ينهى
عمرو موسى 10 سنوات فى الجامعة فى 13 مايو القادم، ولذلك فقد آن الآوان
لتقييم أدائه فى الجامعة وهذا هو المقال الأول فى هذه السلسلة ولكن مواقفه
الحقيقية سوف يتم تسجيلها سواء بالنسبة للعراق واحتلاله أو بالنسبة للملف
الفلسطينى واللبنانى والسودانى وإسرائيل ومضمون العمل العربى المشترك الذى
أفرغ من مضمونه تماماً وصارت اجتماعات القمة تثير شكوك الشعوب العربية.
فعندما
تولى عمرو موسى امانة الجامعة العربية فى 15/5/2001 كانت الظروف العربية
مواتية ربما لأول مرة منذ الغزو العراقى للكويت، لإنعاش الجامعة العربية،
كما كان هو نفسه قد صنع لنفسه صورة لم يسبق لها مثيل فى الرأى العام العربى
الذى كان يبحث عن بطل، ولذلك عندما هاجم عمرو موسى "الهرولة العربية" نحو
التطبيع، وكان يقصد بذلك الأردن فى بداية التسعينات أطلق الملك حسين على
عمرو موسى فارس العرب. هكذا جاء عمرو موسى إلى الجامعة العربية ومعه أوراقه
الشعبية، وتاريخه وإنجازاته بوزارة الخارجية، وسط ظرف عربى يسمح بالإنجاز
ويخدع بالنتائج، حتى أن الشاعر فارق شوشه اعتبره فى قصيدة مهداة إليه في
هذه المناسبة – كالمسيح
ياقادما مثل المسيح يعيد للجسم المسجي روحه
ولابد أن الشاعر فاروق شوشه قد أصيب الآن بعد عشر سنوات بخيبة أمل كبيرة.
وبصرف
النظر عن الانكسار الذى داخل عمرو موسى بسبب نقله من عرينه المصرى إلى
التيه العربى، فإن مقومات الموقف كانت تبشر بالكثير. فقد كانت قمة عمان فى
مارس 2001 أول تطبيق لمبدأ دورية القمة التى اعتبرها البعض أكبر أنجازات
القرن، وكان الحماس لانتفاضة الأقصى على أشده، فماذا كان يحدث فى المعسكر
الآخر والذى أدى إلى كل هذا التراجع والانكسار العربى وإلى أزمات لعمرو
موسى أفدحها جلوسه فى مكان أردوغان حين انصرف غاضباً بسبب أكاذيب بيريز فى
مؤتمر دافوس.
كانت بداية مخطط المعسكر الآخر انتخاب شارون فى فبراير
2001 الذى لاأشك فى أنه كان شريكاً فى أحداث 11 سبتمبر والتى قصمت ظهر
العرب والمسلمين والتى تجنى إسرائيل حتى الآن ثمارها اللذيذة بينما يتجرع
العرب حفظلها. فالسهم الإسرائيلى بدأ يصعد بشدة بهذه الأحداث التى غيرت
الجغرافية السياسية للمنطقة كما غيرت معها معطيات الواقع العربى، حتى إذا
أفاق العرب من زلزال سبتمبر وجدوا أمامهم المشروع الصهيونى يطالب بآخر
استحقاقات سبتمبر. ولعل من المناسب أن نورد فى عجالة الآثار الكبرى لهذه
الأحداث أولها تسليم المنطقة العربية بأن المقاومة إرهاب، وأن شارون -عميد
الإرهابيين فى كل العصور- هو بطل السلام كما أشار أحد الرؤساء العرب فى
انقلاب مفاجئ فى موقفه من شارون فتمكن شارون من إعداد عدته للقضاء على
الانتفاضة وكان ذلك يتطلب استبدال عرفات بأبومازن وأن تستمر التداعيات حتى
تنشق الأرض بين فتح وحماس بفتنة الانتخابات وأن تعلو أسوار العداء بينهما
حتى يتحقق رهان إسرائيل على إنهاء الموقف الفلسطينى الموحد، فأدى الهجوم
على المقاومة وتجفيف منابع الدعم لها ومطاردتها إلى محرقة غزة وحصار أهلها
حتى اليوم، ثم التداعى إلى التطبيع مع إسرائيل رغم إعلانها الرسمى تصفية
القضية الفلسطينية، والتراجع المخيف لدور الجامعة ووصول عمرو موسى إلى آخر
الحوائط، وانحسار الأضواء عنه والتراجع المخيف فى شعبيته فى مصر قبل الدول
العربية. أضيف إلى المأساة فى الساحة الفلسطينة الغزو الأمريكى للعراق
وتبعاته المدمرة لآمال الجميع وأولهم عمرو موسى والعجز المطبق للجامعة عن
أى دور لاتدعيه فى غياب عربى مخيف وتمزق العراق، بل ومحاولات تجنيد العرب
لخدمة المشروع الصهيونى والأمريكى ضد إيران، ولذلك لم يجد تصريحه فى الكويت
عن حوار عربى إيرانى أى اهتمام عربى بل إنه عندما فرضه علي أجندة قمة سرت
العربية واجه نقدا قاسيا من دول كثيرة. ثم جاء العدوان الصهيونى على لبنان
صيف 2006 والذى كشف عن عورات النظام العربى الرسمى الذى بدا مسانداً لهذا
العدوان ضد المقاومة لمجرد أن إيران تساندها.
ولم يختلف الموقف
العربى المأساوى فى لبنان عنه خلال محرقة غزة شتاء 2008/2009 ولايزال. شهدت
المنطقة أحداثاً جساما من توابع 11 سبتمبر فى السودان (دارفور والجنوب)
والصومال والعراق ولبنان. هكذا علا نجم المشروع الصهيونى وانطفأت أنوار
المشروع العربى وخفت معه صوت عمرو موسى وآماله، بعد أن أصبح العرب
والمسلمون هم الإرهاب بعينه. هكذا قضت أحداث سبتمبر على آمال العرب ومنهم
عمرو موسى، وسوف يذكر التاريخ أن شارون هو آخر ملوك بنى إسرائيل وعمرو موسى
هو آخر فرسان العرب في عصر العولمة بعد أن فر منه حصانه فى عصر الحمير
والقوارض.
تولي عمرو موسي أمانة الجامعة العربية في بداية العقد جثة
هامدة ويغادرها والعالم العربي يدخل مرحلة تفتيت الأوطان العربية،فماذا
حدث خلال العقد الأول من هذا القرن ولماذا سكت عمرو موسي علي هذه الفاجعة
وهل تقدم مذكراته تفسيرا لهذا التحول التاريخي الذي يؤدي استمراره إما الي
اختفاء الجامعة أو ازدهارها من جديد.لقد قامت الجامعة للدفاع عن فلسطين
فماذا تفعل الجامعة مع الضياع المنظم والمخطط لفلسطين.