** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المواجهة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
????
زائر
avatar



المواجهة Empty
09122009
مُساهمةالمواجهة

المواجهة





كانَ الظلامُ المخيم على أجواء الغرفة ووحشة المكان وسكون الليل وبشاعة الكابوس الذي التي كنتُ غارقة فيه قبلَ قليل ، جميعها أيقظتِ الجروح التي كانَت غافية في صدري طيلة السنوات القادمة ، ومزَقـّتِ الستار الذي كان يسترها ، ولم تـَعُد لمياء سالم الحبش متماسكة قوية ، كما كانت توهم نفسها .

في هذه الليلة ، رأيت أمي تشقّ قبرها ، وتخرجُ لي بلا كفن أبيض ، كانت مجللة بالسواد ، ومن عينيها تتقافزُ ألسنة اللهب ، وصَلَـتني على جناح عاصفة مدمِّرة ، تجّرُ وراءها كلّ الوصايا التي كانت تقذفها في رأسي ، عندما تجمعنا ساعة الاختلاء .

قفزْتُ من فراشي فـَزِعة ، أطلقتُ صرخة مرعوبة ، وبحثتُ في العتمة عن أمي التي كانَت أمامي قبل قليل ، فلم أجدْ غير الظلام يلوّحُ لي في كلّ اتجاه ، ولم أسمعْ غير عواء جروحي ، ولا أملك ما أدافعُ به غير البكاء . كثيرة هي الدموع التي أمطرتها هذه الليلة يا مازن !! . وكثيرة هي الجروح التي شرعّت أبوابها للعواء ، يا أبا شوق !! .

كنتُ صغيرةٌ ، لم أعرفْ معنى العشق ، وكانت أحلامي تأتيني في الليل تتراقصُ على أجنحةِ النوارس المهاجرة ، فتحطّ حملها في قلبي ، فيمتلئ سعادة ، وأطيرُ معها إلى عالم مُشبَع بالسحر والهناء .

وعندما رأيتك ، وأنتَ ترافقُ أمّك في زيارة عابرة لنا ، لن أحسبَ لك حسابا ، ولم تمنحْني شيء من الاهتمام ، غير أنّ تتابع الزيارات ، ونظارتك الصبية البريئة ، جعلَتـْني أديرُ أحلامي إليك .

كنتُ وقتها تلميذة ، لم تعرفْ لغة العيون ، وكنتُ ألعبُ هذه اللعبة الملعونة دون أن أعرفَ خطورة النار التي ألعبُ بها ، وعندما كَبرنا ، كانت اللعبة تكبرُ معنا ، تُدخلنا إلى محطات جديدة ، وما عادت أحلامي تطيرُ على أجنحةِ النوارس ، استـَبْـدَلَت مسكنَها ، وعافـَتْ مسارها ، لتجدَ فيكَ ملاذها السعيد .

ذات يوم ، ضبَطتـْني أمي متلبسة بالجرم المشهود ، كنتُ ساعتها أبادلكَ النظرات ، وكنتَ تصوّب نظراتك بدقّة ، فتصيب الهدف ، وأنا لا أملكُ غير خجلي الذي يدفعُ بنظراتي إلى الأسفل ، وعندما وقعَ نظري على أمي الجالسة بعيدا ، أدركتُ أنها تراقبني ، وقد اكتَشَفتْ خفايا اللعبة ، نهضتُ من مكاني ، وأنا أداري الموقف بحركات طفولية لا معنى لها . وعندما غادرْتَ البيت ، سمعتُ أمي تخاطبني بلهجة منفعلة :

ــــ النظرة تقودُ إلى درب آخر يالمياء ، ابتعدي عن هذا الطريق ، ذلك خير لك يا ابنتي .

في تلك الليلة نمْتُ حزينة ، استوطنني هاجسٌ مخيف ، أمي لم تتحدثْ عن هذا الموضوع ، لكني بقيتُ أحاذرها ، نظراتي تنكسرُ عند النظر إليها ، كنتُ أجلسُ في الغرفة وحدي ، أراكَ تحومُ حولي ، مثل صيّادٍ يغوصُ في أعماق البحار ، ثمّ لا يجني من مشقته سوى الرياح ، ومثلما كنتَ فريسة الظنون والأوهام ، كنتُ أنا فريسة الحيرةِ والخوفِ من نظرات أمي ، وهي تلاحقني بنظراتها أينما ذهبت .

أنهيتَ دراسَتكَ قبل تخرجي ، أتذكـّرُ ذلك بالضبط ، وأتذكـّرُ أنّ فرحتي بالتخرجِ اندحرتْ أمام فرحتي عندما اختلتْ بي أمي في ذلك اليوم التموزي ، وهي تقول :

ـــــ صباح هذا اليوم ، زارتني أم مازن ، وبقينا ننتظرُ قدومكِ ، لكـّنكِ تأخرتِ كثيرا .

وجهُ أمي يفيضُ فرحا ، وشفتاها تقطران عسلا ، وعيناها مغمورتان بزهو الانتصار ، وأنتَ أمامي ، بدأتَ تلوّحُ لي من بعيد ، فارسا يمتشقُ سيفـَه ليذود عنـّي أشباح التردد والخوف .

نظراتي ما عادت منكسرة هذه المرّة ، نظرتُ إلى أمي ، وبسؤال أردْتـُه أن يحمل من الاستفهام ما لا طاقة على حمله ، فخرج مشـّوها :

ـــــ ماذا تريدُ أم مازن ؟

هذا السؤال ، فضَحَني ، حَرَقَ طاقية الإخفاء التي أردْتُ أن أسترَ فيها فرحي ، وبعد انتظار ، وصلني صوت أمي فرحا :

ـــــ زارتنا أم مازن ، وبدأتْ تتحدثُ عنكِ ، تمْدحُ سمعتك الطيّبة ، وتتباهى بجمالك ، وهي فخورة بما وصلتِ إليه .

أمي ترغبُ في إيصال البشرى بمقدمات ، شأنها شأن السياسيين الكبار ، وأنا أريدُ الخبر يصلني دون تمهيد ، بلا غلاف ، طازجا ، ساخنا . وأمي تتريثُ قليلا ، لتقول لي :

ـــــ أم مازن ، تحدّثتْ عن ابنها ، واستقامته ، وشطارته ، وعن رغبته بالزواج ، بعد أن أصبحَتْ له وظيفة يستطيعُ من خلالها ضمان متطلبات الحياة السعيدة .

أرادَتْ أمي أن تشويني بنيران مقدماتها ، لم أطقْ سكوتها ، سألتها بلهفة :

ـــــ وماذا بعد يا أمي ؟

أجابتني بضحكة ، عَرفتُ من خلالها ، أنها أوقعتني في الفخ ، جاء َصوتها سريعا هذه المرّة :

ــــ أعلنتْ أم مازن رغبتها بزواجكِ من ابنها مازن .

واصَلتْ أمي كلامها :

ـــــ قلتُ لها ، الزواج قسمة ونصيب ، والخير فيما يختاره الله .

التفتتْ أمي بعد ذلك ، قائلة :

ـــــ وبقينا ننتظرُكِ ، لكي نحصل على موافقتكِ في هذا الموضوع .

موافقتي أنا !! . أمي تعرفُ كلّ شيء ، لكنّ النساءَ ، أدمَـنّ على هذا الأسلوب ، ولابدّ من المناورة قليلا ، الجواب السريع في موضوع الزواج عَيْب ، والتريث ضروري ، دخلتُ غرفتي ، وأنا محلـّقة فوق موج السعادة الذي غمرَني ، وفي داخل غرفتي ، أدّيتُ رقصة سريعة ، ضحكتُ بصمت ، صفـّقتُ مع نفسي ، وعندما خرجتُ إليها ، سمعتها تقول :

ـــــ في المساء تعودُ أم مازن ، فماذا أقولُ لها ؟

كنتُ خجلة أمام أمي ، رجعتُ إلى غرفتي ، قائلة لها بصوت خفيض :

ـــــ الأمر يعودُ إليكم ، وإذا أنتم موافقون ، فأنا موافقة .

عندما المساء ، سمعتُ زغرودة خافتة ، أطلقـَتها أم مازن ، وعندما خرجتُ إليها ، نهضتْ مسرعة ، وطبَعَتْ على خدّي قبلة ، وبحماس ، سمعتُ كلمة ــ مبروك ــ .

لم يمرْ أسبوع حتى ذاعَ الخبر بين الجيران ، ووصلَ إلى زميلاتي في المدرسة ، انهمرَتْ عليّ كلمات الفرح ، وامتلأ وجهي بالقبلات ، وعندما رأيتك خارجا من البيت ، كان الانتصارُ يشّعُ من نظراتك ، وأنت تلوّحُ لي بابتسامة الظفر .

أمك تترددُ على البيت ، تتحدثُ عن متطلبات الزواج ، ويوما بعد يوم تتوطدُ أواصر العلاقة بين أمي التي تريد لابنتها المستقبل السعيد ، وبين أمك التي تثرثر في توافه الأمور .

بعد ثلاثة أشهر ، وعند عودتي من المدرسة ، وصلتـْني ورقة صغيرة ، تخبرُني عن سفرك خارج العراق ، تمنيتُ لك رحلة موفقة ، وفرحْتُ كثيرا ، وبعد عودتك ، رحْتَ تقفزُ سلّم الدرجات الوظيفية بسرعة مذهلة ، وتحوّلتَ بسرعة غريبة إلى شخصية كبيرة ، دون أن أعلم سرّ هذا التحول المريب ، ومع صعودكَ ، كانت أمُكَ تقفزُ معك هي الأخرى إلى عالم الغرور ، زياراتها بدأت تتقلص ، ولسانها بدأ يديرُ بوصلته نحو الأعلى ، وأنا فرحة بك ، لكنّ النظرات التي كنتُ أتلقاها من عينيك تتحدثُ عن شيء آخر ، بدأ الشكُ يتسربُ لي ، أحالَ منابع الفرح إلى مواقد للحيرة والتساؤل المر ، وكانَتْ أمي تراقبُ الموقف بتوجس وحذر ، رأيتها ذات يوم ، تخرجُ غاضبة من البيت ، سألتها بمرارة :

ــــ إلى أين يا أمي ؟

بكلمات غاضبة ، أجابت :

ــــ إلى بيت أم مازن ، لأعرف ماذا يحدثُ من وراء ظهورنا .

وقفتُ في وجهها ، تقمَصْتُ حالة الهدوء ، قلتُ لها بصوت ، أردْتُ أن ألغي منه رائحة غضبي :

ــــ عليكِ بالصبر ، فالأيام كفيلة بكشفِ المستور .

تراجَعَتْ أمي عن قرارها ، ولم تتراجعْ عن انفعالها الذي دفعها إلى القول :

ــــ لقد سمعتُ كلاما من أم مازن لا يليقُ بسمعتنا .

دون جهد ، سألتها :

ــــ وماذا سمعت من أم مازن ؟

ــــ كانت تقول ، الزواج قسمة ونصيب ، ومازن يبحثُ عن فتاة تناسبه في المنصب والجاه .

أطلقتُ ضحكة شبيهة بصوت طائر مذبوح ، وخرجَتْ الكلمات ثملة حد الترنح :

ـــــ له الحق فيما يختار ، ولماذا أنتِ منزعجة من هذا الكلام ؟

التفـَتـَتْ لي غاضبة :

ـــــ وسمعتنا يالمياء ، ولماذا أرسلَ أمه في طلبكِ ؟ وماذا يقولُ الناس ؟

الثأر لكرامتي بدأ يستيقظُ ، قلتُ لها كلاما متوترا :

ـــــ سمعتنا بخير ، وإذا ما تأكدتُ من صحة هذا القول ، سأكونُ أنا الرافضة .

في تلك الليلة بكيتُ كثيرا يا مازن ، بكيْتُ حتى طلوع الفجر ، وعندما نهضتُ من فراشي ، كان وجهي غير الوجه الذي أحمله كلّ صباح . ولم اعدْ التقي بك ، كنتَ مشغولا بحصد انتصاراتك ، وكنتُ مشغولة بعالم إحباطي وتعاستي ، كان جرحي يتسعُ يوما بعد يوم ، عندما أسمعُ عبارات الاستفهام ، والحكايات الكاذبة التي كانت أمك تروّجها ، وتنفخُ فيها أينما حلّتْ ، ولكي تكون أمك الرائدة في عالم الحقد ، فقد أطلقتْ الزغاريد ، ووزعَت الحلوى ، وطرَقتِ الأبواب ، وهي تزّفُ بشرى خطوبتك من فتاة تناسبك في المنصب والجاه .

الدماء المعتقة في جروحي أنهكها الصراخ ، فلم تستفزْ إلى مستوى الحدث ، بقيَتْ تئنُ داخل قلبي المفجوع ، وأنا لا أملك غير طريق المواجهة ، بدأتُ بإتقان التمثيل ، أجيد الدور الذي لابدّ من القيام به ، وعندما نسيَ الجميع ما حدث لي ، تقدّمَ لي أحد الرجال ، ترددتُ في بادئ الأمر ، ثمّ وافقتُ أخيرا ، إلا أنّ أمك ذهبـَتْ إليه ، لتسرد له حكايات ملفقة ، لـطخّتْ من خلالها سمعـتي أمامه ، فانسحبَ من مشروعه غير مأسوف عليه .

أرادَتْ أمي البحث عن مسكن آخر ، تخلصا من سموم الأفعى التي تطاردنا ، إلا أنني وقفتُ بحزم في وجهها ، قلتُ لها بغضب جعلها تتراجعُ بشدّة :

ـــــ هذا بيتنا ، ولن أرحلَ عنه ، وإذا أراد أحدكم الرحيل ، فأنا باقية هنا .



لمْ يمّرْ علينا وقت طويل ، بدأتْ صحة أمي تسوء ، كانت تعاني ألاما حادة في صدرها ، وفي ليلة مسكونة بالقلق المريع ، والترقب الشرس ، ماتت أمي ، وفي ساعة موتها ، كانت الجروح تتلقحُ بجروح أخرى ، لتجد في قلبي مرتعا خصبا لنموها ، ماتت أمي وفي داخل صدرها عصافير أمنياتها ، هي الأخرى ذبحت باسلوب وسخ .

هل تعرف فجيعة موت ألام ، وهي حاملة معها كل أمنياتها يا مازن ؟

هل تعرف كيف يموت قلب ألام المترع بأناشيد لم ْيسمعْها أحد ، ويدفن معها الدمع المتكسر في عينيها يا صاحب الجاه والمنصب ؟

ولابدّ من المواجهة ، من إجادة الدور الذي أقومُ به ، بعد موتها خرجْتُ حاملة كبرياء ، أردْتُ من خلاله أن أوهم نفسي والآخرين ، إنني قادرة على تجاوز المحن ،

وجاءت ابنتك شوق إلى الدنيا ، علمْتُ بها من خلال زغاريد أمك التي ردّدها جدران زقاقنا الضيّق وهي تطرقُ الأبواب وتوزّعُ الحلوى ، وعندما سمعْتُ أنك أطلقتَ على المولودة الجديدة اسم ( شوق ) ضحكتُ وبكيتُ في وقت واحد : ( أيّ شوق تحمله في صدرك يا مازن ؟ ) .

بعد أيام وصلتني رسالة منك ، أرسلتها بيد أقاربك لأحدى زميلاتي ، دفـَنَـتـْها سرا في يدي ، وهي خائفة من ردود فعل قد أقومُ به ، لكنّ تمثيلَ الشخصية المتزنة أصبحَ جزءً من حياتي ، كما هي الثرثرة وخلق الأكاذيب عند أمك ، كنتُ هادئة عندما وضعتُ رسالتك في حقيبتي الصغيرة ، وعند عودتي إلى البيت ، قرأتها دون تركيز ، كانت كلماتك لا ترتقي إلى مستوى مكانتك العالية ، كلمات مصبوغة بالرياء ، وبعضها مصنوعة من الكذب الخالص ، اعتذارات يتكدسُ بعضها على البعض الآخر بطريقة مقرفة . وعندما حلّ الليلُ ، بكيتُ بلوعة يا مازن !! ورسالتك لا زلتُ أحتفظُ بها الآن ، وكانت دهشتي أكبر عندما ألحقتها برسالة أخرى ، تطلبُ فيها مقابلتك . ( أنتَ لم يعدْ لك القليل من الحياء ياأباشوق !! ) جرفتكَ الموجة السوداء ، فلم تعدْ ترى النور إلا من خلال الظلام الذي غرقتَ فيه ، كنْتُ أقاوم بعنف من أجل أن تكون حياتي طبيعية أمام الآخرين ، وجاءَتِ الساعة التي رأيتك فيها ، وأنتَ تقف بسيارتك الفارهة أمام المدرسة ، تطلبُ مقابلتي ، وضَعْـتـني أمام خيارين ، أمّا الفضيحة أمام الجميع ، أو الخروج إليك ، ولابدّ من مقابلتك بطريقة أخرج ُمنها بأقل الخسائر ، وخرجْتَ إليك قائلة في نفسي : ( فرخ البط عوّام ) .

كنتُ أمامَك َوجها لوجه ، ابتسامتـُك التي ألصقتها على شفتيك ، تخجلُ من نفسها ، فكيفَ لا تخجل من فعلكَ يا مازن ؟ . لا أريدُ للمقابلة أن تطول ، قلتُ لك بشجاعة ، متجاهلة ما كان بيننا :

ــــ تفضل .

ضَحِكتَ بخبث ، أردتَ أن تكون كباقي الرجال ، فخرَجَتْ كلماتك هجينة :

ــــ وهل يصح استقبالي بهذه الطريقة ؟

ــــ وكيف تريدني أن أقابلك ؟

ــــ بالعبارات المتعارف عليها .

بدأ الغضبُ يتحركُ في أعصابي ، ولكي لا أخرج عن طريقي ، سارعْتُ في القول :

ـــــ أرجوك مازن ، قلْ ما عندك باختصار .

أطرقتَ إلى الأرض ، ثمّ رفعْتَ رأسكَ ، قلتَ بصوت ، أحسست ارتعاشه :

ــــ لا شيء سوى الاعتذار .

ــــ شكرا لك ، اعتذارك مقبول .

أردتُ مغادرة المكان ، إلا أن صوتكَ جاء سريعا :

ــــ ما دمتِ قد قبلتِ الاعتذار ، فلابدّ من إعادة علاقتنا السابقة .

النظرُ في وجهكَ ، يزيدُ من ثورة الغضب التي بداخلي ، قلتُ مستنكرة :

ــــ وماذا عن زوجتك وابنتك ؟

أجبتَ بصوت مندحر :

ـــــ أنهما يعيشان بخير .

تصاعدَ الغضبُ من جديد ، فطغى على لساني هذه المرّة :

ــــ مازن ، قل لي ما تريد ؟

ــــ أريدكِ خليلة وحبيبة ، وقد أفردتُ لكِ شقّة بعيدة عن أنظار الجميع .

وصل الطوفان ، لم تنفعْ معه السدود الضعيفة ، الكبرياء المزوّر ، والغرور الأجوف ، أفرغا ما في جوفهما دفعة واحدة ، كنتُ أفكر بفعل سريع ، ينهي المقابلة ، اقتربْتُ منه قليلا ، بصقتُ في وجهه ، وامتدَتْ يدي بسرعة إلى الحذاء ، خلعته ، ولوّحتُ به إليه ، لا أعرف ماذا قلت له ؟ . كلمات تأمره بمغادرة المكان والا أخذ الحذاءُ دورَه في المقابلة ، السيارة تتحركُ بسرعة ، وأنا واقفة ، والحذاء يهتزُ بين أصابعي ، أسرعتُ إلى دخول المدرسة ، لم ألتقِ بأحد ، كان الغضبُ يعلنُ عن نفسه ، دون أن يمنحني فرصة التستر عليه ، وعـندما دخلتُ البيتَ ، بكيتُ كثيرا يا مازن !! ، غزيرة هي الدموع التي سقطتْ على فراشي يا أبا شوق ، أشعرُ أنني في تلك اللحظة ، افتقدتُ أشياء كثيرة من رأسي ، أحتاجُ إلى الراحة ، ولابدّ من الذهاب إلى المدرسة ، كي لا أفتح بابا آخر ، يسيء إلى سمعتي ، عانيتُ من الصدمة ، آثارها لا زالت تفتكُ بي ، صورتك ، وأنت منتفخ كبالون فارغ ، لا زالت شاخصة أمامي ، وفي الليل ، تأتيني الآلام مشتعلة ، بنيران ، لا أستطيع تحملها ، غير إنّ دموعي ، تطفئ بعضها ، وأغفو على البعض الآخر ، حتى جاءَتْ تلك الليلة التي سمعتُ فيها صراخا وضجيجا في الزقاق ، كنتُ ساعتها نائمة في فراشي ، عندما دخل أخي يقول بصوت خائف :

ــــ لمياء ، ابقِ مكانك ، لأرى ما يحدث في الزقاق ؟

لم أعره اهتماما ، تظاهرتُ بالنوم ، بعدها سمعتُ الباب يفتح من جديد ، وصوت أخي يسبقه في الدخول إلى غرفتي :

ــــ لمياء ، استيقظي ، مازن ابن سليمة ، مات بحادث سيارة .

لم أحرّكْ ساكنا ، بقيتُ راقـدة في فراشي ، أرادَ أخي إرسال برقـية مستعجلة ، فـقالَ بصوت مرتفع :

ــــ لقد اصطدمَتْ سيارة مازن بإحدى سيارات الحمل ، عندما كان يقود سيارته بسرعة جنونية ، وكان مخمورا ساعة الحادث .

تلقيتُ الخبرَ ، كما تتلقى أذناي برقية مشفـّرة ، جروحي لا تعرف الشماتة يا مازن ، وقلبي ليس له متسع للفرح أو للحزن يا أبا شوق .

انقضت سبعة أيام على دفنك ، وأمك انحدرتْ بوصلة غرورها إلى الحضيض .

لقد عقدتُ العزمَ على زيارتك غدا ، سأحفرُ قبراً إلى جانب قبرك ، أواري فيه أوراقك التي أحتفظ بها جميعا ، وأزورُ قبرَ أمي لأحدثها بكلّ التفاصيل .

وستكون لي زيارة أخرى لقبرك ، ففي رأسي العديد من الحكايات التي لم أتحدث عنها بعد .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المواجهة :: تعاليق

هشام مزيان
رد: المواجهة
مُساهمة الخميس ديسمبر 10, 2009 5:46 am من طرف هشام مزيان
اخ احمد عندما تكون الرحلة في الوطن هي رحلة داخل رحم ويكون الوصول ولادة وتكون الرحلة مشروع تلك الولادة
اشكرك كثيرا على هذا النص الجميل جدا المفعم انساية
free men
رد: المواجهة
مُساهمة الخميس ديسمبر 10, 2009 6:11 am من طرف free men
في الواجهة قصة جادة .. تتوفر على كافة الشروط المطلوبة لعمل قصصي فضلا عن قوة المضمون
سميح القاسم
رد: المواجهة
مُساهمة الخميس ديسمبر 10, 2009 6:31 am من طرف سميح القاسم
هذه المرة عدت الى الشكل التقليدي المقبول جدا للقصة
وهي عمل جيد بدون مجاملة تدل على امكانية كبيرة لم اشك فيها ابدا كما قلت في احدى الردود السابقة
واصل على هذا المنوال
حرانية
رد: المواجهة
مُساهمة الخميس ديسمبر 10, 2009 6:44 am من طرف حرانية
اخ احمد هذه القصة ربما مشروع رواية
لكنها جميلة مملؤة احاسيس والدراما فيها متقنة
جدارية
رد: المواجهة
مُساهمة الأحد ديسمبر 13, 2009 4:26 am من طرف جدارية
قفزْتُ من فراشي فـَزِعة ، أطلقتُ صرخة مرعوبة ، وبحثتُ في العتمة عن أمي
التي كانَت أمامي قبل قليل ، فلم أجدْ غير الظلام يلوّحُ لي في كلّ اتجاه
، ولم أسمعْ غير عواء جروحي ، ولا أملك ما أدافعُ به غير البكاء . كثيرة
هي الدموع التي أمطرتها هذه الليلة يا مازن !! . وكثيرة هي الجروح التي
شرعّت أبوابها للعواء ، يا أبا شوق !! .

كنتُ صغيرةٌ ، لم أعرفْ
معنى العشق ، وكانت أحلامي تأتيني في الليل تتراقصُ على أجنحةِ النوارس
المهاجرة ، فتحطّ حملها في قلبي ، فيمتلئ سعادة ، وأطيرُ معها إلى عالم
مُشبَع بالسحر والهناء .
هشام مزيان
رد: المواجهة
مُساهمة الإثنين ديسمبر 14, 2009 2:33 pm من طرف هشام مزيان
قفزْتُ من فراشي فـَزِعة ، أطلقتُ صرخة مرعوبة ، وبحثتُ في العتمة عن أمي
التي كانَت أمامي قبل قليل ، فلم أجدْ غير الظلام يلوّحُ لي في كلّ اتجاه
، ولم أسمعْ غير عواء جروحي ، ولا أملك ما أدافعُ به غير البكاء . كثيرة
هي الدموع التي أمطرتها هذه الليلة يا مازن !! . وكثيرة هي الجروح التي
شرعّت أبوابها للعواء ، يا أبا شوق !! .

كنتُ صغيرةٌ ، لم أعرفْ
معنى العشق ، وكانت أحلامي تأتيني في الليل تتراقصُ على أجنحةِ النوارس
المهاجرة ، فتحطّ حملها في قلبي ، فيمتلئ سعادة ، وأطيرُ معها إلى عالم
مُشبَع بالسحر والهناء .
ريحانة الحرية
رد: المواجهة
مُساهمة الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 6:17 am من طرف ريحانة الحرية
تفتكُ بي ، صورتك ، وأنت منتفخ كبالون فارغ ، لا زالت شاخصة أمامي ، وفي
الليل ، تأتيني الآلام مشتعلة ، بنيران ، لا أستطيع تحملها ، غير إنّ
دموعي ، تطفئ بعضها ، وأغفو على البعض الآخر ، حتى جاءَتْ تلك الليلة التي
سمعتُ فيها صراخا وضجيجا في الزقاق ، كنتُ ساعتها نائمة في فراشي ، عندما
دخل أخي يقول بصوت خائف :
avatar
رد: المواجهة
مُساهمة الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 9:11 am من طرف ????
الأخ هشام
طبت وقتا
قرأت تعليقك الجميل ..... شكرا لك أخي الرائع
تقبل فائق احترامي ومحبتي
سبينوزا
رد: المواجهة
مُساهمة الثلاثاء ديسمبر 15, 2009 10:56 am من طرف سبينوزا
اخي اشكرك واتمنى ان تزورنا في مجمع الطلائع .. للفلاسفة العرب هنا بمنتدى وتر الجراح على الرابط التالي

https://saraibda3.ahlamontada.net/montada-f6/
 

المواجهة

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: