يمكن لأي نظام أو سلطة في العالم أن يفرض ما يريد على المجتمع عبر القوانين العامة أو عبر مايخرجه من قوانين خاصة به أو عبر التحايل على القوانين أو بالقوة الخالصة.. إلا الثقافة وتثقيف المجتمع.. فهذه لا تأتي بالقوة مهما بلغت وتعاظمت هذه القوة.. في هذا الجانب يمكن أن ينكفيء المجتمع على نفسه.. أن يهمش نفسه.. أو يتهمش بفعل القوة.. قوة السلطة. بالطبع فأنا أقصد السلطات الشمولية.. الديكتاتورية ..وتحت أية مسميات جاءت.
- دون الدخول في التنظير وادعاء الفلسفة واستحضار المصطلحات.. لنحاول أن نقرأ أنفسنا .. نرى:
- إن ثقافة المجتمع وبالشكل الطبيعي.. هي حركة دائبة لا تتوقف.. تتطور بتطور العصر.. هذا إذا كان المجتمع متفاعلا ً .. حيا ً .. متحررا ً من كافة أشكال القسر.. مجتمع عصري .. متقدم .. ينتج تشريعه ويتحكم بتصرفات سلطته التي يختارها.. لا التي تفرض عليها بأي شكل من أشكال الفرض والقوة سواء ماكان منها مباشرا ً أو غير مباشر.
- أما إذا كان المجتمع محكوما ً بعوامل الفرض والقوة والقسر والإلزام.. كالمجتمعات العربية التي تراكمت فيها هذه العوامل عبر العصور .. فإنها رغم التطور الإنساني الهائل في هذا العصر.. مازالت تحبو في مجال الثقافة الاجتماعية وتتخبط في شتى الاتجاهات.. لاتدري أين سيقودها هذا التخبط. ضائعة بين موروث اختلط فيه المقدس بالانحراف الذي راكمه فقهاء السلطة الذين شرعنوا كل المظالم لينسبوها إلى المقدس في عملية تحايل هائلة وخبيثة عبر تأويلات غالبيتهم المجافية للمنطق واختلاق كل مامن شأنه إيهام المجتمع وضياعه وإيقاعه في الشبهة ابعادا ً له عن حيز الوعي السليم .. والذي أضاع الاتجاهات كما أسلفنا وأصبح أسير شرنقة هائلة متينة الجدران لايمكن اختراقها بسهولة ليخرج منها إلى دائرة النور. بل هو لا يجرؤ على خرقها معتقدا ً بشكل ساذج أنه قد يخسر الجنة .. وهو لا يدري أنه قد أضاع الدنيا والآخرة معا ً.. فهو لم يكسب من الدنيا وحقوقه فيها شيئا ً.. وكل شيء فيها تحت يد السلطان وفقهائه .. ولي الأمر .. ممثل الإله وظله على الأرض .. المانح القابض ..الطاعم الكاسي .. القاتل لمن يشاء ويعفو عن أعوانه وزبانيته والناهقين بفضله .. يحرم على الناس الاقتراب من هذه الدنيا دون إذن مسبق منه ومن الزبانية وفقهائه .. ولما كان ما ادخل في قناعة غالبية الناس عبيد السلطان قد حرف وشابه الكثير من رؤيتهم .. فإنه يكون قد خسرهم أيضا آخرتهم .. بسبب تحريف مفاهيم المقدس الذي طالبهم حقيقة أن يعيشوا في دنياهم أحرارا ً سادةً .. متسلحين بالأخلاق التي ترفع من شأن حياتهم . وترقيها .
قبل متابعة البحث في ثقافة الحوار والاختلاف وفهمنا لها .. يجب علينا أن نتعرف على أنفسنا أولا ً كشعوب ونوع الثقافة السائدة بيننا وهل نحن قادرون الآن على تفهم ثقافة الحوار والاختلاف وتقبل الآخر . ؟.
- بداية نحن مجتمعات ضائعة بين ثقافة المجتمع الرعوي والمجتمع الزراعي بكل ما تحتويه هذه الثقافة من علاقات عائلية وعشائرية أساسها اقتصاد هذا النوع من المجتمعات التي تعتمد على العائلة والعشيرة في تنمية هذا الاقتصاد وحمايته ولم نتمكن من الاقتراب من عتبات المجتمع الصناعي بما يحمله من ثقافة تتجاوز هذه الحالة إلى مجالات أوسع تغير تركيبة المجتمع وتنتقل به إلى علاقات أكثر انفتاحا ً وأعمق بعدا ً.. والمشكلة أننا مع تطورات العصر في مجتمع المدينة تحولنا مباشرة إلى مجتمعات استهلاكية بما فيها من قيم وعادات سيئة تعتمد المفاهيم والثقافة المعلبة الجاهزة مكتفية بالإطلاع عليها واعتبارها موضة صالحة لمرحلة قصيرة بانتظار ما ينتجه الغرب من جديد .
هذا واقع حقيقي على الرغم من وجود نخب مثقفة لدينا تعاملت مع تطورات الثقافة الغربية وحاولت إسقاطها كما هي على مجتمعاتنا عبر حرق مراحل التطور الكبيرة فتسببت لهذه المجتمعات بحالة من عسر الهضم . كما حدث مع الفكر الماركسي الذي استحضروه كما هو مفصلا ً ومعدا ً للمجتمعات التي أنتجته .. بغض النظر عن الفارق الزمني والثقافي والسياسي .. وكان من المفروض أن يعاد صيغته أو تبسيطه بما يتناسب ومستوى الوعي ومراعاة الحاجات الضرورية لدينا ( المهم فالأهم ) وليس بالضرورة بكافة مفاهيمه ربما كان الجانب الاقتصادي فيه أقرب للعدالة . وهذا ماتسبب في حالة من الرفض لدى الأكثرية الاجتماعية بغض النظر عن موقف السلطات ومحاربة هذا الفكر من قبل الرأسمالية العالمية بالتحالف مع الأنظمة والقوى السياسية المؤيدة للغرب الرأسمالي والفكر الديني المتزمت الذي يرفض الحوار . ليدخل الجميع في حالة صدام مع الفكر الماركسي الذي يفترض احتضانه من قبل الأكثرية الشعبية . إن هذا من أهم أخطاء النخب المثقفة التي استحضرت الفكر كما هو دون محاولة لفهم واقع هذه المجتمعات . وهذا ما يحدث الآن مع العلمانية وقوى الديمقراطية الصحيحة لا المنحرفة والمحرفة وفق النمط الأمريصهيوني .
- اذا ً نحن كمجتمعات .. تتوزع بين ثقافة المجتمع الرعوي والمجتمع الزراعي نحتاج لنخب تتفهم هذا الواقع بشكل جيد ودقيق فتعيد صياغة مفاهيم الحداثة والتطور وفق مستوى الوعي السائد وبلغة الشارع التي تمكنه من استيعابها وفهم ايجابياتها .. خاصة وأن مجتمع المدينة هو بالواقع الذي يجب أن يتمكن من هضم هذه المفاهيم ويعيد نشرها بالشكل الملائم لدى بقية الشرائح الاجتماعية وباللغة التي يتعامل معها في بقية الجوانب وخاصة الاقتصادية لأن شارع المدينة هو الأقدر على فهم المجتمع الزراعي بسبب العلاقة المحكوم بها .
- نعود لفهم من نحن أكثر لنتطرق الى الجانب الأهم وهو العلاقة مع القوى التي تحكمنا وتتحكم في أنماط تفكيرنا .. من الجانب الفلسفي الاجتماعي أن الأضعف يقلد الأقوى أو المغلوب للغالب ( ابن خلدون ) وعلى هذا القياس يمكن أن نفهم أنماط تفكير المحكومين أو الشعوب المحتلة .. الذين يميلون الى تقليد المحتل والطبقة الحاكمة كما قلنا .
- نحن ومنذ ظهور الإمبراطورية العربية التي ركزت أسسها على القوة والقهر والظلم الأسود خاصة وإنها ظهرت عبر الانقلاب على الرسالة الإسلامية مغيبة الوجه النبيل لها وطابعها الأخلاقي الإنساني .. لتحولها الى نظام حكم أدواته طبقة من الفقهاء ورجال الدين الذين غيبوا الأصل وقدموا كل ما يبرر جنوح السلطة والسلطان الى الظلم واستعباد الناس .. هذا التبرير حشر بالمقدس ليصبح جزءا ً لا يتجزأ منه على مر العصور .. عبر تجزئة الشعائر ليضيفوا إليها بمرور الوقت شعائرا ً جديدةً .. ولتثبيتها اختلقوا أحاديثاً غير صحيحة ومجافية للعقل والمنطق وسلوك الرسول الأكرم الصحيح وتحريفاً للمقدس ليضيع الأصل الأخلاقي .. وتظهر معه كل التبريرات التي توفر اختراق المنظومة الأخلاقية ومخالفتها .. فصارت مبايعة السلطان وتأييده وموالاته تعبيرا ً عن الإيمان .. أما المخالفة وعدم البيعة .. هي الكفر كله .. حتى ولو كان ذلك المعترض ملتزما ً الى أقصى حدود الالتزام الأخلاقي الذي يطالبه به الدين .
هذا النمط القاسي .. الظالم .. القاتل .. الذي تحكم بالمجتمع أنتج كافة القيم الدونية من كذب ونفاق وتملق وتحاسد وبغضاء . مستندة على مظاهر من تقسيم المجتمع الى جزر مذهبية وطائفية تتباعد هذه الجزر عن بعضها بمرور الوقت كتباعد القارات. وعندما ردت بعض النخب على ذلك بمحاولة إنتاج ثقافة التوحد القومي ظهرت انقسامات اثنية جديدة . دون أن تتمكن هذه النخب من مقاربة ولو جزئين صغيرين من ضمن هذا الامتداد الجغرافي الواحد طبيعيا ً والمجزأ بشكل مضحك وسخيف سياسيا ذلك أن هذه الأفكار التي اعتبرت حداثة في فترة زمنية هي في الحقيقة خارجة من رحم عقلية العائلة والعشيرة التي لايمكن أن تتجاوز هذا المفهوم أصلا ً فكيف يمكن لها أن تقفز فوق حقيقتها الى مستوى أرقى باستعمال مصطلحات وأفكار لم تصل الى مرحلة تمثلها حقيقة ً في أنماط سلوكها . لذلك فإنها قد ردت في بعض الأحيان على مظاهر الخلاف الاثني بالتشدد الخارج من رحم ثقافة العشيرة ولم تحاول أن تتفهم ردة الفعل ومشاعر الخوف .. كما فقهاء السلطة تماما ً الذين كانوا وراء تكريس الخلافات المذهبية والطائفية دون أية محاولة لتجاوزها بل ساعدوا حقيقة على تكريسها لكي يتمكنوا من إضعاف المجتمع وبالتالي تسهيل سيطرة السلطان .. ظل الإله ..ووكيله .
هذا ما يفسر تحالف هذه القوى .. السلطة .. رجال الدين ( المؤسسات الدينية ) ورموز القبلية والعائلية بوجه أي فكر حداثي يهدف الى تطوير المجتمع حفاظا ً على مصالحهم . والواقع أن هذا التحالف المعادي للمجتمع قد اعتمد القوة والقتل والتغييب وكافة أشكال القهر والقسر .. ذلك أنهم أعجز من أن يستندوا الى أي فكر أو قدرة على الإقناع مالم يستمر المجتمع متشظيا ً ومتخلفا ً مغرقا ً في الجهل أو يتوحد في القبول بتناقضاتهم والولاء الخالي من العقل لهم .
- في هكذا محيط لايمكننا أن نتصور انتشارا ً لثقافة الاختلاف طالما أن ثقافة القسر والتغييب هي السائدة وبالتالي يصبح الحوار عقيما ً .
- مالم نتمكن من التأسيس لتثقيف المجتمع في هذا الاتجاه عبر رموز حداثية في السلطة نفسها يمكنها أن تصل الى صيغة تفاهم مع رموز القوى المثقفة التي تحيط بجوانب هذه الثقافة للتأسيس القانوني الذي يهيء المجتمع لتقبل ذلك مستندا ً الى التقديم لجوانب من الحرية الشخصية وحماية الفرد والتغيير المطلوب من المستحيل الوصول الى عتبته دون التأسيس القانوني في مجتمعاتنا ذلك أننا كمجتمعات مازلنا غير قادرين على مقاربة حاجاتنا الثقافية وتلمس كيفية الخروج من واقعنا المظلم بسبب سيطرة ثقافة الإلغاء التي سكنت حتى جيناتنا .. وبنظرة عامة الى قوى المعارضة مع التسليم بأن السلطة هي السلطة حسب الموروث والتي لاتقوم إلا على سياسة الإلغاء والقسر والتغييب .
فقوى المعارضة التي من المفترض بها ونتيجة حاجتها الماسة الى المفاهيم الديمقراطية التي تنتشر في العالم بثبات لم تتمكن من استيعاب أوليات الديمقراطية في التعامل مع الآخر وهي احترام رأي هذا الآخر ومحاورته بأسلوب إنساني معبر .. نرى أن هذه القوى ( المعارضة ) في غالبيتها تعتمد وبشكل لاشعوري مبدأ ( من لم يكن معي فهو ضدي ) . ونتحدى من هو قادر على إثبات أن الحوار بين قوتين من قوى المعارضة قد وصلت الى آخره .. فكيف بهذه القوى لو أدارت حوارا ً مع خصوم حقيقيين . ثم كيف يمكن أن أنشر ثقافة الحوار وتقبل الآخر وأنا لا أطبقه ولا أحتمله معنى ذلك افتقاد المصداقية مسبقا ً . ذلك أنه وفي خلفية كل منا أحكام مسبقة بمواجهة الآخر سرعان ماتطفو على السطح فور توفر العامل المثير لها .!! أين المعقولية في أن أجلس لأحاور الآخر محتفظا ً في اللاشعور بحزمة من الأحكام المسبقة .. مع العلم أن هذه الأحكام لاتستند على دليل سوى ما أطلقه رجال الدين من توابع السلطة عبر القرون وتناقلتها قوى المجتمع المتخلفة .. والمصيبة الأكبر أنني أشهر هذه الاتهامات دون أن أطلع على ثقافة هذا الآخر أو أن أتعرف الى نمط ومنهج تفكيره . والظروف المحيطة التي عانى ويعاني منها . هذه حقيقة .. ويجب ألا نكابر عليها .. هذا اذا أردنا أن نكون واقعيين ونتلمس طريق الخلاص . وهذا موجه للجميع دون استثناء .
من هنا يمكننا أن نتفهم مرتكزات الخطاب السياسي والديني السائد ضمن مجتمعاتنا والقائم على (التشهير والتخوين والتكفير وإلغاء الآخر) ذلك أنه من منتجات عقلية الأحكام المسبقة .. هناك أمر بديهي وإنساني قد لا ننتبه له وهو (أنني قد اتقبل منك أي موقف سلبي بسبب ممارسة أو خطأ ارتكبته بحقك) أما أن تقف مني موقفا ً سلبيا ً أو عدائيا ً دون أن تطلع على نمط تفكيري أو سلوكيتي الحقيقية والصحيحة لا لشيء إلا لأنني اختلف معك مذهبياً أو طائفيا ً أو اثنيا ً(وهذا أمر لايد لأحد فيه إذ أنه لا يوجد هناك من اختار انتماؤه المذهبي أو الطائفي أو الاثني) . هنا يكون مكمن الخطر .. ذلك أنه وبشكل غريزي وبدافع الحفاظ على الحياة والخوف من هذا الهجوم فإنني سوف ألجأ دون تفكير حتى الى عامل الحماية البدائي وهو أنك ترغمني على الاصطفاف المذهبي أو الطائفي أو الإثني . وهذا الأمر هو من أخطر الجوانب السائدة .. وهو ماتعمل عليه القوى الأمريصهيونية وتوابعها وعملائها ضمانا ً لتركيز الصراع بين هذه المجتمعات موفرة على نفسها عناء المواجهة لأن المواجهة المباشرة معها سوف تؤدي الى توحد هذه المجتمعات وهذا ماحدث في ظروف الاستعمار الكولونيالي السابقة فالقوى الأمريصهيونية تتخذ العبرة من دروس التاريخ بينما نحن وبكل غباء نتناساها أو نقفز فوقها غارقين بمستنقعات صنعتها لنا القوى هذه القوى الأمريصهيونية بالتعاون مع غالبية بؤر النظام السياسي العربي .
- بهذه النمط السائد من العقليات والثقافات المتخلفة السائدة كيف يمكن بعد ذلك أن نبحث في احترام حقوق الإنسان والمرأة والأقليات والأثنيات .
- مع ذلك فإن الصورة ليست بهذه القتامة والسواد .. يجب أن نرى نصف الكأس المليء .. هناك توسع في مساحة الوعي على بطئه لكنه توسع مستمر ويتم بثبات وإصرار رغم الصعوبات الهائلة .. ذلك أننا مجتمعات مغيبة ومهمشة أساسا ً ..واستحضارها الى ساحة الفعل لن يتم بهذه السهولة التي قد يراها البعض الذين اعتادوا التنظير دون النزول الى الشارع ومحاولة فهم ما يجري بدقة عبر العيش فيه وملامسة وعي هذا الشارع .. والواقع يشير الى أن هذا الشارع مهيأ في غالبيته الى تقبل الحداثة ولكن بلغته هو ووفق حاجاته هو التي يعرفها أكثر من غيره وهذا دليل على أنه قد سبق نخبه في جوانب كثيرة ذلك أن الحوار مع النخب التي ترى في نفسها أنها مثقفة ومتطورة هو حوار طرشان كونها لاتحسن مخاطبته بلغته التي لا يقبل استعمال غيرها . فهي تستورد له لغة أخرها لا يفهمها ولايقبل سماعها كونها تتسبب له بعسر هضم شديد هو بغنى عنه .. وبالتالي تضع هذه النخب نفسها في موقع الرفض من هذا الشارع كالجسم الغريب الذي يلفظه جسم الإنسان ويتسبب بنكسة له ونسأل هذه النخب وخاصة التي تعيش في الغرب كيف يمكن لها أن تتفاهم مع هذا الشارع وهي تخاطبه من هناك مستحضرة معها مصطلحات وأنماط تفكير وثقافة وحياة الغرب ثم تلقي بها كلها في وجه هذا الشارع .. لتجلس بعدها وتشتم أو تلوم هذا الشارع لأنه لا يتقبل مساعيها الحميدة .؟..
- لاننكر أن تطور التقنيات ووسائل الإعلام .. بدءاً من أجهزة الاتصال وانتهاء بالتلفزة والبث الفضائي وصولا ً الى الانترنيت قد ساهمت مساهمة فعالة في رفع مستوى الوعي لدى الشارع الذي يتواصل معها مديرا ً ظهره للنخب التي ماتزال تقليدية جدا ً في تواصلها معه بل يمكننا أن نصفها بأنها تعيش زمنا ً مضى بحيث بات الشارع يسبقها في كثير من الأحيان بمتابعاته وتتبعاته وأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد وعي شارع تلقائي لايحتاج الى نخب أو قيادات كالسابق .. ذلك أن حب الإطلاع وهي غريزة إنسانية تتفعل بمرور الوقت تدفع به للبحث عن آخر التطورات وعن آخر ما ينتجه الفكر والوعي الإنساني في المجتمعات المتقدمة وبالتأكيد فإن ذلك عائد لسهولة التواصل كما أشرنا . لكن وهذا ما يجب أن تتنبه له وسائل التواصل المختلفة ( النت ) وهذا مايجب أن تعرفه المؤسسات الإعلامية التي تتواصل مع المجتمع الكترونيا ً أن الشارع يراقب وبدقة وهو حساس جدا ً تجاه أي بادرة تمييز أو تمايز فما يرفع من شعارات يتوجب أن يتطابق تماما ً مع الفعل ولاتبني استطلاعاتها على النخب فقط بل يجب عليها أن تبحث عن طريقة للتواصل مع الشارع .. كما لا يكفي أن تطمأن الى متابعة هذا الشارع دون البحث عن أية وسيلة للتواصل معه .
- بالخلاصة فان ثقافة الحوار والاختلاف وتقبل الآخر لايمكن أن تتم وتنتشر عبر التنظير أو استقدام الأفكار المعلبة .. وطالما أننا نصفها بأنها ثقافة وهذا حقيقي .. لذلك يجب أن نعمل على اعتماد لغة التخاطب البسيطة مع الشارع كي نحقق التواصل وقبل كل شيء يتوجب على القوى التي تتبنى هذه الثقافة (نخب مختلفة أو أحزاب) أن تكون قادرة على تجسيد مفهوم هذه الثقافة كفعل وسلوك دائم حتى تتمكن من التأسيس لها والدفع باتجاه نشرها وتعميمها .
- نحن نعيش مرحلة مقاومة بمواجهة القوى الأمريصهيونية التي تستهدف القضاء على وجودنا وتدمير كل مايربطنا بهذه الأرض متوسلة كل ما يمزق نسيج مجتمعاتنا واختلاق عوامل تقسيم جديدة تمهيدا ً لمتابعة التدمير والسيطرة والتمدد .. وقوى المقاومة الوطنية بحاجة لمحيط منسجم ومتناغم ومتوحد لكي تستمر ويقوى عودها وتشتد لغاية كسر الهجمة وتنظيف الساحة من هذه القوى الأمريصهيونية الأكثر شراسة ووحشية عبر التاريخ الإنساني .. وهو يعمل على تصنيع نخب تمهد الأرض له بنفس الوقت فهو يتكيء على حماقة البعض ممن يزعمون الثقافة ومستهلكيها دون تبصر وربما تستغرقهم ردود الفعل العمياء التي لاتبصر متغيرات السياسة وتضيع الفرص المتاحة التي يوفرها شره وطمع القوى الأمريصهيونية فيوقعها بأخطاء قاتلة بدلا ً من استثمارها لصالح الجميع وهذه الفرص قد تضيف المزيد الى وعي الشارع وتعزز من رصيد القوى المقاومة .
وإلا لاتعتبوا على هذا الشارع إذا عزلكم وأدار الظهر لكم فما قد يحدث سيكون من صنع أيديكم والعاقل من اتعظ بغيره .
الخميس نوفمبر 12, 2009 2:06 pm من طرف متوكل