسمية. وقد
بدأ إرسال هذه المحطة في الخامس عشر من نوفمبر 1961. وكان بثها يلتقط في
بقية أقطار الخليج بوضوح، خاصة في الصيف، كما أنشأت الكويت عام 1969 محطة
إرسال تلفزيوني في دبي تحت اسم تلفزيون الكويت من دبي.
تلك المحطات العربية الأولى ـ وما تلتها من محطات تلفزيونية مبكرة ـ
تشير إلى أمرين، الأول الارتباط الوثيق بين استقلال الدول وإعلامها الذي
بدأ يستخدمُ وسيطا جديدًا له تأثير غير محدود، والثاني هو الارتباط الأشد
بين التقنية المتاحة في الساحة العالمية، مع المحتوى الموجود في تلك
الساحة، وهو ما جعل من دخول المواد المعلبة المجهزة الغريبة عن مجتمعاتنا
العربية مؤثرًا في تشكيل الثقافة، ومحركا لتأسيس ردة فعل تقدم موادًا محلية
للثقافة العربية، تستنطق مجتمعاتها، وتجسد آدابها، وتستلهم فنونها.
بعد عقدي التأسيس (في خمسينيات وستينيات القرن الماضي)، بدأ عقدان
جديدان على التليفزيون العربي (في السبعينيات والثمانينيات)، شهدا هجرة
مكثفة من الإعلاميين العرب ـ لظروف سياسية واقتصادية ـ للإعلاميين إلى لندن
وباريس وعواصم أوروبية سواهما، ليشكلوا عمودًا فقريا لمؤسسات غربية موجهة
للدول العربية، وليعود هؤلاء لاحقا ليؤسسوا وجه الفضاء الإعلامي الجديد مع
ثورة البث الفضائي المباشر.
وقبل أن تنتهي الألفية الثانية، تبدأ الثورة اللاحقة التي أشرنا إليها،
في العقد الأخير من القرن العشرين، بابتداع ما قد يكون (قناة لكل مواطن)،
سواء بأن يكون مؤسسها، أو متابعها، أو متصلا بها، أو خاضعًا لتأثيرها هو
وعائلته، حتى أصبح من العسير حصر تلك القنوات وتصنيفها، وإن كانت تقسم في
معظمها بين إعلام رسمي قد لا يتوخى الربح مقابل ما ينفق على تلك الآلة
الإعلامية، وإعلام خاص يقوم على بيع المنتج التليفزيوني عبر الشاشة،
بإعلانات تتخلله، أو رسائل تصل إليه، وغيرها من الأساليب.
برامج الأطفال في قنوات التليفزيون العربي
شهد التلفزيون العربي (التلفزيون العربي : القنوات العربية التي تبثها
أجهزة التلفاز) إضافة مادة للمشاهدين الصغار، وبدأت برامج الأطفال في
التلفزيون العربي أبوية، بمعنى أنها قدمت سلطة بديلة للآباء تتمثل في وجود
(أب مكافيء) أو (عم مقابل) أو (أم مماثلة)، حيث تقوم هذه السلطة بدور
الآباء في الرعاية العلمية والاجتماعية والترفيهية لمشاهدي التلفزيون
الصغار خلال وقت البرنامج، وقد جاء دخول برامج الأطفال للتلفزيون لاحقا
بالطبع لحضورها بالإذاعة.كما عُرفت ـ مع العقد الأول لتأسيس التلفزيون
العربي ـ أسماء عديدة في الدول العربية.
في عام 1964 دخلت السيدة أنيسة محمد جعفر ـ الشهيرة بماما انيسة (مواليد
مدينة الكويت عام 1935م) ـ تلفزيون الكويت لتقدم اول برنامج للاطفال في
الكويت والخليج. كانت السيدة أنيسة بين أوائل المذيعات ومقدمات البرامج
بتلفزيون الكويت من بداية الستينات وكانت ثالث مذيعة بالتلفزيون تخصصت في
برامج الأطفال، بعد حصولها على عدد من الدورات التدريبية بالتلفزيون العربي
بمصر (1962) وإذاعة بي بي سي ((1964 . وكان من برامجها في التلفزيون
للأطفال (جنة الأطفال)، (مع الأطفال)، (مجلة الأطفال)، (نادي الأطفال)،
(صبيان وبنات)، (الأطفال والصيف)، (ماما أنيسة والأطفال)، وهو البرنامج
الذي أعطاها لقبها الأشهر حتى اعتزالها العمل في 1984م.
أما أول برنامج أطفال محلي عرض في التلفزيون العربي بالمملكة العربية
السعودية فقد كان في شهر رمضان المبارك من عام 1385هـ (ديسمبر 1965م) حيث
تنافست قناتا الرياض وجدة على هذا البرنامج بمسميين، ففي محطة تلفزيون
الرياض كان هناك برنامج (بابا علي)، نسبة إلى مقدِّمه علي الخرجي ومقدمته:
أهلاً أهلاً أهلاً بيكم .. بابا علي يرحب فيكم، وكان البرنامج يتكون من
أنشودتين وتمثيلية وردود ومقابلات من أجل التعارف. أما في جدة، فقد كان
هناك برنامج بعنوان)بابا أمين) نسبة إلى مقدمه أمين سالم الرويحي، من إخراج
ميشيل قطريب ومن أبرز القائمين عليه المخرج والملحن صافي مفتي، وكانت شارة
بداية برنامج أطفال جدة ، وهي من أداء عائشة وسامية ووفاء بنات مراد من
كلمات فاطمة زكي وألحان صافي مفتي: مين فيكم مين اللي يغير مني، مين الشاطر
مين يقدر يقلدني، مين فيكم مين!
ومن الوجوه اللبنانية على شاشة تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال
المنتجة والمؤلفة ديزيريه فرح التي كانت مسئولة عن دائرة الأطفال فى
المؤسسة اللبنانية للإرسال (1993- 2001 ) وأعدت وقدمت برامج عديدة
للمشاهدين الصغار منها بيت بيوت (1986 ـ 1989)، و (صار وقت النوم) من 1989
إلى 1991، و(ديدي وجوجو) عامي 1991 و1992، و(كيف وليش) بين 1993 و2001،
و(Big Beit) في عامي 2002 و2003.
كما اتجه أعلام الفن في مصر والعالم العربي لتقديم برامج خاصة بالأطفال،
من بينهم عبد المنعم مدبولي وفؤاد المهندس ويونس شلبي وهالة فاخر وآخرون.
ولدت الفنانة هالة فاخر في الثامن من يونيو 1946، في بيت فني ، فوالدها هو
الممثل الراحل فاخر فاخر. تتعلق الطفلة هالة بالتمثيل ، فيختارها المخرج
حسن الإمام في فيلم : لن أبكي أبدا (1957) وعمرها لم يتجاوز الحادي عشر ،
وبعد انخراطها في عالم التمثيل لأكثر من ثلاثة عقود يجعلها المخرج الراحل
رحمي بطلة مسلسل العرائس الذي لاقى نجاحا كبيرا في وقته : بوجي وطمطم ، مع
الفنان يونس شلبي . وقد ساهمت الفنانة هالة فاخر من خلال قدرتها الهائلة
على الارتجال ، وعلى رؤية المدهش في كل ما هو عادي ، أن تكون قريبة من عالم
الأطفال ، وأن تكون من أكثر الممثلات قدرة على تقديم كل ما هو ملائم
للطفل.
وكان من بين أشهر البرامج الذي استمر سنواتٍ طوالا وقدمها التلفزيون
المصري يوم الجمعة (العطلة الأسبوعية): برنامج (سينما الأطفال) للسيدة عفاف
الهلاوي، والذي كان يجمع بين تقديم مادة فيلمية، أجنبية مترجمة أو تعلق
عليها وتلخصها المقدمة، مع قراءة وعرض مشاركات مشاهدي البرنامج التي ترد
بالبريد إلى (ماما عفاف).
في العام 1954 تعرف العراقيون على فن الدمى (عرائس التحريك) بعد زيارة
مدينة الألعاب المصرية (لونا بارك) لبغداد لتقديم بعض من ألعابها، استهوت
فنانين عراقيين أبدعوا في تقليدها وابتكار أشكال أخرى منها، وشكلوا لها
فرقًا قدمت هذا الفن في التلفزيون عبر برامج كثيرة خصصت للأطفال مثل برنامج
(القره قوز)، فضلا عن المشاركة في إنتاج أكبر برنامج للدمى موجه للأطفال
هو النسخة العربية من برنامج (إفتح يا سمسم). استمر برنامج (قره قوز) الذي
كان يقدم على الهواء مباشرة قرابة العام، وكان يقدمه عبد الستار عبد الرزاق
بمساعدة فكري بشير، وقد زامن هذا البرنامج قيام برنامج إذاعي يحمل نفس
التسمية (قره قوز) قدمه الثنائي أنور حيران وطارق الربيعي؛ اللذان انتقلا
لاحقا إلى التلفزيون عندما ترك عبد الستار العزاوي العمل في التلفزيون ، ثم
توسع عملهما ليشمل نشاطهما المدارس فقدما أول عرض لهما في الإعدادية
الشرقية ببغداد عام 1956م أطلقا عليه أسم (رحلة إلى قمر).
ويمكن أن نستمر ـ بلا انقطاع ـ في استحضار نماذج للعاملين والبرامج
الموجهة بهذا القطاع الثري المتخصص، ولكننا اكتفينا بهذه الشذرات التي تقدم
صورة مبسطة عن هذا العالم.
في إطار ما تحتاجه أفلام الأطفال المصورة والمرسومة والمتحركة من
ميزانيات ضخمة، فقد كانت البداية، قبل دخول عالم التحريك لعصر الكمبيوتر،
تعتمد على مواد أجنبية على الأغلب، بين أفلام ومسلسلات وبرامج. وأدى زيادة
عدد المحطات التلفزيونية، وزيادة البث الخاص بكل منها، وشغف الأطفال بذلك
الوسيط الجديد إلى أن تستورد الحكومات وشركات الإرسال العربية موادًا
أجنبية، تترجمها حينا، وتدبلجها حينا آخر، وتعربها أحيانا، ويحظى بعضها
بالرقابة والحذف كذلك. وكانت أفلام الرسوم المتحركة مثالا أول مادة أجنبية
تعرض على شاشة التلفزيون السعودي أول أيام فترة إرساله التجريبية (السبت 19
– 3 – 1385هـ الموافق 17 يوليو 1965م)، قدمها المذيع بقوله: نستهل برامجنا
بباقة من الرسوم المتحركة لأحبائنا الصغار.
وكان التلفزيون العربي في المملكة العربية السعودية نموذجًا لما درجت
وتدرج عليه باقي المحطات، وحتى اليوم، مع تأسيس قنوات متخصصة للأطفال.
وقد استقدمت أفلام من شركة بارامونت (Paramount) ومن شخصياتها المعروفة
لولو الصغيرة وكاسبر الصديق الودود وأودري الصغيرة وجابي. وقدمت أستوديوهات
فليشر (Fleisher Studios) وهي التي قدمت شخصيتي بوباي البحَار والفتاة
بيتي بوب ورفيقها جرامبي.
أما الشركة الأشهر في مجال توريد المواد الفيلمية المرسومة والمصورة فهي
والت ديزني (Walt Disney) وهي شركة رسوم متحركة ترفيهية مستقلة، هي اليوم
من عمالقة منتجي الأفلام السينمائية، وأهم شخصياتها الكرتونية الفأر ميكي
ماوس ودونالد كاك (بطوط) وجوفي (بندق) وصديقتاهم زيزي وميمي، والكلب بلوتو
والسنجابين شيب وديل.
كما أن هناك شركة فوكس القرن العشرين (Fox)
وأهم ما أنشأت من استوديوهات تيري تونز (Terry Tons) الذي أنتج شخصياتها
الكرتونية (مايتي ماوس) و(دوبيتي دوك) والغرابين الضاحكين هيكل وجيكل .
أما شركة هنَا ـ باربيرا (Hanna-Barbera) فهي شركة مستقلة أسسها كل من
وليام هنَا وجوزيف باربيرا المنشقين من شركة مترو جولدن ماير (MGM) عام
1955، ومن أهم شخصيات أفلامها الكرتونية (توشي ترتل ودام دام) و(سكوبي دو)
و(فلنتستون) و(توب كات).
ثم تأتي شركة وارنر بروذرز (Warner Brothers) التي قدمت أفلام ومسلسلات
ورسومًا متحركة منذ عشرينيات القرن الماضي، ولها أستوديوهان رئيسيان قدما
الكثير من الكرتون هما Looney Tunes وMerrie Melodies ومن أشهر شخصياتها
الكرتونية الأرنب المشاغب (بجز باني) وشخصيات أخرى مثل البطة دافي داك
والصياد إلمار فود والخنزير الصغير بوركي بيج.
ومن الشركات العريقة في هذا المجال يونيفيرسال Universal التي قدمت
الكثير من الأفلام والمسلسلات ومن ضمنها الشخصية الأكثر شهرة نقار الخشب
وأصدقائه.
ويمكن الإشارة كذلك لشركة (MGM) التي قدمت أفلامًا سينمائية ومسلسلات
تلفزيونية ورسومًا متحركة قبل أن تتعرض استوديوهاتها الكرتونية في عام
1955م لهزة عنيفة هجرها على إثرها معظم القائمين على صناعة الكرتون ومن
ضمنهم جوزيف باربيرا ووليام هنَا اللذين أسسا شركة خاصة بهما. وقدمت ( MGM )
شخصيات أهمها القط توم والفأر جيري الشهيرين.
كما نذكر في هذا السياق شركة ديبيتي- فريلينق Depatie – Freleng
Enterprises وهي شركة كرتونية قدمت شخصيات شهيرة مثل بينك بانثر وآكل
النمل.
وكان أول مسلسل كرتوني ناطق باللغة العربية بعنوان مغامرات سندباد، وهو
مسلسل رسوم متحركة ياباني أنتج في منتصف السبعينات عن قصص تراثيه من بغداد.
وقد عرض في صيف أغسطس 1979 بالتلفزيون السعودي. كان ذلك بداية لعدد من
المسلسلات المنتجة في اليابان الناطقة باللغة العربية الفصحى، وجاء بعد
(مغامرات سندباد) مسلسل (مغامرات الفضاء يوفو جراندايزر) ومسلسل (لولو
الصغيرة) ومسلسل (الليث الأبيض)، باكورة لعدد هائل من المسلسلات المدبلجة
منها (الرجل الحديدي) و(جزيرة الكنز) و(سنان) و(بشَار) و(عدنان ولينا)
و(زينة ونحول) و(ساندي بل)، وقد تمت دبلجتها في لبنان أو الكويت.
والواقع إنه حين يقوم المنتج الغربي بإعادة تفصيل الأحداث والشخصيات، بل
والتاريخ العربي، وفقا لتصوراته، فيمكننا أن نكتشف حفنة من الأخطاء في كل
درب. فالمتابع للمسلسل (الذي يأتي تاليا لفيلم عاشت شخصياته في الحلقات
التلفزيونية التي تعرض في كافة قنوات العالم بلغات عدة)، فزي الأميرة
ياسمين بنت السلطان هو أشبه بلباس الجواري، يظهر الصدر والكتفين والبطن،
فضلا عن كثير من طقوس السحر والنوم على المسامير التي تتناثر في كافة
المشاهد، وكأن الشرق معادل للشعوذة والماورائيات، وهو تعميم تطلقه ديزني
على المجتمع الشرقي وتعاطيه مع أمور الحياة.يخترق الأمير أحمد بجواده حشود
الفقراء بتكبّر وغرور محاولاً جلد طفلين يمرّان أمام حصانه، فيمنعه علاء
الدين، الذي تحول في المشاهد الأولى للص عبثي، . كما عمدت ديزني الى تصوير
السلطان على أنه شخص أبله، يسيطر عليه وزيره ويتخذ القرارات بدلاً منه في
حين تُظهر الأفلام والمسلسلات الأميركية في المقابل، ومنها أفلام من إنتاج
ديزني، الرئيس الأميركي على أنه قائد مطلق الصلاحيات، ومتنبّه دائماً لسير
الأمور في البلاد ولا يغفل عن أي خائن أو متلاعب بمصالح الوطن.
دراسات سابقة
هذا الحضور المبكر لبرامج الأطفال ـ أصيلة ومعربة، عربية وغربية ـ
وازاهُ حضورٌ مماثل لدراسات وردود أفعال بحثية وإعلامية تناقش محتوى هذه
البرامج. ويمكننا أن نأخذ نموذجًا للدكتور عاطف عدلي العبد عبيد، (عاطف
العبد)، ممثلا لذلك الكم الهائل من الدراسات المعنية بالطفل وعلاقته
بالتلفزيون. فبعد نيله درجة الدكتوراه في الإعلام في قسم الإذاعة بكلية
الإعلام جامعة القاهرة عام 1984 حول دور التليفزيون في إمداد الطفل
بالمعلومات من خلال برامج الاطفال، دراسة تحليلية وميدانية، بإشراف الدكتور
سمير محمد حسين، والدكتورة منى الحديدي، ناقشتها لجنة منهما وعضوية
الدكتور حامد زهران، والسيدة سامية صادق رئيس التليفزيون المصري آنذاك، بدأ
عاطف العبد حياة عملية خصها بإنتاج عشرات الأبحاث والكتب والدراسات
التطبيقية في المجال نفسه منها: عادات وأنماط مشاهدة الاطفال في سلطنة عمان
لبرامج الاطفال التليفزيونية (مجلة البحوث الإعلامية، قسم الإعلام، جامعة
الأزهر، يوليو 1994)، الطفل ووسائل الإعلام (المجلة العربية للطفولة
والتنمية 2002)، الطفل العربي بين وسائل الإعلام وأجهزة الثقافة (بالاشتراك
عن المجلس العربي للطفولة والتنمية، 1988)، الإعلام المرئي الموجه للطفل
العربي (دار الفكر العربي ، 1989)، برامج الاطفال التليفزيونية، دراسة
تحليلية وميدانية (دار الفكر العربي 1986)، علاقة الطفل بوسائل الاتصال
(دراسة ميدانية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988)، برامج الاطفال من
تليفزيون سلطنة عمان، دراسة ميدانية استطلاعية (مسقط، مطابع الألوان
الحديثة، 1993) الإعلام وثقافة الطفل العربي (القاهرة، دار المعارف، سلسلة
اقرأ603، نوفمبر 1995)، بل من الطريف أن نذكر أن عالم العبد المشغول بهاجس
دراسة تأثير الإعلام ـ والتليفزيون خاصة ـ على الطفل العربي في مصر وسلطنة
عُمان والدول العربية قد جعل ابنته تتخصص في المجال ذاته. وتقول ابنته نهى
عاطف العبد في دراسة أجرتها على التلفزيون الذي شكل موضوع رسالتها لنيل
درجة الماجستير في الإعلام أن "الطفل يشاهد في التلفزيون برامج تحوي مضامين
موجهة الى جمهور يكبره سناً ما يؤدي الى نموّه قبل الأوان". وتضيف: "فهو
يتجرّع كمية ضخمة من العنف والإباحية التي في حال عدم فهمه لها، يختزنها في
ذهنه للمستقبل"، مطلقة على "ما يحدث عبارة تأثير البيت الساخن".
ظاهرة البيت الساخن هي إحدى الظواهر التي تشير إليها الدراسات السابقة
في هذا المجال، ويمكن أن نوجز ظواهر تقدمها دراسات متعددة في دول العالم
العربي:
- الاعلام المرئي الموجه للطفل العربي، دراسة ميدانية وتحليلية
(دراسة:عاطف العبد، القاهرة 1989): تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في
مقدمة الدول المصدرة للرسوم الأجنبية بنسبة 30.78% تليها بريطانيا بنسبة
15.39% ثم ألمانيا فاليابان وفرنسا ودول أوربية أخرى بنسبة 7.69% وكل يوم
تعرض الشركات العالمية المتخصصة في صناعة السينما والإنتاج التلفزيوني مثل
Walt Disney (والت ديزني) و Dream works (دريم وورك) و Warner Brothers
(ورنر بروذرز) وParamount (بارا ماونت) وغيرها من شركات هوليوود العالمية
المتخصصة في صناعة السينما وأفلام الكارتون وبرامج الأطفال بشكل خاص، والتي
أصبحت متداولة في كل بلدان العالم، و مدى تعلق الأطفال بما تنتجه هذه
الشركات من أفلام بل وأصبح الطفل يترقب ما هو جديد من أفلام.
- أثر أفلام الكارتون في تصورات أطفال المرحلة الابتدائية حول رؤية
الذات الإلهية لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية بدولة الكويت (دراسة د. بدر
حمد العازمي، ود. فهد خلف اللميع (كلية التربية الأساسية، دولة الكويت):
استحوذت أفلام الكارتون استحوذت على شاشات التلفزيون العربي سواء الفضائية
منها أو الأرضية حيث بلغت نسبة عرض أفلام الكارتون 73.5% من مجموع برامج
الأطفال في تلفزيون دولة الكويت و 66.7% في القناة الأولى لتلفزيون المملكة
العربية السعودية وترتفع إلي 85.8% في الأجازات ونهاية الأسبوع وفي
تلفزيون دبي بلغت 64.7% وأخيرا 50% في تلفزيون عمان. وتعد بيئة بيئة الطفل
مجالا خصبا لزرع وترسيخ وبناء والتزويد بالقيم والمفاهيم ومعارف ومعلومات
مختلفة، ويجب على الأسرة متابعة ومعرفة ما يعرض في وسائل الاعلام خصوصا
أفلام الكارتون ومحاولة محاربة السلبي منها وخاصة المرتبط بالجوانب
العقائدية، وأن هناك نوعًا من عدم الاهتمام الملموس من قبل وسائل الاعلام
فيما تعرضه أفلام الكارتون ودليل واضح على نوعية لا تفهم ولا تفقه ولا
تراقب بصورة جدية المواد التي توافق على عرضها، كما أن المدرسة غائبة عن
بيئة الطفل الاعلامية والتي تشكل قيما ومفاهيم تعارض ما تحاول المدرسة
ترسيخه، وأن الطفل يميل إلى قبول ما تقدمه أفلام الكارتون، ويعتبر ما فيها
من قيم وسلوكيات قدوة له وأساسا للمعرفة.
- علاقة الطفل بالوسائل المطبوعة والالكترونية (دراسة إنشراح الشال،
دار الفكر العربي 1987): أفلام الكارتون السبب الأول في إعجابهم ببرامج
الأطفال المقدمة في التلفزيون المصري كما أظهرت الدراسة نفسها أن أفلام
الكارتون المسجلة على أشرطة الفيديو كادت تكون المادة الوحيدة التي يقبل
عليها أفراد العينة.
- اتجاهات الاباء حول العلاقة بين العنف التلفزيوني والسلوك
العدواني (دراسة دينا ديب 1993): أكد الآباء وجود علاقة ايجابية بين مشاهدة
العنف التلفزيوني والسلوك العدواني لدى ابنائهم، وان الذكور اكثر محاكاة
للسلوك العنيف الذي يشاهدونه من الاناث.
- السلوكيات التي يكتسبها الاطفال من المواد التلفزيونية التي تعرض
العنف في التلفزيون (دراسة عدلي رضا 1994) توصلت الدراسة الى ان اكثر من
نصف العينة تؤكد ان التلفزيون مسؤول عن اكتساب العنف من خلال المواد
الدرامية الاجنبية، اذ اكد 83% من افراد العينة انها اكثر المواد
التلفزيونية التي تساعد على نشر العنف لدى الاطفال.
- دور الرسوم المتحركة في إكساب طفل ما قبل المدرسة بعض القيم
المرغوب فيها (دراسة ليلى الجهني، مجلة الطفولة العربية، العدد التاسع عشر،
الكويت، 2004): حين يتعلق الطفل ببطل معين من شخصيات أفلام الكارتون فإنه
يرغب في أن تكون جميع مقتنياته وأدواته مرسوم عليها شخصيته المحببة. الرسوم
المتحركة تتضمن خطابا قيما يسعى عبر توظيف الصوت والصورة واللون والحركة
والسرد القصصي إلي إكساب الطفل قيما بعينها أو تنفيره منها وتكمن الخطورة
بالخطاب كونه غير مباشر يعتمد على الانفعال الذي يعيشه الطفل أثناء اندماجه
في المشاهدة واستمتاعه بها بحيث ينشأ لديه استعداد لتقبل ما يتضمنه ذلك
الخطاب من معلومات واتجاهات وقيم بغض النظر كما كانت نافعة أو ضارة.
- عدد ساعات مشاهدة الأطفال العرب للشاشة السحرية زادت بمعدلات
مرعبة. والمفزع أن متوسط المشاهدة اليومية بلغ بحسب إحدى الدراسات ست ساعات
و50 دقيقة يومياً، أي نحو نصف ساعات اليقظة للطفل في اليوم الواحد. رغم أن
المعايير الدولية تحدد عدد الدقائق المناسب للطفل أمام التلفزيون هو 45
دقيقة يومياً وكل زيادة على ذلك من شأنها أن تؤثر سلباً في جهاز الطفل
العصبي والنفسي (نهى عاطف العبد).
- القنوات العربية المتلفزة المحلية منها والفضائية ما زالت قاصرة
عن إنتاج برامج للأطفال تتناسب وتطور التكنولوجيا الذي تزامن بدوره مع تقدم
متسارع للثقافات المحلية والانفتاح الكبير على تلك الغربية. دخلت ديزني
مكاناً خالياً وتسلّلت من نقاط الضعف هذه لتفرض نفسها كعملاق للسحر
والترفيه من دون منازع الى درجة أن مفهوم الطفولة أصبح مرتبطاً باسم ديزني
ومرادفاً له في مشارق الأرض ومغاربها (أستاذة الإعلام الدكتورة نهاوند
القادري، لبنان).
- حول الفترات المخصصة للمتابعة وفقاً لعمر الطفل: الشريحة العمرية
بين 6 - 9 أعوام تتابع بنسبة 69% أثناء تأدية الواجبات المدرسية، وكانت
نسبة الأسر التي تفرض على أولادها متابعة برامج التلفزيون أيام العطل فقط
متدنية جدا. حول مدى قدرة الأهل على تحديد نوعية البرامج والمحطات وفقاً
لعمر الطفل : الأطفال من عمر 6 - 9 سنوات يتمكن الأهل من تحديد نوعية
البرامج بنسبة 66% ومن أعمار 9 - 3 عاماً بنسبة 63% ومن 13 - 16 عاماً
بنسبة 29%. ينجح الأبوان في تحديد نوعية البرامج والمحطات للمرحلتين
العمريتين الأولى والثانية بينما بالنسبة للمرحلة العمرية الأخيرة فإنهم لا
يستطيعون ذلك لعدة أسباب أهمها تغيبهم عن المنزل لساعات طويلة، وعدم تمكن
البعض من إقناع أطفالهم بمشاهدة برامج محددة، وقيام العديد من الأطفال
بمشاهدة التلفزيون عند الأصدقاء أو الجيران (دراسة أجراها مكتب اليونيسيف
في دمشق).
- لا بد من وجود رقابة على طفرة المادة الإعلامية التي تُقدم
لأطفالنا. ومن الضروري تقديم مثال حي على ثقافتنا العربية كمنافس وليس
كبديل ما ينتج بالطبع نظاماً دفاعياً لدى أطفالنا. مع وجوب أن يعتمد هذا
المثال في مواد التدريس في المدارس بحيث يدخل التلفزيون ورسائله كمادة في
المناهج التربوية في العالم العربي، وهذا أضعف الإيمان. (الدكتورة فاديا
حطيط، أستاذة علم تربية الأطفال في الجامعة اللبنانية)
- يرى بعض خطباء المنابر أن بعض برامج من إنتاج مؤسسة الإنتاج
البرامجي المشترك لدول الخليج العربي (خالية تقريباً من الأهداف التربوية
الإسلامية، فهي لا ترمى إلا إلى التسلية والفكاهة، فمن برامجها: برنامج –
افتح يا سمسم – وهو أمريكي الأصل، ففكرة البرنامج أمريكي، ويعرض هناك
لأهداف تعليمية، بينما التقليد الذي يعرض عندنا يندر بل ينعدم فيه إبراز
الأهداف الإسلامية، وكأنه لا يعرض على مسلمين) ويضيف أحدهم (والذي يزيد
الطين بلة هو أن تقوم بتقديم برامج الأطفال ممثلة هابطة، أو راقصة ماجنة،
وتظهر أمام الأولاد في صورة مبتذلة بكامل تبرجها... وهي تعلم الأولاد
الفضيلة والقيم والأخلاق، فهل هناك تناقض أكثر من هذا؟) ويختتم (في حلقة من
الرسوم المتحركة واسمها (مغامرات نوال) وهي – مما يؤسف – من إنتاج مؤسسة
الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج، قد ظهر في أحد المشاهد أحد القساوسة
وقد لجأ إلى الاحتماء بالصليب عندما داهمته مجموعة من القتلة واللصوص
بحثاً عن التــابوت الذي فيه بطلــة القصـــة (نوال)، وقد تكرر مشهد لجوء
القس إلى الإمساك بالصليب، مع تكرار مشهد حصول الأمن وتحقق الفرج وزوال
الخوف بذهاب القتلة واللصوص بفضل اللجوء إلى الصليب – على زعمهم – وإنا لله
و إنا إليه راجعون، وكأن مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك مشتركة بالفعل مع
مؤسسات التنصير، وإنا لنتساءل عن تأثير هذا المشهد وغيره على عقيدة أبناء
الإسلام في صرف الاستعانة والاستغاثة بالله تعالى إلى الاستغاثة بالصليب!)
ثم يفسرون القصص كيفما اتفق (عرض أكثر من مرة مسلسل كرتوني بعنوان (الإله
زيلا) حول أسرة تجوب البحار والمحيطات، ثم تعترضها وحوش خرافية تهدد هذه
الأسرة فلا ينقذها إلا (الإله زيلا) الذي تستدعيه الأسرة البشرية بجهاز
إلكتروني فيجيب في الحال، ولهذا الإله ابن يصاحب الجماعة البشرية يدعوه
فيجيب، وهي صورة مصغرة لاعتقاد النصارى في الأب والابن، ولا شك أن هذا تصور
وثني للألوهية عنواناً وشكلاً وموضوعاً إن لم يفهم الولد أو الطفل العربي
بسبب اللغة؛ فإن الأحداث والمشاهد أمام الأعين تترك بصماتها في نفسه، مما
يشكل خطراً على فطرته الموحٍدة، إذ يكفي في تصور الطفل أن هناك كائناً بهذه
القوة، وبهذا النفع للإنسان يُدعى فيجيب في الحال؛ فيكون ذلك جرحاً وخدشاً
لفطرة التوحيد التي هو عليها.) [الشيخ ناصر بن محمد الأحمد، 21/ 8/ 1413
هـ في موضوع منشور على شبكة الإنترنت].
ورغم حدة هذه الرأي الأخير، الذي تدعو للفصل التام (والمستحيل) بين
عوالم تتجاور في الواقع، فإن علينا أن ندرك أن سبب هذا التطرف هو عدم الوعي
بدور الفنون، وعدم الإيمان بحقوق الآخرين في العيش بالمجتمعات المختلطة،
مثلما تعكس ـ بوجه كبير ـ عن قصور من جانبنا العربي في إنتاج موادٍ تقدم
الحوار مع الآخر وأفكاره دون تكفيره أو إلغاء حقه بالوجود. إننا لو طرحنا
البديل ـ المعرفي والفني والتقني ـ لما اكتفينا بالنقل الممسوخ، والترجمة
الحرفية، والدبلجة المأساوية.
كما أن هذا الرأي، وسواه، هو محصلة طبيعية لكل السلبيات التي ذكرتها
النماذج العشوائية المختارة من الدراسات التي تعرضت لعلاقة الأطفال بمحتوى
ما يبث في التلفزيون العربي من برامج وقصص وأفلام.