ما حصل لأفراد المنتخب الجزائري لكرة القدم والوفد المرافق له في العاصمة المصرية القاهرة، عندما تمّ تهشيم زجاج الحافلة التي أقلتهم من المطار إلى الفندق، الشيء الذي أدّى إلى إصابة عدد من اللاعبين بجروح في رؤوسهم، يدعو إلى وضع "الأخوّة العربية" التي يرددها العرب بلا كلل ولا ملل، أمام مجهر الحقيقة، كي نعرف ما إن كانت هذه الأخوّة حقيقة لا جدال في صدْقيتها، أم أنها ليست سوى وجها من أوجه النفاق العربي اللا محدود!
2)
وإذا كنا نعرف حق المعرفة أن ما يميز الدول العربية على مستوى حكّامها هو النفاق والعداوة ولا شيء غيرهما، فالذي لا أفهمه شخصيا هو أن الشعوب العربية الواقعة تحت أحذية الظلم والقهر والاستبداد تحاول أن توهم بعضها البعض، بأن "الأخوّة" الصادقة تسري في دمائها، والحال أن هذا الكلام ليس سوى كذبا بواحا، ومن يصدقه كمن يصدق أن السراب حقيقة، كما وقع لأفراد البعثة الجزائرية الذين عبّر لهم "أشقاؤهم" المصريون عن :"أخوّتهم" الصادقة وذلك بفلق رؤوسهم بالحجارة!
3)
شخصيا لا أؤمن بشيء اسمه "الأخوّة العربية"، أولا لأن الأخوّة لم تعد قائمة حتى بين من يخرجون من رحم أم واحدة، فأحرى أن تجمع بين شعوب كبرتْ وتربّت في مجتمعات غارقة في النفاق. لذلك، لا فرق لديّ بين مواطن جزائري أو مصري أو سعودي، وبين مواطن فرنسي أو إسباني أو أمريكي. ففي نهاية المطاف لا يجب أن ننظر إلى الآخرين من خلال جنسياتهم، بل ننظر إليهم كأشخاص يقتسمون معنا هذا الكون، بغض النظر عن الرقعة الجغرافية التي يعيشون فيها. لماذا؟ لأن العرب الذين يدّعون أنهم أشقاء، هم أكثر الأمم انقساما على وجه الكرة الأرضية! ففي الوقت الذي نرى فيه الأمم الأخرى تتوحد وتتكتل في تجمعات هائلة، رغم تميز شعوبها بالفردانية، نجد العرب منقسمين حول كل شيء، ويتربصون ببعضهم البعض، وقد كان هناك من لخّص هذا الانقسام العربي في جملة مأثورة وبليغة تقول: اتفق العرب على ألا يتفقوا!
4)
فلو كان العرب أشقاء حقيقيين كما يزعمون، لما شهدت مباراة المنتخبين الجزائري والمصري كل تلك الاستعدادات "الحربية" التي سبقتها، عبر تهييج الرأي العام بواسطة المانشيطات والمقالات الصحافية النارية، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المهيّجة، وكأنّ الجزائر ومصر على أهبة خوض حرب حقيقية وليس مجرد مقابلة في كرة القدم لا تستحق كل هذه الجعجعة، ويعلم الجميع مسبقا أن مستواها الفني والتقني، بسبب التوتر والأعصاب المشدودة، لن يكون أفضل من إحدى مباريات الدوري الموزمبيقي لكرة القدم!
5)
لذلك، ولكي نكون واقعيين مع أنفسنا أولا، ومع الآخرين ثانيا، يفترض فينا أن نضع أنفسنا في مواجهة مرآة الحقيقة، ونتساءل إن كنّا حقا صادقين مع أنفسنا عندما نتحدث عن هذه "الأخوّة" التي ندّعي أنها تجمعنا ببقية الشعوب الأخرى، أم نردّد ذلك فقط من باب "إنّا وجدْنا عليها آباءنا"؟
"الأخوّة" شيء لا معنى له بين الشعوب، بل حتى بين مواطني البلد الواحد، ولا يمكن أن تعثر على مثل هذه المصطلحات إلا لدى العرب، لأنهم بكل بساطة منافقون! ومن يشكّ في هذا الكلام، ما عليه سوى أن يسأل العمال المغاربة الذين رمتْ بهم الظروف في الخليج العربي، ويسألهم عن الظروف التي يشتغلون فيها هناك، ويقارنها بظروف عمل المغاربة في بقية بلدان الكون، خصوصا في الغرب، وسيكتشف أن الإسرائيليين الذين نعتبرهم ألدّ أعدائنا، هم أرحم من"أشقائنا" العرب!
أكثر من ذلك، من يزور مدينة مراكش مثلا، ويرى كيف يتعامل سائقو سيارات الأجرة الصغيرة مع بني جلدتهم، ومواطنيهم المغاربة، الذين يقتسمون معهم أرض وطن واحد، عندما يفضلون التعامل مع السياح الأجانب، ويرفضون الوقوف لخدمة "كْحل الراس" سيدرك أننا ندّعي أشياء ونفعل نقيضها، أي أننا كانحشمو ولكننا لا نستحي!
فْلنكن واقعيين إذن، وكفى من هذا النفاق القبيح أيها "الأشقاء الأعداء"ّ!
الإثنين نوفمبر 16, 2009 2:20 pm من طرف هشام مزيان