أنا رجل نوستالجيّ، ألوي عنقي للوراء دومًا، لا أسمع غير الصدى مبحوحًا داخل أوردتي، نسيت نفسي وأنا مهمل بين طيّات التاريخ وجفون أعيني، أنا رجل الخسارات المتتالية، هربت من مجد الأسلاف وكتب التاريخ والحماقات، وجهي للموت مشرّع وفي عيوني وميض القتل.
في تلك اللحظات القاتلة، أو بين الأمل واليأس أهوي على خراطيش التاريخ وهي تثقب نتوءات جسدي، كعذراء تحت جسد مُغتصبٍ ساديّ، أو كفضيلة خرجت من سطور الإنجيل، أنا حلقة من الدراويش في زمن التيه وأفول الألهة، أعماقي ملوّثة بالفقر والعجز والحرمان وأدفع ضريبة للذكريات كرجل بلا تاريخ وأنا أرتقي دروج الزمن.
لقد سقطت في الزمن أنا أيضًا يا إيميل سيوران، في ظلمة موحشة كالقبر تخيّم على روحي في شاشات الذاكرة، تتمتّع قاتلتي بنحري بخنجر العشق والولهِ وتقدّم قلبي قربانًا للألهة، في صمتك الذي طال أشهرًا يشتعل حزني، وآلامي تشّعّ كأضواء مدينة باريسّية وتتلألئُ نجوم شرايني، ألقي بنفسي في غرفة أضيق من مخيّلتي المثقوبة، وأفكّر فيك أنتِ أيضًا، وبصخب الريح أمشي إليكِ، وكلماتك تعبق برائحتي.
قالت؛ -ولكنّ حبّنا يشي بالموت
.
قلت؛ -ولكن الحبّ مجرّد وهم عابر في أزمنة ما بعد الحداثة، هو قبر للجنس والملذّات
قالت؛ -لهفتك قاتمة، هي شوق أحمر تخثّر بدماء الشرق وأنصاف الألهة، هي كشهريار مقيتة، وأشعّة خالدة، لا تكفي لطيّ غبار التاريخ.
قُلت؛ – لكنّ الفرح، يتعفّن في عصور العولمة والبضاعة والخردة، ولكنّي -وحدي- أهرب بإستمرار من جروح التاريخ.
قالت؛ -ربّما الطبيعة بتعقيداتها الفيزيائية والمادية، قد تكون إجتياحًا طاغٍ يمتجليًا في النشوة والأفول، الحبّ أيضًا يمضي كالسحب العابرة.
في هذا الغسق، يكون الزمن قد إسترخى، الحب كجرح الوطن ينسى، أمَا الأن بِهُبوبِ الزمن على جسدي، وإنبثاق صورتك من شقوق الذاكرة كنجمة في ظلمات هذا العالم، قد تترآى لي ملامح أخرى للعلاقة.
وهكذا نهاية قد تكون متكاملة الملامح أو ربّما معطوبة كقصّة حبّنا، وكذلك تكون معقولة بكل هذا المجد الصوفي وبكل أوشحة النسيان فوق جسد هذا الزمن الحزين، كمن يشقّ الجسد نحو رحم الغياب والمجهول.
قبل لحظات كنت أتوسّد النسيان غطاءًا، لكنّ إمرأة متشّحة بالسواد لونًا وبالغموض طبعًا، جعلت من ليليِ مطعونًا كالحزن واللهفة كإستطراد يذرّ رمادي على الأبحرة السبعة، ما أصغر قلبكِ وما أكبر جرحي.
قالت؛ إنّ بنت العين؛ الدمعة، وبنت العقل؛ الفكرة، وبنت الأرض: الحصاة والخمرة وشرف الإنتماء.
لكنّ النهم المدقع للإختلاف في أزمنة هدر الإنسان، لم تكن كافية لرتق ذلك الشرخ، فحتى الهوس اللامتناهي بالإستعارات والمجاز، لم يكن كافيًا لرتق علاقة جديدة في جغرافيا الجسد، منذ ليلتها، أصبح الهوس باللامبالات فنّ في هوامش التاريخ
ففي زمن النسيان، النصر للذاكرة