طالما ردد أهل الضلال و الانحراف أنهم يسعون إلى تكريم المرأة و إعلاء شأنها ، و رفع مكانتها ، و هذه دعاوي عريضة يكذبها واقعهم المنظور ، و كلامهم المنشور.
يتجلى امتهانهم للمرأة أنهم سعوا في هدم أخلاقياتها المرتبطة بالإسلام عقيدة و شريعة ، فحاربوا الحجاب و العفاف و الفضيلة و الاحتشام و دواعي الشرف و أسباب الكرامة ، و نادوا - في المقابل – بالتبرج و الاختلاط ، و نبذ العفة ، و اطراح الحشمة ، و اقتراف الرذيلة، و قطع أسباب الشرف، و رميها في زبالات المهانة و الإذلال. رفعوا –كاذبين – شعارات حقوق المرأة ، و لافتات حرية المرأة، و هم في الحقيقة لا يرون فيها غير متنفس لشهواتهم الحيوانية ، و مستودع لنزواتهم البهيمية.
يلتذون برؤيتها عارية لإشباع رغبة الزنى في عيونهم ، و يلتذون بسماعها صارخة متأوهة لإشباع نزوة الزنى في أسماعهم، و يستمتعون بمخالطتها متبرجة ، ثم منطرحة ذليلة تحت أقدام شهواتهم ، فإذا ما استنفدوا شبابها و زهرة حياتها رموها رمي النعال الممزقة في سلة المهملات.
لا يرون في المرأة غير الجسد العاري ، و الرغبة الهائمة، و الأعضاء الجنسية، و لا يريدون منها غير ما يريد الذئب من الشاة، يريدون لحمها، فإذا ما شبعوا أو ملوا قذفوها في مقلب القمامة ، فإذا هي بلا دين و لا خلق و لا عفة و لا احتشام ، و بلا زوج أو أبناء، امتص المجرمون رحيق حياتها، و استخدموها استخدام الآلة ، ثم طرحوها ، و راحوا يبحثون عن غيرها. وهذا ما ينادي به دعاة الدعارة و الحداثة والإبداع.
فإذا جئنا مثلا إلى شاعر المرأة كما يسمون، إلى نزار قباني، فإننا نجده قد جرد المرأة من كل إنسانية حين تحدث عنها باعتبارها عشيقة أو داعرة، أو مطرودة من دوائر العشق الجنسي و بيوت الدعارة، أو عارضة الجسد ،
فهو زعيم من زعماء هذا الاتجاه الانحلالي النجس.
و قد خاطبه أحد النقاد في سؤال موجه إليه قائلا: ( لكن شعر الحب لديك، إذا نظرنا إليه بعين المدرسة التحليلية في علم النفس نجده صورة لتلك العقد الفرويدية…) (1)
و قال أيضا : (أنا أرى انك تنظر إلى العالم من خلال ثقب احمر صغير ، و تضخم ما تراه إلى حد تصل به إلى تفسير الظواهر الاجتماعية و التاريخية من خلاله) (2)
يقول نزار:
(…إن الجنس هو صداعنا الكبير في هذه المنطقة، و هو القياس البدائي لكل أخلاقياتنا التي حملناها معنا من الصحراء ، يجب أن يعود للجنس حجمه الطبيعي ، و أن لا نضخمه بشكل يحوله إلى غول أو عنقاء، الكائنات كلها تلعب لعبة الجنس بمنتهى الطهارة، و الأسماك و الأرانب و الأزاهير و العصافير و شرانق الحرير و الأمواج و الغيوم كلها تمارس طقوس الجنس بعفوية شفافة، إلا نحن فقد اعتبرناه طفلا غير شرعي ، و طردناه من مدننا ، و جردناه من حقوقه المدنية) .
فمن خلال كلامه ينادي بتطبيع الجنس و جعل الممارسة الجنسية المفتوحة متاحة كما تحصل بين الأسماك و الأرانب و الطيور ، و هو القائل: ( أنا رجل يرفض أن يلعب الحب خلف الكواليس، و لذلك نقلت سريري إلى الهواء الطلق ) (3)
أليس هو القائل:
(تعبت من السفر حقائبي و تعبت من خبلي و غزواتي
لم يبق نهد أسود أو ابيض إلا زرعت بأرضه راياتي
لم تبق زاوية بجسم جميلة إلا ومرت فوقها عرباتي
فصلت من جلد النساء عباءة و بنيت أهرامها من الحلمات
وكتبت شعرا لا يشابه سحره إلا كلام الله في التوراة (4)
فنزار قباني لا يرى المرأة الا جسدا و متعة و مستودعا للشهوات و النزوات، و مختبرا لمغامرات أهل العهر و الدعارة و الزنى فأي إنصاف للمرأة في هذا؟
و يمكن أن يلاحظ انه في استخفافه و اهانته للمرأة يجعلها مجرد ساحة لغزواته الجنسية، يمزج ذلك بالاستخفاف بالله تعالى ، لشدة عداوته لله تعالى و بغضه لدينه و شريعته، لا يدع فرصة إلا ولج منها إلى تنفيس هذه الضغائن الجاهلية،
و له مقطوعة طويلة يبرز فيها لإحدى عشيقاته- بعد أن فرغ منها جنسيا، و تنقلاته بين دعارة و أخرى، جاعلا المرأة مجرد متاع و نشوة و جنس (5).
و يخاطب أخرى قائلا:
كان عندي قبلك قبيلة من النساء
انتقي منها ما أريد ، و اعتق ما أريد
كانت خيمتي بستانا من الكحل و الأسوار
و ضميري مقبرة للاتداء المطعونة
كنت أتصرف بنذالة ثري شرقي
و أمارس الحب، بعقلية رئيس عصابة) .(6)
و هو القائل عن المرأة:
(بدراهمي، لا بالحديث الناعم
حطمت عزتك المنيعة كلها بدراهمي
ربما حملت من النفائس و الحرير الحالم
فاطعتني و تبعتني
كالقطة العمياء ، مؤمنة بكل مزاعمي
فإذا بصدرك ، ذلك المغرور ،ضمن غنائمي
أين اعتدادك؟ أنت أطول في يدي من خاتمي
قد كان ثغرك مرة ربي، فأصبح خادمي
آمنت بالحسن الأجير وطأته بدراهمي
و ركلته و ذللته، بدمى بأطواق كوهم الواهم) (7)
ثم سيجد بعد ذلك من الكذابين المنافقين من يقول بأن نزار شاعر المرأة، و انه احترم المرأة و أنصفها و أقام لها ميزانا في الحياة…
و لنأخذ مثالا على مقدار ما وصل إليه من إباحيته، يقول:
( كنا ثمانية معا
نتقاسم امرأة جميلة
كنا عليها كالقبيلة
كانت عصور الجاهلية كلها
تعوي بداخلنا
و أصوات القبيلة) (8)
وهذا ليس هذا عجيبا على امرئ طمست الجاهلية و الشهوانية بصيرته، و لكن العجب أن ترى أفواج المعجبين و المعجبات يحطون على إفرازاته الكلامية هذه.
و في معرض ذمه لأخلاق العفاف عند المسلمات و دعوته إلى الإباحية يضع أمه رمزا لذلك و يقول:
فأمي دقة قديمة ولا تفهم كيف يكون للمرأة
حب أول وثان و ثالث وخامس عشر
أمي تؤمن برب واحد وحبيب واحد و حب واحد) (9)
هذه الدقة القديمة التي يصف به نزار عفاف المسلمات هي التي يسعى في أكثر كلامه إلى وأدها و إذهابها من الواقع جملة و تفصيلا ، ليقوم في مكانها سوق النخاسة الذي يوصل فيه الشهوانيون و يجولو على كيان المرأة، بعد أن يخدعوها بأن هذه هي الحرية، و هذا هو التقدم و الحداثة.
إن قصائد قباني يمكن تلخيصها في أنها تدور حول الأوصاف الحسية للمرأة لجسدها و لملابسها الداخلية و لأدوات الزينة و أشياء غرفة النوم في لغة نرجسية ، و عبارات جنسية مكرورة مملة.
فكل قصائد نزار معجونة
كل هذا معجون بلهجة جزار لا ينظر إلى المرأة إلا باعتبارها لحما ، بعضه يصلح الآن، و بعضه من كثرة الاستعمال فسد، و بعضه قد تعفن من زمن ، أي انه لا يمتهن المرأة فقط بل يهينها و يذلها و يعجن كرامتها بالطين و القاذورات(10)
و الناظر في شعر هذا الداعر يجد فيه أوضح شاهد على مراده من تحرير المرأة فالتحرر الذي يريده للمرأة هو أن تنتقل من يد داعر إلى يد داعر آخر و من سرير زان إلى سرير زان آخر.
الأحد يونيو 05, 2011 4:41 am من طرف سميح القاسم