- مجال علم الصورة
لقد رأينا سابقاً كيف يستطيع علم الصورة إفادة التبادلات، وأدب الرحلات، والترجمات، وظاهرة التلقي انظر الفصل الثاني والثالث). نضيف إلى ذلك الدراسة الأدبية للنماذج الأجنبية.
- النماذج الأدبية :
يتعلق الأمر بتابع لعلم الصورة، ويمكن أن يعد بديلاً عن الدراسة الموضوعاتية.(1) لهذا، من المناسب تمييز النموذج الاجتماعي، والنموذج الأدبي، والرمز، والشخصية، من أجل الانفتاح على موضوعات ومسائل ذات طبيعة سياسية واجتماعية.
هكذا تكتمل الدائرة : من اختبار العلاقات بين المجتمع والأدب حتى اختبار الأدب كوسيلة، وتعبير غير مباشر عن المشاكل الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية. إننا نكتشف نوعاً من المخطط الدائري البسيط يجب تذكره دائماً، انظر الفصل الثامن) : يقدم المجتمع، والثقافات الأجنبية أدوات نماذج، صور)، ويجعلها الأدب شعرية أو إشكالية من أجل تقديمها، بعد ذلك، إلى القارئ، والتفسير دون شك، والخيال. نحرص، إذن، على تمييز مايقوم على العقيدة علاقات الأدب والمجتمع)، عمّا يقوم على التقليد الأدبي أهمية الشكل، عندما يتعلق الأمر بدراسة أو تخيل، وبشخصية روائية أو مسرحية من أجل تجنب تجريد) النصوص المختلفة)، أو ما يقوم على العالم الحلمي الذي يقدّم أو يعاد تقديمه تبعاً للخطة والمجتمع ...إلخ مستوى الخيال الاجتماعي) .
- علم الصورة والهوية :
هناك مجالات للدراسة، وكذلك تساؤلات يمكنها أن تستفيد من إسهام علم الصورة : مثلاً، المشاكل المرتبطة بالهوية حيث تبدأ مشكلة وضع صورة الآخر. كل أدب يركز على أسس هويته، حتى عبر التخيّل، ينشر صور الآخر أوالآخرين، من أجل أن يشكل نفسه، ويتحدث عنها :
يتحول النظري إلى مرآوي . إن آداب البلدان التي كانت قد استعمرت، مثل بلدان أمريكا وأفريقيا، معنية مباشرة إلى حد ما، بهذه المشاكل : أمريكا مقابل أوربا، العالم الجديد مقابل العالم القديم، المستعمرة القديمة مقابل البلدان الأوربية، المولّدون البيض(2) الأوربيون في المستعمرات الإسبانية، والبرتغالية مقابل الأوربيين في القارة نفسها، السكان الأصليون مقابل المستعمرين (3) وأخيراً الأوربيون مقابل المتوحشين الطيبين أو الشريرين) كلهم (4) .
- علم الصورة والإثارة :
إن الاستشراق، وهذا الشرق الذي يحلم به الغرب، وتعابيره الأدبية، والفنية، وعقيدته أوخياله، بحسب الحالة، والإثارة هذا كله يعد مسائل يجد فيها علم الصورة موضوعات للتأمل مهمة (5) .
بصورة عامة، يمكن دراسة الإثارة، بوصفها مجموعة من أساليب الكتابة، من خلال الأدب الاستعماري مثلاً) وكذلك من خلال الأغنية، والأوبيرا، والفنون التشكيلية، والمسرح .. إلخ.
إنها تكشف، بأشكال مختلفة، خطط كتابة ثابتة بصورة رائعة :
1- تجزيء الفضاء من أجل امتصاص لذات المكان الآخر بصورة جيدة: ضبط أشجار النخيل، والشواطئ، والأماكن الطبيعية التي تعد مثيرة للإعجاب في الثقافة الناظرة )؛
2- المسرَحة، وهي نتيجة للظاهرة الأولى مسارح، ولوحات تغير طبيعة الآخر وثقافته إلى مشاهد من أجل تحديد بُعد المراقب وتحول الآخر إلى رمز، يُتقبّل بصعوبة )؛
3- الجنسانية التي تسمح بالسيطرة على الآخر، وإقامة علاقات مضطربة ومعقدة: فضاءات الحريم، ولذات مصطنعة.
يتيح الشرق الخرق الممكن أو الحلمي للممنوعات الغربية (6) اللواطة، وتعدد الزوجات المسموح بهما في أراضي آسيا الفاترة) لبودلير و " الأميرات البعيدات " الأثيرات عند إدمون روستاند وسرح بيرنارد، و " الحمام التركي " الذي رسم من قبل أنغريس مع حريمه الثلاث والعشرين، وهو مكان نموذجي لكل الاستيهامات الجنسية ). ولكن لأن هذه الإثارة شرقية فإنها، وقبل كل شيء، التعبير عن التناقض المطلق مع الغرب. الغرب المتناقض، والشرق هوغرب معكوس : ليس العقل ولكن العاطفة، والغرابة، والقساوة، وليس التقدم أو الحداثة، وليس اليومي القريب، ولكن الماضي الساحر، جنة ضائعة أو جنة مستعارة ... لايستطيع الفضاء الشرقي أن يصل إلى نوعية المكان الحيادي أو الشبيه بالمكان الغربي : أو أوبيرا ما موشي أو سَراي بايزيد Bajazet . مع ذلك، في اللحظة التي ينتصر فيها الاستشراق السيء في فرنسا في العشرينيات الأطلسية (7) لبييربيرنوا) والتي لم تقل فيها الإمبريالية كلمتها الأخيرة البحث في بلاد الشرق لمؤلفه م. باريس )، أصدر المستشرق لويس ما سينيون أطروحته حول المتصوف الفارسي) الحلاج. ولم يقبل بتعارض الثقافات الشرقية والغربية، وراح يقاتل من اجل تشجيع اللقاء بينها وهذا ما يسميه الاندماج المشترك) .
" من أجل فهم الآخر، لا يجب إلحاقه، بل يجب أن تكون مضيفه".
وهذا درس جيد في الصورية ونصيحة، مازالت حتى اليوم تحتفظ بعظمتها وقوتها.
يفتح بييرسيتي، ضمن أطروحته (8) ، منظورات للأدب العام والأدب المقارن، بالاعتماد على الأدب الفرنسي أنظر مثلاً الفصل العاشر : منظومة الصور الوطنية) وهو يقترح أيضاً إيضاحات منهجية بتفضيل خيال) على خيالي) : " تحدد تالية الفعل بصورة خاصة حركية التقديمات ". إن هدف تاريخ الخيال الذي يريد بناءه هو " استخلاص نشاط العوامل الخيالية في التاريخ " يتعلق الأمر بتحليل " شروط التقديم" عن طريق استخدام أربع عبارات :
الذي يُقدم والذي يُقدَم المعادل لنص أو لرسالة)، والذي يستقبل التقديم إذن المتلقي)، واللحظة التي تنتجه إذن مرسل)، و" الذي يضمن شرعية التقديم "، مما يجعل ما يُقدَم وما يتعذر تقديمه) بعداً جديداً للدراسة :
" حصر ما يسمح بالتقديم أو يعرضه للخطر " من هنا جاء هذا المفهوم " للكفالة " و " السلطة" الذي هو أحد الأسس المنهجية للعمل. من المفيد الإشارة إلى أنه مع الخيال، يتم إعادة إدخال التطور الإبداعي ضمن الأدب عمل الخيال والفعل)، وتصبح المصالحة بين التاريخ والشعرية ممكنة، وأخيراً، فإنه مع فعل الخيال تؤخذ حقيقة الشيء الواقعية وبالطريقة نفسها الواقع بعين الاعتبار من أجل تاريخ جديد للأدب. هذه المنظورات مهمة : سنجدها، بصورة معينة، في نهاية المسار، وكذلك سنرى بأي طريقة نفكر لدراسة " كفالة " النص الأدبي. وليس أقل من ذلك أن الخيال يبقى ضمن إطار مقارني مفهوماً ومستوى للتأمل ضروريين.
- اللقاء النقدي :
إن المواقف الأساسية التي يمكن أخذها إزاء أجوبة على مشاكل سياسية أكثر منها أدبية تجد توضحيات غير منتظرة في النقد الأدبي.
عندما دعي جان ستاروبينسكي لتحديد مكانة النقد بالنسبة للأدب بدأ الحديث عن اللقاء )(9) . إنه يطرح هذا الحوار بين ذاتيتين والذي يجب ألا ينسى البعد) من أجل تجنب الوقوع في التفسير المسهب الإعجابي، أو في الخطاب المبطن. هذه المفردات، التي ينكرها المقارن عند الحديث عن العلاقات العالمية، لن تفاجئ ذلك الذي يقرأ - العلاقة النقدية - وهو جزءان جمعا تحت عنوان - العين اليقظة، غاليمار، 1961- 1970).
عندما حدد ما يجب أن يكونه النقد وفق روحه ومضمونه، يميز جان ستاروبينسكي ثلاثة مواقف محتملة من أجل رفض اثنين.
يدفع الأول بصورة إجبارية إلى التفكير بالرُهاب)، ويجعلنا نكتشف فجأة أن هناك، في الواقع، نقاداً يفضلون خطبهم على الأعمال التي يقرؤنها : " خطاب دون رابط " ... " غاية المعرفة مستبعدة من أجل هدف آخر، من التعبير الشخصي، واللعب، والدعابة .."
" لاشيء مثير إلا قراءة دراسة يغطي صوتها صوت العمل ..."
" ثرثرة الباحث تشكل حاجزاً ".
الموقف النقدي الثاني يعيد بدهشة إلى الهوس. يتعلق الأمر بتقديس حقيقي للنص : وهذا هو موضوع ترقيم تقليدي) يجل النص الحقيقي الأول : " بصورة مثالية، يجب إعادة العمل إلى حالته الأولى ". احتقار للنص من جهة، ومن جهة أخرى تبجيل مفرط، يجب عدم تفضيل أي من الرُهاب أو الهوس النقديين. يهدف الموقف الثالث إلى التحول إلى شارح)، وهي كلمة مرت سابقاً بخصوص الوسطاء، والمترجمين، والمتلقين. سيسمح لنا بالاستشهاد لتقديم هذا الطريق الثالث بحرفيته تقريباً، والذي يتقاطع، كما توقعنا مع ما نسميه تسامحاً).
" عندما يستجوب الشارح النصوص، فإن الجواب أولاً، بوضوح هو بروز شكل أكثر تكراراً أو أكثر إجبارية :
أداة معمارية، منظور سردي، طبقة من الصور، تصرفات اعتيادية، تماثل بين عقيدة مُعلنة وثوابت أسلوبية ... إلخ.
من الكل إلى التفصيلات، يمكن أن يكون نظام عظمة الشكل المدرك، وطبقته بين العناصر المشكلة للنص مختلفين. في كل الحالات، لن يكون الجواب شافياً إلا إذا قرأ هذا الشكل ضمن دلالته الكاملة، ووفق ما يمكن أن يشير إليه. فيه معنى حرفي، يستدعي معرفتنا الكاملة لأنه كان موجودا قبل قراءتنا)، وتأملنا الحر فمن أجل أن يكتمل، يتطلب دائماً تتمة من المعنى الذي يجب أن يأتيه من القارئ اليقظ ). إذا كان الموضوع الذي يجب شرحه، والخطاب الشارح كاملين، فإنهما يرتبطان ببعضهما كي لايفترقا أبداً. إنهما يشكلان كائناً جديداً مركباً من ماهية مزدوجة. نحن نمتلك الموضوع، ولكن يمكن القول أيضاً إنه يجذبنا إليه ؛ إلى وجوده المتزايد والذي أصبح واضحاً. ينسب الموضوع المفهوم إلى هذا الجزء من العالم الذي يمكننا أن نعده لنا: نحن نتواجد فيه ". والذي لا نضيع فيه : هذا ليس قط خاتمة لمسائل العلاقات العالمية وعلم الصورة إن هذا تعريف لموقف نقدي ومبادئ قراءة ستوجه دراسات الشعرية التي ستلي لاحقاً. ولهذا السبب يجب اعتبار أن دراسة العلاقات العالمية التفكير في الآخر، كتابة التوسيط، إعادة كتابة الترجمة، والخيال تحت رقابة والذي هو كتابة الصورة) تشكل، في الأدب العام والمقارن، الدراسة التمهيدية الضرورية لكل تأمل شعري.
- 5- الموضوعات
نحن مصنوعون من مواد شبيهة بالمواد المصنوعة منها الأحلام ... إذا كان يجب تصديق شكسبير في بداية مسرحيته هاملت، يمكن لهذه المادة التي صُنعنا منها نحن وأحلامنا أن تكون مادة الموضوعات التي يدرسها المقارن. من المتفق عليه أن هذه الموضوعات تشكل الأداة نفسها للأدب ؛ فتشكل فيه خيالها. إن الموضوعات، وكذلك الصور التي درسناها)، والأساطير التي ستلي) تشكل الأدوات التي يعطيها الأدب شكلاً. فالأعمال العظيمة مثل - الكوميديا الإلهية، ودون كيشوت موسوعات أو نماذج يُستمد منها هذا الموضوع أو ذاك. يبدو علم الموضوعات، وكذلك تاريخ الموضوعات طريقين سهلين من أجل اكتشاف بعض أوجه تكوّن النص الأدبي، وحتى الإبداع الشعري . نتذكر صمت أو تحفظات المقارنين الأوائل إزاء هذا النموذج من الدراسة الفصل الأول). بعد نصف قرن من ذلك، أصدر البلجيكي ريمون تروسون مقالة بعنوان دفاع عن تاريخ الموضوعات) في مجلة الأدب المقارن 1964، العدد / 1.
استطاع هذا التاريخ أن يتخلص بوساطة الفهارس من التبحر عديم الفائدة، والتصنيف التسلسلي للنصوص والمقبوسات، وغيرها من الشوائب التي مرت سابقاً. مع ذلك، فهو يمثل مقدمة مادية وعامة في الوقت نفسه من خلال الاختيار المختصر لبعض النصوص والانفتاحات التي يستطيع أن يثيرها) لمشاكل تنتج عن تاريخ الأدب، وتاريخ الأفكار والعقليات)، والشعرية، والتأمل في فعل الكتابة والخيال الإبداعي.
- علم الموضوعات : مسائل في المنهج :
دارت حول كلمة - موضوع - خلال عقود طويلة، نقاشات مصطلحية تكشف عن مشاكل في المنهج أيضاً. وبعكس الصورة، لايعد الموضوع ملكية عقلية للمقارنية. فله أصوله ضمن دراسات الفلكلور التي تستخدم أيضاً مفهوم الدافع مثل مدرسة غاستون باريس في القرن التاسع عشر)، وأفاد بقوة التأمل الشعري للشكلانيين الروس، وهو أحد الأسس التصورية والمنهجية، لبعض المقاربات النقدية مثل غاستون باشلار، وجان بيير ريشارد)، وهو لا يخص فقط الأدب، ولكن كذلك الموسيقي لنفكر بالاستخدام التنافسي للدافع، أو حتى - للازمة - الأثيرة عند فاغنر) يجب أن يجد الموضوع المقارني مكانه ضمن هذا الاستعراض السريع والواسع، حيث يستطيع أن يدخل في منافسة مع الأسطورة موضوع أو أسطورة صقلية ؟) أو أيضاً مع البواعث التي تتبّع إيرنست - روبير كورتيوس مساراتها منذ العصر القديم وخلال العصر الوسيط كله.
الأحد يونيو 05, 2011 4:51 am من طرف سميح القاسم