وداعاً عمرو موسى.. ولكن القادم اصعب
رأي القدس
2011-06-23
ودع السيد عمرو موسى جامعة الدول العربية ومرؤوسيه
فيها للمرة الاخيرة يوم امس، بعد انتهاء مدة ولايته كأمين عام لجامعة
الدول العربية، ليتفرغ رسمياً لمعركته الكبرى التي يستعد لخوضها كمرشح
لرئاسة الجمهورية المصرية في الانتخابات المقررة قبل نهاية هذه السنة.
قليلة
هي انجازات السيد موسى في الجامعة العربية، وكانت السنوات العشر التي تولى
فيها امانتها العامة حافلة بالحروب والصراعات، ابتداء من أحداث الحادي عشر
من ايلول/سبتمبر والحرب على الارهاب التي تلتها، وانتهاء بالحرب الامريكية
على العراق.
السيد موسى كان يركز طوال فترة عمله على تجنب الصدام مع
الانظمة العربية، والمتنفذة منها على وجه الخصوص، وعدم اغضاب رئيسه حسني
مبارك الذي ابعده من وزارة الخارجية الى الجامعة لازالته من طريق التوريث
التي كان يخطط لها مبكراً. وقد انتهى الامر بالاثنين، اي مبارك وموسى،
خارج السلطة، الاول يواجه المحاكمة بتهم الفساد واطلاق النار على ثوار
ميدان التحرير، والثاني يبحث عن دور جديد في قمة السلطة خلفاً للأول.
الانجاز
الاكبر للسيد موسى كأمين عام للجامعة يتمثل في بقائه في منصبه لفترتين
متتاليتين، والاخفاق الاكبر يتجسد في فشله في اصلاح الجامعة ومؤسستها
المتهالكة، وهو اخفاق قد يكون احدى العقبات التي قد تقلص من حظوظه في
الفوز في انتخابات الرئاسة.
صحيح ان الجامعة العربية هي جامعة انظمة
حكم ديكتاتورية فاسدة، ومن الطبيعي ان ينعكس هذا الواقع على الجامعة، وبما
يحول دون تطويرها واصلاحها، ولكن الصحيح ايضا ان السيد موسى استسلم لهذه
الحجة، ولم يحاول بذل الجهد المتوقع منه، وهو صاحب التجربة، تفعيل عمل
الجامعة، وتطوير مكاتبها واداراتها الداخلية. فكل اجتهاداته، وخاصة تلك
المتعلقة بالاعلام وخلق مؤسسات جديدة مثل البرلمان العربي، والمفوضية
السياسية لم تحقق الحد الادنى من النجاح.
ادارة مصر مهمة اصعب كثيرا من
ادارة جامعة الانظمة، خاصة في مرحلة الثورة هذه، حيث سقف توقعات الشعب
المصري عال جدا عندما يتعلق الامر بالرئيس الجديد. فمصر بحاجة الى عملية
تحديث على الصعد كافة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مثلما هي بحاجة
ايضا الى بناء مؤسسات ديمقراطية متطورة، وخلق فرص عمل، واصلاح قطاع
الخدمات، وقطاعي التعليم والصحة على وجه الخصوص.
ومثل هذه المهمة تحتاج
الى حكمة الشيوخ وحماس الشباب، ولا نعتقد ان السيد عمرو موسى يملك هاتين
الخاصتين في شخصه وهو الذي يقترب من الخامسة والسبعين من عمره، وربما هذا
ما يفسر تراجع حظوظه في استطلاعات الرأي الى المرتبة السابعة.
الشباب
المصري الذي كان عماد ثورة ميدان التحرير منقسم حول شخصية السيد موسى
ومسألة ترشيحه لنفسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، فهناك من يعتقد انه
ينتمي الى النظام السابق الذي خدمه لسنوات كسفير ثم كوزير للخارجية، وهناك
من لا ينسى له تصريحات قال فيها انه سيصوت للرئيس مبارك لو ترشح في
انتخابات الرئاسة مجددا.
من المؤكد ان هناك ايجابيات للسيد موسى لا
يمكن تجاهلها والقفز عليها، ابرزها موقفه العدائي الواضح للاحتلال
الاسرائيلي، وتصديه للمسؤولين الاسرائيليين في المحافل الدولية لفضح
اكاذيبهم، وتبنيه قضية اخلاء منطقة الشرق الاوسط من السلاح النووي، وعدم
توقيع مصر على تمديد معاهدة حظر الانتشار النووي طالما ان اسرائيل ترفض
توقيعها، والتخلي عن برامجها النووية.
في مقابل هذه الايجابيات هناك
سلبيات مثل عدم انسحابه من المنصة تضامنا مع السيد رجب طيب اردوغان رئيس
وزراء تركيا كرد على اكاذيب شمعون بيريس اثناء انعقاد ندوة سياسية على
هامش منتدى دافوس الاقتصادي. وحماسه غير العادي للتدخل العسكري غير
المشروط لحلف الناتو في الازمة الليبية، وهو تدخل ندم عليه قبل ثلاثة ايام
في مقابلة مع صحيفة 'الغارديان'، بعد ان رأى الشهداء الاطفال يتحولون الى
اشلاء بسبب غارات طائرات حلف الناتو على طرابلس وصرمان وزليطن في الغرب
الليبي.
نتمنى للسيد موسى تقاعدا مريحا من العمل السياسي والرسمي، فقد
آن له ان يستريح، وربما يفيد الامة اكثر اذا ما بدأ في كتابة مذكراته
ليقدم للاجيال الجديدة عصارة تجربته، واخفاقات النظام الرسمي العربي،
وكيفية النهوض بالامة العربية.