محطة أخيرة
ذاكرة مصرية إيرانية
ساطع نور الدين
ما يجمع بين مصر وإيران لا يمكن حصره في التاريخ
ولا يمكن ضبطه في السياسة، ولا يمكن أيضا فصله عن الشعور المشترك بأنهما
تنتميان إلى حضارتين عريقتين سبقتا الإسلام والعروبة، وما زالتا حاضرتين في
وعي الشعبين وفي وجدانهما... وفي احترامهما العميق لبعضهما البعض، الذي لا
يظهر إلا في الأحداث الكبرى.
وما يدور اليوم بين مصر وإيران هو مزيج
من كل ما تقدم: بلدان مركزيان يخاطبان بعضهما بعضا بلغة متوترة في الظاهر،
وحريصة في الباطن على اللقاء الذي انقطع منذ زمن بعيد وارتفعت حواجز عديدة
تحول دونه، لكنها أيضا لغة تزعم أن الموعد صار قريباً جداً.. برغم أن
مفرداتها قد تبدو متعارضة وتشوبها كراهيات وأحقاد متبادلة على مستوى
النظامين اللذين يتابعان أحوال بعضهما البعض باهتمام فريد.
كان لثورة
مصر الراهنة دوي هائل في إيران. هذه حقيقة لا شك فيها ولا يمكن العثور على
ما يشبهها في أي بلد غير عربي مجاور أو قريب من الإقليم العربي، لا سيما
تركيا. وكان النقاش الايراني جديا جدا أكثر من أي مكان آخر في العالم. ثمة
لحظة شعر فيها الإيرانيون على اختلافهم الحاد بأن تلك الثورة تخدم في تعزيز
غلبة فريق منهم على الآخر، وتساهم إلى حد بعيد في دفع أوضاعهم الداخلية
التفصيلية نحو الأفضل. لم يكن هناك اكتراث لا في الجغرافيا ولا في المسافات
ولا في الحساسيات القائمة، بين عرب وفرس وسنة وشيعة.
فجأة اندرجت ثورة
مصر الحديثة في السجال الداخلي بين المحافظين والإصلاحيين، التي اعتبرها
كل فريق منهم أنها ثورته الخاصة، او على الأقل صدى لحركته المحلية، التي
استقرت على قسمة حرجة جدا ومضطربة جدا تنتظر الفرصة المناسبة لكي تختبر
القدرة على تغيير موازين القوى، وإعادة الأمور الى نصابها الصحيح.. الذي
يرى من جهة في غضب الشباب المصري صحوة إسلامية ومقدمة لقيام نظام إسلامي
جديد في الشرق الأوسط، على ما جاء في خطاب المرشد آية الله علي خامنئي، أو
يعتبره تتمة لانتفاضة الشعب الايراني في حزيران العام 2009، على ما قال
المعارض البارز مير حسين موسوي، الذي تجرأ أمس على الدعوة الى تظاهرة دعم
للثورة المصرية في طهران في الرابع عشر من شباط الحالي.
بديهي القول إن
ثورة مصر ساهمت في زيادة التوتر بين جناحي الصراع الداخلي في إيران، حتى
قبل أن تستقر على سويتها الجديدة التي لا يبدو أنها ستكون على هوى
المحافظين الإيرانيين، ورغبتهم في أن يصبح الإسلام هو الحل، وهو السبيل لفك
الحصار عنهم وعن دولتهم، والتي لا يبدو أيضا أنها ستكون بعيدة عن مزاج
الإصلاحيين وتوقهم الى تفكيك مؤسسات الدولة الدينية ومرجعياتها الفقهية
وسلوكياتها السياسية.
تحفظ ذاكرة الشعبين المصري والإيراني محطات كثيرة
بينها قرار الرئيس أنور السادات إيواء شاه إيران الفار، وكلمة الإمام آية
الله الخميني لدى خروجه إلى المنفى عن استلهامه ثورة عبد الناصر .. وهي
تبحث اليوم عن لقاء جديد، لن يتأخر كثيرا، ولن يعتمد إلا على مواقف
تاريخية.