ليبيا.. بين استراتيجية الناتو وإصرار العقيد
كتب أيمن بريك |
14-06-2011 01:30 بعد
أكثر من ستة أسابيع من بدء عمليات الناتو ضدّ نظام الزعيم الليبي معمر
القذافي، والذي استخدم الآلة العسكريَّة والمرتزقة في مواجهة الشعب الذي
ثار ضدّ حكمِه المستمرّ منذ أكثر من اثنتين وأربعين عامًا، يتساءل
الكثيرون حول جدوى العمليات التي يقوم بها حلف شمال الأطلسي ومدى
فعاليتها، خاصة مع عدم وجود بوادر على إمكانيَّة تنحي القذافي أو وقف
العمليات العسكريَّة التي تقوم بها كتائبه ضدّ المدنيين في كثير من المدن
الليبيَّة.
لقد جاء إعلان وزير الخارجيَّة البريطاني وليام هيج عن
أنّ العمليات التي يشنّها حلف شمال الأطلسي، وتشارك فيها بلاده، ضد قوات
الزعيم الليبي معمر القذافي منذ مارس الماضي بتفويضٍ من الأمم المتحدة
بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1973، قد تستمرّ للعام المقبل، وذلك بعد تمديد
الحلف عملياته إلى سبتمبر المقبل، واستخدامه لأول مرة مروحيات عسكرية لضرب
المزيد من الأهداف والمواقع العسكرية لكتائب القذافي، ليثير مزيدًا من
الجدل والتساؤلات حول مستقبل العمليات العسكريَّة في ليبيا، كما أنه دفع
الكثير من المراقبين إلى الحديث عن ما أنجزه حلف الناتو في عملياته ضد
نظام القذافي خاصة في ظل إصرار العقيد الليبي على البقاء في السلطة أو
الموت.
تباطؤ ملحوظ
تختلف التقديرات حول مدى نجاح الناتو
في عملياته ضد كتائب القذافي، فهناك من يشير إلى أن تخلي الولايات المتحدة
عن قيادة العمليات في ليبيا وتسليمها بشكلٍ كامل إلى حلف شمال الأطلسي
(الناتو) أثَّر بشكلٍ كبير على فعالية هذه العمليات، حيث شهدت هذه
العمليات تباطؤا ملحوظًا، وصارت الطلعات التي يقوم بها الناتو مجرد طلعات
استطلاعيَّة دون أن تنفذ عمليات قصف لكتائب القذافي، الأمر الذي أثار
حفيظة الثوار، وأدى إلى احتفاظ كتائب القذافي بالكثير من قواتها وعتادها،
وجعلها تقوم من حين لآخر بمهاجمة الثوار وصد تقدمهم، في حين يستميت الثوار
في الدفاع عما وصلت إليه أيديهم من البريقة ومصراتة.
ويؤكد هؤلاء
أن (فجر الأوديسة)، وهو المسمى الذي أطلق في البداية على العمليات التي
شنتها القوات الغربيَّة ضدّ كتائب القذافي، يختلف كثيرًا عن (الحامي
الموحّد)، وهو الاسم الجديد الذي تتخذه عملية حلف الناتو في ليبيا، لافتين
إلى أن المسميات لها دلالات كثيرة في الحروب والحملات العسكريَّة،
فالأوديسة لها دلالات ملحمية وحربية نجدها عند هوميروس، في حين أن الحامي
الموحّد فيها شيء من الضعف والاختلاف، وهو ما ترك أثره على مهمَّة حلف
الناتو في ليبيا.
تحرك دبلوماسي
فضلا عن ذلك يرى أصحاب هذا
الاتجاه أن التحركات الدبلوماسيَّة التي يقوم بها بعض من تبقى من
دبلوماسيي نظام القذافي قد نجحت إلى حدٍّ كبير في التخفيف من حدة اللهجة
التي يتحدث بها قادة الناتو والدول الأوروبيَّة، مؤكِّدين أن النظام
الليبي قدَّم الكثير من الإغراءات لدول الاتحاد الأوروبي، والتي أسالت
لعاب أوروبا وقادتها، وجعلت نبرة القوة واضحةً في حديث الناطقين الرسميين
باسم النظام في ليبيا، في حين اتسمت التصريحات الأوروبيَّة بالضعف وعدم
الثقة في إنجاز المهمَّة عسكريًّا، ولعلَّ هذا يبدو واضحًا في تصريح
الأمين العام للحلف (أنديرسون فوج راسمون) والذي قال: إن الحل في ليبيا لا
يمكن أن يكون عسكريًّا فقط.
فيما أشارت المتحدثة باسم الناتو أوانا
لانغسكو إلى أن الناتو سيواصل "زيادة الضغط من أجل الوصول إلى تسوية
سياسيَّة تسمح للشعب الليبي برسم مستقبله بنفسه"، وهو ما اعتبره بعض
المحللون تغيرًا في اللهجة الأوروبيَّة التي أكَّدت في البداية أن الحلّ
العسكري هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب الليبي.
نجاح ملحوظ
وفي
المقابل فإن هناك من يرى أن ما حقَّقه الناتو في ليبيا يعد نجاحًا
ملحوظًا، ويؤكد هؤلاء أنه لولا تدخل الناتو لأجهزت كتائب القذافي على
الثوار، ولتمكنت تحت وطأة ضرباتها العسكريَّة من استعادة جميع المدن التي
سيطر عليها الثوار، ويستشهد أصحاب هذا الاتجاه بأنه عندما تدخل الناتو
كانت قوات القذافي على مشارف مدينة بنغازي، وهو ما أكَّدته تصريحات
كلاوديو جابليني، القائد العسكري في قوة حلف (الناتو) والذي أشار إلى أن
ما حقَّقه (الناتو) حتى الآن ضد نظام القذافي يعد نجاحًا هامًّا، مشيرًا
إلى أنه "في بداية الأمر كان الوضع في بنغازي وأجدابيا والبريقة حرجًا
وخطرًا جدًّا، أما الآن فالوضع في هذه المناطق شبه مستقرّ وآمن تمامًا،
وهو أمر يدل على أننا استطعنا إحداث فرق في توازن القوى لصالح الثوار على
حساب كتائب القذافي"، حسب قوله.
كما يشير مايك رافيرى رئيس
الاستراتيجيَّة في مقر حلف الناتو بتركيا، إلى "أن أكبر دليل على نجاح
عملية الناتو في ليبيا هو أن القوات الموالية للقذافي غيَّرت من
استراتيجيتها؛ حيث أصبحوا الآن يشعرون بالتشتت ويخبئون قواتهم"، إضافة إلى
أن القذافي لم يعد لديه حرية المناورات، كما كانت لديه من قبلُ.
استراتيجيَّة جديدة
ويؤكد
أصحاب هذا الاتجاه أن عمليات الناتو ضد نظام القذافي في ليبيا قد أخذت
منحًى جديدًا، خاصة بعد أن بدأ الناتو في تطبيق استراتيجية جديدة، تمثلت
في استخدام مروحيات عسكريَّة في محاولة للوصول إلى كتائب القذافي التي
تختبئ وسط المناطق المأهولة بالسكان، وهو ما اعتبرته روسيا تمهيدًا لعملية
برية، خاصة بعد أن أرسلت فرنسا وبريطانيا فريق من الخبراء العسكريين إلى
شرقي ليبيا لدعم الثوار من خلال تقويتهم تنظيميًّا وتدريبهم على الاتصالات
والجوانب اللوجستيَّة المختلفة، وذلك في نطاقي التخطيط والتكتيك العسكري،
وأيضًا على مستوى التدريب واستخدام أسلحة أكثر تقدمًا وتعقيدًا من الأسلحة
الخفيفة.
فضلا عن ذلك فإن هناك من تحدث عن عمليات مباشرة لتسليح
الثوار بنوعيات مختلفة من الأسلحة، حيث بدأت هذه الخطوة بالفعل قبل
أسبوعين بشكلٍ تدريجي وعلى نطاق محدود، ويؤكِّد هذا ما تحدث عنه البعض من
وجود أسلحة جديدة لم تكن لدى الجيش الليبي ولم يستخدمها الثوار من قبلُ،
ويرجّح أن تكون أسلحة قطريَّة.
إصرار على البقاء.. ولكن
وعلى
الرغم من ذلك فإن هناك من يرى أن سياسة الحلف الجديدة تصطدم بإصرار العقيد
القذافي على البقاء في السلطة أو الموت، وذلك على الرغم من توالي الضربات
على مقره في باب العزيزيَّة، وهو ما وضح من خلال تصريحاته الصوتية التي
بثها التلفزيون الليبي منذ أيام، مؤكدًا أنه سيبقى في طرابلس «سواء حيًّا
أو ميتًا»، كما تعهد القتال حتى النهاية، مضيفا: «أمامنا خيار واحد، وهو
بلادنا، ونحن فيها للنهاية... موت... حياة، لا يهم» ودَعَا أنصاره إلى
التوجه إلى مجمع باب العزيزية، حيث مقره الذي يتعرَّض لقصف عنيف، كما
توجَّه القذافي إلى التحالف الدولي الذي يطالبه بالرحيل، قائلا: «لن نخضع
أبدًا، لن تستطيعوا هزيمة شعب مسلّح (..) ستثور بنغازي ودرنة وطبرق
والبيضا والجبل الأخضر، سيكون هناك فدائي تحت كل شجرة في الجبل الأخضر،
إلى الأمام بالزحف المليوني شرقًا وغربًا» وأضاف: «أتكلم والقصف بجانبي
لكن روحي بيد الله، لا أفكّر في الموت أو الحياة بل القيام بالواجب».
ولعلَّ
هذا يدفعنا إلى التساؤل: هل ينجح الناتو في القضاء على نظام القذافي؟ وهل
يلجأ بالفعل إلى استخدام قوات بريَّة على الرغم من معارضة بعض دول الحلف
لهذا الخيار؟ أم ينجح القذافي في اكتساب المزيد من الوقت في محاولة للوصول
إلى مفاوضات تضمن له البقاء في السلطة أو على الأقل خروجًا مشرفًا؟ وهو ما
ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة.
المصدر: الاسلام اليوم