الآن دخلت مصر القرن الواحد والعشرين.. عصر الشعوب بحق.. خرجت من عباءة الفرعون وعبادته تخلصت من كهنة المعبد، بل ومن المعبد ذاته.
عادت مصر إلى المصريين بعد أن ظلت طائرة مخطوفة طوال أكثر من ربع قرن تهبط
فى تل أبيب تارة، أو فى واشنطن تارة أخرى، ولم يفكر تيارها ذات مرة أن يهبط
بها على أرض مصرية.
فى يوليو 52 كان انقلاباً تحول إلى ثورة، وفى يناير كانت ثورة تحولت إلى
انقلاب، كانت ثورة حمراء تحولت إلى انقلاب أبيض من القصر على القصر هذه هى
المرة الأولى فى التاريخ المصرى التى يغير فيها الشعب حاكمه بنفسه.
فى 52 قام ثوار يوليو بالنيابة عن الشعب بإجراء التغييرات التى كانوا
يحلمون بها أم اليوم فقد قام الشعب بالأصالة عن نفسه بتحقيق تلك الأحلام
فلم يعط تفويضاً لأحد ولم يحرر توكيلا لأى من كان ليترافع عنه فى قضيته
فكان جديراً بحكم البراءة من الخنوع والتواكل، والجبن.
هذه هى المرة الأولى التى لن يختلف المؤرخون فيها حول توصيف ما حدث.. ما
إذا كان ينتمى إلى فصيلة ثورية.. أم إلى الفصيلة الانقلابية.
لم تغير مصر حاكمها عبر صناديق الانتخابات الزجاجية فقد حال المستبدون دون
حقهم فى ذلك فقررت أن تغيره عبر الشوارع والحارات والميادين بدماء الشهداء
وحناجر الشجعان.
من الآن فصاعدا أصبح لدينا مزارا سياحيا أخر يضاف إلى قائمة المزارات التى
يقصدها السياح من كل بلاد الدنيا فسوف يتوافدون على ميدان الشهداء.. ميدان
التحرير ليلتقطوا الصور التذكارية على أرضه بعد أن كانوا يكتفون بالتقاطها
مع التماثيل والتوابيت التاريخية.
لم تكن صدفة أن تنطلق الثورة من ميدان يحمل اسم "التحرير" فقد كان التحرير
هو الهدف الأسمى الذى انطلقت الثورة لتحقيقه تحرير الإرادة من العجز
وتحرير العقل من الخرافة وتحرير الضمير من الانحراف.
فى عام 1973 نجحنا فى تحرير الأرض وفى عام 2011 نجحنا فى تحرير الإرادة
حين عاد المصريون إلى مصر عادت مصر إلى مصرييها الحقيقيين عادت من أيدى
خاطفيها من المتمصرين أصحاب الذمم الخربة والضمائر الميتة والعقول
المتحجرة.
لقد عاد المصريون إلى مصريتهم، عادوا مواطنين لا رعايا وملاكاً وليسوا مجرد سكان يقيمون فيها بالإيجار.
إلى الشهداء فى عليائهم
إلى الجرحى فى أماكن علاجهم
إلى المعتقلين فى أماكن حجزهم وسجنهم
إلى المتظاهرين فى ميادينهم
إلى النساء اللواتى كانت تلهج ألسنتهن بالدعاء
وإلى الأطفال الذين تسمروا أيام وليال أمام التلفاز وهم لا يعون ما يجرى
إلى الطفل الفلسطينى الذى لقيته على باب المسجد بعد صلاة العشاء وهنأنى برحيل مبارك
إلى الإخوة العرب من المثقفين والمفكرين الذين تصدوا لمكر حكوماتهم وانحيازها السافر لمبارك
إلى شباب مصر الثائر الذين قرروا أن تكون هذه هى معركتهم الأولى والأخيرة
إلى أبنائى الذين لم يتركوا عمر سليمان يكمل بيانه إلا وسجدوا لله شكرا على هذا النصر الكبير
إلى الأحرار فى كل مكان حول العالم
أيها الأحرار كم أشعر بأنى عنقى يطال السماء وأنا أسمع خبر رحيل الديكتاتور
بكيت لأننى عشت هذه اللحظة المباركة ورأيت بعينى رأسى كيف تنتصر إرادة الشعوب
وبكيت وأنا أتلقى التهانى من أخوتنا الخليجيين
صحيح أننى بكيت يوم رحل عبد الناصر ولكننى كنت طفلا لا يعيى
وبكيت يوم انتصرت مصر فى رمضان – أكتوبر 1973 وقد كنت صبيا
ووقفت مندهشا وأنا شاب أشاهد كيف ودع السادات شعبه فى جنازة عسكرية بعد ما قتل بين يدى جيشه
واليوم أبكى وأنا أرى فرعون مصر يتنحى بعد مماطلة وأخذ ورد ولكنه رحل وأخذ معه كل الماضى الأليم.
إلى أسر الشهداء وأهالى الجرحى والمعتقلين أنحنى أمامكم جميعا وأشعر أننى
صغيرا جدا أمام عطائكم فقد أعطيتم، وهذا هو حصاد عطائكم، وستظل دمائكم
الذكية تروى أشجار الحرية فى مصر والعالم العربى.
آخر السطر
اليوم مصر ولدت من جديد
ونقول لها حمدا لله على السلامة يا مصر
لقد نجحت مصر فى تحطيم أصنامها فى الحزب "الوثنى" وفى كل الهياكل الوثنية غير الوطنية.. مبروك يا مصر.. مبروك يا مصريين.