حلم دسترة سلطة إعلامية مستقلة
توفيق ناديري -
tawfiknadiri@almassae.press.ma
كشف
الستار، الأسبوع الماضي، عن بعض ملامح الدستور المغربي الجديد، وتسلمت
الأحزاب المغربية وفعاليات المجتمع المدني خطوطه العريضة، دون أن تسلم
النسخة النهائية لهذا الدستور وسط كثير من الأسئلة المرتبطة حول إمكانية
التنصيص على إصلاحات جوهرية تهم الواقع الإعلامي المغربي.
وبصرف النظر عن مناقشة إمكانية دسترة السلطة الإعلامية كسلطة مستقلة
فعليا من عدمها، تحدث البعض عن التنصيص بشكل لا لبس فيه على توصيات هيئة
الإنصاف والمصالحة، ولهذا أكثر من أهمية تتعلق بشكل غير مباشر بالسلطة
الإعلامية.
فجوهر هذه التوصيات يتحدد في مبدأ الحرية وتمثلاتها، بما في ذلك الحق في
التعبير عن الرأي، لاسيما أن أغلب معتقلي سنوات الرصاص هم معتقلو رأي
(معتقلو الكلمة) أي إنهم معتقلو حق في التعبير والرأي في نهاية المطاف،
وعلى هذا الأساس، فالحرية وتكريس السلطة الإعلامية، التي هي قناة حيوية
لترسيخ قيم حرية الرأي، يمر عبر التنصيص عليها (الحرية) كمبدأ دستوري
أساسي لا يمكن التطاول عليه، ثم إن ضمان سلطة إعلامية حاملة لقيم الحرية
(الحق في الرأي) يمر بالضرورة عبر ضمان شروط وجودها.
وتتأسس هذه الشروط ،أولا، على التنصيص على استقلاليتها عن السلط
الكلاسيكية (التنيفيذية، التشريعية، القضائية..) لتحقيق مبدأ التوازن بين
السلط، وفتح مناخ حيوي لمقاربة الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي
والإعلامي والاقتصادي من زوايا تقوم على التعدد وعدم التداخل أو الوصاية.
ويتأسس الشرط الثاني، وهو الأهم، على ضرورة انتفاء أي عائق قانوني يمكن
أن يعيق هذه الاستقلالية، بمعنى أنه إذا تم التنصيص على مبدأ حرية التعبير
وسلطة إعلامية مستقلة بناء على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى
المواثيق الدولية المتعلقة بسمو مبادئ حقوق الإنسان، فيجب حجب أي إجراء
قانوني (عقوبات سالبة للحرية، على سبيل المثال لا الحصر) يمكن أن يتعارض
مع مبدأ الحرية واستقلالية الإعلام، على اعتبار أن هذا الأمر يخلق التباسا
دستوريا يمكن أن يلجأ معه المتضرر، إذا وقع التعارض، إلى المحكمة
الدستورية التي ينص على خلقها الدستور الجديد، للحسم في الأمر.
وعلى هذا الأساس، فإذا تم التنصيص بشكل واضح دون تقييد على دستورية حرية
التعبير- وبصرف النظر عن دستورية فصل السلطة الإعلامية- فهذا يعني وجود
تعارض أولي مع بعض القوانين والإجراءات القائمة التي تضيق الخناق على
السلطة الإعلامية، بما في ذلك القوانين السالبة للحريات التي يتضمنها
قانون الصحافة، وبما في ذلك لجوء السلطتين التنفيذية والقضائية إلى تكييف
قضايا حرية التعبير والرأي مع قوانين جنائية، كما حدث مؤخرا، مع الزميل
رشيد نيني للالتفاف على مبدأ حرية التعبير والرأي.
تحصيل ما سبق، أن التنصيص على دسترة الحق في الرأي والتعبير بناء على
توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة يمنح نافذة للاجتهاد القانوني يلغي كل
أسباب الوصاية والتطاول على السلطة الإعلامية باسم القانون، أما إذا تم
التنصيص صراحة على سلطة إعلامية مستقلة، فهذا يوفر شروطا دستورية أقوى
لاستنشاق حرية حقيقية، تجد تجلياتها في سلطة إعلامية مستقلة وفاعلة وقادرة
على تفعيل دورها الحقيقي في متابعة ومراقبة عمل مختلف السلط الأخرى دون
توجس من المضايقات والمتابعات التي تستهدف الجسم الإعلامي وتقوض وظيفته
الإعلامية والمجتمعية.