اعلنت المملكة العربية السعودية على لسان الامير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الدفاع السعودي، انها مستمرة في الحرب ضد الحوثيين حتى يوقفوا عدوانهم على الاراضي السعودية، وتقيم منطقة عازلة بعمق عشرة كيلومترات داخل الحدود اليمنية لتأمين القرى السعودية وسكانها، ولكن يبدو، ومن خلال تطورات الاحداث على الارض ان ما يمكن ان يحدث هو العكس تماما.
بالامس اعلن المتمردون الحوثيون قصفهم موقعا عسكريا في الاراضي السعودية بصواريخ 'الكاتيوشا' ردا على ما وصفوه بقصف المدنيين في الاراضي اليمنية. وهذا تطور خطير قد يؤدي الى اخلاء العديد من القرى الحدودية السعودية لتجنب وقوع خسائر بشرية بسبب سقوط مثل هذه الصواريخ.
منظمة اليونيسيف الدولية قالت قبل يومين في تقرير لها ان الحكومة السعودية اخلت حوالي 250 قرية حدودية من سكانها، واقامت لهم مناطق ايواء بعيدا عن خطوط المواجهة، مما يعني انها تقيم منطقة عازلة داخل حدودها ايضا، بعد ان ادركت ان عمليات التسلل والقصف الصاروخي يمكن ان توقع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، المتضررين الرئيسيين من هذه الحرب، على جانبي الحدود.
وصول صواريخ الكاتيوشا الى ايدي المتمردين الحوثيين سيكون خبرا مقلقا للسلطات السعودية، لقدرة هذه الصواريخ على الوصول الى مدن سعودية كبرى مثل جيزان، مما يعيد الى الاذهان تجربة اطلاق هذه الصواريخ من جنوب لبنان على مستوطنات وبلدات اسرائيلية في الجليل.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول كيفية وصول هذا النوع من الصواريخ الى ايدي المتمردين الحوثيين، والاعداد المتوفرة منها لديهم، وما اذا كانت هناك صواريخ ابعد مدى من النوع نفسه، او من انواع اخرى.
مصادر مقربة من الحوثيين تقول انهم حصلوا على هذه الصواريخ من ثكنات للجيش اليمني استولوا عليها، ولكن الرواية الاقرب الى الصحة انها اتت من الخارج، وهذا يعني ان اطرافا خارجية، ربما من بينها ايران، هي مصدر هذه الصواريخ الاصلي.
الامر المؤكد ان المملكة العربية السعودية وقعت في هذه المصيدة المحكمة التي اعدت بعناية لاشغالها في حرب استنزاف طائفية قد تمتد لسنوات قادمة، لان التفوق العسكري، والجوي منه على وجه الخصوص، ليس ضمانة للانتصار في حرب ضد ميليشيا مسلحة، وتجارب الولايات المتحدة في العراق وافغانستان واسرائيل في جنوب لبنان امثلة على درجة كبيرة من الاهمية في هذا الخصوص.
الحوثيون يحاولون تنفيذ استراتيجية على درجة كبيرة من الخطورة، تتمثل خطوطها العريضة في اطالة امد الحرب هذه، وتصويرها على انها حرب بين اليمن والمملكة العربية السعودية، مع تصوير الاخيرة على انها الطرف المعتدي الذي يستخدم قدراته العسكرية الجوية الضخمة في قصف اراض يمنية.
الرهان على تعاطف الشعب اليمني مع الحوثيين ليس رهاناً كاسباً على المدى القصير، حيث لا توجد اي مؤشرات واضحة تؤكد حدوث مثل هذا التعاطف في الوقت الراهن، ولكن وجود حساسية خاصة لدى اليمنيين تجاه جارهم الشمالي القوي والغني ربما يتبلور في الاتجاه الذي يريده الحوثيون، حتى ولو اختلف الشعب اليمني مع مذهبهم، فهؤلاء يمنيون في نهاية المطاف.
الحوار هو المخرج الامثل من هذه الحرب الكارثية، لقطع الطريق على محاولات تدويلها من قبل اطراف خارجية، فالحلول العسكرية وحدها ستحقق، للذين يريدون صب الزيت على نارها، كل ما يتطلعون اليه من اهداف خطيرة.
جيران اليمن ارتكبوا خطأ كبيراً عندما تركوه يتفسخ، ويواجه المتاعب الاقتصادية والسياسية وحده دون معين. فمن العيب ان يصنف اليمن ضمن افقر عشرين دولة في العالم، بينما يملك جيرانه فوائض مالية تصل الى تريليوني دولار على الأقل (2000 مليار دولار)، ويصل دخلهم السنوي الى حوالى 500 مليار دولار من العوائد النفطية.
الحوثيون، ومهما اختلفنا معهم في عقيدتهم، ونحن ندين لجوءهم الى السلاح، يظلون من ابناء اليمن، ومن الخطأ عدم الاستماع الى وجهة نظرهم ومظالمهم، لتجنب الوقوع في هذا المستنقع الدموي الذي يدفع ثمنه الابرياء في اليمن والمملكة العربية السعودية.
المطلوب وساطة سريعة، سواء من قبل اليمن او دول الجوار لوقف نزيف الدم، قبل ان يتفجر اليمن، ويفجّر المنطقة باسرها.
الأربعاء ديسمبر 02, 2009 3:22 pm من طرف حياة